إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أهمية التدبر :
سنتحدث اليوم عن فريضة من الفرائض ، وشعيرة من الشعائر ، وأمر عظيم أمر الله به عباده ، بل ذم من تركه وتخلى عنه ، إنه تدبر القرآن وقد ذُكر التدبر في القرآن في مواطن كثيرة متعددة ، وجاءت به آيات شديدة ، وهو ليس من السهولة بمكان يحتاج منا أن نستحضر عظمته . قبل ثلاثين أو أربعين سنة كانت هناك قلة في قراءة القرآن وتلاوته وحفظه على مستوى العالم الإسلامي والجزيرة العربية بشكل خاص ، وكانت حِلق القرآن قليلة جدا تكاد في المدينة الواحدة تُعدّ على أصابع اليد الواحدة ، وكنا نعلم ذلك وأدركناه .
ثم جاء الله عز وجل بما يُسمى بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ، وبدأت بدايات ضعيفة ، وما زالت تقوى حتى أصبحت ولله الحمد في هذا الزمان منتشرة وكثيرة وأصبح كثير من أبناء وبنات المسلمين يلتحقون بها وينتفعون بها أعظم الانتفاع ، وأصبحنا بحمد الله نسمع تلاوات جميلة من أبناء هذه الجزيرة يُسمعون الناس القرآن ويتلونه تلاوة طيبة طرية عذبة بعد أن كان هناك شُحّ كبير في هذا الباب .
انتشرت هذه الجمعيات ، وانتشرت هذه الحِلق ، وانتشرت الدور النسائية التي ضمت آلاف من الطلاب والطالبات ، وهذا فضل الله عز وجل . والعجيب أن الناس اقتصروا على هذا المدى الذي توصلوا إليه وهو أن يتلو القرآن مجودا وأن يحفظوه ، ونسوا أن هناك ما وراء ذلك مما هو أهم منه ، وأن حفظ القرآن وسيلة لما هو أعظم وهو فهمه وتدبره والعمل به ، والدعوة إليه ، والاهتداء بهديه ، وجعلُ القرآن منهاج حياة . ولذلك نحن نقول : يجب علينا أن نعاود المسيرة مرة أخرى ونعيد الكرة في أن تكون جمعيات تحفيظ القرآن جمعيات لتدبر القرآن ، وتعليم منهج القرآن في الحياة ، نريد أن تتحمل هذه الجمعيات على كاهلها مسؤولية إعادة الناس إلى القرآن .
إن الناس اليوم صاروا يعودون إلى القرآن ويتلونه أحسن تلاوة ، ويقتنون أشرطته ويستمعون إليه في بيوتهم وفي سياراتهم ، وأصبحت - ولله الحمد - إذاعات القرآن في عامة الدول الإسلامية يُتلى القرآن بأحسن الأصوات ولكن بقي ما هو أعظم وأجلّ وهو : أن نخطو الخطوة الكبرى في تدبر القرآن . من العجيب أن من الناس من يقرأ القرآن من الفاتحة إلى الناس ، من الدفة إلى الدفة ، وهو لا يفهم إلا قليلا من الآيات . ونجد أن إبليس قد لا يصرفنا عن التلاوة ، لكنه يصرفنا أشد الصرف ، ويمنعنا أشد المنع من تدبرالقرآن . وهذا ما نريد أن نحفز النفوس ونشحذ الهمم لتعود إلى القرآن وتعلم أن تدبر القرآن هو المقصود الأعظم الذي تتحقق به الهداية ، وتتحقق به الموعظة
ويحصل به الخير الكثير ، ونشعر بالعلاقة العظيمة بيننا وبين القرآن .
/ ماهو التدبر ؟
التدبر هو : إعمال العقل والنظر في كلام الله عز وجل لاستخراج مكنوناته ، وفهم مراد الله سبحانه وتعالى من كلامه .
هده حقيقة التدبر ، التدبر : ألا نكتفي بظاهر هذا المتلو الذي نتلوه ، بل نُعمِل عقولنا وقلوبنا فيما نتلوه لنستنبط الهدايات ، لنستخرج الأحكام ، لنعرف المعاني لنرى ماذا يريد منا ربنا ، لننظر في أنفسنا ونرى أين نحن من كتاب ربنا سبحانه وتعالى ، لأجل أن نتأثر بالقرآن .
قال الله تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) فهذا الكتاب أُنزل من أجل أن يتدبر الناس هذا الكتاب .
فانظر كيف إنه قال إن هذا الكتاب إنما أنزل ليُحقق به التدبر الذي يحصل به التذكر ، فلن يتعظ مسلم بالقرآن ، ولن يرتجف قلبه ، ولن يقشعر بدنه ولن يوجل فؤاده ، حتى يتدبر القرآن . ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ) أمن أجل أن يتلوه الناس فقط ؟ لا
أمن اجل أن يُحسن الناس به أصواتهم ؟ لا
أمن أجل أن يجودوه ؟ لا
ولكن من أجل أن يتدبروه ، ويعقلو معانيه ، ويفهموا مراد الله سبحانه وتعالى ليتحقق لهم بذلك الذكرى والموعظة التي تجعلهم من خيار العابدين ومن خيار عباد الله الصالحين . حتى نعود إلى سيرة السلف الصالح الذين كانوا يحبون القرآن ، ويعيشون مع القرآن لابد لنا من هذه المرحلة وهي مرحلة التدبر .
إن التدبر قائم على معنى مهم جدا وهو : النظر إلى ما وراء الشيء ، إلى دُبر الشيء .
أن يكون عندنا همة وقوة للبحث في اللفظ حتى نرى ما وارءه ، ونصل إلى ما وراء المعنى . هذا هو المهم ، وهذا هو المقصود ، وهذا هو الذي ينبغي لنا أن نجتهد فيه وأن نضع المدارس والحِلق ، ونجلس في بيوتنا وفي مجالسنا لنبحث عنه . ولن يصل الإنسان إلى كل الفهم من الآية المتلوة ، ولكن سيصل إلى فهم ويصل غيره إلى فهم آخر ، والثالث إلى فهم ثالث ، والرابع إلى فهم رابع ، وهكذا حتى نجد أننا أمام بحر عظيم مهما حاولنا أن نستنبط منه من الدرر والفوائد والكنوز فلن نصل إلى شيء ،لن نصل إلى نهاية وإنما سنكتشف أننا أمام بحر عظيم جدا .
/ التدبر عملية ذات مراحل تبدأ من المرحلة الأولى التي يفهم الإنسان فيها مبادىء الفهم وبعض الفهم للآية إلى أن يصل إلى ما وراء ذلك من الفهوم والعلوم العظيمة التي تفيض بها هذه الآية . فأنت عندما تقرأ الآية لأول وهلة تفهم منها شيئا وعندما تكررها مرة ثانية تفهم منها شيئا أكثر ، وعندما تكررها للمرة الثالثة تفهم أكثر مما فهمت في المرتين الأوليين وهكذا عندما تردد الآية يحصل لك من الفهم والعلم ومن الذكرى والموعظة والتأثر أكثر مما حصل في المرات الأولى .
/ إن التدبر يختلف عن التفسير من جهة أن التدبر هو البداية وهو النهاية وأما التفسير فهو نتيجة من نتائج التدبر ، إن أحدا لا يمكن أن يصل إلى التفسير إلا بالتدبر ،فأنا أتدبر الآيات وأتفهمها ثم بعد جهد وعمل وإعمال عقل ونظر وفكر أصل إلى المعنى المراد وهذا هو التفسير ، ثم أُعمل عقلي مرة أخرى وأُعيد النظر كرة ثانية لأصل إلى ما بعد ذلك وهو الحِكم والأحكام والدروس والعبر الكثيرة التي لا تنقضي من هذه الآية الكريمة أو من تلك السورة العظيمة . إذا التدبر هو البداية والتدبر هو النهاية والتفسير نتيجة من نتنائج التدبر .فإن أحدا لا يصل إلى التفسير إلا بعد أن يتدبر .
/ كان عمر رضي الله عنه يُدخل عبدالله بن عباس مع أشياخ الصحابة ، فكانوا يقولون لنا أبناء مثل ابن عباس فلِمَ لا يدخلهم كما يُدخل ابن عباس ؟ فأراد عمر أن يعرفهم بقدر ابن عباس وأنه قد أوتي فهما في القرآن لم يؤتوه هم وهم من أشياخ الصحابة لما جلسوا ذات يوم ودخل ابن عباس قال عمر : ما تقولون في قول الله عز وجل ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) قالوا - وقد أحسنوا فيما قالوا - : " أمر الله نبيه إذا نصره الله وفتح عليه أن يسبح بحمد ربه ويستغفره إنه كان توابا " وهذا الفهم الذي فهموه صحيح ولا غبار عليه ولا إشكال فيه . عند ذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : ما تقول فيها يا ابن عم رسول الله ؟ فقال ابن عباس : هذا يا أمير المؤمنين أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ابن عباس فهم ما يريده عمر وهو يقول ماذا تستنبط من هذه السورة ؟ ماذا تفهم مما وراء الألفاظ ؟ ما وراء السطور ؟ما خلف الكلمات ؟
فقال ابن عباس : هذا أجل رسول الله ، كأن الله يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) فاعلم أن أجلك قد دنا فاستعد ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) فقال : والله ما أفهم منها إلا ما تفهم يا ابن عمّ رسول الله . وعرف الصحابة قدر ابن عباس في فهم القرآن ، فإنه قد عرف ما وراء الألفاظ بالتدبر . وهم فهموا اللفظ على ظاهره
وهو فهم صحيح لا إشكال في صحته ولا ملامة على من عرف ذلك المعنى . ولكن الناس يتنافسون ويتبارون فيما وراء ذلك من الألفاظ .
/ الناس يختلفون في التدبر ، فمنهم بسبب علمه وبسبب سرعة بديهته ،وبسبب سعة أفقه ، وبسبب دقة فهمه يستطيع أن يفهم فهوما كثيرة من الآية الواحدة ، ويستنبط من الآية الواحدة عشرات الفوائد .
ومن الناس من يفهم فهما واحدا أو فهمين أو ثلاثة حسب جهده وقدرته ، ولذلك نحن نقول ليس التدبر شيئا واحدا بل هو مراحل متعددة ، فالتدبر الذي يكون من العالِم ليس كالتدبر الذي يكون من الجاهل والتدبر الذي يكون من الأمي ليس كالتدبر الذي يكون من غير الأمي من العلماء وطُلاب العلم والثقفين وغيرهم . وبهذا نعلم أننا جميعا مطالبون بالتدبر ، وأننا جميعا سنحصلُ من وراء التدبر خيرا عظيما .
/ حكم التدبر :
عند تدبر أدلة التدبر نجد أنه واجبا ولا إشكال في ذلك قال تعالى ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) وقال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) هاتان الآيتان في سورتين مدنيتين ، وهاتان الآيتان في مضمون آيات تلوم المنافقين والمعرضين عن الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم على عدم تدبر القرآن فلو تدبروا القرآن لعلموا أنه حق من عند الله ، ولو تدبروا القرآن لما ترددوا ولما شكوا ولما ارتابوا ولما وقع في قلوبهم هذا النفاق الذي وقع فيه .
إذا كان المنافقون يُقال لهم ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) أفلا يكون أحرى وأولى بهذا الخطاب أهل الإيمان . إذا جاءت هاتان الآيتان على وجه الذم والعتاب لمن أعرض عن تدبر القرآن ولم يُعمِل عقله ، ولم يُشغّل قلبه في فهم كلام الله عز وجل .
- ثم اسمعوا إلى قول الله عز وجل في سورتين مكيتين والخطاب فيهما لكفار مكة ، قال في الآية الأولى ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) فالله أنزل هذا القرآن من أجل أن يتدبر الناس هذا القرآن وآيات هذا القرآن ويحصل لهم بذلك الذكرى والموعظة . فهذا القرآن إنما أُنزل من أجل أن يُتدبر ، من أجل أن يُفهم ، من أجل أن تُعقل معانيه ، من أجل أن يردده المسلم ويكرره بين الفينة والأخرى وهو يستنبط الهدايات ويستخرج الكنوز ويُمسك بالدرر العظيمة التي تفيض بها هذه الآيات . يقول بشر بن الحارث الحافي : " إنما مثل الآية مثل التمرة كلما مضغتها ازدادت حلاوتها " وهكذا آيات القرآن العظيم
- قال تعالى ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ ) هذا خطاب لكفار مكة ، أفلم يدبروا القول الذي نزل عليهم من السماء وجاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب العظيم حتى تكون لهم الهداية ويعرفوا حقيقة ما أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم . إذا كان المشركون خوطبوا بهذا الخطاب وقيل لهم مثل هذا الكلام فلا شك أننا نحن أهل الإسلام أولى وأحرى بأن نكون من أهل التدبر .
/ إن التدبر عملية إذا درّب الإنسان نفسه عليها واجتهد فيها استطاع بإذن الله - عز وجل - أن يستسيغها وأن يستمريها ، بل لا يستطيع بعد أن يتدرب عليها بإذن الله عز وجل أن يقرأ القرآن بدونها .
/ هذه بعض الأدلة ولعلي أسوق في ختام هذا المطاف دليلين عظيمين يُبين لنا أهمية التدبر وعِظم منزلته وأن القرآن ما أُنزل لأجل أن تُزين به الحفلات ومن أجل أن يترنم به الناس ومن أجل أن يتغنوا به المحاريب وإنما أُنزل ليُفهم ويُعمل به
- قال الله عز وجل ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ) فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما نزل على أذنه ولا نزل على لسانه إنما نزل على قلبه ليعقله ويفهمه ، ليتأثر به ، لينتفع به أعظم انتفاع ، ليستذكر هذا القرآن ثم يعمل به .
- وقال سبحانه في سورة ق ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى ) أي موعظة ، لمن ؟ ( لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) فلن يتذكر بالقرآن إلا من كان له قلب يعقل به القرآن ويفهم به القرآن ويُعمل قلبه في القرآن ،حتى يستنبط منه الهدايات ويستخرج منه الأحكام والحِكم والدروس والعبر .
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) ثم قال ( أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) إذا كان قلبك ضعيفا مملؤءا بالأمراض والأحقاد والضغائن والذنوب والمعاصي فيلزمك حتى تتجاوز هذه المرحلة أن تُلقي سمعك ، تستمع القرآن وتحضر قلبك وهو شهيد وعند ذلك تتذكر بالقرآن ولابد ، وهذا وعد من الله عز وجل لي ولك ولكل مسلم ولكل مسلمة .
/ الأسباب المعينة على التدبر :
كان الشيخ العلامة بن عثيمين - رحمه الله - إذا سُئل ما أحسن طريقة لتفسير القرآن وفهمه قال : " أحسن طريقة أن تقرأ الآيات من القرآن وتحاول أن تفهمها أنت بنفسك قبل أن ترجع إلى كتب التفسير لأن هذا يدربك على الفهم وسيكون هذا الأمر شاقا عليك في البداية لكنه فيما بعد سيكون مستساغا ، بل إنك لن تقر أ بعد أن تتدرب آية من القرآن حتى تفهمها ويصبح عملية الفهم ملازمة تمام الملازمة لما تقرأه من كتاب الله عز وجل ، ولما تتلوه من كلام الله جل وعلا " وهذه حقيقة . يقول الشيخ : " فإنك إذا فعلت ذلك وانتهيت مما تستطيعه من فهم الآية ارجع بعد ذلك إلى تفسير مختصر مثل التفسير الميسر ، أحد مختصرات تفسير ابن كثير ، تفسير الشيخ السعدي ،تفسير أبي بكر الجزائري ، زبدة التفسير ، أي واحد من هذه الكتب المأمونة الموثوقة ارجع إليها لتتأكد أنت وصلت إلى الفهم الصحيح أو أخطأت ، فإن كنت وصلت إلى الفهم الصحيح فأنت الذي وصلت إليه بنفسك ، وإن كنت أخطأت فإنك بهذا تعرف شيئين ، تعرف فهما صحيحا وفهما خاطئا ، الفهم الصحيح هو الذي لم تعرفه أول مرة والذي قرأته في كتاب التفسير ، والفهم الخاطىء هو الذي وصل إلى عقلك أول مرة ، وتعرف في الآية شيئين : خطأ يجب أن تحذر منه وصواب يجب أن تستمسك به ، وستجد نفسك في أول الأمر ستخطىء ثم بعد ذلك بإذن الله - عز وجل - ستجد نفسك تصيب أكثر وتعلم أن القرآن بيّن وواضح وسهل ولا يحتاج إلى أن تقرأ كثيرا مما كتبه المفسرون من المسائل والعلوم والأشياء التي ذكروها مما لا يحتاجه كثير من المسلمين من أجل أن ينتفعوا بالقرآن ويستفيدوا من هداياته " .
هذه المقدمة مهمة للدخول إلى الأسباب المعينة لنا على التدبر ، ومن أهم الأسباب المعينة على التدبر :
- فهم الغريب : فإن ألفاظ القرآن والألفاظ التي يتحدث بها الناس والألفاظ التي نقرؤها في كتب أهل العلم منها ما هو سائغ ومستعمل وفاشي في الناس ككلمة قام ، جلس وقعد وقرأ ونام ، فهذه كلمات معروفة ويفهمها كل من يسمعها . وهناك نوع من الكلام يكون غريبا على بعض السامعين ، وهذا هو الذي يسمى الغريب أي الذي يقل استعماله وقد يخفى معناه على كثير من الناس فأول مرحلة من مراحل فهم القرآن وتدبره أن تفك هذا الغريب أي أن تحاول أن تفهم معنى الكلمات الغريبة في الآية أو في السورة.
فمثلا إذا قرأت قوله - عز وجل - ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ ) فـ ( قل ) معروفة ، والـ (الله) معروف ، و(أحد) معروف ، ( الصمد ) قد تكون غريبة على بعض الناس ما معنى الصمد ؟ ستجد أنك تحتاج إلى أن تقتح كتابا من كتب التفسير ، أو كتابا من كتب غريب القرآن التي توضح معاني كلمات القرآن، أو بعض هذه الكتب التي تكون على هامش المصحف توضح الكلمات الغريبة.
فالـصمد هو : السيد الكامل في سؤدده ، الصمد هو الذي لا جوف له ، الصمد هو الذي لا يأكل ولا يشرب , وكلها - ولله الحمد - بمعنى واحد . يعني أنه سبحانه وتعالى الغني الكامل في غناه ، الذي لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد ।فإذا فهمت هذه الكلمة الغريبة استطعت أن تفهم بقية السورة بكل يُسر وسهولة . قلت لطلابي مرة في الكلية من يعرف منكم كلمة "وقب" فقالوا : هده كلمة لم نسمع بها من قبل . قلت : عجبا ! لم تسمعوا بها من قبل؟ قالوا : لم نسمع بها أبدا . قلت : بل إنكم قد سمعتم بها ، قالوا : لا نعرف ذلك ، قلت هي موجودة في القرآن ، قالوا : إذا هي في سورة لا نحفظها ، قلت : بل هي في سورة تحفظونها وتقرؤنها قي اليوم والليلة مرات كثيرة . فتعجبوا ، ماهي هذه الآية ؟ قلت : اقرأوا ، ألستم تحفظون المعوذتين؟ فقام أحد الطلاب وقال نعم موجودة في سورة الفلق في قوله تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *مِن شَرِّ مَا خَلَقَ *وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) .
أرأيتم كيف صُرف الناس عن فهم القرآن ، كيف صُرفوا عن التأمل في الآيات ! لم يكتشف هؤلاء الطلاب أن كلمة "وقب" موجودة في القرآن ، لم يكتشفوا أنها كلمة عربية ، هذه والله مصيبة .
جاءني مرة شخص في المسجد وقال لي : ياشيخ ما حكم النسيان ؟ قلت : سبحان الله ، النسيان لا حكم له لأنه أمر قدري ، والأمور القدرية لا يُسئل عن حكمها ، مثل ما تقول لي ما حكم السماء، ما حكم السحاب ، ما حكم الهواء هذا أمر ليس له حكم شرعي . إذا كنت تسأل عن أثره فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قد عُفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) قال : لا ، أسأل عن حكم النسيان ، قلت : لا حكم له ، قال : بل هو موجود في القرآن ، قلت : لا أعرف ذلك ،قال : ألم نسمع قول الله - عز وجل - ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) قلت : سبحان الله ، أنت تفهم أن النسيء هو النسيان ؟ قال : نعم ، قلت : لا ، أخطأت ، النسيء شيء آخر غير النسيان .
النسيان معروف معناه ، النسيء هو الذي لم تعرف أنت معناه . قال : وما هو النسيء ؟ قلت : النسيئ هو التأخير والتأجيل ، قد كان من عادة العرب في الجاهلية أنهم يأكل بعضهم بعضا ويحارب القوي منهم الضعيف إلا في الأشهر الحُرم ، فكانوا يسترزقون من وراء الحروب التي تجري بينهم فإذا جاءت الأشهر الحُرم وضعوا السلاح . أحيانا لا يكون عندهم رزق في الأشهر الحُرم فماذا يفعلون ؟ يقولون نؤخر حُرمة هذا الشهر الذي هو شهر محرم أو ذي الحجة أو ذي القعدة ، نؤخرها إلى شهر صفر وتقاتل في هذا الشهر ، قال الله - عز وجل - ذاما إياهم ومثربا عليهم إنما النسيء الذي تفعلونه من تأجيل حرمة الشهر الحرام إلى شهر آخر زيادة على ما كنتم عليه في الكفر . قال : سبحان الله ، كنت أظن أن النسيء كفر ولذلك كنت أرى جدتي تقول اللهم إني أعوذ بك من النسيان ، أنا أخشى أن أموت على الكفر ، فنقول لها ولماذا ؟ قالت : لأني بدأت أنسى ، بدأت أنسى ولا أذكر والنسيان قد ذكر الله عز وجل أنه كفر . قلت : بشّر جدتك ، اذهب إلى جدتك وقل لها أبشري يا أماه فإن النسيان ليس هذا حكمه والمذكور في الآية معناه شيء آخر .
/ فلما فُهمت هذه الكلمة الغريبة أضاءت الآية وفُهم معناها . ولذلك إذا أردت قراءة القرآن ليكن معك مصحف على هامشه شيء من غريب القرآن ، كتاب من كتب غريب القرآن تفسير الجلالين ، زبدة التفسير ، أي من هذه الكتب حتى إذا مررت بكلمة غريبة قرأتها لتفهم بقية الآية .
/ السبب الثاني مما يعين على التدبر : حرّك عقلك ، فالله تعالى حين قال ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) قالها لكل الأمة ولجميع الناس ، ولم يخصّ بها أحد ، ولنعلم أن التدبر أمر ميسور ولنقتحم الميدان ولنبدأ بإذن الله ولا نتردد وسنكتشف أن القرآن ميسور وأنه سهل وأنه بيّن قال الله تعالى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) يسر الله القرآن في حفظه ويسر الله القرآن في تلاوته وفي فهمه وفي استنباط المعاني .
وعملية التدبر تبدأ في أول الأمر شاقة ثم تتحول إلى عملية سهلة بل إن الإنسان بعدها لا يستطيع أن يقرأ شيئا من القرآن حتى متدبرا فاهما لما يتلوه من كلام الله عز وجل وهذه هي المرحلة التي نريد أن نصل إليها .
/ السبب الثالث : الاستشعار : استشعر أن القرآن يُخاطبك ، وأنه يتحدث إليك ، أن الله عز وجل قد أنزل هذا القرآن عليك وليس على الصحابة في عهد رسول الله ، وليس على رسول الله وحده بل على الأمة جميعا ،عندما تقرأ أي أية في كتاب الله عز وجل اقرأ وأنت تشعر أن الله يُخاطبك وأن الله يقصدك بهذا الكلام. عندما يقول الله عز وجل ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) " يَأْمُرُكُمْ " ليس الصحابة ولا التابعين ولا القرن الأول من المسلمين وإنما أنا . ( يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم ) يعظكم أنتم أيها الذين تتلون كتاب الله في هذا الزمان في القرن الخامس عشر الهجري إن الله نعِّما يعظهم به ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) أنتم أيها الذين تتلون إذا تنازعتم في شيء ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) ، إذا تنازعت أنت وأخوك في أمر من الأمور أيا كانت عود إلى القرآن ، ارجع إلى القرآن ستجد الإجابة بإذن الله عز وجل . ووالله ما دخل أحد عالم القرآن يريد جوابا لمسألة أو شفاء لقضية إلا وجد ذلك بإذن الله عز وجل إذا جدّ واجتهد قال الله عز وجل ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
/ السبب الرابع : المدارسة ، فإن المدارسة لها أثر عظيم في طرد الشيطان وتحريك العقل وإثارة الانتباه ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرغبا ( وما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) ونحن نقول دارس القرآن حتى ولو كانت هذه المدارسة عن طريق الهاتف أو عن طريق رسائل الجوال فكلما قرأتي صفحة وفهمتي معنى كان خافيا عليك من قبل ، أو رأيتي أنه ينفع أخواتك وزميلاتك وصديقاتك وأخواتك أرسلي لهن هذا المعنى برسالة وهم يردون عليك ، وبهذا يحيا في نفوسنا تدبر القرآن ونستطيع بذلك أن نصل إلى مرحلة المتدبرين المنتفعين بالقرآن .
/ السبب الخامس : استثارة القرآن ، أن نثور القرآن بالأسئلة مثل : لماذا أقسم الله بهذا ؟ لماذا قدّم الله هذا ؟ لماذا أخر الله هذا ؟ لماذا جيء بقصة هذا النبي في هذه السورة ؟ لماذا ذُكر هذا المقطع من القصة في السورة هذه ؟ وذُكر المقطع الآخر من القصة في السورة هذه ؟ لماذا عُبر بهذا في هذه الآية وعُبر بهذا في هذه الآية ؟ ثور القرآن ، قال ابن مسعود رضي الله عنه :" من أراد علم الأولين والآخرين فليُثور القرآن " أي يبحث في القرآن ويثيره كأنه يثير التراب فإن من تحت هذه الإثارة علما جمّا لا يُقادر قدره ولا يعلم منتهاه ولا يبلغ آخره إلا الله سبحانه وتعالى .
مثال : عند قراءة قوله تعالى ( وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى*مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) تقول لماذا أقسم الله بالضحى وبالليل إذا سجى ؟ لماذا أقسم بهذين على قوله ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) ؟ وعندما تقرأ مثلا قول الله عز وجل ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) لماذا لم يقل قل أعوذ برب السموات والأرضين من شر ما خلق ؟ لماذ لم يقل قل أعوذ برب العالمين من شر ما خلق ؟ قال ( بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، لماذا رب الفلق ؟ الله رب كل شيء وليس ربا للفلق وحده بل هو لكل شيء ؟ لماذا يذكر الله أنه رب للفلق ؟ وفي هذه السورة بالذات ؟
( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ ) لماذا ثلاث تعوذات في هذه السورة ، وفي سورة الفلق ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) وحده ؟ ذكر الفلق ولم يذكر شيئا غيره ،هناك فرق : في سورة الناس استعاذة من الشيطان ،وشر الشيطان شديد ، وكيده على الإنسان خفيّ ولذلك احتجنا أن نستعيذ ( بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ ) . أما الشرور المذكورة في سورة الفلق فهي في الغالب شرور ظاهرة ويُمكن اتقاؤها ولذلك قال ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ) . فبتثوير القرآن نستطيع - بإذن الله عز وجل - أن نحصل علوما كثيرة وأمورا جمة .
/ قال الله عز وجل ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله والإيمان بالله هو أساس الأعمال ؟
/ قال الله عز وجل في آية أخرى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، لماذا ؟
/ لماذا افتتحت سورة الفاتحة بالحمد ؟ لماذا افتتحت سورة الإسراء بـ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى ) ؟ لماذا افتتحت سورة المطففين بـ ( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ) ؟ لماذا ختمت سورة البقرة يقوله ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ؟ لماذا ختمت سورة الإخلاص بقوله ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ؟ وهكذا إذا أثرت القرآن وبدأت تأتي بالأسئلة تلو الأسئلة حول الآيات التي تتلوها فإن هذا سيدعوك - بإذن الله عز وجل - إلى أن تفهم القرآن وألاّ تشبع من كلام الله عز وجل .
/ السبب السادس من الأسباب المعينة على الفهم للآية وللسورة تكرار الآية أكثر من ثلاث مرات وسينفتح لك في الخامسة أو السادسة شيء لم ينفتح لك في الأولى أو الثالثة .
وأذكر لكم تجربة لي : كنت أفسّر السورة للطلاب في أربع قاعات في أربعة أيام مختلفة ، وكنت كلما أردت أن أدخل قاعة يقع في قلبي أني سأعيد وأكرر ما قلته للطلاب في أول مرة فإذا بدأت ينفتح لي بعد البداية فتح لم يكن لي به علم وأتعجب كيف فُتح لي بعد أن بدأت هذا الفتح وهذا الفهم الذي لا يُخالف الفهم الأول ولكنه يزيده ويعلمني ويُشعرني أن القرآن كتاب عظيم وبحر لا تكدره ...
/ اختيار الوقت المناسب : إن قراءة القرآن قي وقت انشغال الذهن ووجود الأضواء ، وقراءة القرآن في وقت يكون الإنسان قد خرج فيه من حديث صاخب أو من جلسة واسعة في تشعباتها لاشك أنه لا يُماثل أبدا قراءة القرآن على انفراد أو قراءته بعد النوم كما قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا*إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا*إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) ناشئة الليل هي القيام بعد النوم فإذا قرأنا القرآن بعد أن ارتاحت أبداننا ، وبعد أن هدأت أذهاننا ، وبعد أن سكنت قلوبنا ثم أخذنا نتلو كلام الله عز وجل في هدأت الليل ، في ظلمته سنجد أنه يواطىء قلوبنا ( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا ) وجربوا ذلك لتروا صدق ما أقول ، بل لتدركوا صدق ما قاله الله لنا في كتابه .
والقرآن نزل في القرآن لكنه لم ينزل في النهار وإنما نزل في الليل ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) هذه إشارة إلى الوقت المناسب لقراءة القرآن ، فقراءة القرآن في الليل أفضل من قراءته في النهار هذا من حيث الوقت ، أما من حيث القارىء فإنه يقرؤه في الوقت الذي يناسبه والفضيلة متعلقة به حيث يناسبه من الأوقات .
/ الاستماع الجيد للقارىء المتقن ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ ) استمعوا أبلغ من قوله فاسمعوا فإن السماع يكون للشيء الذي يأتي ولا يُركز الإنسان فيه أما ( استمعوا ) أي أصغوا إليه إصغاء شديدا بحيث تتجهون بأذانكم وأسماعكم وقلوبكم عند سماع القرآن .
/ ومن الأسباب قراءة القرآن على مهل ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) اقرأ القرآن بمهل ، وكذلك قول الله - عز وجل - ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ*قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا*أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) رتل أي اقرأ القرآن على رسل ،على تمهل حتى تفهمه وتنتفع به بإذن الله - عز وجل - .
النتيجة من وراء هذا : أننا نعلم الآن أن تدبر القرآن متاح وأنه سائغ وممكن ، وأن المطالب به ليس العلماء وحدهم ، وأنه يجب على كل واحد منا أن يُفكر في هذا المقصود العظيم حتى ينتفع بهذا الكتاب الكريم ويهتدون بهداياته ، وعلى كل واحدة منا أن تبدأ هذا المشروع المبارك مع بداية هذا الشهر الكريم .
الأحد، 5 يونيو 2011
كيف نتدبر القرآن / الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
من فضلكم اريد موقع مجانا لتدبر القران من علماء اهل السنة والجماعة شكرا
ردحذفالمعذرة على تأخر الرد
ردحذفتفضلي :
الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم
http://www.tadabborq.com/
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف