الثلاثاء، 7 يونيو 2011

مما لا فائدة فيه من مسائل التفسير وعلوم القرآن

لا يخفى على من وفقه الله لسلوك طريق العلم أن العمر قصير والوقت ثمين ، وأن مسائل العلم كثيرة لا يحاط بها ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) فينبغي لطالب العلم أن يحرص أشد الحرص على استغلال وقته في تحصيل ما ينفعه ويقربه إلى ربه ومولاه عز وجل ، وأن يكثر من الدعاء المأثور : " اللهم علمني ما ينفعني ، وانفعني بما علمتني ، وزدني علماً " وأن يكثر من الاستعاذة بالله من العلم الذي لا ينفع .
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وارزقني علماً ينفعني } [رواه النسائي والحاكم ] .
وهناك كثير من مسائل العلم التي سودت بها الصفحات وملئت بها الكتب تدخل في العلم الذي لا ينفع ، فحري بمن رزقه الله العقل والحكمة أن لا يضيع وقته بالبحث فيها . ونجد كثيراً من العلماء ينبهون على هذه القضية ، ويذكرون عن بعض المسائل : أنه لا فائدة منها ، أو بعبارة ابن جرير الطبري " وهذه من المسائل التي لا ينفع العلم بها ولا يضر الجهل بها " أو كما قال في أكثر من موضع .
وسبب عدم دخولها في متين العلم وقد نبه العلماء رحمهم الله تعالى لذلك خلال ذكرهم لتلك الأمثلة ومن ذلك :
1- عدم اعتماد تلك المعلومات على دليل صحيح صريح ، وإنما هو نقل عن مرويات موجودة في الكتب.
2- عدم دخول تلك المعلومات فيما ينفع الإنسان في عبادته لربه بالعلم وفهمه لكتابه كما نبه لذلك الطبري رحمه الله .
3- عدم التحرير للمعلومة والاعتماد فيها على النقل المجرد ( عن غير المعصوم عليه الصلاة والسلام ) .
- العلم النافع ما كان يترتب عليه عمل ، وما لايترتب عليه عمل فالكلام فيه مذموم -
وهذه قاعدة مهمة ينبغي الاهتمام بها ، ومراعاتها عند الكلام في مسائل العلم عموماً ، والكتاب فيها ، فما ليس تحته عمل ولايترتب على معرفته فائدةٌ دينية ولا دنيوية ، وما لاينفع العلم به ، ولايضر الجهل به فينبغي الإعراض عنه ، وعدم الكلام فيه .



* من مسائل التفسير التي لا يضر العلم بها ما ذكره الطبري رحمه الله عند تفسيره لقول الله تعالى في سورة البقرة : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْـزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) فبعد أن ذكر تفسير هذه الآية ، أشار إلى وقت حصول بعث هؤلاء النبيين ، ومتى كان الناس أمة واحدة ، ثم قال :" وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح عليهما السلام، كما روي عكرمة، عن ابن عباس، وكما قاله قتادة. وجائزٌ أن يكون كان ذلك حين عَرض على آدم خلقه، وجائزٌ أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك- ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أيِّ هذه الأوقات كان ذلك. فغيرُ جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل: من أن الناس كانوا أمة واحدة، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الأنبياءَ والرسل. ولا يضرُّنا الجهل بوقت ذلك، كما لا ينفعُنَا العلمُ به، إذا لم يكن العلم به لله طاعةً " .
قال شاكر تعليقاً على قول الطبري هذا : "هذه حجة رجل تقي ورع عاقل بصير بمواضع الزلل في العقول وبمواطن الجرأة على الحق من أهل الجرأة الذين يتهجمون على العلم بغيًا بالعلم . ولو عقل الناس لأمسكوا فضل ألسنتهم ولكنهم قلما يفعلون" .



*عند ابن جرير عند تفسير قوله تعالى في سورة الأحقاف ( 21 ) { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ } قال ابن جرير مبيناً المراد بالأحقاف : " وجائز أن يكون ذلك جبلاً بالشام , وجائز أن يكون وادياً بين عمان وحضرموت , وجائز أن يكون الشِّحرْ , وليس في العلم به أداء فرض , ولا في الجهل به تضييع واجب , وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوماً منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة " أ.هـ .



* قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره لآية النحل : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112) :
" وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف، هو أن يقال: كيف أوقع الإذاقة على اللباس في قوله {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}. وروي أن ابن الراوندي الزنديق قال لابن الأعرابي إمامِ اللغة الأدب: هل يُذاق اللباس؟? يريد الطعن في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ}. فقال له ابن الأعرابي: لا بأس أيها النسناس? هب أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان نبياً! أما كان عربياً ؟ قال مقيده عفا الله عنه: والجواب عن هذا السؤال ظاهر، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف. لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم، وتحيط بها كالباس. ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبرَّ به عن آثار الجوع والخوف، أوقع عليه الإذاقة، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز): أنه لا يجوز لأحد أن يقول إن في القرآن مجازاً، وأوضحنا ذلك بأدلته، وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازاً أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية.
وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية، فبعضهم يقول: فيها استعارة مجردة. يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له. وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع والخوف، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية، ثم ذكر الوصف، الذي هو الإذاقة ملائماً للمستعار له، الذي هو الجوع والخوف. لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة لكثرة الاستعمال. فيقولون: ذاق البؤس والضر، وأذاقه غيره إياهما. فكانت الاستعارة مجردة لذكر ما يلائم المستعار له، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة. ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل: فكساها. لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى «ترشيحاً» والكسوة تلائم اللباس، فذكرها ترشيح للاستعارة. قالوا: وإن كانت الاستعارة المرشحة أبلغ من المجردة، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ. من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع، وبذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزداد الكلام وضوحاً.
وقال بعضهم: هي استعارة مبنية على استعارة. فإنه أولاً استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار والذبول والنحول اسم اللباس، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه، فصار اسم اللباس مستعاراً لآثار الجوع والخوف على أبدانهم، ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف، المعبر عنه باللباس، بجامع التعرف والاختبار في كل من الذوق بالفم، ووجود الألم من الجوع والخوف. وعليه ففي اللباس استعارة أصلية كما ذكرنا. وفي الإذاقة المستعارة لمس ألم الجوع، والخوف استعارة تبعية.
وقد ألممنا هنا بطرف قليل من كلام البيانيين هنا ليفهم الناظر مرادهم، مع أن التحقيق الذي لا شك فيه:
أن كل ذلك لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وأن العرب تطلق الإذاقة على الذوق وعلى غيره من وجود الألم واللذة، وأنها تطلق اللباس على المعروف، وتطلقه على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال. كقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، وقول الأعشى: إذا ما الضجيع ثنى عطفها تثنت عليه فكانت لباسا ،وكلها أساليب عربية. ولا إشكال في أنه إذا أطلق اللباس على مؤثر مؤلم يحيط بالشخص إحاطة اللباس، فلا مانع من إيقاع الإذاقة على ذلك الألم المحيط المعبر باسم اللباس. والعلم عند الله تعالى. ) انتهى



*ما ورد في تعيين و أخبار الهدهد و نملة سليمان
و مما ذَكره ابن كثير و نصَّ على أن لا طائل تحته و لا حاصل له ، ما ورد في تعيين و ذكر أخبار نملة سليمان حيث يقول رحمه الله : تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 360
" أورد ابن عساكر من طريق اسحق بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن اسم هذه النملة حرس ، و انها من قبيلة يقال لها بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذيب و قد خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم ففهم ذلك سليمان عليه السلام منها فتبسم ضاحكا من قولها .... "
ومن قال من المفسرين أن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره وأن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب أو غير ذلك من الأقاويل فلا حاصل لها .
وعن نوف البكالي أنه قال كان نمل سليمان أمثال الذئاب هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت وانما هو بالباء الموحدة وذلك تصحيف والله أعلم والغرض أن سليمان عليه السلام فهم قولها وتبسم ضاحكا من ذلك وهذا أمر عظيم جدا وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي قال خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي فاذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهى تقول اللهم أنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن سقياك والا تسقنا تهلكنا فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم .



* ومما نبه المفسرون إلى كونه مما لا طائل تحته في بيان معاني كلام الله ما ذكره الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير بقوله في تفسير قول الله تعالى :(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر:73):
والواو في جملة {وفتحت أبوابها} واو الحال، أي حين جاءوها وقد فتحت أبوابها فوجدوا الأبواب مفتوحة على ما هو الشأن في اقتبال أهل الكرامة . وقد وهِم في هذه الواو بعض النحاة مثل ابن خالويه والحريري وتبعهما الثعلبي في «تفسيره» فزعموا أنها واو تدخل على ما هو ثامن إمّا لأن فيه مادة ثمانية كقوله: { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } (الكهف: 22)، فقالوا في {وفُتحَت أبوابها} جيء بالواو لأن أبْواب الجنة ثمانية، وإما لأنه ثامن في التعداد نحو قوله تعالى:{التائبون العابدون} إلى قوله: { والناهون عن المنكر } (التوبة: 112) فإنه الوصف الثامن في التعداد، ووقوع هذه الواوات مُصادفة غريبة، وتنبُّه أولئك إلى تلك المصادفة تنبه لطيف ولكنه لا طائل تحته في معاني القرآن بَلْهَ بلاغتِه، وقد زينه ابن هشام في«مغني اللبيب»، وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى: { التائبون العابدون } في سورة التوبة (112) وعند قوله: { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } في سورة الكهف (22) ) انتهى .




*ومن ذلك :
قول ابن عطية في تفسير البسملة : " والبسملة تسعة عشر حرفا فقال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم (عليها تسعة عشر)[ المدثر: 30 ] إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه وهذه من ملح التفسير وليست من متين العلم وهي نظير قولهم في ليلة القدر إنها ليلة سبع وعشرين مراعاة للفظة هي في كلمات سورة إنا أنزلناه ،ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فإنها بضعة وثلاثون حرفا قالوا فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول ".

وقال الثعالبي في تفسيرها : " والبسملة تسعة عشر حرفا قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا قال ع وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم ت ولا يخفي عليك لين ما بلغ هؤلاء ولقد أغنى الله تعالى بصحيح الأحاديث وحسنها عن موضوعات الوراقين فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا ".



* ومما يدخل تحت هذا الباب : البحث في أحكام قد انقضت، ولا مجال لوقوعها . ومن أمثلة ذلك ما أورده الطاهر ابن عاشور عند تفسيره لآية التخيير في سورة الأحزاب ، وهي قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
قال رحمه الله : " ولا طائل تحت الاشتغال بأن هذا التخيير هل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم أو مندوباً، فإنه أمر قد انقضى ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يخالف أمر الله تعالى بالوجوب أو الندب " ।




* قال الله تعالى : ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ (الأنعام:50)
جاء في تفسير فتح القدير للشوكاني : ( أمره الله سبحانه بأن يخبرهم لما كثر اقتراحهم عليه وتعنتهم بإنزال الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان ، أنه لم يكن عنده خزائن الله حتى يأتيهم بما اقترحوه من الآيات ، والمراد خزائن قدرته التي تشتمل على كل شيء من الأشياء ويقول لهم : إنه لا يعلم الغيب حتى يخبرهم به ويعرّفهم بما سيكون في مستقبل الدهر { وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ } حتى تكلفوني من الأفعال الخارقة للعادة مالا يطيقه البشر . وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء . وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ، ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية . بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعني ، « ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » .) انتهى



* وقال عند تفسيره لقول الله عز وجل : ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ (يوسف: من الآية31) : " واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم ، فإنهنّ لم يقلنه لدليل ، بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع ، فإن الله سبحانه يقول : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] . وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته . فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة ، على أن هذه المسألة أعني : مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر ، فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف " . انتهى

----------------------------------------
من سلسلة الفوائد الماتعة من الكتب والمقالات النافعة / طريق الدعوة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق