بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: حقيقةً أثارني في قراءة إِمَامنا جزاه الله خيراً, آيات الحقيقة عظيمة, وذَكر الله فيها قوله ـ عز ّوجل ـ : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (1) ويتمثّل الذين نسُوا أنفسَهم بهؤلاء القوم "بنُوا إسرائيل" فنسيَهم الله وتركهم فضَاعُوا في الأرض فلم يكن لهم شأن, أمّا الشأن الذين هُم فِيه اليوم فالله ـ عزّ وجل ـ أراد لهم في ذلك تمكينٌ مُؤقّت وليس دائِم, وكما قال الله ـ عز وجل ـ : (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) (2) فهذا الذي هُم فِيه الآن عُلُوّ مُؤقّت, سيُقرّ الله أعيننا بزوالِ دولتهم وإِذلالِهم وتشريدهم في الأرض وهم مُشردّون في الأرض, قبل دولة إسرائيل هذه هم مشردون ليس لهم شيء, في كل بُقعة لهم مكان, لكن أراد الله ذلك لحكمة سيكون لها شأن في آخرِ الزمان.
ثم تذكّرتُ ونحن نقرأ (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) (3) ما نحن فيه الآن في مثل هذه الدروس التي تحتاج والله صبر, ومن فضل الله ـ عز وجل ـ أنّنا نقطعها بالصلاة, يعني وقت الراحة هو الصلاة ونعمة الصلاة راحة, فحين النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قال: (أرِحْنَا بِها يا بِلال)(4) فهي نِعمة الراحة يَستعيد المسلم فيها إِيمانه وقوّته واستعانَته بربّه, وهكذا الصلاة عونٌ للإنسان في كل أمرٍ يحزبُه, يشقُّ عليه, ولهذا النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كان إذا حَزبه أمرٌ فَزِع إلى الصلاة, ومن منّا ذلك؟!
ثمّ لِنحتسب مثل هذه المجالس, فإذا كانت طويلة فقد بقي النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يُحدّث أصحابه يوماً كاملاً من الفجر حتى الظهر ومن الظهر حتى العصر ومن العصر حتى المغرب ومن المغرب حتى العشاء, إن كان هناك وقتٌ يسيرٌ كانوا يقضُونه في حاجاتهم, وما من شيء من أُمور الدنيا إلا أخبرهم به, ومع ذلك صَبروا وجَلسوا, فلِنحتسب أيّها الإخوة, وإن كانت مثل هذه المجالس قد تُؤخِرّنا عن بعض أعمالنا الدنيوية لكن الله المستعان كم تضيع الأوقات في الأعمال الدنيوية؟! وكم لنا من نصيب في الآخرة من قليل؟!
فهذه وصية ونحن نجلس مثل هذه المجالس المُبَاركة التي والله هي أشرفَ المجالس, نرجُو الله ـ عزّوجل ـ ونسأله بفضله وجُودِه ونحن في بيته وبعد قضاء فريضة أن يكون مَجلسنا هذا, هو المجلس الذي ذَكره النبيّ : (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتُلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة وغَشِيتهم الرّحمة وحفّتهُم الملائِكة وذكَرهُم الله فِيمن عنده)(5) والله ليس في الدنيا خيرٌ بعد هذا, أن تحفّك الملائكة وأن يَذكرك الله فيمن عنده.
هذه أيّها الإخوة ممّا يُعزّم الإنسان ويصبر ويحتسب, ومن فضل الله يا إخواني أنّ هذه الدورة تُوقِفك على شيءٍ من كتاب الله, تُبصرّك بكتاب ربّك كلام الله الذي هو أشرف الكلام "كلام الله فضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه"(6) والله لو باع الإنسان ما وراءه وما دونه ليَفهم كتاب الله لم يكن ذلك بكثير, بل ليس شيء هذه الدنيا أمام فِهم آيةٍ من كلام الله ـ عزّوجل ـ.
نرجِع لنُتابع ولعلّ الوقت يُدرِكنا, واسمحوا لي أن أستَرسِل, والمُهِم أن نقف على بصائِر وهِدايات هذه الآيات, يعني ماذا يُريد الله منّا؟
نحن ذكرنا في أول الآيات في آية بني إسرائيل كيف الله ـ عزّوجل ـ يذكر لنا أولاً دعوتَه لهم, ثمّ يدعوهم إلى ما يُعينهم على الإيمان, ثم يُعدد عليهم النِعم, كل ذلك يُبصرّنا الله به لنكون على بيّنة, وأن لا نكون مثلهم ولِنعرف حال هؤلاء ونتخِذهُم أعداء.
فانظُروا الآيات التّي معنا بعدها وهي من آية (61) إلى (123) هذه الآيات يجمعها أمر وهو ما قابَلوا بِه النِعم من الكفران والتكذيب, وما قُوبلوا به من الله من العقوبة الشديدة, كلُ ذلك جاء في هذه الآيات وهو خِتامه, انظروا كيف الاستِرسَال! دعوة ثم تِعداد النِعم ثم بيان الكفر ثم عقُوبات, هكذا يأتي سِياق الحديث عن بني إسرائيل في أربعة مراحل: مرحلة دعوة وتذكير وتشويق, ثمّ تعداد النِعم عليهم, ثم بيان كفرهم, ثم بيان عقوباتهم, ومع ذلك هذه الآيات مُتداخلة فيما بينها, كلّها فيها دعوة, كلّها فيها تِعداد, كلّها فيها بيان الكُفر, كلّها فيها عقوبة.
كونوا معيَ سلّمكم الله من هذه الآيات.
فقط أُريد أن أقف وقفة سريعة عند قول الله عزوجل: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (7)
هذه الآية آخر آية من تِعداد النِعم عليهم وهي نعمة تفجير الماء من الحجر اثنَتيْ عشرةَ عيناً, هم استسقوا موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا)(8) فقال الله هنا إذ (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى )أيّ بعد أن استسقاه قومه,(اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ)
عبّر هناك (انبجست) وعبّر هنا (انفجرت) ما الفرق بينهما؟!الفرق بينهما أنّ الاستسقاء هناك من قوم موسى إلى موسى يعني في بداية الأمر, فذكر بداية الخروج الإنبجاس يعني ذكر النعمة في بداية خروجها (فانبَجَسَتْ) يعني بدأ الخروج, أمّا هنا فكان الاستسقاء من موسى إلى ربّه يعني بعد ذلك وهو في سياق تِعداد النِعم كما ذكرت لكم, فجاء التعبير البليغ الدقِيق في قوله: (فَانفَجَرَتْ) يعني في نهاية كمال النعمة, لتذكيرهم بتلك النعمة حال انفجارها, فانظروا السِياق القرآني هناك وهنا, وهذه نَلفِت إِليها لفتة مهمّة أيّها الإخوة وهي أنّ تغير الآيات المتشابهة بين الأسلوب هنا وهناك -خصوصاً في قصص موسى- جاءت في تِسع مواضع من القرآن, كل آية فيها تعبير, فلماذا عبّر هناك بكذا وعبّر هنا بكذا؟! هذه يا إخواني عظيمة وهي أنّ التعبير جاء موافقاً للسِياق, السِياق في كذا يُعبّر عنه في كذا, ولو كان عندنا وقت لضربنا من ذلك أمثلة يتبيّن فيها عظمة القرآن وإحكامه, كما قال الله ـ عزوجل ـ : (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) (9)وهو عِلمٌ عظيم "الآيات المتشابهة والفرق بينهما" وهو يُعين الحفاظّ على الفهم, فَرق بين هذه الآية وهذه الآية وهذا التعبير وهذا التعبير, الرجوع فيه إلى السياق إلى ماذا تدور عليه الآيات؟ سيأتيك المعنى بذلك بعد التدبّر والتأمّل.
ثم قال الله ـ عزوجل ـ بعد ذلك: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (10) هذه لفتة عظيمة وجميلة أيّها الإخوة أنّه قال: (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (11) لماذا نهاهم أن يَعثَوْا في الأرض مفسدين بعد أن قال كلوا واشربوا من رزق الله؟هنا لطيفة مهمّة وهي أنّ الإنسان إذا مُنحَ الرزق يطغى (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى 7) (12) (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ (13) فالله ـ عز وجل ـ حينما مَنحَهُم هذه النعمة حذرّهم أن لا تُؤدّي بهم هذه النعمة وهذا الرزق إلى الفساد في الأرض والطغيان, وهو ما وقع منهم من الإفساد من عِبَادةِ العجل وغير ذلك, وهذا تحذيرٌ لنا إلى أن لا تَبطُر بنا النعمة فتأخذنا إلى الإفساد في الأرض أو أيّ نعمة من أنواع المعاصي التي من الإفساد.
ثمّ تأتي الآيات التي معنا نأخذها سريعاً وهي من آية (61) إلى (123) كونوا معي سلّمكم الله في المصحف تَابعوا آيةً آية.
قول الله ـ عزوجل ـ : (لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ) (14) هذه الآيات وما بعدها انتقال كما قال ابن عاشور من تِعدَاد النِعم إلى بيان سُوء اختيارهم في شَهواتِهم وكُفرانهم لنِعم الله ـ عزّوجل ـ .انظُروا معي ماذا اشتملت عليه هذه الآيات:
أولاً: بيان سُوء أدبهم في خِطابهم لنبيّهم موسى وللمُنْعِم عليهم وهو الله عزوجل فقالوا: (لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ) أكرمهم الله بهذا الطعام فقالوا:(لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ) هذا واحد.
ثانياً: بيان سُوء اختِيارهم واستِبدالهم الذي هو أدني بالذّي هو خير, استبدلوا الدانِي بالذي هو خير ممّا أنعم الله عليهم, فاستبدلُوا المنّ والسلوى بالفوم والعدس والبصل والحِنطة وما يأكلونه من طعامهم يزرعونه, والله إنّ هذا لدنَاءة وهُبوطٍ في عقولهم, ولذلك قال: (اهْبِطُواْ مِصْراً )
ثالثاً: توبِيخهم والاستِنكار عليهم بقوله: (أتَستَبدِلُون) ممّا يدل على أنّ ذلك من كُفرانهِم بالنِعم, فالإنسان إذا استبدل نعمة الله عزّوجل عليه فأكرمِه بنعمةٍ فتخلّى عنها إلى نعمةٍ أُخرى, فوالله إنّه استبدل الأدنى بالذي هو خير.
مثال: الإنسان أكرمه الله تعالى مثلاً بِإَمامة الناس فحصل له فُرصة تجارية في محلّ يبيع ويشتري, قال والله الإمامة تصرفُني عن هذه التجارة, فترك الإمامة وذهب لمحلّه يَبيع ويَشتري, هذا استبدل الذي هو أدني بالذي هو خير.
إنسان كان على وظيفة شرعية ورأى وظيفة دنيوية أكثر مرّتَب, قال والله ذاك المرّتب أحسن فذهب لتلك الوظيفة التي هي في أُمور الدنيا وترك الوظيفة الشرعية (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ175 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ)(15) أي إلى أمور الأرض الدنيا ومصالحها فلنحذر من هذه الصفة أيّها الإخوة وأن لا نكون من أهلها.
رابعاً: من أعمالهم, قال الله ـ عز وجل ـ في هذه الآيات بيان لمجُازاتِهم بجنس عملِهم وما اختَارُوه لأنفسهم من الدُنوِّ قال: (اهْبِطُواْ مِصْراً) وفي ذلك إِشعار بقطعِ التكريم والعناية بهم.
خامساً: ثمّ بيان جزاءهم وعِقابهم العام الذي استحقّوه بعد هذا الكفر بنِعم الله والعصيان والاعتداء بما يُناسب أفعالهم فقال: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ) فانظروا إلى هذا الجزاء, وفي هذا بيان لنهاية أمرهم حيث ضُرب عليهم العذاب الذي جمع فيه ذُلّهم ومسكَنتهم واستحِقاقهم غضب الله ـ عز ّوجل ـ وهذا غاية العقاب.
ثمّ انتقل الله ـ عزّوجل ـ بعد ذلك وهو اللّطِيف الرّحِيم الوَدُود في الترغِيب والترّهيب, انتقل إليهم في دعوتهم مرةً أُخرى, كما قلت لكم السياق كلّه فيه ترغيب, فيه ترهيب, فيه بيان كفر, فيه بيان عقوبة, كل ذلك لِيُزعزِعهم عن ما هُم فيه ويَدعُوهم إلى الإيمان, ليس الله ـ عزوجل ـ يُريد هنا فقط عُقوبتهم, يُريد دعوتهم إلى الإيمان وهو اللّطيف سبحانه الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه, فقال الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (16) في هذا أيّها الإخوة ترغيبٌ لهم بعد تهديد, دعوةٌ غير مباشرة لهم إلى الإيمان, وبيان جزاء من آمن منهم.
ثمّ انتقل الحديث إلى سِياق آخر وهو بيان كُفرانِهم للنِعم بعد ذلك, انظروا وتَابِعوا معي
فأولاً: ذكر الله ـ عز ّوجل ـ تمنُّعِهم من أخذ الكتاب حتى رُفع الطُور فوقهم, قال الله ـ عز وجل ـ هنا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (17) تأمّلوا هؤلاء القوم أمرهم الله فلم يستجيبوا, دعَاهم فلم يستجيبوا, أغرَاهُم بالنِعم فلم يستجيبوا, فما كان مِنه إلاّ أن رَفع الجبل فوقهم, فقال خُذُوا الكتاب بقوة أو يُعاقبكم الله ويُسلّط عليكم هذا الجبل فيَسقُط عليكم, هل بعد هذا شيء؟! والله ما بعد هذا شيء أن يُرفع الطور فوقهم إِلزاماً لهم بالإيمان (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قال الله: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ) (18)
فهذه جِناية من جناياتِهم وكفر من كفرهم.
ثانياً: أيضاً نكثهم للعهود ونقضِهم للمواثيق وتلكّؤُهِم ومراوغتهم في الاستجابة والطاعة لأنبيائهم, قال الله: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (19)
قصّة السبت : أنّ الله ابتلاهم بالحُوت أنّه جعل يوم السبت لا يصِيدُون السمك, فماذا فعلوا؟ نهاهم الله أن يَصِيدوا السمك يوم السبت, انظروا إلى هؤلاء اليهود أهل الحِيل والمُخادعة, جَاؤُوا ليلة السبت فوضعُوا شِباكَهم في البحر وتركُوها, فلمّا كان ليلةَ الأحد جَاؤوا وقد اصطادت هذه الشِباك الأسماك فأخذوها, قالوا ما صِدنا في السبت وإنّما وضعنا شِبَاكنا, فقال الله ـ عز وجل ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) عَاقبهُم الله بأن قَلب تِلك القريَة, التي هي قرية واحدة عَتَت عن أمر الله واحتالت, وهذا يُبيّن لنا عِظم جُرم الحِيلة على أوامر الله عزّوجل وشرعه , بعض الناس يقول أنا لا أُخالف أمر الله ثم يَذهب بحيلةٍ مُختلفة وطُرقٍ غير صريحة ويقول أنا ما خالفت أمر الله, هذا والله عقوبته أشدّ من الذي يأكل الحرام صريحاً, ذاك يحتال وهذا يعرف أنّه حرام لكنّه اجترأ عليه, فعاقبهم الله وجعلهم قردةً خاسئين, فكانوا يرى بعضهم بعضاً ويبكون, وكان أهل القرى يرونهم فيأتُون إليهم ومع ذلك لم يَعتَبِروا بهم, انظروا إلى ما كان في قُلوبِهم من الكفر والطغيان !!
بعد ذلك نأتي إلى قِصّة البقرة التي سُمِيّت بها البقرة, وهي قول الله عزوجل:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) (20)
هذه القصّة هي قِصّتان ليست قصّة واحدة، القصّة الأولى : هي قصة قتل القتِيل فكان هناك رجل شاب قتله عمّه أو ابن عمّه ونادى في القوم أنّ ابن أخي قُتِل, من قتله؟ هو القاتل وأخفى ذلك وكتمه وزعم أنّ أحداً قتله وكان يبحث عن القتيل, وما كان منهم إلاّ أن قالوا نأتي موسى نستَعلِمه مَن قَتَل القتيل؟! لمّا أيِسُوا من القاتل! فكانوا يتلكَئُّون من إِتيان موسى ـ عليه السلام ـ لأنهم يعرفون أنّه نبيّ الله وسيُخبِرُهم, وبعد إِلحَاح جَاؤُوا إِلى مُوسى, فانظُر كيف حالهم مع مُوسى؟! فلمّا سألُوه قال لهم موسى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) ما علاقة البقرة بالقتيل؟! نحن نُريد أن تُخبرنا مَن القَاتِل؟! الله عزّوجل أَراد أن يَختبِرهم في صِدقِهم واستِجَابَتِهم قال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فذَهبُوا ثمّ جاءتهم حِيلة, قالوا خَلْنا نسأله ما هي هذه البقرة؟! فشدَدُّوا, (قالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) انظر كيف أَدَبهم مع ربّهم؟! (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) , ما قالوا ادع لنا الله وربنا (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ68) (21)
فهل فعلوا؟! ما فعلوا, ذهبُوا ثم أَتَوْا (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ...69) (22) انظُروا إلى هذا التشّدِيد, شدّدوا فشدّد الله عليهم, ولو استمرّوا في التشديد لاستمرّ في التشديدِ عليهم (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ70) (23) فلمّا رأوا أنّ موسى يُشددّ عليهم وعرفوا أنّ ذلك سيُؤدِّي بِهم إلى شدّة, قالوا: (وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) لو ذبحوا أيّ بقرة في أَول الأمر لكفَاهم, لكنّهم لم يَجدوا هذه البقرة إلاّ عند يَتِيم كمَا جاءت في الروايات, فسَاومَهم إلى وزنِها ذهباً فاشتروها بوزنِها ذهباً, انظُروا كيف كان حالهم يوم أن شددّوا فشدّد الله عليهم !
(قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ ......71) (24) ليست مذلّلة في العمل (وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ) ليست مسخرّة لسقي الحرث (مُسَلَّمَةٌ) ليس فيها عيوب ( لاَّشِيَةَ فِيهَا) ليس في لونها اختلاط يعني أبيض أو أسود, وإنّما هي مسلّمَة صفراء (قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) فبحثوا حتى وجدُوها عند يَتِيم فاشتروها منه (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) لأنّهم يعلمُون أنّ هذا حقّ .
ثم قال الله ـ عزّوجل ـ : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا .....72 ) (25) هذه القصّة في طبِيعةِ الوَاقِع أنّها هي السَابِقة, قول الله عزوجل: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) هم ادّارؤوا قبل أن يأتُوا موسى, وإنّما أخرّها الله عزّوجل لأنّ الغرض هو بيان حالِهم مع أوامر الله, فقدّم القصّة الأولى مع أنّ حقّها التأخير, وهذا القرآن وهي فائدة عظيمة أنّه يُقدّم ما حقّه التقديم في غرض الآيات, إذا كان الغرض ذلك قدّمه ولو كان متأخرّا في الواقع .اشتملت قصّة البقرة هذه على عدّة جِنَايَات أعظم عِند الله مِنْ قَتل القتِيل وهي :
ـ سُوء أدبِهم مع ربّهم.
ـ سُوء أدبِهم مع نبيّهم.
ـ واستخفافِهم بالتشريع والأمر.
ـ وتبَاطُؤهِم في الاستجابة والامتثال لنبيّهم فيه.
ـ وتعنُتِّهم في سُؤالِ نبِيّهم وإلحاحهم عليه.
ـ وتشدِيدِهم على أنفُسِهم فيما أمرهم الله ـ عز ّوجل ـ بذلك
فجعل الله عزّوجل هذه القصّة لنا علامة وسمّى الله بها السورة, كأنّ الله تعالى يقول يا أمّةَ محمد احذروا أن تكُونوا مثل هؤلاء في تلقّي أوامر الله, السورة كلّها كما ذكرت لكم في تلقّي التشريع وإعداد الأمّة في تلقّي هذه الشريعة وتبلِيغها , فالله ـ عز ّوجل ـ من رحمته ولطفه بِنَا ذكر حال بني إسرائيل لنحذر أن نكون مِنهم, وأشار بهذه السورة كأنّها علامة حمراء ،أمامكم إشارة حمراء في كل أمرٍ يأتي بعد ذلك في السورة, كل ما أتاكم أمر احذروا أن تكُونوا مِثل قوم موسى, كل ما جاء تشريع احذروا أن تكونوا مثل ما فعل قوم موسى وهكذا, وهذا يُبيّن لنا علاقة قصّة البقرة بالسورة كلها وأحكامها, هذه القصة مُتعلِقة بجميع الأحكام فهي تحذيرٌ من الله لنا في هذه الأوامر أن نَتلَكّأ أو نتَشدّد أو نتَردّد أو نُعانِد كما فعل هؤلاء, فجاءت هذه القصة في غاية المناسبة والله أعلم.
ذكر هُنا في سُوء تلقّيهم للتشريع عدة وجوه:
أولاً: ( قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً) ، ثم قالوا (ادعُ لنا ربّك) ولم يقولوا ادعُ لنا الله أو ربّنا ، ثم قال: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) ممّا يدل على أنّهم كارهين لأمر الله عزّوجل, وإذا كان الإنسان أيّها الإخوة كارها لأمر الله فذلك دليلٌ على ضعفِ إِيمانه, أمّا إذا كان مُبَادِراً مُمتثِلاً سباّقاً إلى الأمر فإنّ ذلك دليلٌ على صِدق إيمانه, نعم المؤمن قد يفعل الأمر وهو كَارِه, يعني مثال : التكاليف فيها مشقّة أيّها الإخوة لكن من الناس من يكون إيمانه قويّ فيدفعه هذا الإيمان إلى أن يَستشعِر أنّ هذه التكاليف نِعم ومِنن ولذّة وسرور, أرأيتم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (أرِحْنَا بالصلاة يا بِلال) أو (أَرِحْنَا بِها يا بلال), من الناس من يأتي لصلاة الفجر وفي نفسه ثُقل, الفراش وثير والجو لطيف ويخرج من بيته في الظُلمات, لاشكّ أنّ ذلك أمرٌ لا يستحملُه إلاّ المؤمن ، ولذلك لا يُحافظ على صلاة الفجر إلاّ مؤمن ولا يتخلّف عنها إلاّ مُنافق كما قال أنس , فمن صِفات المنافقِين أنّهم لا يُصلّون العشاء ولا الفجر لأنّه وقت نوم وراحة, فانظروا يا إخواني إلى أوامر الله في نفُوسِكم إن كنتم تمتثلونها بطواعية فوالله أنّ ذلك دليلٌ على قوة إيمانكم بالله، وإن كان في نفوسكم ثُقل فانظروا إلى إيمانكم .
قال الله عزوجل: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى ....73) (26)
أمرهم موسى أن يضربوا القتِيل بجزءٍ مِن البقرة, لكن هنا سرّ أو هنا سؤال, لماذا أُمِروا بذبح البقرة دون غيرها؟لنرجِع إلى جناياتِهم أَليسُوا عبدُوا العِجل؟!
فالله تعالى أمرَهم إلى أن يَذبحُوا ما قدّسُوه في نفُوسِهم، ليُزيل ما في نفوسهم من تعظيمها فأمرهم الله بذبحها .
قال الله ـ عز وجل ـ مخاطبًا لهم مباشرةً وهو المقصود به اليهود المعاصرون للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ)(27) بعد ماذا؟ ليس بعد قصّة البقرة, بعد هذه النِعم كلّها التي ذكرها الله ما انتفعتم بها وما دعاكم ذلك للإيمان (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً .......74)
ثم قال الله مُبَيِنًا قسوة قُلوبِهم وأنّها أعظم من الحجارة قَسوة (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ...74)
قال بعض العلماء: أنّه ما هبط حجرٌ من جبلٍ إلاّ خشية لله عزوجل, وفي تأويل هذه الآية أقوال للمفسّرين إلاّ أنّ أعظمها هو أنّ هذه الجبال تخشى الله عزوجل وتُعظِّمَه, ما من مخلوق إلاّ ويُعظّم الله عزوجل, ولهذا كما قرأ الإمام (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (28)فهذه الجِبال الصمّ، الجبال القاسِية إنّها والله لتخشَى الله عز ّوجل فأين قُلوبنا القلوب الليّنة أين هي من ذكر الله عزوجل؟! ثم قال الله عزوجل: ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَكَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) .
بعد ذلك انتقل الحديث بعد أن بيّن كُفرهم وعِنادهم انتقل الحديث للمؤمنين، المؤمنون حين يُنزَل عليهم الكتاب هم في المدينة,واليهود كثرة وقد يُصيبهم همّ وغمّ من عدم إيمان هؤلاء وطُغيانهم وكُفرهم وعِنادهم, لاشكّ أنّ ذلك قد يُصيب المؤمن فقال الله ـ عز ّوجل ـ قطعًا للأمل في هؤلاء قال: (أَفَتَطْمَعُونَ) أيّها المؤمنون (أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَاعَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (29)هل تطمعون فيهم؟! الله ـ عزّ وجل ـ أراد أن يُيئسَهم فانتقل الحديث هُنا إلى حال المؤمنين وخِطابِهم مع أنّه أُدمِج في هذا الحديث خِطَاب اليهود أيضاً في آيات منها كما سنذكر.
قال الله عزوجل عنهم: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (30) يعني بعد أن ظهر الأمر, كان بعض اليهود يُسِرّوا إلى المسلمين الحديث عمّا في التوراة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأنّه مذكور في توراتِهم فتخابروا بذلك وعلِمُوا أنّ بعض اليهود يُخبر المسلمين بما في كُتبِهم من خبر النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ (قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ) أتُحدِثُون المؤمنين (بِمَافَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) يعني بما أخبرَكم الله به من خَبر هذا النبيّ (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) انظروا أيّها الأخوةإلى مافي قلوبهم .
ثمّ قال الله ـ عزوجل ـ :(أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ 77) (31) وإن أخفَوه.
ثم قال الله في وصف قبيحةٍ من قبائِحهم ونوعٍ من صفاتِهم وجِنَاياتِهم (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (32)هذا حال عامّتهم, ما هو حال عامّتهم؟! عامّتهم أنّهم لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ, ما معنى أمانيّ؟ قال المفسّرون فيها معانٍ كثيرة لكن خُلاصتها معنيين:
المعنى الأول: لا يعلمونه إلا أكاذيب وأمانيّ يختَلِقُها عُلماؤهم يقُولها لعامّتهم, فيقولون هؤلاء العلماء لعامّتهم, نحن أبناءُ الله وأحبّاؤه, لا يدخل الجنّة إلا من كان هوداً أو نصارى, نحن لا تمسّنا النار إلا أيام معدودة, كل هذا هُراء وكذِب وافتِراء على الله ـ عزّ وجل ـ لكن عُلماؤهم أرادوا أن يُضلِّلوا عامّتهم, فقال الله ـ عز ّوجل ـ : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) أي عامّتهم (لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) إلا الأكاذِيب التي يقُولها لهم عُلماءَهم هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: إلاّ ألفاظ يقرؤُونها فقط, وهذا يؤكدّ لنا ما عليه حال كثير من النّاس اليوم من المسلمين لا يعلمون الكتاب إلا ألفاظ يقرُؤُونَه بِلا معنى, ما أعظم هذا الحال أيّها الإخوة ما حُجَتّك عند الله؟! تقرأ كتاب الله بين يَديك ولا تعلَم إلاَ ألفَاظه, ولهذا هذا يُبيّن لنا عِظم أمر التدبّر والتفكّر والنظر في كتاب الله ـ عز ّوجل ـ لمعرفة ما فيه من هِداية وبَصيرة وعِلم وعَمل لنمتثله , ولهذا أقول لا ينبغي للإنسان أن يَقرأ القرآن هذاً لا يعرف فِيه إلاّ ألفاظ إلاّ أمانيّ, مجرّد ألفاظ بل يجب أن يَقف عند الآية ما يُرِيدُ الله بها؟! ماذا يُريد الله أن أُحقِقّه في هذه الآية؟! فإذا كان هذا حالك فأَبشِر والله تعالى بخيرٍ عظِيم تنالُه من هِداية القرآن العظيم.
قال الله ـ عز وجل ـ : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ79)(33)
هذا الحديث عن عُلمائهم, ذلك الحديث عن عامّتهم وهذا الحديث عن علمائهم, قال الله: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ) كانوا يكتبُون التّوراة ويُحرِّفُونَها للناس ويبِيعُونَها ويأخذون مُقابِلها دراهِم أو دنانِير, قال الله: (ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ) عياذاً بالله, أي جُرم هذا أنّه يكتب كِتاب فيقُول هذا مِن عند الله ثمّ يأخذ على ذلك دراهم (ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) .
ثمّ قال الله في زعمِهم ونوعٌ من جناياتِهم (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ80)(35) فزعموا أنّ النّار لن تمسّهم إلاّ أياماً معدودات, من أين أَخذُوا هذا؟! لماذا قالوا لن تمسّنا النّار إلا أياماً معدُودات؟! لماذا ما قالوا لن ندخل النّار؟
قالوا لن ندخلَها إلاّ أربعينَ يوماً وهي مِقدار عبادَتهم للعِجل , ثمّ يقُولوا نخرج مِنها فيبقى غيرنا فيها !! عياذاً بالله من ضلالِهم وكذبهم.
ثم ذكر الله ـ عز ّوجل ـ جنايةً أخرى وهي قولهم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ .....83) (35) كل هذا في كتبهم فهل حقَقُوه؟! لا, قال الله: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ) ثم ذكر الله جنايةً أُخرى وهي قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ84)(36)أي المُعاصِرون للنبيّ صلى الله عليه وسلّم (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ) كيف يفعلون ذلك؟ كانوا في المدينة اليهُود قسمين:
بني قُريظَة وبَنِي قينقاع, والعرب قِسمين الأوْس والخزرج, فكان لكلِ طائفةٍ مُنَاصر, للأوس بني قُريظة, وبنُو قينقاع للخزرج, فكان إذا كان بين الأوس والخزرج قِتَال شاركهم هؤلاء فقَاتلَ بعضُهم بعضاً, أي قَاتَل اليهُود اليهُود لأنّه عدّوه الآن, فقال الله ـ عزّوجل ـ هنا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ) لا يقتُل بعضُكم (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) فإنّهم إذا غَلبُوا الطرف الآخر أخرجُوهم مِن دِيَارِهم (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ) يعني حينما يأتي أُسارَى فهؤلاء يُفادون اليهود, فيُؤمِنُون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض, قال الله ـ عزوجل ـ : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...85)(37)الآية
ثمّ قال الله ـ عز ّوجل ـ بعد ذلك من آية (87) إلى آية (100) كل هذه الآيات سِياق الحديث عنها في بني إسرائيل المُعاصرِين بذكر نوع آخر من جِناياتِهم التي اشتركُوا فيها مع أسلافِهم وهي تكذيبَهم بالكُتب المنزّلة وخاصةً القرآن, كل هذه الآيات من آية (87) إلى (100) كلّها في بيان حالِهم مع القرآن وتكذِيبهم وحِجاجِهم ومُجادلتِهم لئلّا يُؤمنوا به.
تأمّلوا معي أيّها الأحبّة قوله ـ عز ّوجل ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ87)(38)هذا بيان عام لحالِهم مع الرُسل, هذا حالهم (فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون) أرأيتم هؤلاء القوم يا إخواني هذا حالُهم يقتلُون أنبياءَ الله ويُكذّبون آخرون؟!واللهِ إنّ هؤلاء لقومٌ على ضلالٍ عظيمٍ كبير (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) يعني اعتذروا باستكبَارِهم وإعراضهم لأنّهم قالوا قلُوبُنا غُلف لا نُدرِك لا نَعِرف لا نَفهم ( بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) (39)
ثم قال الله: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ)(40) ما هو؟ القرآن, (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) بماذا يستفتِحُون؟ قالوا إنّه سيخرج نبيّ سنتّبِعُه وسنقاتِلكم معه (كَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم) هذا النبيّ وهو محمد (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ(89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ) لماذا كفروا؟ (بغياً)(41) أي حسداً وحقداً وكُرهاً (أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) أي محمد عليه الصلاة والسلام من غير نسبِهم ومن غير سُلالتِهم (أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) .
ثمّ قال الله في الآية الأخرى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ....91)(42)هل آمنوا بما أُنزل عليهم؟! كلاّ, قال الله: (وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ) أي غيرِ القرآن بما وراء القرآن وهو التورَاة والإنجِيل (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ)ثمّ ردّ الله عليهم أنّهم لم يُؤمِنوا فقال: (وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ) (43) فلم يُؤمِنُوا بذلك, قال الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ)(44) ماذا قالوا؟ (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) أعوذ بالله, هذا يُبيّن حال هؤلاء القوم أنّهم انتهوا إلى قوله (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) أمّا أمّة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمّة المستَجِيبَة فقالوا (سمعنا وأطعنا)
قال الله ـ عز وجل ـ عن هؤلاء (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ) (44)
ثمّ ذكر الله ـ عزوجل ـ ادّعاؤُهم بأنّهم يرثِون الجنّة خالصةً لهم في قوله: (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ94)(45) إن كنتم تزعُمون أنّ الجنّة لكم دون غيركم فتمنّوُا الموت, فهل تمنّوُا الموت؟ كلاّ, قال الله عزوجل: (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ ) (46) (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ 96) (47)ها نحن نرى اليهود أحرص النّاس على الحياة, ولذلك انظر كيف يفعلون مع إِخواننا, مع أنّ إِخواننا في ضعفٍ شديد وليس بأيدِيهم إلاّ اليسِير ممّا في أيدي اليهود, ومع ذلك في جُبنٍ وخوفٍ وهَلعٍ شَدِيد من هؤلاء الفلسطِينِيين القلِّة الذين ليس معهم شيء وها أنتم ترون كيف بنُوا السُور خوفاً وذعراً وهلعا .
ثم ذكر الله ـ عز وجل ـ حجةً من حُجَجِهم في زعمِهم أنّهم لا يُؤمنون فجاءوا للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا أخبرنا عمّن يأتيك من الملائكة؟ فنرى إن كان هو الذي نُريده أو لا, فقال إنما يأتِيني جِبريل وهو من يأتي أنبياء الله جمبعا , قالوا هذا عدّونا - عياذاً بالله تعالى-, لماذا قالوا هذا عدّونا؟ لأنّهم زعموا أنّ جبريل أُمر بالوحي أن يكون على أحدٍ من بني إسرائيل فجعلَه على أحدٍ من العرب عياذاً بالله, فاتخذّوه عدوّهم, قال الله ـ عزّ وجل ـ : (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ)(48)يعني هنا الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُثبت أنّ هذا القرآن من الله واختِيار الله لئلّا يكون لهم حجّة (مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) .
ثمّ قال الله ـ عز وجل ـ : (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) (49) خصّ جبرِيل ومِيكال لأنّهم خصّوهما هم , فإن قالوا إن كان مِيكائِل فهو وليُّنا مِن المَلائكة, فقال الله من كان عدوّاً لهؤلاء (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ) .ثمّ قال الله: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)(50)هنا إثبات من الله عزّوجل لرسوله, قال الله: (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) والمراد بهؤلاء الفاسقين هم هؤلاء بنُو إسرائِيل الكافرين ومن تبِعَهُم, قال الله عزّوجل انظروا أيّها الإخوة (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (51) يعني هذه الآية ردّ ادّعائِهم أنّه لم يُؤخذ عليهم العهد والميثاق أن يُؤمنوا بالنبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وأنه لم يُعهد إليهم فيه بعهد فأنكروا أنّ الله عهِد إليهم (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (52)
ثم قال الله ـ عزّوجل ـ في الآيات التي بعدها (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (53) انظروا إلى ضلال هؤلاء, يعني لمّا أنّ الله أرغمَهم وسدّ الطريق في وجُوهِهم, وقال الله ـ عز وجل ـ أنّ كُتبَكم مُصدِّقة لهذا الرسول وأنّكم تقرؤُونه في كُتبِكم, ماذا كان منهم؟ نبذوا كِتابَ الله ورَاء ظُهُورهم أعوذ بالله, يعني قالوا مالَنا ولهذا الكتاب, حتى التوراة نبذُوها لماذا ؟ لأنّها تُلزمهم بالإيمان بالنبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فقالوا ما دام التوراة تُلزمنا فننبُذُها عياذاً بالله (نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) بماذا استبدُلوها؟! استبدُلوها بما عند الشَياطِين, قال الله: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ) استبدلُوها بالسِحر والأكاذيب والأخاليق التي يختلِقُونها من عند أنفسهم لمّا أُرغموا بالإيمان فقال الله: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) هذه الآيات الحقيقة لدينا فيها وقفات:
أولاً: قول الله ـ عز وجل ـ : (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)هم زَعمُوا أنّ هذا السِحر الذي يأخذونه من الشيَاطِين, من أين؟
قالوا أنّ هذا هو الذي وَرِثَتُه الشَياطِين من مُلكِ سُليمَان, وأنّ سُلَيمان إنمّا مَلَك الدنيا بهذا السِحر وأنّه جعله في صُندوق ودُفن في الأرض فاطّلع عليه هؤلاء فأخذُوه وأخذُوا فِيه هذه الأسرار فهم يأخذُونَها منهم, انظًروا إخوانِي قال الله: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)الشياطِين هؤلاء يزعمون أنّ هذا السِحر هو بقيّة أخذُوه من سرّ من أسرار مُلك سُليمَان وما كان سُليمان ـ عليه السلام ـ على سِحر, قال الله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) إنمّا كان على أمرِ الله ـ عزّ وجل ـ وخوارِق أعطاه الله إيّاها (وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) .
هذه الآية استَشكَل فيها المُفسِّرُون استشكالاً كبيراً جداً, ووقعوا في تأوِيلاتٍ طَويلة لكن الخلاصة هو كيف أنّ هؤلاء الملائِكة يُعلِّمُون النّاس السِحر هذا هو الإشكال؟
قال الله ـ عز وجل ـ : (وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ) الآية تُبيّن أنّهما يُعلِمّان السِحر, هكذا ظاهر الآية, وبالتأمّل وبتتبّع أقوال المفسّرِين وأئمّتهم نجد القول الأظهرـ والله أعلم ـ أنّ الله أنزل من الملائِكة ملَكين وجعلهما فتنةً لأهلِ الأرض يُعلّمُون النّاس السِحر فتنة, كما أنّ الله ـ عزّ وجل ـ خلق الخنزير وحرّمه فتنةً للنّاس, وكما أنّ الله تعالى خلق الخمر وحرّمه, فكأنّ الله ـ عزّ وجل ـ أراد بتعليم الملائكة فتنةً للنّاس, قال بعض المفسّرين : إنّما يُعلمّون الناس السِحر ليَعلَم النّاس الفرق بين عِلم الله ووحيه والخوارق والكرامَات التي وهبَها الله لأنبِيَائه وأوليَائِه وبين هذا السحر الذي أَتى به هؤلاء السحرة, هذا تأويل قد يكون محتملاً والله أعلم, لكن ذكره كثيرٌ من المفسّرين ومنهم ابن جرير ـ تعالى ـ وهو عمدة التفاسير ذكر ذلك وبيّنه تفصيلاً ربّما يطُول المقام في ذكره لكنّنا ننقل كلامه, قال ابن جرير : "إنّ الله تعالى قد أنزل الخير والشرّ كلّه وبيّن جميع ذلك لعباده فأوحاه إلى رُسلِه وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحلّ لهم ممّا يحرم وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرَفوها ونهاهم عن رُكوبها واقترافِها, فالسِحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم الله تعالى بِها ونهاهم عن العمل بِها وليس في إنزال الله إيّاه على الملكين ولا في تعليم الملكين ما علمّاه من الناس إثمٌ إذ كان تعليمُهما من علّمُاه ذلك بإذن الله عزّوجل لهما بتعليمِه أي أذِن الله بِه لهما بعد أن يُخبراه بأنّه فتنة فيقولا: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ) " يأتيهم الإنسَان فيقول أُريد أن أتعلّم السِحر( فيقولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) قال ابن جرير " بعد أن يُخبراه بأنّهما فتنة ويَنهَياه عن السِحر والعمل به والكفر" هذا أظهر الأقوال والآية فيها إشكال لكن ما أُريد أن أدخلكم في كلام طويل .
بعد ذلك جاء السِياق في الآية من (104) إلى (110) تابِعوا ذلك في المصحف من آية (104) إلى (110)انتقل الحديث إلى مَن؟
إلى المؤمنين تحذيراً لهم من أن يتشبهّوا باليهود, قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا)(54) ماذا قالوا؟ كانوا يأتون إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فيقولون راعِنا ، هم يقصدون من الرّعُونة يعني يتأولّون الكلمة هؤلاء اليهود يُحرّفونها, فكان المُؤمنون يقُولُون للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك, فنهاهم الله تعالى أن يقَعُوا في المحظور الذي وقعُوا فيه اليهود, مع أنّ المؤمنين لا يقولون ذلك إلا من باب أنظِرنا وراعِنا من المراعاة, لكنّ اليهود أخزاهم الله يُحرِّفُون الكَلِم مثل قولهم السّام عليك, عائشة تقول ألا تسمعُهم يقولوا السّام عليك, فيقول النبّي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ألا تسمعيني أقول وعليكم, (55) أي إن كنتم قلتم السلام عليكم ، عليكم, وإن كنتم قلتم السّام عليكم فهو عليكم, فهم يُحرّفون الكلِم ويُحاولُون أن يأخذوا من الكَلِمة باطنها المحرّف فنهى الله ـ عز وجل ـ المؤمنين من ذلك .
ثم ذكر الله ـ عز وجل ـ قوله تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ) (56) ما المراد بهذه الآية؟
تأمّلوا معي المراد أنّ اليهود أرادوا الطعن في القرآن, كيف؟ قالوا كيف القرآن يُنزِل الله ـ عز وجل ـ آيةً ثم ينسخُها؟ كيف يُنزل آيات ثم يرفعها؟ انظروا إلى هذه الحِيلة وإلى هذه الدسِيسَة, هم الآن يقُولُون هذا لمن؟ للمؤمنين, لِيشكِّكُوا في نفُوسِهم ويُزعزِعُوا أنفسَهم في هذا القرآن, فقالوا كيف هذا القرآن يُنزل ثم يُرفع؟ لو كان من عند الله حقاً ما رُفع ما نُسخ, هذا حقيقة دسِيسَة خبيثة استطاعوا أن يبثُّوها في المسلمين, فأنزل الله ـ عز وجل ـ قوله: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا) أي نُؤخرّها ( أو نُنسِها) أي نُنسِيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء في بعض الروايات وهي قراءتان (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هنا الله ـ عز وجل ـ يُعزِزّ في نفوس النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ والمؤمنين قدرة الله وأنّ لله الأمر كلّه, إذا شاء أنزل الآية وإذا شاء رفعها, فلُه الحِكمة البالِغة فالأمرله, فقال: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (ألم تعلم أنّ الله له مُلك السّماواتِ والأرض ومَالكم مِن دُونِ الله مِن وَليّ ولا نَصير) (57)
فهُنا الله ـ عز وجل ـ ردّ عليهم هذا الزعم وهذا الطعن وهذا التشكِيك تثبيتاً للمؤمنين, ثم قال الله للمؤمنين أيضاً: (أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ) (58) كان بني إسرائيل يُكثرون الأسئلة لنبيّهم, فكان بعض الصحابة يسألُون النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحذّر الله المؤمنين من مُشَابَهتِهِم, وهذا التحذير الثالث مشابهة اليهود وسُلوك سبيلهم في تلقّي أمر الله وتعامُلهم مع نبيّهم وكثرة سؤاله, ونهّاهم النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن كثرة السؤال وهذا المراد بهذه الآية.
ثم قال الله في توجِيه المؤمنين وتحذِيرهم (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(59)
هذا توجيهٌ من الله للمؤمنين وتحذيرٌ لهم من كيدِ اليهود, أنّ هؤلاء يودّون لو يردُّونَكم من بعد إيمانكم فيُزعزِعُون هذا الإيمان في نفُوسِكم ويقذفُون في نفوسكم الشكوك, فالله ـ عز وجل ـ حذّرهم بذلك, ثم قال الله ـ عز وجل ـ في نفس الآية: (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ)
ما معنى هذه الآية؟ يعني كأنّ الله ـ عز وجل ـ يقول اتركُوهم لا تُواجِهُوهم أو تُقاتِلوهم فتكون ذلك فتنة (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) حتى يأتي اليوم الذي يُريد الله تعالى فيه أن يُجلّيهم أو يقتلهم بأيديكم كما في سورة الحشر وغيرها (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)وانشغلوا بماذا؟ (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ) (60) كأنّ الله ـ عز وجل ـ أراد أن يَصرِف نفوس المؤمنين مّما يُثير في نفوسهم غضباً على هؤلاء اليهود, ويشحن نفُوسَهم ممّا قد يدعُوهم إلى الاعتداء عليهم فيدعوا ذلك إلى القتال, فلذلك قال الله ـ عزّ وجل ـ انشغلوا بعبادة الله كأنّ الله يقول لم يحِنِ الوقت إلى قِتَالهم, وهذا نأخذ منه درساً عظيماً أنّ المسلم ينبغي أن لا يستعجِل أمرَ الله فيقول هؤلاء الكفار وهؤلاء اليهود يعيثُون في الأرض فساداً, وهؤلاء اليهود يقُومُون بكل ما لديهم من كيدٍ ومكرٍ وفسادٍ وإفسادٍ في الأرض ومع إخواننا هناك ونحن صامتون!! نعم يجب أن يكون في نفوسنا غيرة لدين الله ونصرة لإخواننا, لكن لا نستعجِل أمر الله ـ عزّ وجل ـ كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ولكنّكم قومٌ تستعجلون)(61) سيأتي اليوم الذي يأذن الله تعالى فيه بكبتِ هؤلاء وقتلهم وإسقاطِ دولتهم, لكن الأمر راجعٌ إلى ما نحن عليه, نحن غير مؤهلّين لأن نُواجِه, انظروا إلى أحوال المسلمين اليوم ضَعف وتخلّي عن مبادِئ الإسلام وتفرّق وشِتات واختلاف فيما بينهم, فكيف ننتصر؟ فهذا يدعونا إلى أن نرجِع إلى أنفسَنا كما قال الله: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(62)
الآيات التي بعدها من الآية (111) إلى (118)
هذه الآيات من قوله:(وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى....) (63) كل هذه الآيات في كشف زيف المكذّبِين من اليهود وإبطَالِ افتراءاتِهم والطعنِ في اعتقاداتهم, مقابلةً لماذا؟ الله ـ عز وجل ـ هنا يطعن فيما هُم عليه, مُقابل طعنِهم وافترائِهم على دين الإسلام وتشكِيكِهم للمسلمين, يُقابلهم بمثلِ ما هُم عليه, فقال الله ـ عز وجل ـ هنا :
أولاً : (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى) من أين هذا لهم؟ افتراء, فهذا دحضَ الله ـ عزّ وجل ـ هذا الافتراء الذي زعمُوه, وقال الله ـ عز وجل ـ : (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (64)هؤلاء هُم أهل الجنة, ومن هؤلاء؟ هم المؤمنون, كأنّ الله تعالى يقول أنّ أهل الجنة هُم المؤمنون, لكنّ الله عبّر عنهم بهذا الوصف (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ) وتأمّلوا هذه الآية (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ) يعني جعل كل أمرَه ووجهه وجهَتَه وتوجّهَه إلى الله ـ عزّ وجل ـ (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ليس وهو عامل, إلا وهو مُحسن يعني في عمله مُحسن فجمع الإخلاص والإحسان في المُتابعة فهذا المؤمن الحقّ .
ثم قال الله ـ عز ّوجل ـ ناقضاً لهم أمراً آخر (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ) (65)هذا بيان لماذا؟ لتنَاقُض تِلك المِلَل واختلافها, كل ملّة تزعُم أنّها على شيء ليست الأخرى على شيء, فماذا قال الله ـ عز وجل ـ : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) كلٌ معه كتاب, كلٌ واحدة تُبطل الديانة الأخرى (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) من هم الذين لا يعلمون؟ المشركون , ثم قال الله ـ عز وجل ـ: (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .
ثم قال الله ـ ـ في ردّ وإبطَال لما هُم عليه وتقبِيح ما هم عليه قال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) هذا وصفٌ لليهود ووصفٌ للنصارى ووصفٌ للمشركين, كل هؤلاء وقُعوا في هذا الوصف, كأنّ الله ـ عز ّوجل ـ يقُول لو كنتم على دِينٍ ما منعتم مساجِد الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (66)
ثم قال الله ـ عز وجل ـ مُطمئِناً المؤمنين وأنّ هذا من كرامة الله لهم (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ) كأنّ الله يقول إذا مُنعتِم أيّها المؤمنون (ولِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ) (67) ثم بيّن أيضًا افتراءً لهم آخر إبطَالُ لمِا هُم عليه, قال الله: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ) كلّ هؤلاء الطوائف الثلاث قالوا اتخَذَ الله ولداً, فاليهود قالوا عزيرٌ ابن الله, والنّصارى قالوا المسيح ابن الله, والمشركُون قالوا الملائكة بناتُ الله, فقال الله هنا: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (68) ثم قال الله: (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ)(69)
من هم هؤلاء؟ المشركون, لكنّ الله ذكر هذا عيباً على اليهود والنصارى أنّهم شابهوا المشركين, هؤلاء المشركون قالوا (لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) قال الله: (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ)من هم الذين قبلهم؟ اليهود والنصارى, أليس عيباً عليهم وهم أهل الكتاب أن يُشَابِهوا المشركين؟! بلى والله, فالله تعالى يَعِيب عليهم كلّ هذه الأمُور في عَيبِهم والطعن فيما هُم عليه.
ثم قال الله ـ عز ّوجل ـ في الآيات التي هي خِتَام الحديث عن بني إسرائيل, وفيها الفصل, وفيها توجّهٌ إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى المؤمنين, يعني هنا انتهى الحديث عنهم أبطَل ما هُم عليه وبيّن افتراءاتهم وكُفرِهم وعقُوبَاتِهم, فماذا بقي؟! قال الله ـ عز ّوجل ـ للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) (70) سواء آمَنوا أم لم يُؤمِنوا, ولهذا قال الله: (وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) اتركهُم (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) فكُن على الحقّ, كونوا على الجادّة التي أمركم الله, ولا عليكم من هؤلاء الذين ضلّوا وانحرفُوا وكفروا, ولهذا قال الله: (وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) .ثم قال الله ـ عز وجل ـ تحذيراً للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين من هؤلاء اليهود والنصارى والمشركين أنّهم هل سيرضُوا عنك بعد ذلك؟ وقد أقرّ الله لك الرسالة وشهِد لك بذلك وأكرمَك بها وأكرم أمّتك؟! لا والله لن يرضوا, سيبقُوا بعد أن بيّن الله ضلَالهم وكُفرهِم وطَعن في ما هم عليه من انحراف, قال الله ـ عز وجل ـ : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (71) فاحذر يا محمد, واحذروا يا أمّة محمد فإنّ هؤلاء اليهود لن يزالُوا (وَلَن تَرْضَى) إلى يوم القيامة عنك اليهود والنصارى حتى تتبّع ملّتهم, وها هُم اليوم يا إخواني يصدّون عن سبيل الله ـ عزّ وجل ـ بكل ما أُوتُوه من قوّة ومن مال ومن عتاد ومن تقنية, فهذه وسائل الإعلام وقنواتِه, كم القنوات التنصيرية؟! هؤلاء اليهود الآن يا إخوان يترّبعُون على الإعلام فها هُم يصدّون أبناء المسلمين بتلك الوسائل الترفيهية والمسلسلات الهابِطَة والأغاني الماجِنَة والضلال المبين, وكم وقع في مصيَدتِهم كثيرٌ من أبناء المسلمين وهذا معنى قول الله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) قال الله: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى) كُن على الحق واثبُت وأعلِنها صريحاً (إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى) ولن أتبّع غير دين الله, قال الله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) الخِطَاب لمن؟ للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنّى للنبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يتبِّع ملّتهم, وحاشاه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لكن لعِظمِ الأمر وُجّه إليه الخطاب, وهذه فائدةٌ لطيفة في القرآن أنّه إذا كان الأمر مُهِم وعظيم وجّه الخِطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم -ولله في كتابه المثل الأعلى- أنتم ترون إذا كان الأمرُ عظيم جاء الخطِاب من المَلِك أمرنا بما هو آت, فكلما عَظُمَ الأمر توجّه الخطاب فيه إلى أعلى الهرم , فالله تعالى هنا خَاطب النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس هو المراد, حاشا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتبّع ملّتهم, لكنّ هذا الأمر لمّا كان عظيماً وخطيراً على أمّة محمد حذّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون قدوة وليحذّر أصحابه وأمّته(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) أبَعْدَ هذا العلم عِلم ؟!
بعد أن سَاق الله ـ عز وجل ـ هذا البيان التامّ عن بني إسرائيل وكشف لنا كل أوراقهم وأحوالهم وطبائِعهم وحذّرنا كل التحذير, أ بعد هذا العِلم عِلم؟! لا ، والله, كفانا أن عَرفنا أعداءنا, كفانا أنّ الله تعالى جعل في أول كتابه تعريف بهؤلاء بأنّهم أخطر الأمم علينا, فهذا سرّ التطويل في هذه الآيات لنعلم حق العلم ونُبصر حق البصيرة أحوال أعدائنا فنحذرهم, هم أعظم من سيُضلّونا عن ديننا قال الله ـ عز وجل ـ : (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) بعد ذلك لن تجد بعد الله وليّ ولا نصير, ثم أرجَعَ الله الخِطَاب لمِن؟!
ما أرحم الله وألطفه!! رَجِع الخطاب لبني إسرائيل, للمؤمنين منهم ثناءً عليهم وتشريفاً لهم ودعوةً لغيرهم, انظُر بعد هذا كله ختم الخطاب في دعوتِهم فقال: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) وآمنُوا, منهم عبد الله بن سلام وغيره, قال الله: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (72) قُضيَ الأمر
قال الله ـ عزوجل ـ خِتَام الحديث لهم, النِداء الأخير كأنّ الله يقُول هذا النداء الأخير لكم هل تسمعون؟ هل تُجيبون؟
(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) (73) من يُبيّن لي المراد بهذه النعمة؟
قلنا أنّ النعمة الأولى: هي نعمة الخلافة في الآية الأولى ، النعمة الثانية: تِعداد النعم عليهم وتفضيلهم بهذه النِعم, هذه النعمة ما المراد بها؟ أن بلّغهم ومدّ في آجالهم وبيّن لهم هذا البيان, ما أعظم من هذا البيان شيء فقول الله ـ عز وجل ـ : (اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) هذه النعمة والله أعلم بيان الله لهم الحقّ وكشَفَ لهم الأمر وأعطَاهم كل الدلائل والبراهين, فقال الله يا بني إسرائيل اذكروا هذا البيان, اذكروا أنّ الله أنعم عليكم بالبيان فلم يترككم كما أنتُم عليه من ضَلال بل بيّن لكم (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) يُذّكرهم بأنّ الله فضلّهم وسيبقُون على فَضلٍ إن آمنوا, وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ممّن أوتي أجره مرّتين رجلٌ آمن بي وآمن بنبيّه) (74) فلو آمنوا لزاد فضلهم عند الله لكنّهم لم يُؤمنوا, ثم ختم الحديث عنهم الختام النهائي بتذكيرهم بالآخرة ولا ينفع معهم, لأنّ التذكير بالآخرة أعظم ما يردع الإنسان لأنّه إذا علِم أنّه سيموت وأنّه سيرجع إلى الله لا شكّ أنّ ذلك أدعى الأمور إلى الإيمان, ولذلك ختمه الله بقوله: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) (75)
فالله ـ عزوجل ـ يقول اتّقوا ذلك اليوم الذي لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئا, هم يقولون أنّ أنبياءنا وصالحِينا سيشفعُونَ لنا يوم القيامة حتى الضالّ منهم سيشفع لهم فيما يزعُمون يوم القيامة, فقال الله هنا: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) ليس هناك شفاعة إلا لمن أذِن الله له, فلن تنفعكم شفاعتُكم التي تزعمون ما دُمتم كافرين مكذِبّين, يعني يُذّكرهم الله ـ عز ّوجل ـ أنهم مع ما يتعلّقون به من رجاء قطع الرجاء عنهم, فهذا خِتام الحديث عن بني إسرائيل, وأطَال الله الحديث فيه لأنّه كما ذكرت لكم شمِل دعوتهم, وشمِل بعد ذلك تذكير الله لهم بالنِعم, وشمِل بعد ذلك بيان كُفرانِهم وطُغيانِهم وضلالاتِهم وجناياتِهم, ثم شمِل بعد ذلك عقوباتِهم, ثم جاء بعد ذلك من هذه الأمور الأربعة في الآيات من أولها إلى آخرها, فلو تأمّلنا هذه الآيات ذلك حقّ التأمّل لظهر لنا حكمة الله في هذا التفصيل وأنّ ذلك يستدعي لنا أن نحذَر كُل الحذر وأن نتجنّب أوصاف هؤلاء, وأن نَعي ما حذرّنا الله من أنّهم أعداؤنا(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ) فحينها يَصلُب الإيمان في نفوسنا ونُعظّم ما شرّفنا الله به .
والله لو لم نخرج من هذه الآيات إلا أن نَعي ونستحضِر ونستشعِر فضل الله لنا بأنّنا الأمّة المُختارة بعد هذه الأمة, وأنّنا الأمّة المرحومة بعد هذه الأمّة التي غضِب الله عليها, وأنّنا الأمّة المفضلّة بعد أن كانت تلك الأمّة هي التي فُضلّت, فضلّها الله على العالمين, وأنّنا الأمة التي جعلها الله شهيدة على الأمم كلّها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) هذه الأمة ستشهد على الأُمم, هل آمنوا برسلهم أم لا؟ أعظم من هذا شرف؟! والله ليس بعد هذا شرف, فنحمد الله أن شرّفنا ونسأله ـ عز وجل ـ أن يُكرمنا بعبادته وشُكر نعمته وأن يُديم علينا فضله في الدنيا والآخرة.
وننتهي عند هذا الحدّ ونسأل الله ـ عزوجل ـ أن يرزقنا العِلم النافع والعمل الصالِح .
بعد هذا الحديث عن قصة إبراهيم ما نُرِيد الحقيقة أن ندخل فيها ثمّ نَبتُرها, قصة تستحِقّ منّا وقفة لوحدها, وهي تذكير الله لنا بالأصل الثاني بعد الأصل الأول, الأصل الأول هو آدم , والأصل الثاني هو إبراهيم, هذه الآيات التي سنفتَتِح فيها إن شاء الله ـ عزّ وجل ـ جلستنا في الخميس القادم إن أحيانا الله ـ عز وجل ـ مجلسنا الأول فيها, وفيها حقيقة بيان لفضل الله ـ عزّ وجل ـ على هذه الأمّة وكيف ورثت إبراهيم في الإمامة والفضل والتزكية, وكيف أنّها أُكرمت بما أُكرم به إبراهيم من الإمامة والقبلة, ومَنَحَها الله ـ عز ّوجل ـ ما مَنَح إبراهيم, فو الله إنّها نعمة عظيمة سنقف معها بإذن الله ـ عز ّوجل ـ حينها, نسأل الله أن يُوفقّنا وإياكم للعلمِ النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد.
--------------------------------------------
(1) الحشر19
(2) الإسراء4
(3) البقرة45
(4) الراوي: بلال بن رباح المحدث: العراقي - المصدر: تخريج الإحياء - الصفحة أو الرقم: 1/224
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
(5) الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2699
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(6) في البخاري ( فضل كلام الله علىسائر الكلام كفضلالله علىخلقه ) الراوي: - المحدث: البخاري - المصدر: خلق أفعال العباد - الصفحة أو الرقم: 162
خلاصة حكم المحدث: لو صح هذا الخبر لم يكن فيه حجة
(7) البقرة60
(8) الأعراف160
(9) هود1
(10) البقرة60
(11) البقرة60
(12) العلق 7
(13) الشورى27
(14) البقرة61
(15) الأعراف176
(16) البقرة62
(17) البقرة63
(18) البقرة64
(19) البقرة65
(20) البقرة67
(21) البقرة 68
(22) البقرة 69
(23) البقرة 70
(24) البقرة 71
(25) البقرة 72
(26) الحشر21
(27) البقرة 74
(28) الحشر21
(29) البقرة 75
(30) البقرة76
(31) البقرة 77
(32) البقرة 78
(33) البقرة 79
(34) البقرة 80
(35) البقرة 83
(36) البقرة 84
(37) البقرة 85
(38) البقرة 87
(39) البقرة 88
(40) البقرة 89
(41) البقرة 90
(42) البقرة 91
(43) البقرة 92
(44) البقرة 93
(45) البقرة 94
(46) البقرة 95
(47) البقرة 96
(48) البقرة 97
(49) البقرة 98
(50) البقرة 99
(51) البقرة 100
(52) البقرة 101
(53) البقرة 102
(54) البقرة 104
(55) أخرج البخاري في صحيحه في باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِىِّ - - فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ . فَلَعَنْتُهُمْ . فَقَالَ « مَا لَكِ » . قُلْتُ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ « فَلَمْ تَسْمَعِى مَا قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ » .
(56) البقرة 106
(57) البقرة 107
(58) البقرة 108
(59) البقرة 109
(60) البقرة 110
(61) أخرج البخاري في صحيحه في باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِى الإِسْلاَمِ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » .
(62) البقرة 110
(63) البقرة 111
(64) البقرة 112
(65) البقرة 113
(66) البقرة 114
(67) البقرة 115
(68) البقرة 116
(69) البقرة 118
(70) البقرة 119
(71) البقرة 120
(72) البقرة 121
(73) البقرة 122
(74) أخرج البخاري في باب باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَىٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ النَّبِىِّ - - قَالَ « ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا ، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا ، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِى كَانَ مُؤْمِنًا ، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِىِّ - - فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَالْعَبْدُ الَّذِى يُؤَدِّى حَقَّ اللَّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ » . ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِىُّ وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِى أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ .
(75) البقرة 123
(76) البقرة143
/ مصدرالتفريغ من ملتقى أهل التفسير / بتصرف يسير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق