الثلاثاء، 10 مايو 2011

الوقفة الأولى في الجزء الثاني مع قوله (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا )





قال الله - جل وعلا - وهو أصدق القائلين ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
/ أول ما يلحظه المفسر في هذه الآيات : هل هذه الآية متقدمة وضعا متأخرة نزولا ؟
أم أنها متقدمة وضعا ونزولا ؟والسبب في هذا أنه سيأتي بعدها قول الله - جل وعلا - ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فقول الله - جل وعلا - ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ) مُشعِر في بادىء الأمر أن القبلة قد تحولت ، هذا قول من قال بأن هذه الآية متقدمة وضعا متأخرة نزولا .
والصحيح - إن شاء الله - : أنها متقدمة وضعا ونزولا فالسين هنا للمستقبل القريب كما أن العرب تستخدم سوف للمستقبل البعيد . فالله يقول ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ ) والسفهاء جمع سفيه وهو : من لا يُميز مما له وما عليه ، ولا يعرف ما يضره مما ينفعه .
/ ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ ) إن كان السفه في بني آدم وغيرهم فإن " من " هنا بيانية ، وإن كان السفه في بني آدم دون غيرهم فإن " من " هنا بعضية .

/ ( مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا )النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر جعل قبلة مسجده شمالا في المدينة ناحية بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم بعد ذلك أمره الله بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام ، فلما علم الله ذلك أنه سيقع وطدّ لنبيه وهيأ له أنه سيقوم فئام من الناس سيقولون فيك وفي دينك وفي أتباعك ما يقولون ، فاليهود يقولون : لو أن محمدا كان على الحق لما تغيّر فإما أن يكون محمد على الباطل فإيمانكم في السابق كذب ، وإما أن يكون محمدا كان على الحق فلما غيرتم القبلة أصبح على الباطل
وأما كفار قريش فقالوا : أن محمدا قد علم كذب دينه فعاد إلى كعبتنا .وأما ضعفاء الإيمان من المنافقين فجعل ذلك الشك في قلوبهم . فجمع الله هؤلاء كلهم بوصف السفه ، قال ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا ) فجاء الجواب يُبين عظمة الجبار جلّ جلاله ( قُل لِّلَّهِ ) هذه اللام لام المُلك وقد مرّ معنا لام الاستحقاق ، هذه لام الملك المطلق الحقيقي .

/ ( قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) فالمشرق والمغرب لا يتعلق بأحد منهما فضل ، لا المشرق أفضل من المغرب ، ولا المغرب أفضل من المشرق ، لا يتعلق بهما فضل . ثم إن المشرق والمغرب جهتان مملوكتان مخلوقتان لله .

( قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء ) جل جلاله ( إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) وتلحظ أنها متعدية بحرف الجر"إلى" لأنها تُخاطب الناس كأنهم بعدُ لم يهتدوا .

/ ثم قال الله ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا )
الواو عاطفة لا خلاف ، وحتى لو قلت إنها استئنافية لا يتغير في المعنى شيء ، لكن الإشكال في حرف الكاف ( وَكَذَلِكَ ) : قال بعض النحاة إن الكاف هنا مقحمة زائدة ، والصواب أنها غير مقحمة ولا زائدة ولكنها كاف التشبيه ، ومن منع أنها كاف التشبيه قال : تُشبه ماذا بماذا ؟ لا يوجد شيء قبلها ، ويُجاب عن بجوابين :- أن هذا من ديدن العرب في كلامها قال أبو تمام : كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر .... فليس لعين لم يغض ماؤها عذر
وهذا البيت في أول القصيدة وليس مسبوقا بشيء .
إن تجاوزنا هذا فإن الجواب الحق أن يُقال أن الكاف كاف التشبيه وتكون على الوجه التالي :
يقول الله تعالى في الآية التي قبلها ( لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) فلله مُلك المشرق والمغرب يجعل القبلة في أي جهة شاء ، مثل هذا أي - أن له ملك المشرق والمغرب - هو - جل وعلا - له مُلك الأمم فجعل هذه الأمة هي الأمة الخيرة الوسط، كما أنه يملك الجهات يجعل الناس يتوجهون إلى أي جهة شاء كذلك - جل وعلا - الأمم كلها مخلوقة له ، هو الذي خلقها

( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) أي كما جعلنا جهة القبلة أشرف الجهات جعلنا هذه الأمة - أمة محمد صلى الله عليه وسلم - أشرف الأمم .







( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) أي خيارا عدولا وبعض العلماء له كلام جميل في هذا يقول : " أمة وسط أي أمة دون النبيين وفوق غيرها من الأمم " وهذا كلام جميل المعنى .

/ ( لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) هذه الأمة تشهد يوم القيامة على غيرها من الأمم أن رسل تلك الأمم بلغوا عن عن الله رسالاته ونصحوا له في برياته ويشهد رسولنا صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة .

/ ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ )
هذا قرآن مدني نزل والأمور مستقرة ويُحيط بهم المنافقون واليهود وكفار قريش يتناقلون أخبارهم ومن لم يدخله الإيمان من أهل المدينة فلابد من التمييز لأن الجنة درجة عالية ليس كل أحد يؤتاها ، ولا كل أحد يدخلها .
( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ) أي بيت المقدس ، ثم بدلناها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، من تمسك بالهدي سلِم ، ومن حكّم هواه ورأيه هلك .
/ لما مات صلى الله عليه وسلم كان قبل موته قد جعل جيش أسامة على مقربة من المدينة في الشمال الغربي منها في مكان يُقال له الجُرف .
- والعجب أن هذا الموطن هو الذي يُعسكر عنده الدجال مكان جيش أسامة في الجُرف - فشُغل صلى الله عليه وسلم بالمرض ثم مات قبل أن يقضي في الجيش أمره .
النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الإثنين ضحى ، أو بكر بويع الثلاثاء في الصباح ، والرسول صلى الله عليه وسلم دُفن مغرب الثلاثاء ، أي أن أبا بكر بويع قبل الدفن ، صباح الأربعاء أراد أبو بكر أن يُنفذ جيش أسامة ، فشقّ ذلك على الصحابة لما علموا أن العرب ارتدوا فما زالوا يُكلمونه فأبى ، فلما غُلِبوا في إنفاذ جيش أسامة لجؤا إلى طريق آخر وهو أن يُكلموه أن يُغير القائد فجعلوا عمر وسيطا ، فكلمه سادة الأنصار إن كان ولابد عازما على رأيه أن ينفذ جيش أسامة فليُغير أسامة لأن أسامة كان صغيرا، فدخل عمر - يغلب عليه ما يسمع - فدخل على أبي بكر فقال : إن الأنصار قد بعثوني إليك لتُغير أسامة ، فأخذ رضي الله عنه بلحية عمر وقال : يابن الخطاب يستعمله رسول الله وتريد مني أن أغيره ، ثكلتك أمّك يابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطلب مني أن أغيره .
هذا الكلام كل الصحابة يفقهوه ولا يجرؤا أحد على أن يغير ، ولكن أحيانا الإنسان في خضم الأحداث يتناسى النص والتمسك بالنص مع فقهه هو الدين ، وهو المقصود بالثبات على السنة .
كل الخطباء ، كل المسلمين يحفظون حديث ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به كتاب الله وسنتي ) ولكن أين المتمسك حقا بالكتاب والسنة ؟ لا هدي يوصل إلى الجنة إلا هدي رسول الله .يوم أن يقرّ في القلب ويقع من الجوارح الأخذ بهديه صلوات الله وسلامه عليه يصل الإنسان إلى مقصوده وهذا يبدأ بأن يتمثل الإنسان السنة في كل أحواله .ففي الصيف يدخل الرجل ومعه بطيخ أصفر على أبنائه ومعه رطب ولا يغلبه جوع لكنه يجمع بنيه فيأكل من البطيخ الأصفر ويأكل من الرطب ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل من هذا ويأكل من هذا ويقول : أُذهب حر هذا ببرد هذا ، وأذهب برد هذا بحر هذا .
فينشأ أول الأمر في المطعومات ثم لا يلبث أن يرقى إلى العبادات فيقوم المؤمن من ليله يفرك عينيه كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، ثم يتوضأ كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، ثم يصلي ثمان ركعات سردا كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، ثم يجلس في الثامنة ثم يقوم يوتر بالتاسعة ثم يسلم ثم يجلس يصلي ركعتين ثم يسلم بصوت عالٍ عمدا ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، فإذا رفع صوته يتعجب منه أبناؤه ، يتعجب منه بناته فيخبرهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من هذين رفع صوته .فيكفيك شرفا أن تقتدي بسنته ، سلك الله بنا وبكم سنة نبينا صلى الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق