الخميس، 28 أبريل 2011

الوقفة الثانية في الجزء الأول مع قوله (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا )







الوقفة الثانية : مع قوله الله - جل وعلا - في سورة البقرة ، وهي سورة تُسمى فسطاط القرآن لما حوته من عظائم الأمور .

/ قال الله - جل وعلا - ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) .قول ربنا - جل وعلا - ( وَقُلْنَا ) : المتكلم هو الله جل جلاله ، والمخاطب بالقول آدم ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ ) وهذا يحتمل أمرين :
- هل كان هذا الخطاب بواسطة ملَك ؟
- أم كان خطابا من الله مشافهة إلى آدم ؟
والآخر هو الأرجح بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن آدم أنبي هو ؟ قال : ( نبي مُكلم ) فهذا يُرجح أن هذا الكلام بغير واسطة .

/ ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ ) يُسمى ما يُنحر به ويُقطع سكين ، فلِم سُميت سكين ؟لأنها بها تسكن حركة المذبوح فتُسمى سكين . ومن قلّ ما في يده يُسمى مسكين لأن قِلة اليد تجعل الإنسان قليل الحركة فلا متجر يذهب إليه ، ولا مال يخاف عليه .فالمسكنة مأخوذة من هذا الجذر اللغوي .

/ ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) على خلاف بين العلماء هل زوجته خُلقت بعد أن دخل الجنة أم خُلقت قبل أن يدخل الجنة ؟فمن قال إن حواء خُلقت قبل أن يأمر الله أبانا آدم أن يدخل الجنة احتج بهذه الآية ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ )ومن قال بأنها خُلقت بعد أن دخل آدم الجنة احتج بالآية نفسها ، احتج بأن الله قال ( اسْكُنْ ) ولا سكن إلا بعد وحشة ، فقالوا : إن آدم دخل الجنة فمكث فيها دهرا فاستوحش فخلق الله من ضلعه حواء فسكنت إليه وسكن إليها .

/ قال الله ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) أي جنة ؟جمهور أهل السنة - سلك الله بنا وبكم سبيلهم - على أنها جنة عدن ، وكلمة " عَدَنَ " بمعنى الإقامة ، جنة الخلود .
وقد ثبت في الخبر الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الناس يأتون أبانا آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا باب الجنة ، فيقول آدم : وهل أخركم من الجنة إلا خطيئة أبيكم ) فهذا دلالة وقرينة على أنها جنة عدن .

/ قال الله : ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا ) وهذه ألف التثنية أي لآدم ولزوجه ، وجاء مفصلا في طه ( إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى*وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) ونهاه الله عن شجرة ما في الجنة لم يُخبر الله أي شجرة هي ، وحتى نصل إليها لابد من قرائن تساعد العقل على الوصول إلى معرفة تلك الشجرة وما نوعها ، وهذه القرائن قطعها الله ، فلم يذكر لنا في كتابه ولا على لسان رسوله قرينة تدلنا أن نمتطيها حتى نصل إلى أن نعرف ما هي الشجرة ، فلما قُطعت الطرائق لا سبيل إلى الوصول إلى المقصود ، فلما كان لا سبيل شرعي إلى الوصول إلى المقصود ، لا حاجة للناس أن يتكلفوا في أن يعرفوا أي شجرة هي .
/ قال الله - جل وعلا - ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ )
الظلم : وضع الشيء في غير موضعه ، قال ربنا ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ) قال بعض العلماء ( أزلهما ) بمعنى أزالهما أي نحاهما ، وقال بعض العلماء أنه مأخوذ من الزلل - الزلق - .

/ ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ ) المراد بالشيطان هنا : إبليس ، وقد مرّ في آية قبلها أن الله أمره أن يسجد لأبينا آدم فامتنع ، على خلاف بين العلماء هل هو من الملائكة أو من الجن ؟
وظاهر االقرآن ، بل نقطع أنه من الجن ، قال الله - جل وعلا - ( إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) .
لكن قد يحتج عليك أحد أن الآية ليس فيها دليل لأن الجن في اللغة تُطلق على كل ما خفي واستتر ، والملائكة ممن خفوا واستتروا بدليل قول الله ( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) والمراد بالجِنة هنا على أحد التفسيرين الملائكة ،( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ ) أي الملائكة ( إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) . الذي يعنينا قرينة أخرى : أن الله قال ( وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) وإبليس احتج على الله بقوله ( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) فبهذا الدليل على أنه ليس من الملائكة .







/ شطن بمعنى بعُد ، قال عنترة : أشطان بئر في لبان الأدهم ، فأشطان البئر الحبال التي تُرمى في البئر إذا بعُدت ، فمن هذا سُمي الشيطان شيطانا .
ويُقال عن إبليس أنه رنّ أربع رنات ، البشر إذا أصابهم حزن وأحدثوا صوتا يُسمى " أنّ " بالهمز ، فيُقال أنين ، أما الجان إذا أصابهم حزن وأصدروا صوتا يُسمى رنين ، ولهذا في الحديث رنين الجرس لا تقربه الملائكة .
فيُقال إن إبليس رنّ أربع رنات ، بمعنى أنّ أربع أنات : عندما لُعن ، وعندما أُهبط إلى الأرض ، وعندا ولد نبينا صلى الله عليه وسلم ، وعندما نزلت سورة الفاتحة .

هذا ما قاله بعض علماء السلف في كتب التفسير . الذي يعنينا هنا صح الخبر أم لم يصح أن الشيطان وسوس لهما .

/ بقي الإشكال : كيف دخل إبليس الجنة ؟وهذا الوصول إلى غاية الأمر فيه قد يكون صعبا ، لكن قيل : إنها وسوسة من خارج الجنة ، وقيل إنها مقاربة بدليل(وَقَاسَمَهُمَا) ، وقيل إنه ذخل عن طريق الحية - وسيأتي تفصيل هذا- ، وقيل إنه عن طريق الحية في خيشومها .
وهذه أخبارمنقولة عن مسلمة أهل الكتاب وعن غيرهم لا تُقبل بالكلية ولا تُرد بالكلية .
/ قال الله - جل وعلا - ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ )حرف الجر " فيه " يعني أن هناك وعاء ، هذا الوعاء ماالمقصود به هل المكان أو المكانة ؟فإن قلنا المكان فيُصبح المعنى فأخرجهما مما كانا فيه من أي من الجنة إلى الأرض ، من العيش الهنيء إلى عيش التعب والنصب والكدّ . هذا إذا قلنا إنه أخرجهما من المكان .
وإذا قلنا إن المقصود المكانة ، فهو أخرجهما من الطاعة إلى المعصية ، ومن القرب من الله في الملكوت الأعلى إلى البُعد عنه نوعاٌ ما في الأرض .

/ قال الله - جل وعلا - ( فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )
ياتي السؤال من المخاطب بـ ( اهْبِطُواْ ) ؟
للعلماء في هذا أقوال :
- قال بعضهم إن المخاطب آدم وحواء فقط ، والقائلون بهذا القول احتجوا بآية طه ( اهْبِطَا مِنْهَا ) .
- القول الثاني : آدم وحواء وإبليس ، واحتجوا بالآية ( اهْبِطُواْ ) .
- القول الثالث : آدم وحواء وإبليس والحية بقرينة ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) .
يُبنى على هذا القول أن العداوة بين ذرية آدم والشيطان عداوة دينية لا ترتفع إلا بارتفاع الدين ، والعداوة بين بني آدم والحية - كما هو واقع الآن في الأرض - عداوة طبعية لا ترتفع إلا بارتفاع الطبع ، هذا يؤيد قول من قال من العلماء إن الذين أهبطوا الأربع : آدم وحواء وإبليس والحية .

/ قال الله : ( وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )
كلمة " حين " تأتي في القرآن تأتي على معانٍ :- تأتي زمن مطلق طويل لا يُكاد يُعدّ ، ومنه قول الله ( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ) .
- وقد يأتي على اللحظة كحال من يُتوفى عند الموت .
المهم أنها تُعرف من قرائن عِدة ، لكن قول الله - جل وعلا - ( وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) كان رحمة بآدم عليه السلام ، فقد جاء في الأثر أنه قال " أي ربي ألم تخلقني بيدك ؟ قال الله : بلى ، قال : أي رب ألم تنفخ فيّ من روحك ؟ قال الله : بلى ، قال : أي رب أرأيت إن تُبتُ وعملت صالحا أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال الله - جل وعلا - : نعم " .
ومن دلائل رحمته - جل وعلا - به أنه علّمه كيف يتوب ، ولا يرحم أحد أحدا أعظم من رحمة علاّم الغيوب ، فوقعت من آدم الخطيئة لكن آدم لما وقعت منه الخطيئة أصابه الانكسار ، وهذا الفرق بين المؤمن وغيره ، وأما الشيطان فإنه عصى لكنه بقي مستكبرا .
وحتى تعرف أن الكِبر أعظم ما يصرف عن عبادة الله ، لكن القلب إذا كان منكسرا خاضعا لرحمة ربه وخالقه
وسيده ومولاه كان أحرى أن تُقبل توبته ، قال الله ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) وفي البقرة لم يأتِ ببيان الكلمات ، لكن أهل العلم ....

/ ( قَالاَ ) أي آدم وحواء ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فهذا الدعاء أعظم ما ينفع في التوبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق