نقل ابنُ القيم رحمهُ الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله أنهُ قال : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) تطرُد الرياء ، و( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) تطرُد الكبرياء .
الإنسان خُلق لعبادة اللهِ فمتى انصرف إلى عبادةٍ غيرهِ يا بُني فلم يعرف ما الغاية من خلقهِ ، ومتى ظنّ أنهُ سيعبُد الله بغيرِ حولٍ من الله فلم يعرف كُنه نفسهِ أصلاً فإذا علم أنهُ لا سبيل إلى الوصولِ إلى غير اللهِ ولا إلى الله إلا باللهِ فقد علم المعنى الحقيقي لـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) فالمرءُ أياً كان ضعيفٌ كُل الضعف عاجزٌ كُل العجز وهذا من المعاني السامية لقولهِ { لا حـــول ولا قــوة إلا بالله }
فالمؤمن الحق من خلع جميع المعبودات غير الله واستعان بالرب تبارك وتعالى على عبادتهِ وقد قال العُلماء لماذا قدّم الله العبادة على الاستعانة مع أن العقل يقول إن الإنسان يستعينُ ثُمّ يعبُد ؟
والصوابُ أن الله قدّم العبادة على الاستعانة لأن الاستعانة نوعٌ من العبادة فقدّم جل وعلا الأعمّ على الأخص فلا تعارُض في التقديم هنا (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) .
بعد أن بين الله جل وعلا أن هؤلاء المُتقين مجّدُ ربهُم وأثنوا عليهِ بما هو أهلهُ وعرفوا الطرائق المُثلى لاستدرار نعمتهِ ودفع نقمتهِ واستعانوا بهِ ووحّدوه وحققوا المطلوب هنا طلبوا الهداية
(اهدِنَــــا)
ما الهداية .. ؟
الهداية في كلمتين طلبُ الدلالة بتلطُف أو الدلالة بتلطُف هي الهداية هي ماذا ؟ هي الهداية .
فمن دلّك على شيءً بتلطُف فقد هداك أما من دلّك على شيءً بغير تلطُف فهذا لم يهدك هذا أمرك ، هذا ماذا ؟ هذا أمرك .
سجّان يقول لسجينهِ اذهب من هُنا هذا دلّهُ على الطريق ،لكنّهُ لم يدلهُ بتلطُف فلا يُسمى هذا بهداية لكّن الله جل وعلا هدانا بتلطُف أن بعث لنا الرُسل وأنزل علينا الكُتب وبيّن لنا معالم السُبُل وحذّرنا من طرائق الضلالة فسُمي هذا كُلهُ هداية .
(اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{5} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ)
التعريف بالصراط هنا ورد بطريقتين نحويتين : التعريف بال والتعريف بالإضافة .
(اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{5} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) من الذين أنعم الله عليهم ؟
ذكرهُم الله في النساء { فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً } (النساء69) إذاً هذهِ الآية دلالة على صدق خلافة أبي بكر.
الآن الأُمة مُجمعة على أن أبا بكر صديق وأن الذي سمّاهُ الصديق النبي صلى الله عليه وسلم ، ومُجمعة بنصّ القرآن على أن الصديقية مرتبةٌ بعد النبوة وأنها مُجمعة على أن أعظم ما سألهُ العبادُ ربهم هو صراط الذين أنعم الله عليهم ، والذين أنعم الله عليهم قال الله عنهم (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ) والنبوة انقطعت بموت مُحمد صلى الله عليه وسلم ووفاتهِ فلما توفي عليه الصلاةُ والسلام لم يبقى لنا في النبوة شيء لأنهُ خاتمُ الأنبياء فجبراً بهداية القرآن ننتقلُ إلى الصديقية وبدلالة السُنة والقرآن إشارة {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ }(الزمر33) لكنها غير صريحة في أبي بكر لكن تسمية الصديق صريحة بدلالة القرآن أن الصديق هو الصديق الأول تسمية النبي صلى الله علية وسلم له فتنصرف الصديقية لهُ دون غيرهِ وإن كانت موجودة في غيره لكنها تنصرفُ إليهِ في أول الأمر لأنهُ مُعين فكانت خلافةُ أبي بكر مما تُرشدُ إليهِ هذهِ الآية .
والمعنى بالقلب يعني من اتبع خلافة أبي بكر وأقرّ بولايتهِ فقد هُدي إلى الصراط المُستقيم لأن الله لمّا عرّف الصراط المُستقيم قال ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) أي طريق الذين أنعمت عليهم .
والصديقُ بُويع لهُ في سقيفةً بني ساعده ،و بنو ساعده رهطٌ من الأنصار والسقيفة موضعُها اليوم في الشمال الغربي وإلى الغربِ أقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لمن زار منكم المدينة هي الآن مجموعةُ نخل ما بين مكتبة الملك عبد العزيز وبين البناية التي تُعرف بوقف الملك عبد الله لوالديهِ بينهما إلى جهة الغرب هذهِ مكان محجوز فيهِ نخل الآن زرع يُسمى قديماً سقيفةً بني ساعده هذهِ السقيفة شهدت أول بيعةً شرعيةً في الإسلام بعد نبيها صلى الله عليه وسلم فتوارُث البيعة سُنةٌ شرعيةٌ دأب عليها المُهاجرون والأنصار من قبل رضوان الله تعالى عليهم .
نعود للآية .. ( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{5} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{6} )
(غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) افهمها عموماً الكُفرُ فرقتان :
إما فرق غلب عليها الاستهانة بالدين ونبذهُ عن عمد .
وإما فرق غلب عليها الهوى والجهل والضلالة وعدمُ الإصغاء لتعاليم الله .
فلا يُمكنُ أن يخرُج فرقةٌ من فرق الكُفر قديماً أو حديثاً عن هذين الطريقين إما رجُل مُعرض مُستهين يُبدل من عندهِ عمداً وإما شخصٌ ضال يركبُ هواه ولا يلتفتُ جهلاً لما يُقال له وأخصُ تلك الفرق الأولى اليهود وأخصُ ما في اليهود يجتمعُ في اليهود الغضب والضلالة غضبُ الله عليهم وضلالتهُ ويجتمعُ في النصارى غضبُ الله عليهم وضلالتهم لكن الغضب في اليهود أخص والضلالةُ في النصارى أخص وكلاهما على باطل لكن الله أراد هُنا ليس اليهود ولا النصارى تحديداً أو حصرا وإنما قصد أن يُبين لنا فرق الكُفر أن أصلها ينقسمُ إلى قسمين ثُم بين لنا في نواحيٍ عدة في آياتٍ عدة أن أعظم من غضب عليهم اليهود وأعظم من ضلوا النصارى {وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } (المائدة77) [ واضح]
النصارى بإصرارها على أن عيسى ابنُ الله واليهود بقتلهُم الأنبياء ({فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }البقرة87) يفعلون ذالك عمداً جهاراً هذان جنسا فرق الكُفر .
فغير المغضوب عليهم ولا الضالين يحميك حماية تامة عن أي فرقةٍ من فرق الكُفر لأنها تنحصرُ في هاتين الفرقتين .
(اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{5} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{6} )
والآيةُ من حيث الإجمال تُبين أن هؤلاء العباد مُتقين استعطفوا ربهم أثنوا عليه بالغوا في تمجيدهِ فذكروا عبادتهم لهُ وضعفهم وعجزهم واستعانتهم بهِ ثُمّ طلبوه أن يهديهم بلطفهِ وإرشادهم إلى ما ينفعهم وأعظم المطالب الهداية ولها أنواع حرّرها العُلماء لكننا من الصعب أن نُفصل هُنا لماذا ! لأن التفصيل هنا يُخرجنا عن المقصود الأسمى من الآية والدُعاء بالكُليات والنظر إلى الشموليات من أعظم ما كان النبي صلى الله علية وسلم مُتلبسا بهِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (البقرة201 ) وإنما التفصيل في الأحكام .
أما في نوعية الإعانة في تحقيق المطلوب و دفع المرهوب الأفضل أن يكون الأمرُ أمرً عاماً لأننا نعجز عن حصر الجُزئيات بعضهُم يقول هداية إلهام ، هداية كذا ، هداية كذا هذا حسن لكن الأفضل أن نقتصر على تعبير القرآن (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فكل خيرٍ أعطاهُ الله لأهل من أنعم عليهم .
هذا فيه دلالة كذالك على أن الإنسان مطلوبٌ منه أن يتأسى بالصالحين لأن أنعمت جاء في صيغة الماضي ويدخُل فيها الأنبياء والرُسل في المقام الأول والأنبياء والرُسل كانوا قبلنا وما ذكر الله نعمهُ على بعض خلقهِ إلا لنتأسى بهم ونعلم أن الذي أعطاهم قادرٌ على أن يُعطينا .
وما ذكر الله انتقامهُ من بعض خلقهِ إلا لأن نحذر أن نصنع صنيعهم حتى نعلم أن الذي أنتقم منهم قادرٌ على أن ينتقم منّا هذا الأصل في فهم الدين .
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)
وجاءت السُنة أن تُقال آميــــن بعدها خاصةً في الصلاة وآمين اسم فعل بمعنى استجب ، تقبل ، حقق ، كُلها تدور في فلك واحد .
وقولُ آمين بعد قراءة الإمام للفاتحة مما تضافر النقلُ عليه وهو من أعظم شعارات أهل الإسلام على وجه الحقيقة ومعناها قُلنا استجب ، والعربُ تنقلُ عن مجنون ليلى أنه قال :
فيا ربِ لا تسلبني حُبها أبدا ** ويرحم الله عبدً قال آمينـــا
قال بعضهم :
آمـين آميـن لا أرضى بواحدةٍ ** حتى أُبلغها ألفينِ آمينـــا
الذي يعنينا من هذا أن ذكر آمين جاءت فيهِ آثارٌ صحاح تتضافر على أن قولها سُنة بعد قراءة الإمام .
________________________
محاسن التأويل للشيخ صالح المغامسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق