الاثنين، 6 أكتوبر 2025

فوائد سورة المرسلات (٢٩-٤٠)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛

/ قوله تعالى: (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغني من اللهب) :

عن قتادة "(ظل ذي ثلاث شعب) قال: هو كقوله: (نارا أحاط بهم سرادقها) قال: والسُرادق: دخان النار، فأحاط بهم سرادقها ثم تفرق، فكان ثلاث شعب، فقال: (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) شعبة هاهنا، وشعبة هاهنا، وشعبة هاهنا".

 «تفسير الطبري» (١٣٦ /٢٤).

/وقال ابن الجوزي رحمه الله: «قال ابن قتيبة: " والظل هاهنا: ظل من دخان نار جهنم سطع، ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب، فيقال لهم: كونوا فيه إلى أن يُفرغ من الحساب، كما يكون أولياء اللّٰه في ظل عرشه، أو حيث شاء من الظل، ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار). «زاد المسير في علم التفسير" (٣٨٥ /٤).


/ قوله تعالى (إنها ترمي بشرر كالقصر):

قال الطبري: "قيل: (بشرر كالقصر) ولم يقل كالقصور والشرر جمع، كما قيل: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) ولم يقل الأدبار، لأن الدبر بمعنى الأدبار، وفَعل ذلك توفيقا بين رؤوس الآيات ومقاطع الكلام، لأن العرب تفعل ذلك كذلك، وبلسانها نزل القرآن.

وقيل: (كالقصر) ومعنى الكلام: كعِظَم القصر، كما قيل: (تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) ولم يقل: كعيون الذي يغشى عليه، لأن المراد في التشبيه الفعل لا العين». (تفسير الطبري) (٢٤/١٣٩).

وقال البغوي رحمه الله: "{إنها} يعني جهنم [ترمي بشرر} وهو ما تطاير من النار، واحدها شررة، (كالقصر} وهو البناء العظيم، قال ابن مسعود: يعني الحصون.

وقال عبد الرحمن بن عياش: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: (إنها ترمي بشرر كالقصر) قال: هي الخُشب العظام المقطّعة، كنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه، ندخرها للشتاء، فكنا نسميها القصر.

وقال سعيد بن جبير، والضحاك: هي أصول النخل والشجر العظام، واحدتها قصرة، مثل تمرة وتمر، وجمرة وجمر". (تفسير البغوي» (٣٠٦ /٨).


قوله تعالى (كأنه جِمالتٌ صُفر * ويل يومئذ للمكذبين):

قال الطبري رحمه الله : "وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُني بالجمالات الصفر: الإبل السود، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجمالات جمع جمال، نظير رجال ورجالات، وبيوت وبيوتات». «تفسير الطبري» (١٤١ /٢٤).

وقال البغوي: "(جمالة) قرأ حمزة والكسائي وحفص: (جِمالة) على جمع الجمل، مثل حجر وحجارة، وقرأ يعقوب بضم الجيم بلا ألف أي (جُمَلَة) أراد: الأشياء العظام المجموعة، 

وقرأ الآخرون: (جِمالات) بالألف وكسر الجيم على جمع الجمال، 

وقال ابن عباس رضي اللّٰه عنهما وسعيد بن جبير: هي حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض، حتى تكون كأوساط الرجال.

{صُفر} جمع الأصفر، يعني لون النار، وقيل: "الصفر" معناه: السود، لأنه جاء في الحديث: (إن شرر نار جهنم أسود كالقير) يعني الزفت، والعرب تُسمي سود الإبل صُفرا؛ لأنه يشوب سوادَها شيء من صفرة، كما يقال لبيض الظباء: أُُدم، لأن بياضها يعلوه كدرة"

 ((تفسير البغوي) (٣٠٧ /٨).


/ قوله تعالى: (هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون * ويل يومئذ للمكذبين):

قال الطبري رحمه الله: "فإن قال قائل: وكيف قيل: (هذا يوم لا ينطقون) وقد علمت بخبر اللّٰه عنهم أنهم يقولون: (ربنا أخرجنا منها)، وأنهم يقولون: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) في نظائر ذلك مما أخبر اللّٰه ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم يقولونه؟  قيل: إن ذلك في بعض الأحوال دون بعض. 

وقوله: (هذا يوم لا ينطقون) يخبر عنهم أنهم لا ينطقون في بعض أحوال ذلك اليوم، لا أنهم لا ينطقون ذلك اليوم كله.

فإن قال: فهل من برهان يُعلم به حقيقة ذلك؟ قيل: نعم، وذلك إضافة (يوم) إلى قوله: (لا ينطقون)، والعرب لا تضيف اليوم إلى فعل (يفعل) إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه، وذلك كقولهم: آتيك يوم يقدم فلان، وأتيتك يوم زارك أخوك، فمعلوم أن معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك، أو آتيك ساعة يقدم، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله». (تفسير الطبري) (١٤٢/٢٤).


/ وقال الطبري: ((فيعتذرون) رفعا عطفا على قوله: (ولا يؤذن لهم) وإنما اختير ذلك على النصب وقبله جحد - يعني نفي- لأنه رأس آية قُرن بينه وبين سائر رؤوس التي قبلها - يعني نهايات الآيات التي قبلها - ولو كان جاء نصبا كان جائزا، كما قال: (لا بقضى عليهم فيموتوا) - على النصب- وكل ذلك جائز فيه ' أعني الرفع والنصب - كما قيل: (من ذا الذي يقرض اللّٰه قرضا حسنا فيضاعفه له) رفعا ونصبا". ((تفسير الطبري)) (١٤٢ /٢٤).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: "(هذا يوم لا ينطقون) قال المفسرون: هذا في بعض مواقف القيامة. قال عكرمة: تكلموا واختصموا، ثم خُتم على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون ولا يؤذون لهم فيعتذرون. وقال ابن الأنباري رحمه الله: "لا ينطقون بحجة تنفعهم». «زاد المسير في علم التفسير» (٣٨٦ /٤).

وقال القرطبي رحمه الله: "عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى: (هذا يوم لا ينطقون)، وقوله (فلا تسمع إلا همسا) وقد قال تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)؟ 

فقال له: إن اللّٰه عز وجل يقول: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فإن لكل مقدار من هذه الأيام لونا من هذه الألوان.

وقيل: لا ينطقون بحجة نافعة، ومن نطق بما لا ينفع ولا يفيد فكأنه ما نطق. 

قال الحسن: لا ينطقون لحجة وإن كانوا ينطقون.

وقيل: إن هذا وقت جوابهم (اخسؤوا فيها ولا تكلمون).

 وقال أبو عثمان رحمه الله: "أسكتتهم رؤية الهيبة وحياء الذنوب". 

وقال الجنيد رحمهالله : "أي عذر لمن أعرض عن مُنعمه وجحده وكفر أياديه ونعمه؟". (الجامع لأحكام القرآن) (١٦٦ /١٩).


/ قوله تعالى: (هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين * فإن كان لكم كيد فكيدون * ويل يومئذ للمكذبين):

قال القرطبي: " (فإن كان لكم كيد) أي: حيلة في الخلاص من الهلاك، (فكيدون) أي: فاحتالوا لأنفسكم وقاووني ولن تجدوا ذلك.

وقيل: أي (فإن كان لكم كيد) أي قدرتم على حرب (فكيدون) أي حاربوني.

 كذا روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يريد: كنتم في الدنيا تحاربون محمدا صلى اللّٰه عليه وسلم وتحاربونني فاليوم حاربوني.

وقيل: أي إنكم كنتم في الدنيا تعملون بالمعاصي وقد عجزتم الآن عنها وعن الدفع عن أنفسكم. وقيل: إنه من قول النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فيكون كقول هود: (فكيدوني جميعا ثم لا تُنظرون)"  (الجامع لأحكام القرآن) (١٦٧ /١٩).

وقال ابن كثير رحمه الله: "(فإن كان لكم كيد فكيدون} تهديد شديد ووعيد أكيد، أي: إن قدرتم على أن تتخلّصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا تقدرون على ذلك، كما قال تعالى {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}، وقال تعالى: {ولا تضرونه شيئا}، وفي الحديث: (يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني». 

(تفسير ابن كثير» (٣٠٠ /٨).

وقال السعدي: "ففي ذلك اليوم تبطل حيل الظالمين، ويضمحل مكرهم وكيدهم، ويستسلمون لعذاب الله، ويبين لهم كذبهم في تكذيبهم (ويل يومئذ للمكذبين)».

 ((تفسير السعدي)) (ص ٩٠٥).

-------------------------------------

د. أبصار الإسلام 

https://youtu.be/LreRn2HfVno


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق