الأربعاء، 4 يونيو 2025

الدرس التاسع والثلاثون | تفسير سورة البقرة: الآية (٢٧) (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه..)

 تفسير سورة البقرة: الآية (٢٧) (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه..) 



الحمدالله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم وصف الفاسقين فقال (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) العهد الذي بينهم وبين ربهم، والذي بينهم وبين الخلق الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق، بل ينقضونها، ويتركون أوامره، ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق، (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله تعالى أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به، والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به، ومحبته وتعزيره، والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بحقوقهم التي أمر الله تعالى أن نصلها، فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله تعالى به أن يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم معتاضين عنها بالفسق والقطيعة، والعمل بالمعاصي وهو الإفساد في الأرض، أولئك أي من هذه صفته هم الخاسرون أي في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له، وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا وقد يكون معصية، وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى (إن الإنسان لفي خسر) فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وحقيقته فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله، وهو تحت إمكانه"
🎙️بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم يا ربنا علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا، إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين فقهنا أجمعين في الدين وعلمنا يا ربنا التأويل أما بعد: أورد المصنف رحمه الله تعالى قول الله جل وعلا (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) هذه ذكرها الله جل وعلا صفاتا للفاسقين الذين ختم بذكرهم بهذا الوصف في الآية التي قبلها قال (وما يُضل به إلا الفاسقين) الذين صفاتهم كذا وكذا، فهذه الصفات للفاسقين، وعرفنا أن الفسق الذي وُصف به هؤلاء هو الفسق الأكبر الناقل من الملة. ومثله أيضا ما ختمت به هذه الآية وصفهم بالخسار وهو أيضا الخسار الأكبر الناقل من الملة. وقد مر معنا قاعدة نفيسة في هذا الباب في أثر يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال رضي الله عنه: "كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل: خاسر، فإنما يعني به الكفر" هذا مثال من اسم مثل خاسر، مثل أيضا فاسق، مثل ظالم ونحو ذلك من الألفاظ فإنما يعني به الكفر،
"وما نسبه إلى أهل الإسلام -أي من هذه الألفاظ- فإنما يعني به الذنب" فالخاسرون هنا أي الخسران الأكبر، الخسران المبين، الخسران العظيم الموجب لدخول النار والخلود فيها.
 قال: (الذين ينقضون عهد الله) النقض هو: الترك، ترك العهد الذي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى وهو طاعة الله فيما خلقهم لأجله وأوجدهم لتحقيقه وأقام عليهم الحجة فيه فنقضوا عهد الله بأن تركوا التزام هذا العهد الذي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، المقصود بالعهد: ما أمر الله جل وعلا به خلقه من لزوم طاعته سبحانه وتعالى وملازمة عبادته، وأيضا: مجانبة ضد ذلك من المعاصي والذنوب، وأعظم ما أمر الله به من الطاعة التوحيد، فالتوحيد هو أعظم طاعة بل هو أساسها، وأعظم نهى الله تبارك وتعالى عنه الشرك بالله سبحانه وتعالى، فهو أعظم الذنوب وأكبر الموبقات.
 (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) 
(من بعد ميثاقه) الميثاق الذي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى أن يلتزموا هذا العهد، والميثاق أُخذ عليهم أولا في عالم الذر، ثم جاءت الفِطَر التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها مُذكرة بذلك، ثم ما أقامه الله سبحانه وتعالى في هذا الكون من البراهين والحجج البينات، ثم بعثة المرسلين الذين أقام الله بهم الحجة وقطع المعذرة (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)، (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
 قال (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) (ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصل)
من أهل العلم من جعلها في الرحِم أي يقطعون الأرحام مثل ما قال الله جل وعلا (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)، فمن أهل العلم من قال: (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل) أي يقطعون الرحم ال التي أمر الله بوصلها، وعدها سبحانه وتعالى أن يصِل من وصلها وأن يقطع من قطعها ورضيت بذلك، قال الله للرحم: (أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى رضيت)، فمن أهل العلم من قال (يقطعون ما أمر الله به أن يوصل) أي يقطعون الرحم الذي أمر الله.
ومن أهل العلم -وهو الأظهر والأقرب والله تعالى أعلم- من يرون أنه عام في كل ما أمر الله سبحانه وتعالى بصلته، وأعظم ذلك الصلة بين العبد وبين ربه، والصلاة المكتوبة سميت صلاة لذلك، لأنها صلة بين العبد وبين الله، فمن ترك الصلاة ماذا فعل؟ قطع ما أمر الله به أن يوصل، لأن هذه صلة بين العبد وبين الله وهي أعظم من صلة الإنسان لرحمه، هذه صلة بين العبد وبين ربه فهي عامة. ولهذا قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره: "قال جمهور العلماء على أن الإشارة في هذه الآية إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه، وحفظ حدوده" وهذا هو الحق والرحم جزء من هذا، يعني داخله في عموم المعنى ليس المعنى مقتصرا عليها فهي داخلة في عموم المعنى.
قال: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض)
 (ويفسدون في الأرض) جاء عن مقاتل وغيره من أئمة التفسير في معنى قوله: (يفسدون في الأرض) قال: "يعملون فيها بالمعاصي" فالعمل بالمعاصي فوق الأرض التي خُلقت للطاعة، الأرض خلقها الله ليُطاع عليها، ما خلقها ليُعصى عليها، فمن يمشي فوق الأرض بالمعصية، يعمل المعصية فهذا نوع من الفساد في الأرض، والفساد في الأرض لفظ مثل الألفاظ التي تقدم كلام ابن عباس عنها، نعم قد يطلق الفساد ويُراد به الأكبر فساد الكفار، فساد المشركين بالشرك والكفر والصد عن دين الله سبحانه وتعالى، هذا أعظم الفساد في الأرض، وهو فساد أكبر ناقل من الملة، وهناك فساد دون الفساد الأكبر كما أن هناك كفر دون الكفر الأكبر، وفسق دون الفسق الأكبر، وخسران دون الخسران الأكبر، وظلم دون الظلم الأكبر، فالفساد في الأرض يكون:
● بالشرك والكفر وهذا أعظم الفساد
● ويكون بالمعاصي والذنوب والموبقات وهذا أيضا من الفساد في الأرض.
والفساد في الأرض بالمعاصي يحدث تغيرا في الأرض في الزروع، وفي الأمطار، وفي الخيرات كما قال الله سبحانه وتعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر) البر والبحر ما هو؟ الأرض، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) أي بسبب معاصيهم وذنوبهم التي ارتكبوها فوق الأرض، ارتكبوها في البر والبحر.
 (ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) ما الخسران هنا؟ الأكبر لأن السياق  فيه، فالخسران هنا هو الخسران الأكبر، إذا نُسب الخسران -على القاعدة التي سمعنا عن ابن عباس رضي الله عنهم وهي قاعدة عظيمة متينة مهمة- الخسران إذا نُسب إلى غير أهل الإسلام فالمراد به الأكبر الكفر، ومثله الفسق، ومثله الظلم ونحو ذلك من الألفاظ، فالخاسرون هنا، أي خسارة الدنيا والآخرة، نظير هذه الآية تماما قول الله سبحانه وتعالى في سورة الرعد (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فهذا في الخسران الأكبر، والفسق الأكبر الناقل من الملة، سعد بن أبي وقاص الصحابي الجليل رضي الله عنه قرأ هذه الآية وقال: "هم الحرورية" (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض) قال: "هم الحرورية" من هم الحرورية؟ الخوارج، قال: "هم الحرورية"
وقوله: "هم الحرورية" لا يعني أن الآية ابتداء نزلت فيهم، وإنما المقصود: أن الصفات التي في هذه الآية وجدت فيهم، لأنهم داخلون في الأوصاف المذكورة في هذه الآية وتنطبق عليهم هذه الأوصاف، ولهذا قال رضي الله عنه: "هم الحرورية"، وكان رضي الله عنه يسميهم الفاسقين لأن قبلها قال الله جل وعلا: (وما يضل به إلا الفاسقين) فكان يسميهم الفاسقين ويقول هم الحرورية.
وهذا فيه أن مذهب الخوارج أخبث المذاهب وأضرها على أمة الإسلام وإن كانوا هم يظنون في أنفسهم أنهم يصلحون في الأرض ويقيمون دين الله، لكنهم مثل ما جاء عن سعد رضي الله عنه يفسدون في الأرض، عملهم فساد في الأرض، شيخ الإسلام تتبع حركات الخوارج عبر التاريخ وخرج بخلاصة يعني لنهاية أعمالهم قال: "فما أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا" يعني أعمالهم ليس فيها إقامة لدين الله وأيضا أعمالهم تضر بدنيا الناس، (يفسدون في الأرض) يفسدون على الناس دنياهم، يعطلون مصالح الناس، حتى المصالح الدنيوية والعبادات وعموم المصالح يؤثرون في المجتمع الذي يوجدون فيه فيُعطلون كثير من مصالح الناس ولهذا قال عنهم هم الحرورية، أي ما جاء في هذه الآية من أوصاف لأنها تنطبق عليهم، وقد جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيهم أحاديث قال: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وقال: (يقتلون أهل الإسلام ويذرون أهل الأوثان)، ولهذا لخبث مذهبهم وفساده العريض ما يستغرب لما يحصل منهم أعمال مدمرة للمسلمين ويحصل منهم نكايات وأضرار بالمسلمين لأنهم من المفسدين في الأرض أعظم الفساد، قال: (يقتلون أهل الإسلام وينذرون أهل الأوثان) ولهذا سعد رضي الله عنه لما قرأ هذه الآية (وما يضل به إلا الفاسقين* الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) قال: "هم الحرورية" أي الخوارج.
  أنتم لما تسمعون كلامي ثم تقرأون كلام الشيخ تفرقون بين العلم المؤصل والعلم الذي هو كما يقال تمشية حال، فالذي أقوله هذا الشيء يعني تمشية حال، لكن هذا علم مؤصل، كلام الشيخ رحمه الله، ولهذا ركزوا على كلام الشيخ أكثر من التركيز على ما أقول، نسأل الله العافية والمعونة على كل خير.
 ■ قال: "(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) قال: "هذا يعُم العهد الذي بينهم وبين ربهم" أي فيما أمر به من توحيده، إخلاص الدين له، والبراءة من الشرك، والذي بينهم وبين الخلق الحقوق في مقدمتها حقوق ماذا؟ الوالدين، ثم الأرحام والجيران، وإلى غير ذلك من الحقوق التي جاءت بها الشريعة، "والذي بينهم وبين الخلق الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون أوامر الله، ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق". هذه الجملة الأولى.
● الثانية قال: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) قال: "وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به، والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله صلى الله عليه وسلم بالإيمان به، ومحبته، وتعزيره، والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب، وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها" فذكر أنها عامة (يصلون ما أمر الله به أن يوصل) ذكر أنها عامة، عامة في حقوق الله، وعامة أيضا حقوق الرسول عليه الصلاة والسلام، وأيضا حقوق الخلق، فأما المؤمنون فوصلوها ، فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق مثل ما قال الله جل وعلا في سورة الرعد (أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربه الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) فهذه صفات أهل الإيمان قاموا بحقوق الله، ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل، وسعوا في الأرض بالإصلاح، أصلحوا أنفسهم في سيرهم على أرض الله، وعملوا على إصلاح عباد الله سبحانه وتعالى، فسلموا من الخسران الذي وقع فيه هؤلاء وباء به هؤلاء، قال: "فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم، معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي".
●  هنا تأتي الجملة الثالثة من الآية وهي: (ويفسدون في الأرض) قال: "والعمل بالمعاصي" وهو ما ذكره الله في هذه الآية في قوله: (ويفسدون في الأرض) والعمل بالمعاصي وهو الإفساد في الأرض، تقدم النقل عن مقاتل وغيره من أئمة التفسير في معنى قوله (يفسدون في الأرض) قال يعملون فيها بالمعاصي.
 قال جل وعلا: (أولئك) أي من هذه صفته، وهذه صفاتهم (أولئك هم الخاسرون) وفي سورة الرعد قال (أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (أولئك) أي أهل هذه الصفات. الفاء المدخلة في القوس في بعض النسخ تُزال.
  (أولئك هم الخاسرون) أي من هذه صفته هم الخاسرون، الخسران ما نوعه؟ الخسران الأكبر، لأنه كما مر معنا في القاعدة إذا نسب الخسران أو الظلم أو الفسق أو نحو ذلك من الألفاظ إلى غير أهل الإسلام فالمراد بها الأكبر الناقل من الملة، قال: "هم الخاسرون في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان"
الشيخ يقول: "ليس لهم نوع من الربح"
قد يقول قائل: بعضهم عنده أعمال خيرية، ينفق في أعمال الخير، يبني مثلا دورا للأيتام، أو يكفل أيتاما، أو يعطي فقراء ومحتاجين، أو يعالج مرضى، يقوم بأعمال بعض كبيرة جدا والشيخ يقول ليس لهم أي نوع من الربح مع إنه عدد منهم عنده من هذه الأعمال، الشيخ يقول: "ليس لهم نوع من الربح" قال مبينا ذلك "لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له" مثل ما قال الله: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) الخسار ما نوعه؟ الأكبر..
أيضا قول الله عز وجل (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) النفقة عمل صالح (وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) هذا هو المانع (إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله)..
(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين* بل الله فاعبد وكن من الشاكرين)
فالكافر لا ينفعه إن وجد منه أعمال صالحة، لا تنفعه، جاء في صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن واحد من أعيان المشركين كان معروف بالبذل والنفقة والصدقة، وفك العاني، ومساعدة المحتاج، وأعمال عديدة كانت له، قالت عائشة رضي الله عنها -كما في صحيح مسلم- (أرأيت عبد الله بن جدعان يفعل كذا، ويفعل كذا، يفعل كذا) تعدد أعمال كبيرة كان يقوم بها، (قالت: أينفعه ذلك؟ -يعني عند الله- أينفعه ذلك؟ قال: لا، لأنه ما قال يوما قط رب اغفر لي خطيئة يوم الدين) يعني الأعمال التي قام بها لم يقم بها ليوم الدين، وإنما قام بها للدنيا فما يجد ربحا، ما يجد ثوابا على تلك الأعمال، هذا معنى قوله: "لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له" وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا، وقد يكون معصية، وقد يكون تفريطا في ترك مستحب المذكور في قوله تعالى (إن الإنسان لفي خسر) فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بأربع صفات بالإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، حقيقته -يعني هذا الخسران- فوات الخير، حقيقته أي الخسران أو الخسر الذي ذكر في الآية فوات الخير الذي كان العبد بصدد تحصيله، وهو تحت إمكانه.

📖 قال رحمه الله: "ثم قال تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي كيف يحصل منكم الكفر بالله الذي خلقكم من العدم، وأنعم عليكم بأصناف النعم، ثم يميتكم عند استكمال آجالكم ويجازيكم في القبور، ثم يحييكم بعد البعث والنشور، ثم إليه ترجعون فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه وتدبيره وبره وتحت أوامره الدينية، ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي أفيليق بكم أن تكفروا به؟! وهل هذا إلا جهل عظيم، وسفه كبير، بل الذي يليق بكم أن تتقوه وتشكروه، وتؤمنوا به وتخافوا عذابه، وترجوا ثوابه"
نعم، نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما…. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.. جزاكم الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق