الأحد، 23 يونيو 2024

 فوائد الآيات ( ٩٦ - ١٠٣) من سورة البقرة

في قوله تعالى: (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يٌعمر) لما قال في وصفهم (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يُعمر) فيها من الفوائد:
أن طول العمر لا يفيد إذا كان في معصية، فهل سيتغير مصيرهم وسيزحزحون من العذاب إذا طال هذا العمر؟ لن يزحزحوا فأفاد أن طول العمر لا يفيد إذا كان في معصية.
طيب لو كان في طاعة هل يفيد؟ نعم يفيد لأنه ورد في الحديث إن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس؟ قال (من طال عمره، وحسُن عمله) فإذا كان الإنسان في طاعة فطول العمر ينفعه، أما إذا كان في معصية فلن يفيده طول العمر، وبالتالي هذا يفتح لك آفاق في التأمل في قضية اغتنام الأوقات وأن كل لحظة تمر عليك في الحياة الدنيا هي من مواطن السؤال يوم القيامة عن عمره، فيما أفناه، وصحته، واغتنم خمسا قبل خمس، عندنا أحاديث كثيرة وآيات كثيرة تدل على اغتنام الأوقات وكيف يمكن أن يكون العمر وزيادة الأوقات كيف أنها تكون سببا لدخول الجنة، أو سببا لرضوان الله سبحانه وتعالى.

■ في أية (٩٧) لما قال الله عز وجل: (فإنه نزّله على قلبك) أفادت أن محل تلقي القرآن هو القلب وللسلف كلام طويل في إنزال القرآن على القلب وثمرة ذلك وما هو فعل القلب تجاه القرآن الكريم، وهذه آمادها طويلة، يعني حتى في نهاية الكلام (فإنه نزّله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) سيُفهم منه أنه كلما كان الإنسان مؤمنا كلما حسُن تلقيه للقرآن، وكلما كره الإنسان القرآن أو كره العمل به، أو تثاقل في تطبيقه فهو فاقد للإيمان، فقدانا كليا أو فقدانا لبعضه حسب حالة القلب مع القرآن الكريم.
هذا دعوة لأنفسنا أننا نرجع ونرى ما أحوال قلوبنا مع القرآن الكريم، هل بالفعل أننا نتفاعل معه كلما أتت موعظة من القرآن، كلما تلونا آية فيها موعظة استسلمت قلوبنا وخشعت وكنا كما وصف الله سبحانه وتعالى في خاتمة سورة الإسراء (يخرون للأذقان سجدا يبكون) وما إلى ذلك، وإلا يكون (زادتهم رجسا إلى رجسهم) والعياذ بالله، أو أصبحت قلوبنا غلف، أو ما بين ذلك يعني كل إنسان يتفقد قلبه، الشاهد: أن القلب هو محل تلقي القرآن الكريم.

■ بعدها تأتينا آية السحر وهي -والله أعلم- إنها إحدى المحطات في هذه السورة التي لا تستطيعها البطلة كما ورد في فضلها، وأيضا إحدى المحطات التي بسببها ينفر الشيطان من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ولذلك أصلا يستخدمها الرُقاة إذا أتوا يرقون من به مس وغيره لأنها تشرح السحر و تنفي نفوذه مع التوكل على الله سبحانه وتعالى، لكن إجمالا نقول من الفوائد:
● أن آثار السحر متعددة، منها ما يُمرض، ومنها ما يزيل العقل، ومنها ما يخدر الإنسان فيغير حواسه بحيث يسمع ما لم يكن، أو يشاهد الساكن متحركا أو العكس، ومنها ما يجلب المودة والبغضاء. بعض هذه الآثار موجودة في الآية التي بين أيدينا، وبعضها موجودة في آية الربا أو في آية (كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران) في سورة الأنعام، وبعض الأدلة بشكل عام. لكن الآيات التي بين أيدينا ركزت على قضية التفريق بين المرء وزوجه التي هي مسألة المحبة ومسألة البغضاء.
 
من فوائد هذه الآية: أن السحر له تعلق باليهود لأن هذه الآية وردت في ثنايا الحديث عن بني إسرائيل، فاليهود يستخدمونه كثيرا وأن اليهود أخذوه من الشياطين (واتبعوا ما تتلوا الشياطين).

● أفادت الآيات أن تعلُم السحر كفر مُخرج من الملة (ولكن الشياطين كفروا).

● أفادت الآيات أن من الفتنة والابتلاء تيسير أسباب المعصية.
وأين موطنها؟ لأن الله عز وجل أنزل الملكين يعلمون الناس السحر، إذن يُسرت أسبابه ولكنه كان فتنة وابتلاء (وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)
فهنا يُنظر إلى أن تيسير الأسباب ليس دليل على صحة المسلك، أحيانا الله عز وجل يبتليك فيُيسر لك أسباب المعصية فيكون ذلك ابتلاء لقلبك ما مدى اتباعك. نظيرها مثلا قصة أصحاب السبت كان يوم السبت تتكاثر الأسماك أكثر من غيرها لأنهم نهوا عنه فرسبوا في الاختبار ونصبوا شباكهم ووقعوا في الابتلاء ووقعوا في المعصية.
ممكن تأخذ لها نظيرا في قضية الابتلاء في تيسير أسباب المعصية في سورة المائدة في الصيد: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد) ماذا قال في وصفه؟ (تناله أيديكم ورماحكم)
والفتنة أين؟ (ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) فهذه ينبغي أن يٌفطن لها إذا وجدت نفسك في لحظة تقرُب من عندك أسباب معصية ممكن أنك تمارسها ولا يطّلع عليك أحد، وأظن أن الآن في عصرنا الحاضر البلاء عظيم في هذه القضية أصبح في جهازنا المحمول ممكن أن نفتح نافذة مع أشكال وألوان من المعاصي وما أحد يطلع علينا في ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، فيكون قمة الابتلاء يعظم معه إنك إذا أطعت لأنك لا أحد يطّلع عليك وقادر إنك تتستر وسبيله سهل في يدك ومع ذلك أطعت الله سبحانه وتعالى وأحجمت هنا تعظم قيمة الطاعة وتكون نجحت في الابتلاء.
وفي المقابل الذي يسترسل و يطلق لنفسه العنان ويمشي قُدما مع هذه المعاصي فهنا يكون واقع في الفتنة، ووقع في الفتنة ووقع في الابتلاء.

● في أية السحر لما قال الله عز وجل (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أفادت أن الأسباب مهما عظُمت لا تؤثر إلا بإذن الله عزوجل. وهذه تجعل الإنسان ينبغي عليه أن يقوي عنده التوكل على الله سبحانه وتعالى مهما ادلهمت الخطوب وأحاطت أسباب الشرور بك، فإنك إذا أيقنت إن الضرر لن يقع إلا بإذن الله سبحانه وتعالى ثم سألت الله عز وجل وأنت تتضرع من هذه الزاوية فإن الله سبحانه وتعالى هنا لحظة الاضطرار التي وعد الله عز وجل (أمن يجيب المضطر إذا دعاه)
لماذا الله عز وجل يجيب المضطر حتى للكافر؟
لأنها هي لحظة قوة التعلق بالله سبحانه وتعالى، عندما تتقطع الأسباب عن الآخرين إلا بالله سبحانه وتعالى، هذه لحظة يحبها الله سبحانه وتعالى ولحظة عبودية. فما أجمل أنها تكون معنا طوال الوقت، ليس بلازم حين يقع البلاء، في كل لحظاتك إنك تعلم إنه ما يضرك شيء وبالتالي أصلا ما تكون في موقف إنه يصلك الضرر، يكفيك الله عز وجل من قبل أن يدنوا منك، هذا إذا علم الله عز وجل فيك خيرا بأنك تتأمن من هذه الزاوية.
الشاهد: أن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى والعلم بالله عز وجل بأسمائه وصفاته من أنه لا يضر أحد إلا بإذن الله فإن الأسباب كلها بيد الله عز وجل إن شاء أمضاها وإن شاء عطّلها، هذه في الحقيقة هي حقيقة التوكل على الله سبحانه وتعالى.
-----------------------------------
https://t.me/fwaidalayat/60

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق