الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

سِر الانحراف بعد الاستقامة / بينات 1438هـ [5] سورة الأنعام الآيات من (88 - 90)


بسم الله الرحمن الرحيم ..
 الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد..
فأحمدُ الله سبحانه وتعالى الذي يسّر لنا هذا المجلس الكريم وأسأله سبحانه وتعالى أن يبارك لي ولزملائي الشيخ محمد الخضيري والشيخ عبد الرحمن ولكل من يستمع أو يرى هذا البرنامج وأن ينفع به وأن لا يحرمنا أجر دعواتكم إنه سميع مجيب.
كنا وقفنا عند قوله سبحانه وتعالى : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقلنا أن السياق في هذه الآيات هو في سياق الأنبياء وأن الخطاب في هذه الآيات موجه لهؤلاء الأنبياء وأن الله تعالى لا يُحابي أحداً في الشرك ، ولهذا من تفظيع أمر الشرك أن الله سبحانه وتعالى يكرهه كرهاً تاماً حتى أنه يكرهه مِمن لا يُتصَّور وقوعه منه وهم الأنبياء لهذا يحذر الله سبحانه وتعالى من الشرك بطرائق متعددة ، فهذه الطريقة من طرق التحذير من الشرك قد يغفل عنها كثير من المسلمين ولا ينتبهون إلى عظمة هذا الأمر وأن الإنسان يجب أن يحذر منه الحذر التام ونحن لا نتكلم عن الشرك الأصغر الذي حذر منه الرسول ﷺ بل نتكلم عن الشرك الأكبر المُخرج من الملة لأنه قد يقع بعض المسلمين في بعض الأعمال التي تُخرج من الملة وهو لا يعرف أنها تُخرج من الملة فيقع في هذه المصيبة ، ولهذا الإنسان المسلم الحق هو الذي يخاف على نفسه من هذا النوع من الشرك ، بعض المسلمين إذا ذكرت له هذا يقول : لماذا أنتم تُحذرون من الشرك؟ هؤلاء مسلمون!
أبو الأنبياء الذي جاء الحديث عنه في هذه السياقات الذي قال  الله سبحانه وتعالى عنه : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} هذا أبو الأنبياء بعد أن بنى البيت وجاءه إسماعيل وجاءه إسحاق وبنى البيت يقول عن نفسه : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } هل يُتصور بعقل إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي لم يؤمن بهذه الأصنام قبل أن تأتيه النبوة ولم يقتنع بها أن يعود للأصنام بعد أن هداه الله بالنبوة ؟! لا يُتصور ومع ذلك يخاف على نفسه وعلى بنيه مما يدل على أنها فتنة ، يعني لا يتصور الإنسان مثلاً إذا ذهب واحد إلى الهند أو غيرها ورأى بعض الناس يسجدون لصنم بوذا أو لغيره من الأصنام الغريبة جداً ، بعض الناس يقول : ما هذه العقول ويستسخف عقولهم ، نعم هي مستسخفة من جهة لكن أيضاً يجب أن تعلم أن هذا العقل مثل عقلك لكن هذا العقل لم يُهدَى إلى شرع الله لم يُهدى إلى الوحي فأنت تخاف على نفسك أن تقع بمثل ما وقع به ، ونحن نعلم أو نسمع اليوم أن بعض شبابنا يقع -لا سمح الله- في الإلحاد أو غيره ومن يتصور؟ يعني أنت لا تتصور أن أحداً يقع وهو معه مشعل الشريعة ومعه نور الحياة عنده ومع ذلك أضله الله {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ}.
د. محمد الخضيري : هذا يُذكّرنا يا أبا عبد الملك بأهمية سؤال الله عز وجل الثبات وأن الإنسان ينبغي له دائماً وأبداً أن يسأل الله عز وجل الثبات على الأمر ، لذلك كان من دعاء النبي ﷺ (اللهم إني أسألك الثبات على الأمر أو الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ) وكان من يمينه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول ( لا ومقلب القلوب ) كانت أم سلمة تقول له : يا رسول الله إني أراك تكثر من هذا! فقال : يا أم سلمة (إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ) إذا كان النبي ﷺ  يتخوف من ذلك وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام وهو أكمل هذه البشرية وأحب عباد الله إلى الله سبحانه وتعالى يخاف من هذه الخاتمة فما بالك بنا نحن فحري بالإنسان دائماً يسأل الله حُسن الخاتمة والثبات على الدين حتى يلقى الله سبحانه وتعالى.
هذا الأمر يا إخواني خطير ، قد تكون الآن عندك من اليقين والتشبع بالدين ومحبة هذه الرسالة ولا ترى أن هذا الأمر يمكن أن يطرأ عليك لكن قد يتزلزل قلبك في لحظة من اللحظات ويغمرك الشك ويأتيك من حيث لا تحتسب . والله يا اخواني قابلت رجلاً قاضياً في إحدى المدن في المملكة فحّدثني عن قصته كيف أن الشك دخل عليه مرة من المرات يقول : حتى اسودت الدنيا في عيني وأصبحت أشك في الله وفي الرسول وفي الرسالة وفي الشريعة ويذهب في الصباح إلى المحكمة ليقضي بين الناس ، قال : حتى إني ركبت سيارتي وذهبت إلى الشيخ ابن عثيمين أسأله عن حالي كيف أخرج من هذه الظلمة؟ من هذا البلاء الذي دخل عليه وما كان يطرق باب قلبي قبل ذلك ، تصوروا يا إخواني الأمر خطير ، فقلت أنا : ما الذي أصابك؟ قال : والله لا أعلم. سبحان الله .. ما الذي يحصل؟ يحصل أن الإنسان يأمن مكر الله سبحانه وتعالى وها هنا يُؤتى الإنسان ، أو يركن إلى عمله وإلى إيمانه ولا يعلم أن هذا الهدى من الله ، مِنّة من الله سبحانه وتعالى ينزله على قلبك ويجعل قلبك مطمئناً به لكن في يوم من الأيام قد يسلبه منك لأنك ما شكرت أو لأنك عيّرت. قيل للشيخ ابن باز -رحمه الله- : ما تفسيرك لكون بعض الناس يكون مستقيم شديد الاستقامة، مؤمن قوي الإيمان ثم ينحرف؟ قال : هذا أحد أمرين : إما أنه ما شكر الله على نعمة الهداية أو أنه عيّر أحداً بزيغ.
والحقيقة هذان السببان فعلاً ينبغي لنا أن ننتبه لهما لأن كثير من الناس قد لا ينتبه يمكن أن تشكر الله على نعمة السمع والبصر والطعام والشراب والصحة والماء لكن تنسى نعمة الهداية، تنسى نعمة الطمأنينة، نعمة اليقين، نعمة الراحة، ذوق الإيمان وطعمه، تنساها تماماً فلا تشكر الله عليها، في المقابل أحياناً الإنسان يرى هؤلاء العصاة المنحرفون فيهزأ بهم ويسخر منهم ويتعجب ويقول : كيف هؤلاء ضلت عقولهم؟ ما يدري أن الذي هداك هو الذي أضل هؤلاء وهو قادر على أن يجعل هؤلاء مكانك وأنت مكانهم فإياك أن تأمن .. إياك أن تأمن أو تطمئن إلى نفسك {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه }
د. عبد الرحمن الشهري : ولذلك الله سبحانه وتعالى قال هنا :{ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ} فهي مِنة يمتن بها الله سبحانه وتعالى عليك.
 هنا مسألة يا شباب وهي قول الله سبحانه وتعالى :{كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} وذكر الأنبياء، ثمانية عشر نبي في هذا السياق ولذلك هذا الموضع في سورة الأنعام من أكثر المواضع في القرآن الكريم سرداً لأسماء الأنبياء، ثمانية عشر نبي مع أن المذكورين في القرآن الكريم خمسة وعشرون فقط فيعني إذاً في هذا الموضع أكثر الأنبياء ، لكن لاحظوا في قوله بعد هذه الآيات التي سردها عن الأنبياء عليهم السلام وكلهم من ذرية نوح عليه الصلاة والسلام ومن ذرية إبراهيم قال :{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ} المقصود بهم كفار قريش { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } ففيها مسائل:
أولاً : ما المقصود بقوله :{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ }؟
 المقصود بالكتاب هنا هو جنس الكتب السماوية التي أنزلت عليهم فقد أنزل الله على إبراهيم صحف إبراهيم وأنزل على عيسى الإنجيل وعلى موسى التوراة والزبور على داؤود عليه الصلاة والسلام وهكذا وقال :{ وَالْحُكْمَ } والمقصود به معرفة الأحكام التي اشتملت عليها هذه الكتب وتفصيلها وبيانها للناس ، { وَالنُّبُوَّةَ } وهذا الشرف العظيم لاحظوا أيها الإخوة -سبحان الله- إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما خرج مهاجر وشبه مفارق لقومه عوّضه الله سبحانه وتعالى بهذه الذرية العظيمة وجعلهم أنبياء وجعلهم ملوك ولذلك قال الله في سورة النساء :{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } نفس الكلام الذي هنا { وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا*فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْه } فانظر إلى هذه المنة العظيمة التي عوّض الله بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لتوحيده ومنابذته للشرك وصرامته في بيان الحق.
 وهذا أيضاً درس لكل داعية إلى الله سبحانه وتعالى أن يصبر ويحتسب فيما يفوته من هذه الدنيا بسبب إيمانه وبسبب يقينه وأن الله سبحانه وتعالى سيعوضه في الدنيا وفي الآخرة.
د.مساعد الطيار : فيه مسألة اشرت إليها أبو عبد الله وكنا أيضاً أمس كان بودي أن نذكرها في بعض المواقف لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في مسألة الأتباع في وقت النبي، يعني لو نحن أحصينا عدد أتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام في وقته لو كنا سنقيس المسألة مادياً وحسابياً لم يؤمن {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} يعني خرج من أرض قومه وليس معه مؤمن إلا لوط وأُرسل إلى قوم آخرين وسافر، ولهذا لما ذهب إلى مصر قال : إنه ليس على وجه الأرض مؤمن إلا أنا وأنتِ ويقصد عليه الصلاة والسلام على وجه الأرض التي هو فيها -وإلا هو يعرف أن لوط كان مؤمناً- فوُلد له إسماعيل وإسحاق ولم يُذكر أنه آمن به كثير وعُمِّر عليه الصلاة والسلام ومات ولكن ذكره ودينه باقي إلى اليوم { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } وهذا يجعل المسلم يتأمل في مثل هذا الرجل الذي آتاه الله ما آتاه وهو خليل الله يعني أحب عباد الله إلى الله الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم الخليل محمد عليه الصلاة والسلام وإن كان الخليل محمد مقدماً على الأب في المحبة لكن انظر كيف بقي ذكره ولا يكاد يذُمه أحد الذي هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعني لا يكاد يذمه أحد من أتباع جميع الأنبياء كلٌ يدّعي أنه منتسب إلى هذا الشيخ عليه الصلاة والسلام. فهذا يذكرني ببعض العلماء الذين قد يكون يغيب ذكرهم في وقت وجودهم أو يقِل أنصارهم أو يكثر أعداؤهم ولكن ينتشر علمهم بعد موتهم بسنوات مثل ابن تيمية ، بل في بعض الكتب التي تكلمت عن وفاته بعض أصحابه بل بعض الأشياخ الكبار كانوا يقولون عنه أن هذا لا ينتشر علمه إلا بعد وفاته.
 لأنه سبحان الله تعرفون أن المعاصرة حجاب ، وسبحان الله هي تكون حجاب عن نوعين : أحياناً تكون حجاب عن كشف الخطأ وأحياناً ممكن تكون حجاب عن الانتفاع ومعرفة الحق. وغيره من العلماء يعني لو أنت كشفت ستجد أنهم سبحان الله لو مثلاً -على سبيل المثال- الراغب الأصفهاني ترجمته لا تكاد تجد ترجمة له ولكن انظر الآن إلى مؤلفاته -ما شاء الله- وخصوصاً كتابه في غريب القرآن لا يكاد يخلو منه بحث طالب علم ، " وكتابه [الذريعة] من أجمل الكتب" لكن هذا غير مشهور،النووي رحمه الله تعالى وانتشار كتبه ،  فبعض العلماء -سبحان الله- جعل الله لهم صيت وذِكر بعدهم، وهذه نعمة كبيرة جداً جداً.
 قصدي من ذلك أن الموضوع لا يُقاس بالأمور المادية ولا يقاس بالأعداد في زمن ذلك النبي بينما المسألة مسألة منهج وهذه المسألة إذا نحن تملينا بها وفهمناها الإنسان دائماً يطلب ما عند الله لأنك أنت إنما تعمل لله فإذا عملت لله فهو سيتكفل بكل شيء لك لكن عليك بالدعاء ولهذا من أكثر الأنبياء دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام - يدعو لنفسه ولأبنائه-  وأحد معاني الأواه هو الكثير الدعاء يعني يسترجع كثيراً مع محبة الله له. ونحن نُقصِّر في هذا الباب تقصيراً عظيماً جداً جداً.
د.محمد الخضيري : في قوله عز وجل :{ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ } يعني أهل مكة { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين } هذه نلمس منها وعداً كريماً من الله  لنبيّه محمد ﷺ بأن دينك سينتشر فيدخل فيه أقوام لم يُخاطَبواً به ابتداء -يعني كأهل مكة الذين خوطبوا به إبتداءً وقامت عليهم الحجة أولاً- سيأتي قوم لا تعرفونهم وليسوا من لغتكم ولا من عِرقِكم ولا من قارتكم يدخلون فيه وهذا الآن مِصداقه في هذا الأيام بشكل واضح وكبير جداً ، ألا تلاحظوا يا إخواني بعد وجود هذه الوسائل الإعلامية أياً كانت سواء وسائل التواصل الاجتماعي أو اليوتيوب أو القنوات الفضائية أو الراديو أو غيرها، رسالة الإسلام الآن لا يكاد يخلو منها بيت تدخل ويدخل بسبب ذلك أمم، واذكر على سبيل المثال أحد التجار من بنين أُعجب بفكرة الإذاعة وهو تاجر لم يكن رجلاً معروفاً بالصلاح والاستقامة لكن كان عنده غَيرة على دينه فبنى مسجداً ضخماً كلّفه قريب من عشرين مليون دولار، مسجد ضخم ووضع في ضمن المسجد إذاعة وكان الناس يشككون في جدوى هذه الإذاعة وأثرها فتغير شيء في الدعوة ما كانوا يتوقعونه وهو أن الناس كانوا في السابق أو الدعاة يذهبون في قوافل إلى القرى يدعون إلى الله سبحانه وتعالى فيدخل الناس في دين الله ، قال : فتغيريت المعادلة بعد انطلاق الإذاعة أصبح الناس يأتون إلينا في الإذاعة ليدخلوا في دين الله بسبب أثر هذه الإذاعة وهم لا يعرفون هذا الدين أين نشأ أو من أين جاء وإنما يتأثرون بهذه الرسالة السامية المبنية على التوحيد وعلى سلامة القصد وعلى وضوح الرؤية في أمر الدنيا والآخرة فيذعنون سبحان الله.
 أنا رأيت شيء عجيب سبحان الله في عام 2000 ميلادي الذي هو عام تقريباً 1420 هجري كان ذلك العام بابا روما قال : هذا العام سيكون عام النصرانية في أفريقيا فأنا أسأل الإخوة الدعاة الذين يعملون في هذه المنطقة قالوا : ما رأينا الإسلام انتشر في وقت أو في عام مثل انتشاره في ذلك العالم مع ضعف إمكانات الدعاة ومع كثير من المشاكل التي يلاقونها والتضييق إلا أن الدعوة تسري في الناس بشكل لا يتصوره أحد بل وبطرق خفية لا دخل لأحد من البشر فيها {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ، والله أذكر في مرة من المرات جلسنا في مجلس فقال لنا أحد من في المجلس : يا إخوان اتصل بي شيخ قبيلة يقول أنه يريد الدخول في الإسلام فأرجو منكم أن تذهبوا معنا كي ندخله في الدين، فعلاً ذهبنا إليه ولما جلسنا معه سألته أنا بنفسي من دعاك للإسلام؟ قال : ما دعاني أحد ، قلت : هل قرأت عن الإسلام؟ قال : لا ما قرأت ، قلت له : كيف؟ قال : أنا من سنين أقارن بين المسلمين وغيرهم كلما أجريت المقارنة وجدت أن المسلمين أفضل من غيرهم في الأمانة .. في الصدق .. في سلامة النية .. في الكرم، حتى يقول في سماحة النفوس وضياء الوجوه ، قال : أنا أسلمت بالمقارنة ما أحد طرق بابي في يوم من الأيام ودعاني أو أعطاني كتاباً أو مصحفاً أو كلمني عن الإسلام ، قال : فاقتنعت بأن هذا الدين هو الحق ولذلك أن دعوتكم هذا اليوم لكي أعلن إسلامي أمامكم. أسلم هذا الرجل وحج ومات في المدينة سبحان الله العظيم.
د.عبد الرحمن الشهري : هذه كلها أدلة -سبحان الله- تثبت فعلاً أن هذا الدين مقنع بنفسه فكيف إذا الدعاة حملوه وأحسنوا حمله وبلّغوه وأحسنوا تبليغه.
د.محمد الخضيري : أقرأ كلمة للدكتور أحمد الخليل جميلة جداً قال : "الذين حملون الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى صنفان من الناس الصنف الأول من يقدم هذا الدين كما هو وهذا الصنف في الأصل تجده معتز بدينه -عنده اعتزاز كامل بدينه- لذلك يقدم الدين كما هو لا يُميّع ولا يُذوِّب ولا يُلوّن ولا يُغير أو يبدل من أجل شهوات الناس أو آرائهم، بل يعرض الدين كما جاء عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله ﷺ قال : وتجد التأثر بهذا أكثر- أي نعم لأن الناس يريدون أن يعرفوا الحقيقة ولا يريدوا أن تختلف عليهم الأمور-.
النوع الثاني : إنسان مهزوم من الداخل فهو يريد أن يقدم ديناً للناس يشتهونه على حسب شهواتهم" أنت إذا قدمت شيء للناس على حسب شهواتهم كأنك ما غيرت شيئاً ، يعني إذا قلت مثلاً : الإسلام لا يُمانع من أن تختلط المرأة بالرجل وأن يكون هناك علاقة ، أبداً الإسلام يعامل المرأة مثل الرجال تماماً وتكون معه في كل مكان وتختلط به وهذه الأشياء التي ذُكِرت ليست في الإسلام في شيء. يقول : ما الشيء الجديد الذي عندك ؟ هذه المآسي والمشاكل التي رأيناها من اختلاط النساء بالرجال -مثلا يعني- ما لها حل إذن،  ليس لها حل عندكم أيها المسلمون - { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}-.
د.عبد الرحمن الشهري : ولذلك قصة إبراهيم بالمناسبة هي ترى في هذا الجانب مثال قوي عدم المجاملة خاصة في الأمور العقدية التي لا تقبل النقاش.
د.محمد الخضيري : مما أعجبني مرة ذكر الشيخ جعفر شيخ إدريس -حفظه الله- يقول : إني مرة كنت في دول الكاريبي وقالوا لي : هناك امرأة هنا أسلمت يقول : فذهبنا إليها بعدين عندما سألناها ما الذي دعاكِ للإسلام؟ قالت: أنا رأيت فيلم عن العرب ورأيت من ضمن تصرفاتهم أنهم إذا جاؤا في الخلاء وليس عندهم ماء يتطهرون به نزلوا وضربوا على الأرض وعفّروا وجوههم وأيديهم، قالت: فاستغربت هذه الحركة منهم وأخذت أبحث. هذه الحركة كانت هي المفتاح -التيمم طبعاً- هي المفتاح لماذا يفعلون ذلك؟
 فقالوا : أن المسلمين لا يدخلون على الله عز وجل إلا بفعل يشعرون بأنهم يتطهرون به للدخول على الله سبحانه وتعالى، قالت : فبدأت أبحث في هذا الدين حتى اهتديت إليه.
 فانظر أنه أحياناً أنت قد تتصور أنه بعض هذه الأمور التي تستحي منها أو لا تحب .. تكون سبب في دخول الناس في دين الله عز وجل.
 د.مساعد الطيار : أيضاً لاحظ في قضية الاصطفاء قال :{فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} إذا تأملت فكرة الآية والموضوع الذي ذكرته الأية أن دين الله ماضٍ ماضٍ وأن دين الله مثل السفينة الذي سيركب ينجو والذي سيصد هو الوحيد الذي سيخسر ، فإذاً المقصود أنك أنت تنظر لنفسك هل أنت من الفريق الأول أو من الفريق الثاني، يعني الدين لن يخسر شيئاً ، دين الله لن يخسر، أنت الذي ستخسر. ولهذا بعض الناس عندما يضع خسران الدين بفقدان العلماء أو يضخم هذا الجانب هذا عنده قصور في النظر، تضخيم الجانب أنه والله إذا مات العالم الفلاني ، ذهب الدين ، مَن للدين، هذا قصور في فهم طبيعة هذا الدين وفي فهم منهج الله سبحانه وتعالى الذي جعله في هذا الدين ، هذا الدين نعم يقوم على أشخاص .. على أفراد لكنه لن يموت أبداً ، وليس معلّقاً بأفراد، لم يُعلَّق بشخص النبي ﷺ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } فكيف يُعلَّق بمن دونه، ولهذا نحن إنما نقول : ربِح من ركب هذه السفينة وخسر من صد وأعرض عنها.
د.عبد الرحمن الشهري : يقول الله سبحانه وتعالى :{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} في قوله قبلها : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا } أي بالنبوة أو بهذه الأشياء الثلاثة وإن كان الضمير على النبوة أكبر لأن الكفر بها كفر بما قبله لأن النبوة هي التي تُميز الأنبياء على غيرهم من الناس ، قال :{ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } كما تفضلت.
 لكن قال :{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} لاحظ الأنبياء وسِيَرَهم في القرآن الكريم هي موجودة لأخذ العبرة والعظة ولذلك البحث دائماً في موضع القدوة في سِيَر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي سِيَر الصالحين هي شأن العقلاء في كل أمة ، أن هذه القصص الموجودة في القرآن الكريم المقصود منها أخذ العظة والعبرة، الاستفادة من قصة يوسف العفة والصبر والدعوة، الاستفادة من قصة موسى في الصبر وعدم اليأس في دعوة قومه بالرغم مما فعلوا، قصة إبراهيم هنا في استمساكه بدينه وعقيدته بالرغم من منابذة أهله كلهم وأقربهم والده وقِس على ذلك ، ولذلك لاحِظ النبي ﷺ وهو في مكة أحوج ما يكون للتثبيت تأتيه هذه القصص لكل هؤلاء الأنبياء العظماء وعلى رأسهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن كل ما تواجهه الآن يا محمد أو ربما تواجهه في المستقبل فقد مرّ على  .. وليس هناك أجمل من أن تجد عبرة وعظة في سير العظماء والناجحين ، ولذلك لاحظوا الآن القصص حتى في سير المسلمين وغيرهم كيف كتب التراجم وكتب القصص وكتب التاريخ هي مجال رائع جداً للتربية، وقديماً كانوا يقولون أنهم كانوا يعتبرون القصص من جنود الله وذكر عن أبي حنيفة قال : "إننا أحوج ما نكون إلى معرفة سِيَر الناجحين" واليوم لاحظوا ما أكثر كتب الناجحين وقصص النجاح التي تعطي المبتدئ عبرة لأن ليست طريق الأنبياء وطريق الدعوة إلى الله مفروشاً بالورود ولذلك أذكر قصة تُذكر عن الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- يقال : أنه في أول دفعة تخرجت من الجامعة الإسلامية فألقى مدير الجامعة كلمة وقال : الآن أنتم مقبلون على مرحلة طيبة ومرحلة مليئة بالنجاح -يقصد الدعوة إلى الله- ولم يذكر أنهم سيواجهون عقبات وسيواجهون تحديات، قالوا : فقام الشيخ محمد أمين الشنقيطي وطلب الكلمة بعد كلمته وقال : هذا غير صحيح وإنما سوف تواجهون ابتلاءات وسوف تواجهون عقبات وهذه التي ذكرها الله في القرآن وذكر قصص الأنبياء وذكر وذكر وقال : ليس صحيحاً أن يُصوّر للدعاة الجدد أنهم سوف لن يصطدموا بعقبات بل هذا هو الأصل، الابتلاءات وربما السجن وربما القتل فهذا طريق محفوف بالمخاطر وبالمشاق وبالعقبات ولهذا ينبغي أن تصبروا وقد قال الله تعالى كذا.. وقال الله تعالى كذا.. وقال الله تعالى كذا.. وذكر هذه الآية {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الخطاب للنبي ﷺ ونحن نقول أيضاً نحن مدعوون للاقتداء بهؤلاء عليهم الصلاة والسلام كلٌ في بابه.
 د.مساعد الطيار : طبعاً هناك أقوال حقيقة في التفسير كنت تركتها لكن ساضطر للرجوع إليها هنا ، بناء على من ذَكَر أن { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } على أنهم الأنصار والمهاجرين يعني ممن آمن بالنبي ﷺ ، كفر به كفار مكة يؤمن بها غيرهم
قوله :{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } { أُولَٰئِكَ } تعود إلى المُوكَّلين أو إلى من؟ إلى الأنبياء المذكورين فيكون إذاً { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } تكون جملة معترضة ، الطبري -رحمه الله تعالى- يختار وهو قول من الأقوال أن { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } أنهم هؤلاء الأنبياء وبناء عليه يكون السياق متناسق ومتصل بعضه ببعض.
 وأيضاً ذكر ابن عاشور كلمة جميلة عندما يقول : أني استقرأت أو استقصيت مواقع (هؤلاء) في القرآن الكريم فوجدت أنهم يُقصد بهم قريش { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ } أن المقصود بهم قريش وأنها في مواضع {بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ} قال : المقصود بهم قريش وهكذا - { لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاء} قد تنخرم - هو يقول معظم المواطن. وهذا استقراء في (هؤلاء) له الحقيقة لفتات.
 في هذه { لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاء } ليس المقصود بجنس معين يعني لا إلى هذا الفريق ولا إلى هذا الفريق كما في السياق.
 د.محمد الخضيري : يوجد في الآية الحقيقة أمر مهم جداً وهو صناعة القدوات يعني لا يُقصد الحقيقة بالدعوات إيجاد مثلاً مجرد علماء يحفظون ويروون وإنما المقصود أن يوجد من يحمل هذه الدعوة ويتمثلها في حياته ليكون قدوة للناس ، الناس حقيقة في حياتهم يحتاجون إلى من يقتدون به ويتأثرون به أكثر من تأثرهم بالعالِم الذي لا يُقتدى به ، الذي إذا رأيته وذكرت الله سبحانه وتعالى ترى الأخلاق واضحة في سَمتِه وهديه وكلامه وأفعاله وتصرفاته ، ترى العبادة .. ترى الكرم .. ترى الصبر .. ترى التضحية والبذل ،  الناس بحاجة إلى هؤلاء أكثر من حاجتهم إلى أي شيء آخر، وهؤلاء هم الحقيقون بوراثة النبوة لأن النبوة علم وعمل فمن ورِث العِلم فقد ورث جزءاً ، ومن ورِث العمل بلا علم ورث جزءاً ، ومن جمعهما وهم القدوة ، هم الذين يُقتدى بهم هم هؤلاء الذين جمعوا بين العلم والعمل ، عندهم علم راسخ صادق وعندهم عمل يوافق ذلك العلم وحاجة الناس إليهم ضرورية جداً ، ولذلك الحقيقة الواجب على العلماء في تخريج هؤلاء الذين يُقتدى بهم والعناية بهم كبير جداً ، بمعنى أن العالم لا يكتفي بإلقاء العلم ولا بمجرد تخريج طلبة علم يحفظون المتون دون أن يكونوا عاملين بهذا العلم.
 الإمام أحمد جاءه طالب حديث فبات عنده فجاء الإمام أحمد ووضع إناء الماء في الليل عنده ظناً منه أنه سيحتاج إلى الماء للوضوء ليقوم ما كُتب له من الليل فلما أصبح وجد الماء على حاله فقال : طالب حديث لا يقوم الليل!! يعني هل تتصور أنك ستكون طالب حديث وأنت لا تقوم من الليل شيئاً؟! فأقول : هذه ضرورية طالب حديث وطالب قرآن أسأل الله أن يجعلنا منهم.
الثانية : هو ضرورة أن يكون للإنسان قدوات يقتدي بها ، يعني كم سمعنا من علمائنا من إذا قلت قولاً قال : من قال به قبلك؟ من فعل هذا قبلك؟ يريدون أن يهتدوا بمن قبلهم من الصالحين والصادقين والعلماء الربانيين -ولذلك يا أبا عبد الملك لعلك تعلق على هذا وتختم بهذا الحلقة- هنا طلبة العلم أحياناً يقعون على بعض الروايات وبعض الأشياء التي تكون شاذة وبعيدة ولم يعمل بها أحد فيجد الطالب ميلاً إلى أن يقول بذلك فيُقال له : على رسلك يا فلان من قال بهذا قبلك؟ من عمِل به قبلك؟ ترى العلماء الكبار اطلعوا على مثل هذا وتركوه قصداً ، ينبغي أن يكون لك قدوة في ما تقول به وما تُشيعه وما تفتي به وما تأمر به الناس ولا تكون شاذاً في هذا.
 فإن قيل طيب هؤلاء المجددون كيف استطاعوا أنهم يخرجوا عن ..، نقول : نعم هم خرجوا عن السائد لكن رجعوا إلى أصل، رجعوا إلى متابعة العلماء الربانيين أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين لهم بإحسان ونحوهم، فلينتبه الحقيقة طالب العلم والداعية قبل أن يشيع قولاً أو يتكلم به أو يسُن للناس سُنة أن ينظر هل على هذا كان العلماء السابقون أو ليسوا كذلك. انتظر منك تعليق أبا عبد الملك على ذلك.
د.مساعد الطيار : الحقيقة هذه المسألة دقيقة وحساسة لأن الفصل فيها صعب جداً وهي تحتاج إلى توفيق من الله لفهم المسألة لأن كثير بالفعل كثير وليس قليل، كثير من طلاب العلم الصغار أو حتى من درج في العلم أو من عنده على الأقل علم شرعي أو حتى بعض الذين ممكن نسميهم بطبقة المثقفين أو غيرهم من هؤلاء لا ينتبهون إلى هذه المسألة ، أنت إذا أردت أن تعمل عملاً وجدت قول فلان من الناس يعني أولاً أن فيك خير أنك تحاول أن تبحث عن مستند لعملك هذا لكن هل هذا المستند مستند معتبَر وصحيح أو لا؟ هناك منهج عام سارت عليه الأمة بعلمائها جيلا بعد جيل وعمل العلماء .. عمل الأمة فإهمال أو إهدار عمل الأمة وعمل العلماء لشذوذات في المسائل ثم إبراز هذه الشذوذات وبثها في الناس هذه مشكلة كبيرة جداً جداً، ولهذا أنا أذكر تناقشت مع أحد -ما شاء الله عليه- عنده علم ويستطيع أن يستدل لنفسه وكذا في مسألة علمية بدون ذكرها فقلت له : يا فلان أنا أقول لك شيء: أنت الآن ترى نفسك مجتهداً في هذا الأمر وأنك وصلت فيه في هذه المسألة بالذات إلى رتبة القدرة على الاجتهاد هذا بينك وبين الله لكن لا أرى لك أن تُشيعه في الناس، فيه فرق بين أنك تعمل به مذهب خاص بينك وبين الله هذا إليك، لكن أن تُشيعه بين الناس وقد جرت الأمة قرون على هذا الأمر، وليس من الأمور العظام التي تقول كذا لأنه كان استشهد بابن تيمية وكيف في قضية الطلاق وإلى آخره، قلت يجب أن نفرِّق بين هذه الأمور وحتى شيخ الإسلام ابن تيمية واجه شديدة وصلت إلى حد تكفيره في هذه المسائل، يعني ليست مسألة سهلة.
 ثم أيضاً فكرة التجديد التي أشرت إليها كثير من الناس يفهمها غلط التجديد ليس المراد بها الإتيان بجديد لا من جهة اللغة كتصريف واشتقاق ولا من جهة إرادة الشارع، الشارع لما قال :( يجدد لها أمر دينها) واضح أنه المعنى أنه تأتي على الناس أو يأتي على الناس زمن ينسون فيه بعض السنن أو بعض الأوامر فهذا المُجدد يعيدهم إلى ما كان عليه الأمر في وقت الرسول ﷺ ، أما من جاء بجديد فهو عُرضة للابتداع ولذا قال : (من أحدث) أحدث يعني : جاء بجديد (من أحدث في أمرنا هذا شيئا ما ليس منه فهو رد) فكثير -مع الأسف- من المعاصرين كثير جداً جداً يتكلمون عن التجديد على أن المراد به الإتيان بجديد ، وهو لا يصح ، لا يصح من جهة التصريف والاشتقاق ، ولا حتى يصح من جهة إرادة الشارع ، بل الشارع نبّه وحذّر من الجديد أنه قد يكون محطاً للابتداع.
 لا يعني طبعاً قطع كل شيء جديد لكن المقصود أن يكون هناك نوع من التوازن الشرعي.
 أسأل الله تعالى العدل والإنصاف في العلم والعمل إنه سميع مجيب ونستمحكم عذراً أيها الأخوة المشاهدون أن نقف عند هذا القدر ونكمل إن شاء الله في اللقاء القادم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق