الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

وصف الله الأنبياء بالصالحين ولم يصفهم بالمُصلحين!! / بينات 1438هـ [4] سورة الأنعام الآيات من (83 إلى 88)


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيرا ..
حياكم الله أيها الإخوة المشاهدون الكرام في هذا المجلس القرآني من مجالس برنامجكم بينات ومع أصحاب الفضيلة الدكتور مساعد الطيار والدكتور محمد الخضيري حياكم الله جميعاً .


ما زلنا يا مشايخ نتحدث عن قصة إبراهيم ومجادلته لأبيه ولقومه في سورة الأنعام وانتهينا تقريباً من حديثه أو من قوله سبحانه وتعالى :{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد رفعه بالعلم عندما نصره على هذه الحُجج التي أوردها قومه ورفعه ولذلك قال :{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} وأن الرِّفعة الحقيقية هي هنا الرِفعة بالحُجّة وبالإيمان وليست بالقوة ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكن في يوم من الأيام مرفوعاً على قومه وعلى أبيه بالقوة بل كان مُستضعفاً ، كان واحدا مقابل مجموعة كبيرة لكنه قال : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} .
ثم انتقل الحديث بعد ذلك إلى قصة إبراهيم فقال الله سبحانه وتعالى :{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا }.
 بقي لدينا شيء؟
د.مساعد الطيار : ما المراد بالحُّجة في قوله :{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا }؟
أيضاً ذهب جماعة من السلف -لم يورد الطبري غير هذا- أن المراد بالحُجّة هي قوله :{ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } الذي هي المُحاجّة هذه وليس كما فهم بعضهم أنها مُجمل القصة، لا.. وإنما المراد هذا الحدث الأخير ولهذا قال مجاهد: "قال إبراهيم حين سأل : أي الفريقين أحقّ بالأمن؟ قال : هي حُجّة إبراهيم" وقال : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ} قال: لقنّاها إبراهيم وبصّرناها إياه ورفعناه على قومه" وكذلك رواية عن مجاهد أخرى بنفس المعنى أن المراد بالحُجّة هي قوله : { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } .
د. محمد الخضيري : في قوله :{ آتَيْنَاهَا } دلالة على أن التثبيت والتوفيق في المُحاجّة هي من الله سبحانه وتعالى -يعني محض توفيق من الله ، قال : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا }- نسبها إلى نفسه وهذا يدل على أن الإنسان الذي يدخل في محاجّة فرقة ضالة أو خصم عنيد عنده أفكار سيئة ينبغي له أول ما يبدأ أن يستعين بالله سبحانه وتعالى وأن يستمطر رحمة الله جل وعلا في أن يقول الحق بدليله وببرهان ساطع وحُجة واضحة تقمع الباطل وتزيله لأنه أحياناً ما يضر الحق مثل حامِله فيأتي بحق لكنه لا يُبين عنه فيضِل الناس ولذلك نهى العلماء عن المناظرة العلنية لأجل ألاّ يُضرَ الحق لأن من يحمل الحق أحياناً قد لا يُبين عن حجة الحق.
-يعني ليس كل من علِم قادر على الاحتجاج- فالاحتجاج فن قائم بذاته غير اقنتاع الإنسان بذلك الحق وقيام الدليل في قلبه، الإبانة عنه، فقوله :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ} ثم قال بعدها :{ نَرْفَعُ } دليل على أن من أعظم أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة هي العِلم والحُجج التي يؤتيها الله سبحانه وتعالى لعبد من عباده  فمن أراد الرِّفعة في الدنيا والآخرة فعليه بالعلم خصوصاً إذا كان هذا العلم من ما يتعلق بعلم التوحيد والرد على أهل الباطل وعلى المشركين والسالكين سبيل المجرمين .
د.عبد الرحمن الشهري : وأجمل الحُجج وأقواها هي ما أوردها الله في القرآن الكريم ، يعني منهج الحِجاج في القرآن الكريم منهج قوي جداً ومدرسة يتعلم فيها طالب العلم، وقد كتب فيها عدد من العلماء، الشيخ زاهر الألمعي كان من أوائل من كتب في منهج الجدل في القرآن الكريم [مناهج الجدل] وأجاد فيها، وكتب أيضاً قبله ابن الوزير صاحب كتاب [ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان] في الجدل الموجود في القرآن الكريم ، سورة الأنعام بالذات هنا مليئة بأساليب الحِجاج العقلي والجدل التي مع إبراهيم ومع قومه.
د.مساعد الطيار : طبعاً قوله { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ } هذه  قراءة وفي قراءة { دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاء } - فالأول { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} المرفوع هو من نشاء ، والثانية { نَرْفَعُ دَرَجَاتِ } يكون المرفوع الدرجات- طبعاً هما متلازمتان القراءتان متلازمتان ولكن فيه إشارة إلى أن الذي رُفع هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام في محاجته هذه .
د. محمد الخضيري : كان من دعاء السلف أنهم كانوا يقولون : "اللهم يا مُعلِّم إبراهيم علمني ويا مُفهّم سليمان فهمني" ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا أشكلت عليه المسألة استجار وسأل الله تعالى بهذا الدعاء، فينبغي للإنسان أن يسأل الله لأنه وسيلة.
 د.عبد الرحمن الشهري : وأيضاً يظهر في قصة إبراهيم عليه السلام لطف الله به وتربية له وتعليمه له لأنه لم يظهر في قصة إبراهيم عليه السلام أنه كان حوله من يعينه أو من يربيه حتى والده كان أكثر الناس عداوة له وبالرغم من ذلك أنظر إلى كيف الله رفعه بتعليمه، الله الذي تولى تعليمه .
د.مساعد الطيار : ولعل هذا من لطائف ختم الآية بـ (الحكيم) مقدَمة على (العليم) ، لأن العلم يأتي قبل الحكمة وهذان الوصفان جاءا في القرآن { عَلِيم ٌحَكِيمٌ } وجاءا { حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فكأنه -والله أعلم- كلما كان في الأمر شيء من الغموض قدّم الحكمة أو أن هذا كان محط حكمة ، يعني من حكمة الله أن أوجد هذ الرجل في هذا المحيط وهداه إلى التوحيد وهداه إلى المُحاجّة عن التوحيد ومحاجّة قوية جداً جداً ولذلك قال :{ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
د. محمد الخضيري : وقد جاءت في هذه السورة ثلاث مرات قدّم فيها الحكمة على العلم مِما يدل على أن هذه السورة سورة حِجَاج يهدي إلى الحكمة.
قوله : { حَكِيمٌ } بالمناسبة هي تحتمل أن تكون مأخوذ من الحُكم أو من الحِكمة، فإن قيل من الحُكم فإن الله سبحانه وتعالى له الحُكم كله، الحكم القدري والحكم الشرعي، وإن قيل حكيم من الحِكمة التي هي موافقة الصواب والعمل به ووضع الشيء في موضعه
-فهو من تمام العلم- واقتران الإسمين كما يقول العلماء - يعطي معنى زائد- دلالة زائدة فحكمة الله مقرونة بعلم وعلمه مقرون بحكمة خلافاً لما يُرَى كثيراً في البشر -مثلاً- فتجد رجلاً حكيماً لكن لا علم عنده أو تجد رجلا عليماً لكن لا حكمة عنده ، كم رأينا من طلبة العلم ومن العلماء الحُفاظ من إذا جلست معه بهرك بمحفوظاته ومعلوماته لكن -سبحان الله- لا يُحسن أن يتصرف أو يُدير أو يحكم أو يقضي أو نحو ذلك.
د.مساعد الطيار : فقط أريد أن ألفت النظر إلى أن بعض الناس ما يُدرك الكنوز الموجودة عند الطبري -رحمه الله- بعدما ختم الآية ماذا يقول؟ يقول: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ فاتسِ يا محمد في نفسك وقومك المكذبيك والمشركين بأبيك خليل الله إبراهيم ﷺ واصبر على ما ينوبك منهم صبره فإني بالذي يؤول إليه أمرك وأمرهم عالم بالتدبير فيك وفيهم حكيم" طبعاً قد يقول قائل من أين جاء الطبري بهذا الكلام ؟ يعني هذا لازم الخبر ، لماذا قصّ الله قصة إبراهيم على محمد ﷺ كأن فيه نوع من الاتساء.
د.عبد الرحمن الشهري : وطبعاً هذا توسع فيه المفسرون بعد ذلك المناسبات واستنباط الحِكَم أكثر من أيام الطبري ، لكن الطبري إشارته في هذه المرحلة جيدة .
د.مساعد الطيار : نعم..لكن أنا قصدت أن بعض الناس يظن أن الطبري ليس عنده شيء من هذا ونوعه وأنه مجرد آثار.
د.عبد الرحمن الشهري : لكن الطبري أسلوبه عالي فبعضهم لا يُدرِكه ولا يفهمه ، أسلوبه رائع جداً ، أنا لاحظت الطبري والشافعي وأبو جعفر الطحاوي أساليبهم متقاربة في العلو في أسلوبها وصياغتها ، قد أنت أحياناً تقول ممكن أنه يُعبر عن هذا الكلام بأقل من هذا ، يعني مثلاً الطبري وأنا أقرأ في تفسيره لو ترجعون إليه في تفسير {الْحَمْدُ } يريد أن يقول أن الألف واللام في {الْحَمْدُ} للاستغراق، اذهب وانظر يتكلم يتكلم كلام طويل لكن الهدف هو الاستغراق لكن أسلوبهم عالي ،أسلوبهم جميل حتى الشافعي -رحمه الله- في أسلوبه ، الذي يُدمن قراءة هؤلاء يتعود على أسلوبهم ويرى أنه أسلوب طبقة وأن طبقة العلماء في ذلك الزمان كانت راقية جداً.
ننتقل إلى قوله تعالى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام الآن انتهى هذا المشهد الآن وهو يجادل قومه ويحاججهم ، الآن هاجر فالله سبحانه وتعالى قال :{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ } لاحظوا سبحان الله بعد ما كان وحيد ، يجادل هؤلاء وحيداً كيف الله سبحانه وتعالى بارك فيه وفي دعوته الصادقة الصالحة في ذريته فأصبح كأنه أب للبشرية بعد ذلك -هوأبو الأنبياء- فأصبح كل ذريته -سبحان الله- يعني رُزق بابنين فقط وعلى كِبر لكن الله طرح البركة فيهم ، إسحاق وإسماعيل -ما بعث الله نبياً إلا من ذريتهم- إسماعيل لم يُبعث من ذريته إلا محمد فقط ، أما إسحاق فقد كانت ذريته معظمهم أنبياء لاحظ هنا {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوب} إسماعيل ليس مذكور هنا -سيأتي متأخراً-  ثم قال : { كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ } هو خارج الحسبة لأن نوح قبل إبراهيم { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ } يعني من ذرية إبراهيم ولاحظوا هنا من أسباب اختلاف المفسرين عَود الضمير انظر كيف تأتيك بعض الآيات الضمائر مُوهم فمثلاً عندما يقول هنا : { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَمِنْ ذُرِّيَّتِه } هل الضمير يعود إلى نوح وهو آخر المذكور أم يعود إلى إبراهيم صح قال : {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ} هل هؤلاء مرتبون بهذه الطريقة؟ -الترتيب التاريخي؟ لا يظهر- يعني داوود وسليمان بالإجماع أنهم بعد موسى ولكنهم تأخروا بالذكر هنا، -حتى إسماعيل سيُذكر- أي نعم.
قال :{وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } ترتيباتهم بهذه الطريقة يا مشايخ يعني ترتيب الأنبياء في الذِكر هنا في مثل هذا الموضع ومواضع أخرى يعني ما الحكمة يا ترى من هذا الترتيب؟
د.محمد الخضيري: الذي يظهر -والله أعلم- أن الترتيب في القرآن مقصود لكن قد لا يظهر للقارئ أو للمطّلع والمفسِّر ما هو السر في ذلك الموطن، لكن لدينا يقين بأن كل كلمة وُضعت في القرآن في موضع فإن هذا هو الموضع الذي يليق بها ولا يجوز أبداً أن يقدَّم عليها غيرها بدا ذلك لمن وفقه الله عز وجل ويخفى ذلك على آخرين وأضرب على ذلك بعض الأمثلة توضح هذه الحقيقة مثلاً :
 في قول الله عز وجل :{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } لاحظوا أنه قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الإيمان بالله مع أن الإيمان بالله شرط أساس ولابد منه لخيرية الأمة لكن ما الداعي لتأخيره؟
 قال : لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أظهر في بيان خيرية الأمة لأن الإيمان قدَر مشترك بين كل المؤمنين أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي يُبرز خيرية الأمة على غيرها  يؤكد هذا مثلاً في سورة التوبة { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض } لما جاء موضوع الولاية ثم ذكر بعده صفات عرفنا أن المقصود بهذه الصفات ما يتصل بالولاية قال : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} { وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أهم من {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر } في الأصل لكن في باب الولاية حتى تتحقق الولاية بيني وبينك وبين كل مؤمن ومؤمن لابد أن يظهر ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا يؤكد لك أن الترتيب الذي يأتي في القرآن في ذِكر الأشياء أنه على وفق الحكمة لكن قد يهتدي إليه -عرفها من عرفها- أحسنت.
د.عبدالرحمن الشهري : لاحظوا هنا لما ذكَرَ الله { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوب كُلًّا هَدَيْنَا} ذكر هذه أيضاً في مواضع أخرى من القرآن الكريم لاحظوها يا شباب في سورة مريم وفي سورة العنكبوت وسورة هود، مثلاً:
 في سورة مريم يقول الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام : {فلما اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } 
وقال في سورة العنكبوت :{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} وقال في سورة هود :{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } 
وقال في سورة ص :{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ } 
كأن الله سبحانه وتعالى يريد يقول للنبي ﷺ لا تبتئس بهذا التكذيب ولا تبتئس بهذه المعارضة من قومك فانظر إلى جدك إبراهيم عليه الصلاة والسلام ماذا حدث له وانظر إلى العاقبة التي كانت له فإنه كما ذكر الطبري سيكون لك إن شاء الله ما يكون له من العاقبة وسيقع لقومك ما يقع لقومه من العاقبة. ولاشك لاحظوا أن النبي ﷺ في بداية الدعوة أحوج ما يكون إلى التثبت بهذا ولذلك كان القصص القرآني مركز في العهد المكي بكثرة وبتفاصيل ، سورة الأعراف وسورة هود وسورة يوسف وهنا سورة الشعراء وسورة الأنعام فيها تثبيت للنبي ﷺ -{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}- .
د.مساعد الطيار : طبعاً فيه مسألة في لوط عليه السلام هل هو من أبناء إبراهيم ؟ -ما ذُكر هنا، إلا ذُكِر {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا} هو ابن أخيه- ولهذا الطبري اتكأ على هذا وعلى يونس على قول طبعاً أنه ليس من بني إسرائيل ، أتكأ على أن الضمير في {وَمِنْ ذُرّيَّتِه } يعود إلى نوح.
د.عبد الرحمن الشهري : رأيت الترجيح يعني هذا أسباب اختلاف المفسرين ، كيف يختلفون؟ يختلفون في عَوْد الضمير هنا.
د.مساعد الطيار : وعبارته قال : طبعاً بداية كلامه تكلم في هذا قال: "ومعلومٌ أن لوطاً لم يكن من ذرية إبراهيم صلى الله عليهم أجمعين فإذا كان ذلك كذلك وكان معطوفاً على أسماء من سمينا من ذريته كان لاشك أنه لو أريد بالذرية ذرية إبراهيم لما دخل يونس ولوط  فيهم ولا شك أن لوطاً ليس من ذرية إبراهيم ولكنه من ذرية نوح ولذلك وجب أن تكون الهاء في الذرية من ذكر نوح" -وهذا مرجح بلا شك لأن الله تعالى قال: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} وهو كان إذ ذاك لم يُولَد له- ويجوز طبعاً أن يكون على التغليب أن أغلب من ذُكر من أبناء إبراهيم.
د.محمد الخضيري : لكن في قوله :{ وَمِنْ ذُرِّيَّتِه } فيها مُرجِّحان :
الأول : عود الضمير على أقرب مذكور
وثانياً : عدم وجود هذه المشكلة وهي لوط سيستقيم الكلام تماماً.
د.عبد الرحمن الشهري : لكنهم بالتأكيد كلهم من ذرية نوح -نعم بلا شك حتى إبراهيم-.
د.محمد الخضيري : في قوله :{ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } هنا تأتي محل ذكر العبرة في الآية أي: ومثل هذا الجزاء نجزيه لكل من أحسن إذاً لا تيأس يا من أحسنت ولو لم تكن من هؤلاء أنك ستكون مثلهم أو تُعطى مثل جزائهم بشرط أن تأتي بالعمل الذي أتوا به وهو الإحسان لأنه ليست العبرة بمجرد الأشخاص لأنه لو كان العبرة بنفس الأشخاص ما صار  لذكر خبرهم معنى كأنه يقول : فقط هؤلاء اصطفيناهم والباقيين خلاص في النار وإلا لا يمكن أن يكون منهم شيء قال : { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } أي مثل ما جزينا هؤلاء نجزيه كل من أحسن  -وذلك جزاء من تزكى ، وهذا أسلوب من أساليب التعميم-.
د.عبد الرحمن الشهري : وأيضاً لاحظوا أنه لما تتأمل في قصص هؤلاء الأنبياء وفي قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي في سورة الأنعام تجد أن أعظم الإحسان الذي ذُكر لهم هو التوحيد والدعوة إليه والعناية به ولذلك { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } من أعظم صور الإحسان وأعلاها هو توحيد الله سبحانه وتعالى .
د.مساعد الطيار : وهذا أيضاً من مقامات الإظهار في مقام الإضمار ما قال : كذلك نجزيهم ، قال : { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فدل على أنه أراد أن يذكر سبب جزائهم وهو إحسانهم.
د.محمد الخضيري : طبعا في قوله :{ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } وفي الآية التي بعدها { كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ } لا يفهم أحد أن الأولين هم المحسنون فقط  وأن الأربعة الذين بعدهم من الصالحين وأن الضمير لا يعود على الجميع،  لا .. المقصود { كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ } كل من ذُكِر سواء قبل أو حتى بعد -وهؤلاء أيضاً من المحسنين-.
 ثم قال :{ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } الذي يظهر لي -والله أعلم- أن هؤلاء جمعوا هذه الأوصاف التي استحقوا بها التفضيل فلما كانوا من المحسنين في عبادتهم لله عز وجل وتوحيدهم إياه وفي دعوتهم للخلق وصبرهم على الأذى في ذلك ، وفي إحسانهم إلى الخلق في الجوانب الأخرى التي تسمى في هذا العصر الجوانب الإنسانية ، وكونهم من الصالحين في أنفسهم يعني هو صالح في نفسه ليس مجرد فقط يعطي الآخرين كالشمعة تحرق نفسها وتضيء للناس ، لا .. بل هو صالح في نفسه يقوم على نفسه قياماً قوياً.
 قال :{وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} بهذا استحقوا التفضيل وكانوا صالحين في أنفسهم ومحسنين في عبادتهم لربهم ومعاملتهم لخلق الله عز وجل.
د .مساعد الطيار : أيضاً من الفوائد التي يُنتبه لها : أن الوصف بالصلاح .. صالح .. وصفا عظيما ولذلك قال : {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} وأيضاً أن إيراد هذا الوصف (الصالحين) في حق هؤلاء الأنبياء أكثر من إيراد المُصلحين ولهذا سمعت في هذا العصر بعض من تكلم عن الفرق بين الصالح والمُصلح ومدح المُصلح، وأنا عندي في هذا شيء من النظر أن القرآن أشاد بالصالحين أكثر من إشادته بالمُصلحين -المُصلح- مما يدل أن صلاح هؤلاء ليس صلاحا لأنفسهم فقط وإنما هو صلاح يتعدى لم يكونوا صالحين لصلاح أنفسهم كما فهمها من تكلم ، لا .. هذا الوصف حينما يقال : هذا فلان صالح هو دال على تعدي الصلاح أيضا لغيره صالح في نفسه ومصلح لغيره -هو من كمال صلاحه أنه مُصلح- نعم.
د.عبد الرحمن الشهري : البعض أحيانا -وهذه أنا متأكد أنك تقصدها- البعض من الشباب يتحمسون أحياناً وهم يستخرجون بعض الفوائد من القرآن فيُركز على ظاهر اللفظ فيقول لم تُذكر هنا مُصلحون ذُكرت المصلحون في هذا الموضع وذُكر هنا الصالحون فإذاً لا ينفع أن تكون صالحاً إلا لازم تكون مُصلح قال الله : { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } فاستخرج هذا الاستنباط في حين أنه لو تأمل في الوصف بالصالحين في القرآن الكريم لوجد أنه أكثر من جهة ووُصف به الأنبياء عليهم الصلاة السلام.
د.محمد الخضيري: لكن ما هو معنى الصالحين؟ الصالح هو الذي صلُح في نفسه حتى حمله ذلك على أن يأمر وينهى.
د.مساعد الطيار : أحسنت، فهنا صار فهمك للصالح فيه نقص.
د .عبدالرحمن الشهري: يعني الاستقراء لمواضع الكليات هذه فيه نقص، وإنما الذين وُصِفوا بالصلاح في القرآن الكريم أنبياء عليهم الصلاة والسلام وليس معناها أن الوصف بالصلاح لا يكفي -صالح يعني صالح في نفسه غير مصلح لغيره- نعم .. هنا الخلل إذا كان الإنسان قد يكون منه أنه صالح في نفسه لكنه لا يحرص على دعوة غيره هنا الخلل ولكن ليس هذا منطبق على من وُصفوا بالصلاح، ومثل هذا تجد حتى في بعض الاستنباطات مثلاً تجد في قولهم : كل مطر في القرآن الكريم فهو عذاب والغيث هو رحمة، لكنك تجد في بعض المواطن تعبير بالمطر وهو رحمة ، فهناك أحياناً الاستنباط من القرآن الكريم يحتاج إلى جمع النظائر والتأمل في تفسير السلف لهذه الآيات حتى لا يتسرع المستنبط فيظن أنه قد انفرد برأي أو استنباط لم يُسبق إليه.
د.محمد الخضيري : في قوله: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } قوله :{وَمِنْ آبَائِهِم} هذه فيها الدلالة على أن الأنبياء يبدأون بالوسط الذي يعيشون فيه ويقدمون القرابة وأنهم لا ينسون في خِضم دعوة الأمة قرابتهم وأهليهم لكن قد يُوفقون في هدايتهم وقد لا يوفقون بمعنى أي لا يمنح الله عز وجل هداية التوفيق والإلهام لهؤلاء الذين دعاهم هؤلاء الأنبياء فالله ما قال وآباءهم وذرياتهم وإخوانهم قال : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ } ليُبين أن الحُكم له وأن الأمر إليه وأن الرجل يدعو ويبذل الأسباب في هداية والده أو والدته أو هداية أخيه أو إبنه ولكن قد يصيب في ذلك -والمُصلح هو الله عز وجل- قال الله عز وجل:{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }.
د. عبد الرحمن الشهري : -لاحظ هذا مثلاً نوح كم حاول في إبنه لكنه لم يُوفق- وامرأته لم يُوفق، لوط لم يُوفق مع زوجته، إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه لم يستجب له أبوه، موسى لاحظ في موسى العكس لما دعى الله سبحانه وتعالى لأخيه هارون وكيف أن هارون استجاب لأخيه موسى في دعوته وساعده فطلب موسى له مرتبة عالية -النبوة- قال { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي } فقال : {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} سبحان الله هذه نعمة عظيمة.
د.محمد الخضيري: قوله: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} انظر قدّم الاجتباء على الهداية يعني كأن من مقتضيات الاجتباء أن يهديهم الله سبحانه وتعالى ، -والاجتباء هو الاصطفاء والاختيار من وسط واسع كثير اجتبا منه هؤلاء- ونحن نقول كل من هُدي فقد اجتُبي يعني ما منحك الله الهداية إلا لأنه اجتباك واصطفاك فلا تظنن أن هذه الهداية جاءت بذكائك وإلا بجهدك وإنما هو اجتباء واختيار من الله سبحانه وتعالى.
د.مساعد الطيار : قد يسأل سائل ويقول من هو اليسع؟ في قوله {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا } وأنا وقفت كثيراً عند اليسع وعند ذي الكفل أيضاً فيمن ورد وإلياس ، إلياس قد يكون ورد بعض الأشياء يعني بعض الأخبار ، لكن العجيب سبحان الله أن الله سبحانه ذكر بعض هؤلاء الأنبياء وحتى مثل إسماعيل والأخبار عنهم تكاد تكون قليلة شحيحة جداً مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى خلّد أسماءهم في الأنبياء وإن لم نعرف ما هي قصصهم على سبيل التفصيل فنحن لم نُطالب بأن نعرف تفاصيل قصصهم ولكن نحن مطالبون بأن نؤمن بهم لأن الله ساقهم مساق الأنبياء ، فأنا قصدي في هذا أن نضع قاعدة لنا ونحن نقرأ القرآن حينما يذكر لنا هؤلاء الأعلام والأسماء ، تُبَّع ومثل لقمان وغيرهم أننا لسنا مطالبين بأكثر مما هو وارد في القرآن فإن عرفنا شيئاً من أخبارهم من غير القرآن فهذا فضلة، لكن سبحان الله طبيعة الإنسان البحث عن مثل هذه ويسمونه الفضول العلمي نبحث من هو اليسع وكذا، يذهب فيجد في أخبار بني إسرائل لذلك الطبري قال : اليسع ابن اخطوب ابن العجوز وطبعاً له قصة سيذكرها في ذلك لكن المقصود أننا نحن لسنا مطالبين بأن نعرف هذه التفاصيل كلها.
د.عبد الرحمن الشهري : والله تعالى قد قالها :{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} ويدخل في قوله : {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} لم نقصصهم عليك مطلقاً ويدخل فيها الذين قصصنا عليك طرفاً من أخبارهم ولم نذكر لك كل شيء ولم نُفصّل ، ولذلك هود -على سبيل المثال- كم واحد يسأل ويقول ماهي آية هود عليه السلام؟ ما هي المعجزة أو الآية التي جاء بها إلى قومه؟ فيتمحّل المفسرون في هذا وقولهم {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُم} وأن هذه آيته أنه تحداهم وأنه بمفرده - طيب وما هي آية يوسف؟- فيقال لهم يا أخي لم تُذكر لنا آيتهم بالتصريح ليس بالضرورة كل تفاصيل قصة النبي قد ذُكرت لنا.
 د.مساعد الطيار : صحيح .. ولهذا يوسف ويعقوب وإسحاق كل هؤلاء الذين ذُكروا وإسماعيل -أين هي معجزاتهم- بل إبراهيم عليه السلام غير قضية النار لا يوجد ، ولكن النبي ﷺ أخبر أنه ما من نبي إلا يكون معه آية تُلجئ البشر على أن يؤمنوا به.
د.محمد الخضيري : قال: { وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } يصف الله سبحانه وتعالى دائماً دينه وهَديه بالصراط ، الصراط : بمعنى الطريق الواضح الواسع يسمى صراط لأنه يسترط ويبتلع من يدخل فيه ، وهذا يدل على أن هذا الحق ينتظر كل الخلق لو دخلوا فيه ليس فيه ضيق -لاستوعبهم- خصوصاً أنه ليس متعلقاً بأشخاص إنما هو منهج ، يعني هذا المنهج يصلح لكل البشر بكل رغباتهم واختلاف ثقافاتهم وتنوع أماكنهم كلهم يدخلون في هذا الصراط. ومستقيم : لأن أقرب الطرق للوصول إلى الحقيقة أو الوصول إلى الغاية هو الطريق المستقيم فهو طريق مستقيم بأصحابه ، وهو طريق واحد لا يتعدد لكن داخله طرق مثلما نقول نشبه -شرائع- وأيضاً أعمال قد يأتي إنسان يُفتح له في باب الصلاة - أو مجموعة الأعمال- وهي المذكورة والمشار إليها في سورة المائدة {سُبُلَ السَّلاَمِ} أي نعم -يعني سبل في وسط السبيل- أي نعم فهي طرق كلها توصل إلى حقيقة واحدة وليست إلى حقائق مختلفة.
د.مساعد الطيار : مثلما ذكرت في اللقاء السابق في فريق العلم وفريق الجهاد في آخر سورة التوبة (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } فهما طريقان طريق العلم وطريق الجهاد وكلها موصلة.
في قوله : { ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ } يعني ذلك أي: ما مضى من التفصيل والحُجج ومن ذكره لسبيل الأنبياء قال :
{ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } هذه ليس فيها إشكال لكن لاحظ قال : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } طبعاً السياق في الأنبياء الضمير إذاً في { أَشْرَكُوا } عائد على هؤلاء الأنبياء يقول الطبري : "يقول لو أشرك هؤلاء من الأنبياء الذين سميناهم بربهم تعالى ذكره فعبدوا معه غيره (لحبط عنهم ما كانوا) قال : لبطل فذهب عنهم أجر أعمالهم التي كانوا يعملون لأن الله تعالى لا يقبل مع الشرك به عملاً " وهذا من تعظيم التوحيد.
د. عبد الرحمن الشهري: وأيضاً يؤكدها قول الله تعالى :{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} لكن لفظ نظري هنا التعبير بقوله :{ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ } مع أنه المفترض أن يقول -يعني ظاهراً- يهدي إليه ، كأن الإشارة -والله أعلم- إلى العلم الذي فضّل الله به هؤلاء الأنبياء وأنه هذا العلم وهذه الحُجج التي ذكرها عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنه قد وَفق إلى أمثالها هؤلاء الأنبياء وأنه بهذا الهُدى تهتدي الأمم لذلك قال :{ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ } يعني هذا العلم وهذه الحُجج التي آتاها الله هؤلاء الأنبياء هي التي يهتدون بها .. ما رأيكم في هذا؟ في التعبير بقوله: { يَهْدِي بِه } وفي مواضع أخرى قال :{ يَهْدِي إليه }.
د. محمد الخضيري : طيب وقوله :{ لَحَبِطَ } معنى حبط يا أخي أبو عبد العزيز ؟ . حبط: يعني بطل.
د.عبد الرحمن الشهري: يقولون عنه أنه مأخوذ من داء الحبط وهو داء يصيب الإبل فيُفسد عليها ما أكلت فكأنها أكلت وتعبت ومشوار وبعدين أصابها هذا الداء فأبطل هذا الأكل الذي أكلته فكذلك الإنسان الذي يعمل عمل وهو على شرك وهو على ضلال فإنه يعمل .. يعمل .. ثم يحبط هذا العمل كما قال الله : {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }.
د .محمد الخضيري: وهذا من أعظم ما يحذر الإنسان من الشرك ويعني مهما وقع فيه من المعاصي دون الشرك فإنه أهون من الشرك الذي يحبط العمل كله صلاتك وصومك وجهادك وعلمك وحجك وذكرك لله وتلاوتك للقرآن كلها لا قيمة لها أمام هذا الشرك الذي يأتي عليها جميعاً.
د.عبد الرحمن الشهري : ولذلك ينبغي فعلاً على الإنسان -علينا جميعاً- أن يكون الاستشعار في موضوع الشرك حساس جدا والحذر من الشرك ومن كل صُوره ولذلك اليوم يا إخواني -وأنتم أدرى مني- الشرك بدأ ينتشر في زماننا هذا بصور عصرية في شكل دورات أحياناً تتعلق عن الطاقة وما تتعلق بالطاقة وإلى آخره ، قنوات فضائية تتكلم عن الحظ وتتكلم عن الأبراج وتتكلم .. وهي في النهاية هي صور الشرك بالله بس ظهرت في وسائل متجددة والبعض ربما تنطلي ، عليه تنطلي على بعضهم وهي في الحقيقة هي صور من صور الشرك لكنها تظهر بشكل وثياب عصرية وحديثة.
د.مساعد الطيار: وسبق وأن نبهنا إلى أن تفظيع القرآن للشرك أنه شيء عظيم جداً جداً حتى أن الأنبياء أنفسهم كانوا يخافون على أنفسهم من الشرك وأن الله سبحانه وتعالى مع تقريب هؤلاء الأنبياء كان يقول لهم صراحة لو أشركتم أنتم يا من اصطفيتكم لحبط عنكم العمل ليس بين الله وبين عبادة أي قرابة.
لعلنا نتوقف عند هذا ونبدأ في المجلس القادم إن شاء الله بإكمال هذه المناظرة وهذه الآيات العظيمة التي تتحدث عن هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . لعلنا إن شاء الله نتوقف أيها الأخوة المشاهدون عند هذا ونراكم بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق