الأربعاء، 10 يوليو 2019

تفسير قوله تعالى (وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ)/ د. رقية المحارب

قوله تعالى : (وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ) [سورة الطور 4]
بيت تدخله الملائكة يطوفون به وقد رآه النبي ﷺ في الإسراء ، وكل من دخله من الملائكة لا يعود إليه مرة أخرى بل يدع الفرصة لمن لم يدخله من الملائكة الآخرين على سعة السماء وسعة ذاك المكان الذي يدخلونه ومع ذلك لا يأتونه مرة أخرى لكثرتهم .
 قد جاء في الحديث ( أطت السماء وحُق لها أن تئط ما فيها موضع أربعة أصابع إلا فيها مَلَك ) (١)  فعلى عِظم هذه السماء فيها من الملائكة أعداد مهولة .. كثيرة قد وكّل الله جل وعلا هذه الملائكة بأعمال تعملها ، فمنهم من يكتب، و منهم من يحفظ، ومنهم من يسوق، ومنهم ملائكة عذاب، ومنهم ملائكة رحمة، ومنهم مُعقبات ، ومنهم من يلتمس مجالس الذِّكر ، والذين يلتمسون مجالس الذكر فُضلا لا عمل لهم إلا هذا (إن لله ملائكة فُضلا يلتمسون مجالس الذكر فإذا رأوها قالوا هلموا بُغيتكم فجاءوا فاصطفوا حتى يبلغون السماء الدنيا) (٢)  يصطفون ويتحلقون حتى يصلون السماء الدنيا من حفيفهم بمجالس الذكر .
ومن الملائكة ملائكة أخرى سيّاحة ليس لهم عمل إلا نقل السلام إلى النبي ﷺ ممن يُسلم ويصلي عليه ، فإذا قلتي ﷺ نقلت هذه الملائكة السيّاحة السلام إلى النبي ﷺ لا عمل لهم إلا هذا. هذه الملائكة تنزل إلى الأرض وتصعد كما جاء في الحديث ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار ) (٣) ويجتمعون في الليل ويجتمعون في النهار ، تجتمع ملائكة الليل والنهار لتحضر صلاة العصر ، وتجتمع ملائكة الليل والنهار لتحضر صلاة الفجر، فهم يجتمعون.
كل هؤلاء الملائكة يطوفون بالبيت المعمور يتقربون إلى الله جل وعلا يخافون ربهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يعصونه ما أمرهم ولا يفترون عن عبادته. هؤلاء يطوفون بهذا البيت ويُمجدون رب العالمين ولا يعصونه شيئا. وأما البشر فهم على ضعفهم يعصون الله ويستكبرون عليه، ولذلك الملائكة لما علِمت بخلق الله جل وعلا لآدم وأنه سيكون خليفة في الأرض قالوا ( أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ) [سورة البقرة 30] فالله جل وعلا رد عليهم (قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) هذا البيت أقسم الله جل وعلا به.
/ وقيل : إن هذا البيت في الدنيا، قيل هو الكعبة.
فعلى القولين الأولين يكون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة (وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ) يعني عمَرته الملائكة بدخولها وتعبّد الله جل وعلا فيه.
وعلى القول الثالث يكون وصفه بالعمارة حقيقية وأنه عُمِّر وأنه يُعمر بمن يدخله من الذين يتعبدون الله جل وعلا فيه، وأن الله حفظ هذا البيت بمن شاء من عباده فلا يُهدم إلا متى شاء الله جل وعلا ، ولا يُؤذى الناس عنده إلا متى شاء الله جل وعلا ولذلك جعل البيت قياما ، فجعل هذا البيت محميا ولما جاء أبرهة يريد أن يهدمه سلط الله عليه الملائكة فرموه بطير أبابيل ورموه بحجارة من سجيل. فهذا البيت المعمور ربما يكون مقصود به الكعبة .
------------------------------------------
 ١- (إنِّي أرى ما لا تَرونَ ، وأسمعُ ما لا تسمَعونَ أطَّتِ السَّماءُ ، وحُقَّ لَها أن تَئطَّ ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلَّا وملَكٌ واضعٌ جبهتَهُ للَّهِ ساجدًا ، واللَّهِ لو تعلَمونَ ما أعلمُ لضَحِكْتُم قليلاً ولبَكَيتُمْ كثيرًا ، وما تلذَّذتُمْ بالنِّساءِ على الفُرُشِ ولخرجتُمْ إلى الصُّعداتِ تجأرونَ إلى اللَّهِ ، لوَدِدْتُ أنِّي كنتُ شجرةً تُعضَدُ) الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي.

٢- (إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً، فُضُلًا يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فيه ذِكْرٌ قَعَدُوا معهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بأَجْنِحَتِهِمْ، حتَّى يَمْلَؤُوا ما بيْنَهُمْ وبيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إلى السَّمَاءِ، قالَ: فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: مِن أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فيَقولونَ: جِئْنَا مِن عِندِ عِبَادٍ لكَ في الأرْضِ، يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قالوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: لَا، أَيْ رَبِّ قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قالوا: مِن نَارِكَ يا رَبِّ، قالَ: وَهلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: لَا، قالَ: فَكيفَ لو رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، قالَ: فيَقولُ: قدْ غَفَرْتُ لهمْ فأعْطَيْتُهُمْ ما سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ ممَّا اسْتَجَارُوا، قالَ: فيَقولونَ: رَبِّ فيهم فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إنَّما مَرَّ فَجَلَسَ معهُمْ، قالَ: فيَقولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ ). الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم.

٣- (يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلائِكَةٌ بالنَّهارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلاةِ العَصْرِ وصَلاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بكُمْ، فيَقولُ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْناهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ). الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق