السبت، 2 يناير 2016

تفسير سورة الجمعة / د. رقية المحارب


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ..
 نستفتح اليوم -إن شاء الله- سورة الجمعة:
( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ...
هذه السورة -سورة الجمعة- من السور المدنية ويُذكر أنها نزلت في سنة ستٍ قيل بعد خيبر، وهذه السورة سُميت باليوم الذي اختص الله به المسلمين -أمة المسلمين- واسمها سورة الجمعة كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال:
(كنا جلوسا عند النبي ﷺ فأُنزلت عليه سورة الجمعة) ففي حديث أبي هريرة (كنا جلوسا عند النبي ﷺ فأُنزلت عليه سورة الجمعة) دليل على أن سورة الجمعة نزلت بعد إسلام أبي هريرة وإسلام أبي هريرة في السنة السابعة للهجرة بعد خيبر .
/ وهذه السورة افتُتحت بقول الله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فافتُتحت بالتسبيح لله رب العالمين وافتتاحها بالتسبيح بصيغة المضارع، وصيغة المضارع تدل على الاستمرار ولعل مناسبة ذلك لِما جاء في هذه السورة من شأن القصة -قصة المسلمين- الذين كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت خطبة الجمعة فجاءت العير بالتجارة فانفضوا إليها والنبي ﷺ قائم يخطب -وسنأتي على هذا- فلعله كان من المُناسب أن يُذكِّر الله سبحانه وتعالى الذي نزلت في شأنه هذه السورة، يُذكِّره الله سبحانه وتعالى بأن  لله من في السموات والأرض يُسبح له ويُقدسه ويُنزهه ويعبده ليلا نهارا، صباحا مساء لا يفتُر عن ذلك ولا ينصرف عنه. وفي هذا من التذكير واللفت ما تفهمه القلوب الواعية الحية وهذا شأن قلوب أصحاب رسول اللهﷺ فإن الله جعل في قلوبهم رأفة ورحمة وجعل في قلوبهم اﻹيمان يُؤتَونه قبل نزول السورة فإذا نزلت السورة فإذا باﻹيمان قد نزل قبلُ فتلقى اﻹيمان المعاني التي تنزل عليهم بالتسليم والفهم والتدبر فحصلت لهم بذلك الزكاة والطهارة واقتربوا إلى رسول الله ﷺ وعرفوا مقامه وعرفوا مقام الكتاب الذي أنزل إليه، وقد جاء ذلك أيضا في سورة الحديد وفيها قد قال الله جل وعلا (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم) [سورة الحديد 16] فالعتاب هناك والعتاب هنا متشابه، أو لا؟ ﻷن مفاد ذلك الانصراف ولذا كانت المناسبة بالاستفتاح بالذكر أو بالتذكير بتسبيح السموات والأرض وما فيها لله سبحانه وتعالى بلفظ المضارع دلالة أو كناية عن الاستمرار وعدم الانصراف.
وقد قال الله جل وعلا (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وحين قال جل وعلا (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض) فيعني ذلك اﻹطلاق، كل مافي السموات وكل مافي اﻷرض (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) [سورة آﻹسراء 44] فكل مافي السموات ومافي اﻷرض من كائنات حية، من جماد، من شجر، من حجر، من دواب، الملائكة على شرفها، والبهائم على عُجمِها ، والحشرات على ضَعتِها كلها تسبح لله جل وعلا، وكذلك الحجارة على قسوتها، والماء على رِقته كلها تُسبح لله جل وعلا، والريح تُسبح لله، والنار تسبح لله، وكل شيء يسبح بحمده، بل المحسوس وغير المحسوس يُسبح بحمد الله جل وعلا.
 وسر تسبيحها لله جل وعلا أن الله سبحانه وتعالى الملِك فقد علِمت تلك الكائنات بما فطرها الله سبحانه وتعالى عليه، علِمت أن المُلك له سبحانه وتعالى فسبّحتهُ. أما كيف تسبيحه فذلك مالا نعلمه ﻷن الله جل وعلا يقول (وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)  فهل تسبيحهم بظلالهم، هل تسبيحهم باﻷصوات التي تكون، هل تسبيحهم وهم صامتون، بأي شيء يكون تسببحهم؟ الله بذلك عليم.
/ (القُدوس) بضم القاف، وقرأها زيد بن علي بالفتح -فتح القاف- قَدوس. والله جل وعلا القُدوس المتنزه والمُنزه عن كل نقيصة -سبحانه وتعالى.
/ وأما (العزيز) فهو الذي عزّ وعلا.
/ و(الحكيم) هو الذي له الحكمة الذي يضع اﻷمور في أماكنها ويُقدِّرها بتقاديرها بالغاية التي لا أكمل منها ولا أتم فهو الحكيم سبحانه وتعالى.
 ولما كانت اﻵيات والمعاني التي تأتي بعدُ يحتاج القلب الذي سيتقبل هذه المعاني من اﻵيات، يحتاج إلى اﻹيمان بهذه اﻷسماء وهذه الصفات على معانيها المذكورة قدّم الله جل وعلا بها، فهذه التقدُمة بين يدي ما ستتحدث عنه السورة لا أجلّ منها ولا أعمق في النفوس - في نفوس الذين يعرفون المعاني- فقد قدّم الله سبحانه وتعالى بهذه اﻷوصاف فإن الله جل وعلا الملِك ولا يبنبغي أن ينصرف المملوك عن عبادة مالكه، ولا ينبغي أن ينصرف الخادم الذليل عمّن مِلَك رقبته ورِزقَه وصحته وحياته وموته، فمن علم ذلك ووعاه وجِل قلبه أن ينصرف عن عبوديته لحظة فضلا عن أن ينصرف أكثر من ذلك، بل لا ينصرف لا بقلبه ولا ببدنه فلو كان اﻹنسان يعي هذا المعنى وعيا تاما ما انصرف ولكن القلوب تغفل.
(القُدوس) ومن يعترف بهذا الوصف لله جل وعلا ويستحضر معناه فإنه لا ينصرف عنه ﻷجل الدنيا، والدنيا في يده وهي مُلكه فكيف تنصرفون إليها عنه وهو الذي يُقلبها ويملكها يعطيكم منها ما يعطيكم وينزِع عنكم ما ينزع فلِم تنصرفون عنه. لو فطِن لذلك من يقرأها.
وتلك المعاني التي جاءت وأيضا (العزيز) جاءت بهذا المعنى إن كنتم ترجون في التجارة عِزا فإن الله هو العزيز، والعزيز هو المُعز ولا ريب، وهو (الحكيم ) سبحانه وتعالى بحكمته جاءت تلك التجارة في ذاك الوقت ليختبركم وليبتليكم ولينظر ماذا تفعلون ولو أراد أن يعطيكم شيئا أعطاكم إياه وِفق قدره وتقديره، ومن وثَقَ بحكمة الله جل وعلا فإنه يركن إلى اﻹقبال عليه ولا ينصرف عنه.
/ ثم يبين الله سبحانه وتعالى إِثر هذا المعنى تمام المنة التي امتن الله بها عليهم ويُذكِّرهم بها فيقول (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) ولم يقل هو الذي بعث فيكم وإنما قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ  يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) يعني اذكروا أن الفضل الذي أوتيتم إياه إنما هو مِنه سبحانه وتعالى مِنّة وفضلا، وبعثُهُ في اﻷميين رسولا منهم هذا البعث هو أصلا إجابة لدعوة إبراهيم فما أنتم وما أصابكم من فضل ومن خير إلا بأثرِ دعوة المُقبِل على الله جل وعلا المُنصرف عمن سواه، لما أقبل إبراهيم على ربه بقلبه وتخلى عن كل المُشغلات بما فيها ابنه جعل الله له دعوة مستجابة أنتم من آثار تلك الدعوة، وما حصل لكم من خير من آثار تلك الدعوة فعلى أي شيء تنصرفون عنه ولكم أسوة في إبراهيم الذي ذكّرَهم الله جل وعلا بأَثر دعوته.
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا) واﻷميون العرب فهم أمة ويُنسب العرب للأمية بأُمّتِهم تلك وﻷنهم كانوا لا يقرؤون ولا يكتبون صار كل من لا يقرأ ولا يكتب يُنسب إليهم فيقال أُميّ ولذلك يقول النبي ﷺ (نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) أو (لا نقرأ ولا نحسب) أو (لا نكتب ولا نحسب ).
ومن آياته ومن قدرته ومن مُلكه ومن عِزه ومن حِكمته وكلها تجتمع بتلك الصفات أنه بعث في اﻷميين رسولا وليس هذا الرسول من غيرهم وإنما منهم مع إن الرسول - في العادة- يتطلب أن يكون الرسول قارئا، كاتبا، لكن رسول اﻷميين بأثر دعوة إبراهيم ﻷنه قال (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم) فجعل الله له دعوته على أن الدعوة خلاف مُعتاد الرسل فإن الرسل يأتون يقرؤن ويكتبون وما من رسول لا يقرأ ولا يكتب إلا محمد ﷺ فكان من المُعجزات والملك لله والعِزة له والحُكم له سبحانه فاقتضت تلك الصفات حين شاء أن يبعث فيهم رسولا منهم، والرسول منهم يعني من أنفسهم من جنسهم نسبا ووصفا، هو من جنسهم وصفا ونسبا ﷺ ولذلك قال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) وقال (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) ولم يقل (بعث فيهم رسولا فيهم ) أو (بعث منهم رسولا منهم) وإنما قال (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) فاقتضى كل حرف من هذه الحروف معنى زائدا عن اﻵخر، فقد بُعِث فيهم يعني على سبيل الديمومة وليس مبعوثا إليهم مُرسلا ساعة أو شهرا أو مدة ثم يذهب بل هو مبعوث فيهم دائم ومستقِر فيهم.
 ثم هو منهم يحمِل أوصافهم وجنسهم بما في ذلك اﻷُمّية وبما في ذلك كُتلة اﻷوصاف التي كانت في العرب، والعرب أوصافهم التي كانوا عليها حينذاك كانت مُستهجنة بالنسبة للأمم اﻷخرى، كانوا يرون ضِعة العرب ما كانوا يرون قوتهم فهم مُتفرِّقون والناس مجتمعون، وهم سُفهاء وفي الناس عقل، وهم جُهلاء وفي الناس عِلم ما كانوا يعرفون الكتابة ولا القراءة.
 والعرب إذ بُعث فيهم رسول الله ﷺ  كانوا مُنهارين بجميع المستويات، كانوا منهارين اجتماعيا إذ يقتلون اﻷنثى ويستبقون الذكر، ومن أين يأتي الذكور إلا من اﻹناث إذا هذا إنهيار إجتماعي، كان من الانهيار الذي كانوا فيه أنه لم يكن عندهم صور للعقود واضحة، عقود النكاح ما كانت واضحة كان عندهم عشرة أنواع من اﻷنكحة، من تلك اﻷنكحة نكاح الاستبضاع يقول الرجل للمرأة اذهبي لواحد -من الفرسان والشجعان- يقول اذهبي إلى فلان واستبضعي منه -نامي معه وإذا حملتي تعالي- هذا الانهيار الاجتماعي الذي كان عندهم. من أنواع اﻷنحكة التي كانت عندهم أن المرأة كانت يدخل عليها في الليلة الواحدة رجال، -عشرة .. ثمانية- عدد من الرجال فإذا حملت اختارت أي واحد تريد وألحقت الولد به.  هذه أنواع أنكحة. أنا أريد أن أُصوِّر لك أنهم كانوا يعيشون في انهيار.
من الانهيار الاقتصادي عندهم -مثلا- الفقر والعيلة كان فيهم الفقر والعيلة وكان مع ذلك فيهم غباء في توزيع التركة -مثلا- توزيع الاقتصاد فهم يقولون (خالصة لذكورنا ومحرمة على أزواجنا ). يعني النبي ﷺ جاء إلى قوم منحطين بكل معاني الانحطاط.
  من اﻷشياء التي كانوا عليها كان منهم أكثر من أنهم يعبدون اﻷصنام يعبدون اﻷوثان بل إن الواحد منهم كان يصنع التمثال من العجوة -التمر- فإذا جاع أكله، كل ذلك يدل على -كما قلنا- الانحطاط.
من ذلك أيضا الانحطاط في الحُكم قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرّموا ما رزقهم الله افتراء على الله، قد ضلوا وما كانوا مهتدين، الذي يريد أن يعرف قدر الانحطاط الذي كان في العرب يقرأ سورة اﻷنعام ليعرف قدر كم هم في حال من الانحطاط .
نزل محمد ﷺ بُعث إليه في قوم على هذه الشاكلة ثم إذا به يتلو عليهم اﻵيات وهم لا يحفظون ولا يكتبون ولا يقرؤن ومع ذلك  (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) هؤلاء المرذولون عند اﻷُمم زكّاهم النبي ﷺ حتى جعلهم خير أمة أخرجت للناس، زكى ماذا؟
زكّا أخلاقهم، زكّا أبدانهم، زكّا نفوسهم، زكّا أموالهم، زكّا كل شيء فيهم حتى دوابهم زكاها، زكّا أنعامهم زكا أراضيهم، زكّا هواءهم  دخل النبي ﷺ المدينة وكان من دخل المدينة مرِض فدعا لها النبي ﷺ فزكت حتى بارك الله في ثمرتها فكانت بعض البساتين تُنتِج التمر في العام مرتين من الزكاء والنماء.
/(وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) أيضا يعلمهم الكتاب -القرآن- ومع القرآن السنة. فكل تلك اﻷوصاف لرسول الله ﷺ التي جاءهم بها، ما جاءهم بها وهم على أثرِ نبي بقي فيهم من أثره ما بقي، ما بقي فيهم شيء من أثر حتى عبادة ومناسك إبراهيم غيروها وأخلفوها فكانوا يقفون مواقف ليست المواقف وجعلوا على الصفا والمروة إساف ونائلة -تماثيل- يسعون بينها فما أبقوا شيئا ولذلك قال الله جل وعلا يصف حالهم هذا الرذيل قال (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) من قبل أن تأتيهم ومن قبل أن تزكيهم كانوا في ضلال مبين فبان هنا قدر اﻹعجاز في أن يُزكي رجل هؤلاء القوم وهو منهم ﻷنه من معتاد اﻷرذال ألاّ يقبلوا نُصح أحد منهم ومع ذلك زكّاهم وتغيرت أحوالهم وصاروا باﻹسلام خير خلق الله جل وعلا خير أمة أخرجت للناس ولذلك قال عمر بن الخطاب -رضي الله نعالى عنه- "نحن قوم أعزنا الله باﻹسلام مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" يعني اليوم العرب وهم يريدون العِزة بغير اﻹسلام هؤلاء لا أذل منهم اﻵن ﻷنهم لا يرفعون باﻹسلام رأسا ويستحون من اﻹسلام ويتوارون من اﻹسلام. فنسأل الله عز وجل أن يعيد لنا العزة عزة اﻹسلام.
/ هذه الآية المُعجزة: 
يقول الله جل وعلا (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) (وآخرين) هنا يعني قوم جاءوا بعدهم (مِنْهُمْ) يعني على منوالهم في اﻹيمان والزكاء وقابلية العِلم وما امتنّ الله به جل وعلا عليهم في تبديل أحوالهم من حال إلى حال.
وأما مكانها اﻹعرابي هنا :
- فيمكن أن تكون (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) معطوفة على اﻷميين (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) و (آخرين) معطوفة على  (اﻷميين ) (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِو (آخرين) معطوفة على (اﻷميين ) مخفوضة مثلها.
- أو تكون (وَآخَرِينَ) معطوفة على مفعول به (يعلمهم) ويعلِّم آخرين، يُعلِّم من نزل فيهم الكتاب والحكمة، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وآخرين أيضا يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة بماذا؟ بما بلغهم من الوحي من حديثه الذي حدثهم به أو بلّغهم غيرهُ إيّاه. وأقرب أن يكون هؤلاء اﻵخرون هم من بعد أصحاب رسول الله ﷺ.
وذهب بعض أهل التفسير أو كثير منهم إلى أن المقصود بهؤلاء ليسوا من العرب بل من الفرس وسائر اﻷجناس الذين دخلوا اﻹسلام كالروم وغيرهم ممن دخل اﻹسلام، واحتجوا على ذلك بما ورد عن رسول الله ﷺ أنه كان عنده سلمان الفارسي فوضع يده على رأسه وقال هؤلاء (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال : هؤلاء لو كان اﻹيمان في الثُريا لناله رجال من هؤلاء -يعني الفُرس- ووقع مِصداق ذلك، والمقصود بالفرس الذين لحقوا بالصحابة ودخلوا في اﻹسلام بهم أمثال البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، هؤلاء الذين من آيات الله جل وعلا أن الله هداهم للإسلام ونصر بهم اﻹسلام وعلا بهم اﻹسلام فكانت المعجزة من وجهين:
الوجه اﻷول: نهضة العرب بها على ذلةٍ كانت فيهم.
واﻵية المعجزة الثانية: قبول العجم لها على اختلاف ألسنتهم معها -مع هذه الرسالة- فكانت مُعجزة من هذا الوجه.
والدليل على أن المقصود بهم الفرس الذين جاءوا قريبا من عهد الصحابة أن الله جل وعلا قال (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا) و "لما" تستخدم في حال القريب (ولما يدخل اﻹيمان) فهنا "لما" تستخدم في القريب يُقال فلان لم يجئ أو لما يجيء. إذا قيل فلان لما يأتي فما معناها؟ معناها أنه سيأتي قريبا، اﻵن ما جاء ولكنه سيأتي قريبا، ولو قلت "لما يطلع القمر أو لما تطلع الشمس" معنى ذلك قبيل أني قبيل طلوعها. إذا فالمقصود بـ (هؤلاء) أولئك القوم القريبو عهد أو القريبون من أصحاب رسول الله ﷺ الذين أخذوا عنهم وتلقوا عنهم العلم فكان ذلك آية من آيات الله جل وعلا.
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) فهم يلحقون، ما معنى (يلحقوا بهم )؟ يلحقوا بهم في الزكاء والعلم والحكمة واﻹعجاز أو حمل هذا العِلم المُعجِز، كل ذلك من آيات الله جل وعلا لذلك ختمها بـ (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فهو سبحانه وتعالى من عزته أن هدى هذين النوعين من الناس لهذا الدين وجعلهم حملته، وتعجبين كيف يحمل هذا العلم أولئك الذين لم يتكلموا بلسانه إلا من قريب، ومن إعجاز الله جل وعلا وحكمته أنهم لم يحملوا علم الحديث والقرآن فحسب بل حملوا حتى علم اللغة لِمَ؟ ﻹظهار مزيد من اﻹعجاز في هذا الشأن، ولاشك أن هذا من اﻹعجاز ﻷن حمل اللغة عسير على غير الناطق بها المُتربي في كنفها لاسيما اللغة العربية فبعضها قياسي وبعضها سماعي، بعضها ما يخضع للقياس يخضع للسماع لا يعرفه إلا أهله ومع ذلك بزوا فيه حتى صار سيبويه أعلم الناس في النحو ولذا فإن هذا من اﻹعجاز والتحدي العظيم الذي أرانا الله جل وعلا إياه وذلك كُله ﻷجل أن الله هو العزيز سبحانه وتعالى، وﻷجل أن يقول أو كأن الله جل وعلا يريد أن يبلغ رسالةً لكل من تلقى هذا القرآن وكل من تلقى هذا الدين أن هذا الدين ليس بعسير ولا مُستصعب على أحد فقد اعتز به أذلّ الناس وقد دخله وحمله وبزّ فيه أبعد الناس عن حرفه فكان ذلك غاية في العزة التي أراها الله جل وعلا عباده وكان ذلك غاية في الحكمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لتكون دليلا على أن هذا الدين سيبلغ مشارق اﻷرض ومغاربها وعلى أن هذا الدين هو الدين الباقي الخالد الذي يصلح لكل الناس مهما كانت أجناسهم ومهما كانت لُغاتهم ولذلك جاء بعد ذلك قول الله جل وعلا
/ (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ) ﻷنه في الحقيقة لا يمكن أن يُظن أن تلك الخصوصية نالها أولئك بنسب أو حسب أو بعلم أو قدرة وإنما المانح هو الله سبحانه وتعالى والمُعطي هو الله سبحانه وتعالى والمُتفضل هو الله جل وعلا فذلك فضله يؤتيه من يشاء وقد آتاه هؤلاء فلا تحسُدُوهم معشر يهود عليه فإن الله جل وعلا أعطاهم إياه ومنعكم إذ كنتم تتطلعون إلى هذا الفضل وتفخرون على العرب به تنتظرونه كما جاء في سورة البقرة هؤلاء اليهود يستفتحون على المشركين ويقولون إن جاء النبي سنقاتلكم ونهزمكم فجاء النبي عربيا.
قال الله جل وعلا (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهو سبحانه وتعالى الذي آتاهم هذا الفضل وهو ذو الفضل العظيم الذي لا أحد أفضل منه عطاء ولا أعظم منه منحة وكرما .
فالله جل وعلا أعطى محمدا ﷺ النبوة وخصّ أمته بهذه الخصوصية ولا أحد يملك أن يُغير هذه الحقيقة التي منحهم الله جل وعلا إياها. أما اليهود فإن الله سبحانه وتعالى ذمهم مذمة في هذه السورة وهذه المذمة قُدمت في هذه السورة بالذات بين يدي مسألة وهي أن المسلمين أصحاب رسول الله ﷺ كانوا عنده إذ كان يعِظُهم ويخطُب فيهم ثم لما جاءت التجارة انفضوا إليها وتركوه قائما فوعظهم الله جل وعلا بالمثلِ ولم ينُصّ على مذمتهم لأنهم إنما فعلوا ذلك دون قصد منهم ولا مُكابرة فإن المرء إذا أخطأ خطأ دون أن يكون فيه إصرار ولا مكابرة يُسمح له ويتجاوز عنه وإذا كان هذا حاله تكفيه الإشارة، يكفيه الإيماء، نعم يكفيه الإيماء ومن الإيماء أن يُذكّر بالمثلِ السابق (الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها) جاءكم رسول معه القرآن وألقى القرآن عليكم والموعظة عليكم فلا تقوموا وتتركوه لأنكم لو فعلتم ذلك فلربما كنتم كمثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها، وهذا يشعر به صاحبه الإحساس ولذلك شعروا به وندموا عليه فقبِل الله جل وعلا منهم.
/ يقول الله جل وعلا ذامّا لليهود، والخطاب وإن كانت الآية في اليهود فإن المثل إنما يُضرب لمُخاطبٍ غير المضروب فيه، المضروب هو مثل إذا هو ليس للمضروب به وإنما المضروب له، من هم؟ الذين كانوا مع رسول الله ﷺ ثم قاموا وقت حضور التجارة.
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وانتهت القصة، قصة تحمل معاني جليلة وعظيمة والذي يقرأ هذه الأسطر التي لا تبلغ أن تكون ثلاثة، أقلّ أعطتنا قصة بالمثل ، بالإيحاء، بالعرض، بالأسباب، بالتاريخ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) هذه أعطتكِ تاريخ اليهود (حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ)  كم جلسوا يُحمّلُون التوراة ينزل الوحي على موسى وكم..وكم..وكم، فتعطيك تصوّر لتاريخ كامل، (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) أيضاً نتائج هذا التاريخ .
 كثير من الناس -خاصة العرب- يزهدون في التاريخ ،والتاريخ -الحقيقة - مليء بالعِبر والعِظات، والنظر فيه من أسباب نهضة الأمة لو كانوا يفهمون، لكن الآن تجدينهم يقولون أغلِقوا أقسام التاريخ لأنه ليس لها سوق عمل، ليس لها سوق عمل عندهم لأنهم ما عندهم عقول ولذلك هم منكوبين دائما، دائما يسقطون في نفس المشكلة دائما يقعون في نفس الحفرة لأنهم لا ينظرون للتاريخ، الله جل وعلا هنا يبسط التاريخ أمامهم -تاريخ اليهود- انظروا إلى تاريخ اليهود ضرب لكم به المثل (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) وجاءت الصورة هنا واضحة تمام الوضوح ، تتخيلين أنتِ، ما تتخيلين وأنتِ تقرئين هذه الآية تتخيلين حمارا يحمل أسفارا؟ تتخيلينها صورة مجسمة أمامك، صورة حية ،هكذا أمثال القرآن تكون صورة حية كاملة، وهنا مذكور المثل المُشبّه والمُشبّه به ووجه الشبه، أين وجه الشبه؟ وجه الشبه متروك للنبيه يفهمه -افهم يا فهيم- في أنهم لا ينتفعون بالعِلم الذي معهم فانتبهوا معشر المسلمين بين ظهرانيكم محمد ﷺ يعِظكم ويعلمكم ويتنزّل عليه القرآن لا تنصرفوا عنه فتكونون مثل أولئك الذين يحملون التوراة على ظهورهم -يعني هي معهم- ويفهمونها ويقرؤنها لكنهم مع ذلك لا يفعلون بها شيئا كمثل الحمار يحمل أسفارا لكن الحمار يقرأ؟
 كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ** والماء فوق ظهورها محمُول
يعني كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول ما تستطيع تشرب، ممكن تموت من العطش والجرة أو القِربة فوق ظهرها ما تستطيع أنها تفكر، فكذلك هؤلاء (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)   
/ ثم قال الله جل وعلا (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) فبئس وجه الشبه بينهم أن يكونوا كالحمار الذي يحمِل أسفارا لا يقرأ فيها ولا يفهم منها شيئا، ما قال بئس مثلهم لأنهم كذبوا، قال (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ) انظري كيف البلاغة والاختصار ليُعطيك القصة كاملة والمعاني كاملة والظِلال كاملة والروح الذي تتلقين به هذه العبارات لتنطبِع في نفسك خوفا وخشية وفرَقا يجعلكِ لا تكونين مثل هذه الصورة، يجعلك تنفِرين من هذه الصورة. كمثل ما جاء في سورة الحجرات في قول الله جل وعلا (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [سورة الحجرات 12] فيعطيك الصورة كأنها صورة حية، كأن شخص جالس يأكل إنسان ميّت، صورة مُقزِزة، لكن مع ذلك ما يتملاّ هذه الصورة إلا روح حية، إلا نفس زكية، ولذلك جاء في الآيات قبل ذلك قال الله جل وعلا في الآية التي قبل قبلها قال (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) ما قال (يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) في هذا الموطن، قال يزكيهم أول ثم قال يعلمهم الكتاب والحكمة لأن العلم هنا مطلوب له الزكاة قبل، يُزكّون أولا مما هم فيه من رِجز ثم يُعلّمون الكتاب والحكمة فجاء هنا أن هؤلاء زُكّوا فهم يفهمون هذه الأمثال وينتفعون بها.
/ قال الله جل وعلا ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) من ظلم نفسه بأبشع الظلم وأخزاه الذي هو ظلم الكفر والشِرك ، ما فيه أظلم من ذلك، مافيه أظلم من أن تجعل لله نِدا وهو خلقك ولذلك قال الله جل وعلا ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لأنهم ظلموا أنفسهم.
 قال ابن عباس بعد ذكر قول الله جل وعلا (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ذكر ابن كثير عن ابن عباس -حديث ابن عباس- قال : قال رسول الله ﷺ (من تكلّم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا) أرأيتي كيف فهمها ابن عباس يعني المثل هذا مُساقٌ فيمن أعرض عن الخطبة ، من يعرض عن الخطبة فإنه كمثل الحمار يحمل أسفارا قال ابن عباس "فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصِت ليس له جمعة".
و في هذه السورة التي يزعم فيها اليهود، اليهود زعموا ثلاثة مزاعم:
- زعموا أنهم أحباب الله
- وزعموا أنهم هُدوا إلى خير الأيام
فقال الله جل وعلا ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) يعني إن زعمتم أنكم أولياء لله، أولياء الله لا يُعذبعهم يُنعِمهم، وإذا كنتم تعلمون النعيم فإن الإنسان الذي يعلم النعيم وهو على يقين به ينتظِرُه، الصحابة كان الواحد منهم إذا قيل له بينك وبين الجنة الموت يقول بخٍ.. بخٍ الحياة طويلة إن بقيت آكل هذه التمرات، فكل واحد منهم يتمنى الموت لكن اليهود لا (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة) هم حريصون على الحياة تماماً ولذلك يقول الله جل وعلا ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ) إن كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة فادعوا بالموت على الضال من الفئتين إن كنتم صادقين فيما تزعمونه. قال الله تعالى (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) لن يتمنوه أبدا (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فالله جل وعلا عليم بأهل الكفر والظلم الذين يزعمون ذلك ظلما وهم كذبة في ذلك والله جل وعلا عليم بهم.
/ ثم  يقول الله جل وعلا (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) أنتم تفرون من الموت يا معشر اليهود  والموت سيُلاقيكم عاجلا أو آجلا (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
 والنبي ﷺ دعا اليهود للمُباهلة، المباهلة: قسم الإنسان على نفسه، اثنان يأتي كل واحد منهما ويقول أنا على الحق وإن كنت لست على الحقّ يدعو على نفسه، على زوجه، على ولده، كما جاء في قول الله جل وعلا (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران ٦١] فهم هنا ما قبِلوا المباهلة ما باهلوا لأنهم يعرفون أن النبي ﷺ على حق، طيب إذا كنتم تعرفون أنه على حق لماذا لا تتبعونه؟ وإن كنتم تعرفون أنكم أنتم على الحق فلماذا لا تُباهلون، فلا أنتم قبلتم المتابعة ولا أنتم قبلتم المباهلة فدل ذلك على ارتكاسهم وانتكاسهم وحسدهم لمحمد ﷺ.
وعن ابن عباس قال: قال أبو جهل -لعنه الله- إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه. قال: فقال رسول اللّهﷺ (لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يُباهلون رسول اللهﷺ لرجعوا لا ر يجدون أهلا ولا مالا) لكنهم هم يعرفون هذا ، يعرفون صدق النبيﷺ ولذلك ما باهلوا.
/ يقول جل وعلا  (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
 قال الله جل وعلا (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) وقال (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) ليُذكِّرهم بأنه يعلم مافي صدورهم وما قالوه وما أبطنوه وسينبئهم الله سبحانه وتعالى بهذا الذي يعملونه من معاندته ومحادّته يوم القيامة ولكن النبأ إذ ذاك لن يكون نبأً نظريا وإنما سيكون نبأً حسابيا، لن يكون نبأ موعظة ولا نبأ توبيخ وإنما سيكون نبأ حساب وعذاب وسيكون نبأ مصير وقرار وفي الأخير لن يستطيعوا عودا ولا رجعة ولا اعتذارا ولا استماحا وسيبقون خالدين مُخلدين في نار جهنم.
/ يقول سبحانه وتعالى بعد أن ذكر هذا وهو تهيئة للمؤمنين قبل أن يناديهم، هيأهم لذلك قبل أن يناديهم، قبل أن يعِظهم فقال لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعني اعرفوا مرة أخرى اعلموا أن ذلك لا ينبغي لكم ولا يكون من أمثالكم الذين امتنّ الله عليهم بهذه المِنّة .
/ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
سُميت الجُمعة جُمعة لأنها مشتقة من الجمع وذلك أن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة في  الجوامع الكبار، وسُميت جُمعة أيضا لأن الله كمّل جميع الخلائق فيها وفيه خُلق آدم -في يوم الجمعة - وفيه أُدخل الجنة وفيه أُخرِج منها ، وفيه تقوم الساعة كما ثبت ذلك  بأحاديث صحاح، وقد كان يقال له يوم العروبة وذلك أن أمة العرب هي التي هُديت لهذا اليوم، وثبت أن الأمم قبلنا أُمِروا به فضلوا عنه واختار اليهود السبت واختار النصارى الأحد وهدى الله جل وعلا ليوم الجمعة أمة الإسلام .
جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال ﷺ (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد) ما معنى قول النبي ﷺ (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)؟
يعني السابقون في القضاء المقضي بينهم أسبق من الأمم، يعني الآن الأمم جاءت قبل أمة الإسلام ولكن الله يقضي بين المسلمين ويُدخلهم الجنّة قبل الأمم السابقة جاء بيان ذلك في رواية مسلم قال (أضل الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق).
وسُميت جُمعة في ذلك سبب وفضل فهي من حيث السبب ما ذكرناه.
من حيث الفضل لما يجتمع في يوم الجمعة من الفضائل:
 ففيها ساعة إجابة، فيها دعوة مستجابة، والصلاة على النبي ﷺ تبلُغه وتُنيل شفاعته، وفي يوم الجمعة أيضا من المزايا أن الله جل وعلا يُغلق أبواب جهنم في وقتها، وإلى غير ذلك من الفضائل والخصائص.
ويوم الجمعة يُعطي الله جل وعلا أجر الصلاة تامة على أنها تُؤدى نصفا يعني تؤدى ركعتين ومع ذلك يعطي الله أجرها تامة مضاعفا، وأعطى الله فيها من الأجور أن من غسّل واغتسل وأتى الجمعة لا يفرِّق بين اثتين لم يخطُ خطوة إلا كتب له بها حسنة ومُحي بها عنه خطيئة ورفع له بها درجة، إلى غير ذلك مما جاء في هذه الفضائل.
/ قال الله جل وعلا (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أي النداءين؟
النداء الثاني وهو النداء الذي يجلس فيه الخطيب أو يدخل فيه الخطيب على المُصلين.
/ قوله ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ) هل معنى قوله (فاسعوا) يعني اركضوا؟ السعي الجري صح؟ الاجتهاد في المشي أو  سُرعة الخُطى لكن السعي هنا ليس هو لأن النبي ﷺ قال (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة) فمُحال أن ينهى النبي ﷺ عنه ثم يكون الله جل وعلا قد أمر به وإنما المراد هنا بالسعي المبادرة كمثل ما جاء في قول الله جل وعلا (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء١٩] سعى يعني بادر وعمِل، (فاسعوا) يعني بادروا إليها، والمبادرة إلى الجمعة تكون بالاستعداد لها بالغُسل والطيب ولِبس أحسن الثياب والتبكير وقد جاء في ذلك أحاديث منها ما جاء في حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسِل) وأيضاً جاء في حديث أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول (من غسّل واغتسل يوم الجمعة وبكّر وابتكر ومشى ولم يركب ودنى من الإمام واستمع ولم يلغو كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال إن رسول اللّهﷺ قال (من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة أو غُسل جنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِكر) وفي حديث (أنهم يطوون الصحف) يكتبون الأسماء عند الأبواب كلما حضر واحد كتبوا اسمه. إذا أخبرتي ابنك هذا وقلتي: يا بني تراك إذا دخلت بعدما يقرأ الخطيب أو يتكلم الخطيب فالملائكة قد طوت الصحف ودخلت واسمك غير مكتوب فما ظنك ، تريد الملائكة تصعد يوم الجمعة واسمك غير مكتوب؟ فهذا مما يشجعه على اللحاق.
 أما الساعات فليس المقصود خمس ساعات قبل الأذان يعني نقول إذا الساعة الثانية عشرة يخرج الساعة السابعة يذهب، لا، وإنما المقصود بالساعات البُرهة من الوقت يعني قد تكون قدر عشر دقائق فلو جاء أحد قبل إقامة الصلاة بساعة فكأنما قرب بدنة لأنه قد جاء مُبكرا.
س: يعني قبل النداء الأول أو الثاني؟
جـ: النداء الأول إنما جعله عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لأجل استعداد الناس ، لأن الناس لما كبُرت المدينة صار الناس ما يصِلون إلى المسجد إلا وقد قُضي جزء من الصلاة أو ذهب جزء من الخُطبة فلذلك جعل النداء الأول حتى ينتبه الناس ، ما عندهم ساعات ولا عندهم ما يُنبههم فكانوا ينتبهون بذلك ومضى عليه، مضى على هذا ، كمثل الأذان الأول كان للتنبيه ثم ذهب النداء الأول ماعاد صاروا ينادون إلا في الحرم ، استغنى الناس بالساعات والمُنبهات.
/ قال الله جل وعلا (فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ) والمقصود بذكر الله هو الاستعداد للصلاة بالذِكر والمقصود اسعوا إلى ذِكر الله  يعني إلى الخطبة التي يُذكِركم فيها إمامكم بالموعظة الحسنة.
/ قال (وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) والمقصود بالبيع البيع والشراء على حدٍ سواء (ذروا البيع) أي ذروا التجارة بيعا وشراء.
(ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كنتم تعلمون بما في ذلك من الأجر والفضل وما في استماع الخطبة من المنافع التي تُحصِّلونها فاسعوا إلى ذكر الله والسعي أنواع: منه سعي بالبدن، ومنه سعي بالقلب، ولاشك أن الأكمل السعي بالقلب والبدن فبعض الناس يسعى ببدنه لكن قلبه مشغول في الدنيا فهذا سعى سعيا ناقصا، وبعضهم يسعى ببدنه وقلبه فيأتي بالكمال، وبعضهم لا يسعى لا ببدنه ولا بقلبه.
/ قال الله جل وعلا (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) يعني إذا قُضيت الصلاة (فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) فيما ينفعكم في شأن دينكم ودنياكم. ولما حجر عليهم في التصرف قبل النداء أمرهم بذلك بعد النِداء ، لا أن هذا الأمر أمر وجوب ولكنه أمر إباحة. ما الذي يدل على ذلك؟ يدل على ذلك قرينة اللفظ فإن النهي عن التجارة بقوله (وَذَرُوا الْبَيْعَ) الأمر بترك البيع نهي عن التجارة، وكذلك أيضاً الأمر بالسعي لو أنه لو لم يؤمر بضده لظن الناس أن الحكم جارٍ على المجرى الأول فجاء الأمر بضده ليدل على الإباحة، وكان بعض السلف يرى أن في البيع والشراء بعد الجمعة بركة بل قال بعضهم "من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة لقوله تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) ولو سألتم الذين يبيعون عند المساجد قالوا لكم إن رزقهم يوم الجمعة أكثر بكثير من أرزاقنا في غيرها طوال الأسبوع.
/ قال الله جل وعلا (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) وفضل الله واسع، فضل الله واسع تحصيل الدِّين والدنيا فكل من فعل خيرا بعد انقضاء الصلاة بارك الله له فيه.
 وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)) 
 / (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم لا تنصرفوا للدنيا انصرافا تاما بل ليكن مع ذلك ذكر الله جل وعلا. قد كان بعض الناس -يعني- فيما يُذكرعنهم أنهم يذكرون الله على كل حال حتى ذُكر لنا من حال شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله - أنه كان يذكر الله ويشكره بين كل لقمة ولقمة -رحمه الله -.
س: ...
ج: بعض أهل العلم ذهب إلى أن المرأة في يوم الجمعة كالرجل في أحكامه من حيث الغُسل ومن حيث الاستماع للخطبة ولذلك كانت النساء سابقا تخرج إلى الطُرقات وتجلس تتفيؤ الظل وتستمع الخطبة ، أما اليوم فالناس زهدوا في ذلك وإلا فالأولين أنا أذكر وأنا صغيرة إذا خرجت في الشارع أذكر أمهاتنا وجداتنا أذكرهم يصفون على الجدران. لا أدري إن كان بعضكم قد رأت هذا المشهد من زمان يعني كانوا يصطفون لأنه ما كان فيه خُطب تُنقل ولا شيء فكانوا يسمعون خطبة الإمام، فالنساء إذا فعلن ذلك واستمعن إلى الخُطبة وانتفعن بها وسمعوا ذكر الله وقرأوا سورة الكهف مثلا وسبحوا وصلوا على النبي ﷺ واغتسلن وفعلن ذلك فإن لهن من الأجور -إن شاء الله - مثل ما للرجال في ذلك إن شاء الله وفضل الله عظيم والله جل وعلا يقول (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) و"لعل" هنا موجبة إن شاء الله ، من ذكر الله كثيرا أفلح.
/ قال الله جل وعلا (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) فعاتب الله في هذه السورة في آخر آية منها قوما خرجوا إلى التجارة أو إلى العير التي جاءت وتركوا النبي ﷺ كما جاء في حديث جابر رضي الله تعالى قال:  (قدمت عير مرة المدينة ورسول الله ﷺ يخطُب فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلا فنزلت (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)) وروى أبو يعلى الحافظ عن جابر بن عبدالله قال:  (بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة قدِمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله ﷺ حتى لم يبقَ مع رسول الله إلا اثنا عشر رجلا فقال رسول اللّهﷺ : والذي نفسي بيده لو تتابعتم -يعني لو خرجتم كلكم- لو تتابعتم حتى لم يبقَ منكم أحد لسال بكم الوادي نارا) ونزلت هذه الآية  (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) وقال (كان في الاثني عشر  الذين ثبتوا مع رسول اللّه ﷺ أبو بكر وعمر رضي اللّه عنهما ).
/ وفي قوله (وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) دليل على أن الخطبة تكون من الخطيب وهو قائم، وقد روى ذلك مسلم في صحيحه عن جابر بن سمُرة قال: (كانت للنبيﷺ خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويُذكِر الناس) هذا دليل على أن الخطبة تكون حال قيام وأنه يجلس بين الاثنين.
وأيضاً يُذكَّر في الخطبة بالقرآن وبالذِكر وبالموعظة الحسنة، وبعض الناس الآن يمكن يتكلم في الخطبة كلاما طويلا ساعة  كاملة لا يبقي مسألة سياسية إلا آتى بها ولا يُبقي مسألة اقتصادية إلا أتى بها ومع ذلك يقِل فيها موعظة القلوب وترقيق القلوب والجُمعة إنما كانت موعظة وذِكر فمن أراد أن يتكلم في مثل هذه الشؤون فليتكلم باختصار شديد لا يطغى على الخطبة، وبعض الخطباء -أحيانا- يسرد قصيدة كاملة في خطبته، والسُنة أن تُقصر الخطبة وتُطال الصلاة وأن يُذكّر في الخطبة بالله جل وعلا وبالآيات والأحاديث وما جاء من المواعظ في كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله ﷺ.
/ قال الله جل وعلا قل يا محمد لهم (قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ) وقدّم اللهو على التجارة لأن اللهو أكثر شَغلا للإنسان عن العبادة من التجارة من جانب، وأيضا يُمقَت الذي يُقدِّم اللهو على العبادة أكثر من الذي يقدِّم التجارة وإن كانا جميعا ممقوتَين 
/ (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الله يرزق عباده وعنده الخير كله.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.                                                                                                                                                             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق