الأربعاء، 26 أغسطس 2015

تفسير سورة المجادلة -٣- / د. رقية المحارب


بسم الله ..
نستأنف ما بدأناه من سورة المجادلة من اﻵية الثانية عشرة .
يقول الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة المجادلة 12].
هذه اﻵية مما نُسِخ حُكمه من القرآن -نُسخ حكما- وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أمته وفي قومه يأكل معهم ويصلي معهم ويجلس معهم فليس بينهم وبينه حجاب فكان كل من أراد أن يسأله سأله فيأتيه الناس ويسألونه وربما سألوه عن كل صغيرة وكبيرة، ويسألونه عما يستطيعون أن يسألوا عنه غيره ممن كان يُجالسه وينتفعون بالعلم، فكانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ويثقُل عليه السؤال فيُشغلونه عن أمور أخرى فأنزل الله جل وعلا هذه اﻵية -خاصة إذا كان مناجاة أو خصوصية بين أحدهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه اﻵية ليقول لعباده إذا أردتم أن تُناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا بين يدي نجواكم صدقة، قرِبوا صدقة طُهرة لكم تزكيكم وتجعلكم مؤهلين لسؤاله ثم مع ذلك قال الله جل وعلا (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وجعل ذلك لمن يجد ومن لا يجد يغفر الله له.
الهدف من ذلك .. المقصد من هذا أن يقِل السؤال الذي لا يلزم ولا يُحتاج إليه .
وفي ذلك أيضا لفتة وهي : أن ينحبِس اﻹنسان أو أن يُقلل اﻹنسان المسألة فيما يستطيع أن يصِل إليه من العلم دون سؤال وهذا ما ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بل ربّاهم على ذلك القرآن الكريم.
/ ثم قال الله جل وعلا (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) [سورة المجادلة 13]
لما كان ذلك اﻷمر بأن يتصدقوا بين يدي نجواهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلّ السائلون فقال الله جل وعلا (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) خِفتم أن تقدموا صدقة بين يدي نجواكم، قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحجمتم عن سؤاله ﻷجل ألا تقدموا صدقة؟ علي رضي الله تعالى عنه هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقدّم بين يدي نجواه صدقة حتى قال مجاهد: "نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدقوا فلم يُناجِه إلا علي بن أبي طالب قدّم دينارا صدقة تصدّق به ثم ناجى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عشر خصال ثم أنزلت الرُّخصة" ولذلك قال علي رضي الله تعالى عنه: "آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم فنُسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ثم تلا هذه اﻵية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)".
قال ابن عباس : "(فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقُّوا عليه فأراد أن يُخفف عن نبيه عليه السلام فلما قال ذلك جبُن كثير من المسلمين وكفوا عن المسألة فأنزل الله بعد هذا (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فوسَّع الله عليهم ولم يُضيِّق".
لكن الدرس حصل وإلا لا؟ حصل، فالتفتوا إلى ألاّ يُكثروا المسألة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وكذلك ينبغي أن يكون هذا الشأن أيضا في حق أهل العلم فإن لهم من الحاجة إلى أوقاتهم فهم يحتاجون ﻷوقاتهم ليُراجعوا العلم، ويحتاجون إلى بحث المسائل، ويحتاجون إلى أن يكون لهم شأن أهليهم، ويحتاجون إلى شؤونهم الخاصّة في الليل وفي النهار، فينبغي للناس أن يخففوا عنهم المسألة فيما يستطيعون الوصول إليه وهذا من حقوقهم. فتلك وإن كانت لفتة نُسخ الحكم، نُسخ اﻷمر -الطلب والصدقة- لكن بلغت المسلمين الغاية، كذلك ينبغي أن تبقى هذه الغاية فيمن يأتي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل العلم الذين يكون للناس بهم حاجّة لا أن يكون ذلك حُكما باقيا، لا.. إذا كان نُسخ في حق رسول الله فمن باب أولى في حق غيره ولكن المقصود أنه لا يُكثر السؤال دون أن يكون إليه حاجة لا يقوم بها إلا هو.
/ قال الله جل وعلا (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) يعني الله جل وعلا عفا عن ذلك وتاب من أن يُلزمهم به.
قال (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فوسَّع الله عليهم ولم يُضيّق وذلك قلنا سببه كما قال قتادة ومقاتل قالوا: " سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ففطمهم الله بهذه اﻵية فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يقضيها حتى يُقدم بين يديه صدقة فاشتد ذلك عليهم فأنزل الله الرخصة بعد ذلك (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
/ قال الله جل وعلا (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [سورة المجادلة 13] فالمقصد من ذلك التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء اﻷمر بعد ذلك قال  (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) كثير من المسائل يتعمق فيها اﻹنسان أو يُشدِّد فيها ما أنزل الله بها من سلطان وما ألزمه الله بها فينبغي على الناس ألا يكونوا مُعنتين ﻷنفسهم يشقُّون على أنفسهم بكثرة التدقيق والمسألة ﻷن كثيرا من المسائل تتحول إلى وساوس فيوسوس اﻹنسان، فإذا اعتبر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله وسددوا وقاربوا وأبشروا، سددوا فيما استطعتم السداد فيه وقاربوا فيما لم تستطيعوا السداد فيه وأبشروا، لا يقلق اﻹنسان فيتحول حاله إلى قلق دائم فإن الذي يقلق من الدين يجعل الدين غير قابل للعمل ويسيء إلى الدين لماذا؟ ﻷن الله جل وعلا أنزل الدين يسيرا لذلك جاء في الحديث (ولن يُشادَّ هذا الدين أحد إلا غلبه) فلابد أن يكون عند اﻹنسان اجتهاد بحسب قدرته ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد قال الله جل وعلا (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ... ) [سورة التغابن 16] ولكن قد يأتي إنسان يتساهل ويقول اتقوا الله ما استطعتم .. الدين يسر -كما تقولين- ثم بعد ذلك لا يعمل على قدر طاقته وإنما يعمل دون ذلك ويقول الدين يسر ويتساهل، ولذلك أعقبها الله جل وعلا (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) فيأتي بذل الوسع مع اﻷمر بالسمع والطاعة ولذلك أنتم لا تستطيعوا أن تنفقوا أو لا تستطيعوا أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ولم تفعلوا وتاب الله عليكم من ذلك أقيموا الصلاة، افعلوا ما أُمرتم به، وآتوا الزكاة، افعلوا ما أُمرتم به من اﻷوامر الظاهرة والباطنة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) والكلام عامّ في كل ما أمرتم به مع ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من السّداد والمُقاربة.
 (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) جاء هذا الختام لهذه اﻵية ﻷنه لا يمكن ﻷحد من الناس أن يعرف قدر طاقتك ولا قدر تقصيرك إلا الله جل وعلا أنتِ أعرف بنفسك في طاقتكِ وقدرتكِ هل تطيقين هذا اﻷمر أو لا تطيقينه، هل أنت تتركينه تساهلا وتفريطا أم تتركينه ﻷنك لا تستطيعين، فمرجع اﻷمر كله إلى الله جل وعلا لذلك جاءت خاتمتها (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) من حُسن ومن إساءة وخُتم هذا المعنى وجاءت النقلة إلى معنى آخر.
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب والرابط بينهما هو النقلة بين الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيعونه وهم أهل صدق، وهم يصدقونه في أعمال قلوبهم وأعمالهم ودعواهم واجتهادهم وحبهم وولائهم ونُصحهم، وبين فريق آخر ليسوا على هذا الباب ولا على هذا المنوال، من هم؟ أهل النفاق.
فيلفت الله جل وعلا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أولئك فيقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة المجادلة 14] من هؤلاء؟
هؤلاء هم المنافقون، فيُنكر الله جل وعلا عليهم ذلك ويلفِت النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعلهم المُنكر في موالاتهم الكفار في الباطن وهم في نفس اﻷمر ليسوا مع المؤمنين ولا هم معهم أيضا كما قال الله جل وعلا (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ..) [سورة النساء 143] .
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) من هم الذين غضب الله عليهم؟ اليهود كما قال جل وعلا (..غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود (وَلَا الضَّالِّينَ) النصارى. فهؤلاء المنافقون الذين تولَّوا اليهود الذين كانوا في المدينة قال (مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ) يعني لا هم منكم لا وجههم إليكم ولا هم يَصدُقونكم ولا يحبونكم ولا يوالونكم، وهم في الحقيقة أيضا ليسوا من اليهود ولا هم يوالونهم فهم ليسوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل هم قوم مضطربون سيماهم الكذب واللحن في القول مرة يحبون ومرة يبغضون، ومرة يكونون مع هؤلاء ومرة يكونون مع هؤلاء، وإذا وجدوا فرصة،إذا وجدوا مُدَّخلا على المؤمنين ولجُوا منه، وهم إذا كان الفوز والنصر للمؤمنين قالوا نحن معكم وإذا كانت الهزيمة تبرؤا منهم وكانوا مع اليهود أو مع الكافرين ولكن إذا انقلبت، انقلب المِجَن وانقلب اليوم لصالح المؤمنين جاؤا يحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين إنا معكم وهم كاذبون قد فضحهم الله جل وعلا في كتابه قال (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وقد جاءت فضيحتهم في سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [سورة المنافقون 1 - 2] ويحلفون، يحلفون على الكذب وهم يعلمون وهذه اليمين هي اليمين الغموس التي يحلف صاحبها على الصدق وماهو بصادق فهؤلاء (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) قد أعدّ الله لهم، هيأ لهم وأرصد لهم وتوعّدهم بعذاب شديد ﻷن فعلهم هذا فعل السوء قال (إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) من موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين ودعوى النصح للمؤمنين وهم غششه، ودعوى الصدق وهم كذبة قال تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) اتخذوا أيمانهم جُنّة أي جعلوها كأنها تُجِنهم يعني تغطيهم وتكون بينهم وبين غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اتقوا غضبه وعقابه باﻷيمان الكاذبة فظنوا أن الله لا يفضحهم وأن الله لا يعلم ما يمكرون.
قال الله جل جلاله (فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) يعني يهينهم الله جل وعلا بالعذاب فيُهينهم بهذا العذاب في الدنيا بما يجدونه من اﻷلم في نفوسهم وفي اﻵخرة بما سيواجهونه من عذاب النار ﻷن الله جل وعلا قال فيهم (أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [سورة المجادلة 17] فهم سيدخلون النار يخلدون فيها بنفاقهم وبغضهم للإيمان وأهله.
/ قال الله جل وعلا (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [سورة المجادلة 17] فهؤلاء مهما كان عندهم من اﻷموال ومهما كان عندهم من اﻷولاد لن تغني هذه اﻷموال ولا اﻷولاد من الله شيئا إذا أراد الله جلّ وعلا أن يُنزِل بهم عذابه وعقابه فإذا جاءهم بأس الله جل وعلا فلن ينفعهم ما عندهم من مال ولا ولد ولا مناصب ولا وجاهة ولا جاه.
/ قال الله جل وعلا (أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وتوعدهم بالنار قال (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ) هم اﻵن يحلفون لكم ويظنون أنكم إذا حلفوا تصدقونهم وأن هذا اليمين يُجِنهم من غضبكم ومن عقابكم لكنهم يوم القيامة سيأتون ليحلفوا نفس الحلف الذي كانوا يحلفونه لكم لكنهم سيفاجأون بأنه لا تخفى على الله خافية وأنه الله سيفضحهم لذلك قال (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [سورة المجادلة 18].
وقد جاء عند أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حُجرة من حُجرِه وعنده نفر من المسلمين قد كاد يَقلُص عنهم الظل قال :"إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه فجاء رجل أزرق -يعني أزرق العين- فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّمه فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟" واجهه بما كان يظن أنه لا يعلمه ﻷنه مما أسرُّوه فأخبره بخبر فاجاءه به.
"قال" علام تشتمني أنت وفلان -نفر دعاهم بأسمائهم-؟ قال: فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه قال: فأنزل الله عزوجل (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
/ قال الله جل وعلا (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) أي غلب الشيطان على قلوبهم حتى أنساهم ذكر الله. وكل من لم يصدُق الله جل وعلا في إيمانه وعمله ودينه فإن الله جل وعلا ينصرف عنه ﻷن الله جل وعلا يُقبِل على عبده الصادق فإذا كذب فإن الله جل وعلا يدعُه فيستحوذ عليه الشيطان استحواذا فهؤلاء (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) استحوذ على قلوبهم حتى أنساهم أن يذكروا الله عزوجل ولذلك جاء في الحديث (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تُقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية ).
والحق أن اﻹنسان إذا ابتعد عن إخوانه يستحوذ عليه الشيطان ولذا كلما رأيتي نفسك ابتعدتي عن مجالس الذكر وبدأ يدب إليك الكسل والدعة والضعف عاودي إلى مجالس الذكر مرة أخرى تنشطين وتقوين ويرجع لك الحماس. وهذا أمرٌ أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم قال (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [سورة الكهف 28] فلذلك -يا أخواتي الكريمات- ننتبه من الوحدة والانفراد بالرأي ﻷننا حينئذ يستحوذ علينا الشيطان فينبغي للإنسان أن يكون مع إخوانه خاصة الذين يدعونه إلى الهُدى ويدعونه إلى الخير فإن العبد إذا انفرد استحوذ عليه الشيطان ولذلك جاء في الحديث (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) ولذلك اعتبر أهل العلم الجماعة بما هو فوق الاثنين وجاء في حديث عند ابن ماجه -في إسناده نظر- (اثنان فما فوقهما جماعة) وبوّب به البخاري -رحمه الله تعالى- باب [اثنانةفما فوقهما جماعة] لكن الحديث فيه نظر وحسّنه جماعة من أهل العلم. وقال : ومن أجله قال من قال إن الإثنين جماعة أو أقل الجماعة اثنين.
قال آخرون: أقل الجماعة ثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) فعدّ الجماعة ثلاثة فما فوق.      
قال الله جل وعلا (أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [سورة المجادلة 19] فحزب الشيطان هؤلاء الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله هم الذين يوسوس لهم الشيطان، هم الذين يُسول لهم الشيطان، هم الذين يكونون على هدي غير هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي أتباعه من المؤمنين -الصحب الكرام- الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم فهؤلاء هم المفلحون، أما من ناوأهم فإنهم حزب الشيطان وهؤلاء الحزب هم الخاسرون.
/ يقول الله جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) [سورة المجادلة 20] 
وجاءت هذه اﻷية بعد ذكر المنافقين فهؤلاء هم أشدّ الناس محادة لله ورسوله ﻷنهم يمكرون ويكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُوالون الكافرين عليه من المغضوب عليهم ومن الضالين فهؤلاء هم العدو كما قال الله جل وعلا (...هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ..) [سورة المنافقون 4] من المنافقين وهم أولئك أهل المحادّة وغالبا هؤلاءتجدينهم من أوصافهم -من المنافقين- من أوصافهم أنهم ينازعون شرع الله وينازعون حدوده فتجدينهم يُنكرون الحدود أو يضادُونها أو يضاهؤنها فهم إما يتملصون منها وإما يضادونها وإما يضاهؤنها يعني يأتون بحدود يستبدلون بها حدود الشارع وهذا من المُحادّة لرسول الله أو من المُحادّة لله ولرسوله وهؤلاء حكم الله عليهم وكتب عليهم أنهم في اﻷذلين ذلّ الدنيا وذلّ اﻵخرة ومعنى اﻷذلين يعني اﻷشقياء المبعدين، أوطى الناس وأرذل الناس وأسفل الناس في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فهذا ظاهر وأما في اﻵخرة فقد قال الله جل وعلا عنهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [سورة النساء 145] فهم في الدرك اﻷسفل يعني في اﻷذلين. أما في الدنيا فترين -سبحان الله العظيم- كيف أن الله جل وعلا يُخزيهم، كيف أن الله جل وعلا يُذلهم.
أذكر مما قرأته فيما ذكره الشيخ أحمد شاكر في رجل كان خطيبا وكان يدخل على عبد الناصر فدخل على عبد الناصر طه حسين، فلما دخل طه حسين تبسم له عبد الناصر ووسع له فقال له: أنت الذي حين جاءك اﻷعمى ما عبست ولا توليت - أراد أن يكسب وُدّ عبد الناصر- فيقول أحمد شاكر فرؤي هذا الرجل بعد ذلك، بعد أن كان خطيبا مُقربا من عبد الناصر، رؤي بعد ذلك قد عُزل من منصبه وينظف حمامات المسجد ويقُم المسجد. أذلّه الله بعد أن كان له عز ﻷنه نافق وداهن فذمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرَّض به ليمدح عبد الناصر.  فنسأل الله -سبحانه وتعالى- ألا يزلنا بألسنتنا وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا. اللهم آمين.
س: مهاجمة بعض اﻹعلاميين أو المنسوبين للإعلام ﻷي خطأ يقع من الهيئة أو أي (***) ﻷعضاء الهيئة تدخل ضمن هذا النطاق؟
ج: الحمد لله :
مثل هذه الأمور تُحمل إن كانت محمل إلصاق الخطأ بشخص مُعين والمطالبة -مثلا- بمحاكمته أو مقاضاته أو إرجاعه -مثلا- للمنهج القويم أو المنهج اﻹسلامي الصحيح وكذا فهذا لا إشكال فيه. ولكن استغلال الفرصة لـ -مثلا- المطالبة بكف اﻵمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عن -مثلا- الاحتساب على المجتمعات فهذا لاشك من المحادة ولكن مع ذلك فلا يُنظر إلى اﻷشخاص بأعيانهم ولا يُنظر إلى تسميتهم بأعيانهم وإنما يُشخّص هذا الداء ويُقال -مثلا- رفض إقامة هذه الشعيرة -شعيرة الحسبة- هذا لاشك أنه من المحادة لله ولرسوله. فينبغي أن نكون أيضا غير مندفعين في الاتجاه المعاكس ﻷن أحيانا اﻹنسان يندفع في الدفاع ويقع في خطأ مضاد فينبغي أن يكون اﻹنسان متوازنا وأن يزن اﻷمور بموازينها.
هل رأيتم القرآن ذكر اسم منافق واحد؟ ما ذكر القرآن ولا منافق بينما ذكر الكافرين فرعون وهامان، لكن ما ذكر الله جل وعلا المنافقين ولا باسم مع أنهم في الدرك الأسفل، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم واحدا واحدا بأسمائهم وأخبر عنهم حذيفة وجعل ذلك سرا عنده أمره بحفظه ﻷنه لا مصلحة في معرفة أسمائهم أو أعيانهم إنما المصلحة في معرفة شبههم وكيف تنشأ. ولذلك فينبغي أن تُقدر المسألة بقدرها.
ثم أيضا قد يكون التشخيص خاطئا فيكون إنسان -مثلا- عنده وجهة نظر فيعُبِر عنها فيأتي مندفع فيقول أنت منافق فيبغِّضُه في الدين، يجعله ينحى منحى آخر وربما فرّط في صلاته أو فرّط في عبادته بسبب هذا التصنيف أو هذه التهمة ولذلك ينبغي للناس أن يكونوا متوازنين في هذا المسألة.
 أيضا لا يجعل اﻹنسان هذه المقولة من شخصٍ ما قالها وهو لا يدري ربما عن خلفياته فيها ولا أهدافه ولا كذا ثم تجدينه يعاديه ويقاطعه ويسبه ويهجر مكانه ولا يزوره، ربما يكون هذا اﻹنسان فيه خير لكن هذه المسألة زلّ فيها ومال إلى ذلك الاتجاه -مثلا- أو عبر عن رأيه فيها وليس من المنافقين. فالنبي صلى الله عليه وسلم لما دُعي في مرة من المرات إلى عشاء فتلفت في أصحابه وما رأى مالك بن الدُخشن فقال: أين مالك بن الدُخشن؟ قالوا: ذاك المنافق يا رسول الله؟ قال: لا تقولوا ذلك ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله، قالوا: إنا نستغفر الله ولكننا كنا نرى وجهه إلى المنافقين، نصحه للمنافقين يعني نصحه للمجالسين يسمعهم ويجالسهم ويتكلم معهم ويزورهم وكذا فظنناه معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله أراد أن يعلمهم شيئا ألا تحكم على اﻹنسان ﻷجل -مثلا- أنه له وجهة نظر، قد يكون -مثلا- واحدة  جلستي معها في مجلس وقالت لك -مثلا- غطاء الوجه ليس بواجب، لا تقولي أنتم منافقون وأنتم كذا، لا.. ينبغي للإنسان أن يترفق قد تكون هذه المسألة عندها نظر فيها خلافية وإلا عندها وجهة نظر فيها، قد تكون خلاف أو جهل أو .. أو .. أيّا ما كان لها وجهة نظر أو ماخذة مذهب معين حتى لو كانت عاصية فيها لكن لا يندفع اﻹنسان، أو تقول لك -مثلا- أننا المفروض نقود السيارات وإلا.. هذه قضايا لا تصل إلى درجة أن اﻹنسان يُوصِلها إلى الاتهامات إنما المقصود المسائل التي فيها رد الشريعة المُحكمة، اﻵيات البينات المفصلات والمحكمات هي التي لو رُدت كان ذلك من النفاق،  أما مسائل الخلاف، مسائل وجهات النظر فهذه لا تجترئي فيها على الناس بتهمتهم بالنفاق ﻷن هذه مسألة خطيرة وإذا قال أحدهما ﻷخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما (إذا قال الرجل ﻷخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) ولذلك قالوا إذا كانت كذلك وإلا لم يرجع سالما -سالما من اﻹثم- فينبغي لنا أن نحتاط ﻷنفسنا في هذه المسألة.
/ قال الله جل وعلا (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة المجادلة 21] مهما رأينا من الضيق على أهل الدعوة وأهل الصلاح وأهل اﻹسلام فإن الله جل وعلا قد كتب وقضى أن العاقبة للمتقين وأنه يغلب سبحانه وتعالى هو ورسله وأن من كان الله هو وليه فإن العاقبة ستكون له، لا أنه لا يُغلب (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) قد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم هُزم في أحد -مثلا- ونرى أيضا أُناس يجاهدون وأصحاب منهج صحيح وسليم ومع ذلك نرى أنهم تكون عليهم الدائرة أحيانا فما القول في هذا والله جل وعلا يقول (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)؟
 المقصود بذلك العاقبة ﻷن الله جل وعلا قال (...إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة هود 49] وقال سبحانه (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [سورة غافر 51].
 والكتابة هنا بمعنى العاقبة والنهاية وهذا الأمر أمر مُقدّر مُحكم بل سُنة من سنن الكون، سُنن الله جل وعلا في الناس أن العاقبة للمتقين.
قد يقول قائل: لكن ذاك اﻹنسان ما رأى تلك العاقبة، مات وما وصل للعاقبة وتقولون العاقبة للمتقين كيف ونحن نراه مات ولا يزال بشار -مثلا- بعض الناس يقول لك الآن هؤلاء مجاهدون أين النصر الذي يرونه وبشار باقٍ وهؤلاء المجاهدون مات منهم مئتي ألف ونحو ذلك؟! العاقبة ليس شرطا أن تكون عاقبة دنيوية لنفس الشخص ممكن تكون العاقبة أخروية لهذا الشخص ولكن العاقبة دنيوية وأخروية لهذه الفئة لهذا المنهج ﻷولياء الله سواء هذا فلان موجود وإلا مات، ألا ترين أن ذلك كان لحمزة -مثلا- حمزة بن عبد المطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد المؤمنين الصادقين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [سورة اﻷحزاب 23] فهؤلاء قضوا نحبهم وأين النصر منهم؟ هذا هو نصرهم، نصرهم أنهم قضوا نحبهم في سبيل الله جل وعلا فنالوا الشهادة، الباقون ينتصرون وتكون العاقبة لهم فلذلك معنى هذه اﻵية (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) يعني من حيث العاقبة، قال الله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
ما سِر أنهم تكون لهم العاقبة مرات أو تكون لهم الدولة مرة وتكون عليهم الدولة يعني تدول عليهم؟ (...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ..) [سورة آل عمران 14] 
من أجل الاختبار قال الله جل وعلا (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ..) [سورة آل عمران 179] فهو من باب التمحيص والابتلاء حتى يميز الله جل وعلا يميز الخبيث من الطيب.
/ قال سبحانه وتعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)
بعد هذه القضية .. قضية تمايز الصفوف في المتقابلين نأتي لشأن آخر الذين هم أولياء المؤمنين .. أقرباء المؤمنين .. ظهير المؤمنين ماذا يفعلون؟ يجب أن تكون ولايتهم ﻷهل اﻹيمان قبل أن تكون ولايتهم للقرابة ولذلك قال الله جل وعلا (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ) يعني لا يمكن أن يُوادّ أهل اﻹيمان المُحادين لله ولرسوله ولو كانوا من اﻷقربين لهم لذلك قال الله جل وعلا في سورة التوبة (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة 24] ولكن في هذا اﻵن لا تُنزل هذه اﻵية على أهل اﻹيمان، يعني بعضهم يشطح فلو خالف إخوانه وآباؤه وأقرابه أهل اﻹيمان وصارت بين طائفتين من المؤمنين قال (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) يا أخي الكريم هذه اﻵية بين المؤمنين والكافرين لا بين المُتخاصمين بل الله جل وعلا يقول (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا...) [سورة الحجرات 9] فلابد من أن يكون اﻹنسان بالصلح (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ) وقتال التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ليس قتال كفر، هذه لا يفهمونها، يقاتلونهم قتال كفر، قتال الفئة من أمثال هذه  -التي هي الفئة الباغية - هاربهم لا يُطارد، نساؤهم لا تؤسر وأموالهم لا تستباح ولا تسلب ﻷنهم أهل إيمان، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لما قاتل معاوية وجيشه قال: "إخواننا بغوا علينا" فاعتبر ذلك من البغي وقاتلهم قتال بُغاة، فلذلك هذه مسألة دقيقة وينبغي للأمة -وليس أفراد الناس فقط- وينبغي للأمة أن تُمحِّص هذه المسألة ﻷن معظم هزيمة هذه اﻷمة بهذا السبب، بسبب الخلاف الذي يدب بينها إلى درجة القتال ثم التكفير فإذا وصلت إلى هذه الحال استباح بعضها دماء بعض. والله المستعان. نسأل الله أن يرد اﻷمة إلى الحق وأن يجمع أهل السنة على قلب واحد وعلى نهج واحد، اللهم آمين.
/ قال الله جل وعلا (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) هؤلاء الذين جعلوا ولاية اﻹيمان مُقدّمة على ولاية القرابة هؤلاء كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيَّدهم بروح منه، وقال أهل التفسير: إن هذه اﻵية نزلت في جماعة من الصحابة منهم أبو عبيدة بن الجراح حين قتل أباه في بدر ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين جعل اﻷمر شورى بعده في أولئك الستة قال: "ولو كان أبو عبيدة حيا ﻻستخلفته" إذ قدّم اﻹيمان ووشيجة اﻹيمان على كل وشيجة حتى وشيجة الوالد.
وقيل: إنها نزلت (وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ)  في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر، (أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) في أبي بكر الصديق يومئذٍ همّ بقتل ابنه عبد الرحمن، (أَوْ إِخْوَانَهُمْ) في مُصعب بن عمير قتل أخاه عُبيد بن عمير (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) في عمر قتل قريبا له يومئذ وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ والله أعلم.
/ قال جل وعلا (أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) فكتب في قلوبهم اﻹيمان وهذه اﻵية نص صريح على أن الله كتب في قلوب هؤلاء اﻹيمان وفيهم عمر وفيهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم. لكن الرافضة لا يفسرونها على هذا التفسير ويستبعدون أبا بكر وعمر وقد رضي الله عنهم وكتب في قلوبهم اﻹيمان وأيدهم بروح منه كما تشهد لذلك السيرة في بروزهم للقتال لإخوانهم وآبائهم وأبنائهم.
/ قال الله جل وعلا (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) كل ذلك شهادة من الله جل وعلا لهؤلاء النفر ومن سار على منهجهم ومن حذا حذوهم في الولاء والبراء، في الولاء لأهل الإيمان والبراء من أهل الكفر والشِّرك والكفر والنفاق والشقاق والمخالفة لدين الإسلام. وهؤلاء هم حزب الله على الحقيقة. ليست الدعوة شعارات وإلا حسن نصر الشيطان يقول حزب الله، يسمي حزبه حزب الله وهم حزب الشيطان، حزب إبليس، الله جل وعلا حزبه وأولياؤه المؤمنون، أولياؤه أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباع زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم حِزب الله قال الله جل وعلا (أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ) الذين كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه فإذا كان الله جل وعلا قال عن هؤلاء الصحب الذين نزل فيهم القرآن إنه أيّدهم وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه قال فيهم (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقال فيهم (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) إذا لم يكن هؤلاء هم حزب الله أجل من هم حزب الله؟! فهؤلاء هم حزب الله الحقيقيون ومن ناصرهم وكان على مثل نا كانوا عليه ووالاهم فهو حزب الله.
 قال الله جل وعلا (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وهذه شهادة من الله جل وعلا بفلاح أولئك وسعادتهم وسعادة من نصرهم في الدنيا والآخرة . جاء في قول الله جل وعلا (أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي يدا ولا نعمة فإني وجدت فيما أوحيته إليّ (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فهؤلاء هم أهل الفلاح وأهل الرشاد وأهل السداد ومن أراد أن يكون على ما مثل ما كانوا عليه من الرّشاد والسداد والفلاح فلينظر في هديهم وقولهم وفعلهم ويتبعهم، وهؤلاء الصحب وإن كان بينهم ما كان من خلاف يسير فإنهم لا يزالون على نهج قويم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم في الصالحين.
بهذا نكون قد انتهينا من سورة المجادلة                                                                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق