الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

دورة قواعد تدبر القرآن - القاعدة الثانية - الجملة الإسمية

 بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله.. الآن نأخذ القاعدة الثانية وهي أيضا من القواعد الكثيرة في القرآن، وأنا ذكرت أننا في هذه الدورة المباركة المختصرة سنقتصر على أشهر قواعد التدبر التي تتكرر في آيات القرآن كثيرا والقرآن كله مبارك، لكن سنأخذ أشهر القواعد. 

القاعدة الثانية هي: الجملة الإسمية تدل على الدوام والثبوت. معنى هذه القاعدة: أنه إذا وجد في الآية جملة إسمية، ومعلوم أن الجملة الإسمية هي التي تبدأ باسم. الآية إذا فيها جملة إسمية فإنها تفيد معنى الثبات والدوام والاستقرار، أيضا أي لفظة تُعبر بها يعتبر سليم، يعني فيها الأمر بالمداومة على ...، فيها ثبات كذا وكذا، فيها استقرار الأمر الفلاني. 
وهنا ملحظ يعني نلاحظ الفرق بين القاعدة الأولى والقاعدة الثانية: القاعدة الأولى الفعل المضارع يدل على التجدد، يعني يتجدد .. يتكرر .. يداوم عليه على زمن بعيد في التكرار. الجملة الإسمية فيها دلالة على الثبات، ولهذا الجملة الإسمية أقوى من الجملة الفعلية لأنها تدل على الثبات والاستقرار حتى أصبح هذا الشيء يعني كأنه وصف. اللازم ، حتى كأنه صار هذا الشيء، وصف لازم لهذا الأمر، ولهذا حتى في لغة العرب، الاسم أقوى من الفعل، ولأجل ذلك أصبح الإنسان يسمى بالاسم فيقولون مثلا حكيم ولا يقولون يحكم، ويقولون عامر ولا يقولون يعمر. ويقولون مثلا  صادق ولا يقولون يصدق، يعني قصدهم أنه من استقرار الصدق فيه سُمي صادق، من استقرار النصر فيه سُمي ناصر، من استقرار الصلاح وثبات الصلاح لهذا الأمر سُمي صالح، يعني هم يريدون الثناء لأجل ذلك صار الاسم بهذه المثابة، لأن الاسم هو الوصف اللازم، يعني أنت حينما تسمي إنسانا سيكون هذا مستقرا فيه، فالذي يناسبه ليس الفعل المضارع وإنما الذي يناسبه الاسم. فكذلك هذه القاعدة لما نطبقها في القرآن، وتمر علينا جملة إسمية فعلينا أن نلحظ هذا المعنى، معنى الثبات، ومعنى الاستقرار، ومعنى الدوام. تمام. يبقى بعد ذلك ما ذكرته سابقا وهو الصياغة، يعني عندنا قاعدة في أذهاننا وعندنا آية أمامنا نحتاج أن نوظف القاعدة على ضوء هذه الآية ونأخذ الآن أمثلة:

 مثلا قول الله سبحانه وتعالى (وأولئك هم المفلحون) هذه جملة إسمية لأنها بدأت باسم، اسم الإشارة (أولئك)، والقاعدة تقول الجملة الإسمية تدل على الدوام، أو تدل على الثبات. طيب نريد أن نوظفها هذه القاعدة على ضوء الآية، فنقول دلت الآية على ثبات الفلاح لهم، أو دلة الآية على دوام الفلاح لهم، أو دلت الآية على استقرار الفلاح لهم، من أين أتينا بكلمة استقرار ودوام؟ من أنها جملة إسمية. يعني الله يريد أن يطمئن هؤلاء القوم فقال (أولئك هم المفلحون) يعني صار الفلاح أمر دائم لهم، ثابت لهم.

 طيب آية ثانية: قول الله سبحانه وتعالى مثلا (وأولئك هم المهتدون) فيها دلالة على دوام الهداية لهم، فيها دلالة على ثبات الهداية لهم فيها، دلالة على استقرار الهداية لهم، تُعبر بأي صيغة المهم أنك لاحظت الجملة الإسمية ولاحظت المعنى الذي تدل عليه وهو الثبات والاستقرار. طبق هذا في القرآن.
 مثلا: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) هذه جملة إسمية، فيها دلالة على ثبات اليقين للقرآن وأنه لا شك فيه، يعني لا ريب فيه، لا شك، لا خلل، لا زيغ، وأن هذا الأمر ثابت دائم للقرآن لا يمكن أن ينخرم ولا في جيل من الأجيال. ( وأولئك هم الفائزون) فيها دلالة على ثبات الفوز لهم، أو فيها ثناء الله بالفوز الدائم لهم، الفوز المستقر لهم، الفوز الثابت لهم. أيضا تُعبر بأي معنى، المهم إن عندك دوام واستقرار وثبات. لهذا الشيء الذي ذكر في الآية.
مثلا: قول الله سبحانه وتعالى (والذين هم على صلاتهم دائمون) هذه جملة إسمية فيها دلالة على ثبات مداومتهم على الصلاة، وأن هذا الأمر صار ثابتا مستقرا لهم لم يحيدوا عنه، ولم يُخلوا فيه. من أين أتينا بهذا الأمر؟ من الجملة الاسمية؟ طيب كيف نصيغها؟ نصيغها كما سبق  وتدربنا في المقطع السابق، فيه دلالة على ثباتهم على الصلاة، فيه دلالة على دوامهم على الصلاة، فيه دلالة على استقرار مداومتهم على الصلاة، فيه ثناء الله بمداومتهم على الصلاة، فيه أن هذا أمر ثابت مستقر لهم -الذي هو مداومتهم على الصلاة- فأنت يعني تصيغها بأي لفظة، المهم أنك تراعي أنه في هذه الحالة جملة إسمية وليست فعلية وبالتالي تدل على الثبات، يعني المعنى فيها أقوى. قول الله (والذين هم على صلاتهم دائمون) أقوى من لو قال (والذين هم على صلاتهم يداومون) لأن (يداومون) تدل على تجدد، وتدل على تكرار، كلما فعل مطلوب منه أن يفعل بعد ذلك ،كلما فعل مطلوب منه أن يفعل بعد ذلك، فيها ثناء لكنه بشكل أقل، لكن (دائمون) يعني أنه صارت صفة المداومة على الصلاة أمرا ثابتا مستقرا لهم، سواء طالت أعمارهم وإلا قصُرت.
 أيضا من ضمن الأمثلة: قول الله سبحانه وتعالى (وما أنتم بمعجزين) أيضا فيها ثبات ودوام عجزهم و ضعفهم وقلة حيلتهم، يعني إنهم ما يعجزون الله. وأيضا من الأمثلة: قول الله سبحانه وتعالى (ونحن له مسلمون) هذه جملة إسمية لأنها بدأت بالضمير المنفصل (نحن) وهو اسم، فما دامت جملة إسمية والجملة الإسمية تدل على الثبات، وتدل على الدوام، وتدل على الاستقرار، ففيها اعترافهم بثبات إسلامهم لله، فيه دلالة على استقرار إسلامهم لله فيها، دلالة على دوام استسلامهم لله. تُعبر بأي صيغة، وطبيعي يا إخوة يعني قد تصعُب الصيغة في البداية لأنها تحتاج إلى تدريب فقط، وإلا المعنى هو موجود في ذهن الإنسان إذا عرف القاعدة، يعني معرفة القاعدة أصعب من الصياغة، لأن الصياغة تحتاج إلى تدريب، لكن معرفة القاعدة تحتاج إلى علم في اللغة العربية. ودائما الإشكالية عند الناس أو عند المتدبرين في القاعدة وليست في الصياغة، وفي الحقيقة أن الصياغة هي أسهل لأنها تحتاج إلى تدريب مرة ومرتين وتلاتة وأربعة، خلاص بعد ذلك ينطلق لسانك في استنباط الفوائد من الآيات،  الحقيقة أن الإشكالية هي في تحصيل هذه القواعد لأنها تحتاج إلى علم، ففي قوله (ونحن له مسلمون) فيها دلالة على ثبات استسلامهم لله، أو فيه دلالة على دوام إسلامهم لله في كل أحوالهم في حال السراء ، وفي حال الضراء. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق