سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها اﻷحبة: تبدأ هذه السورة بعد مقدمتها (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) "علا" في اﻷرض بل في جزء من اﻷرض وليس عُلوا حقيقيا ﻷن العُلو الحقيقي ليس له وﻷمثاله، حتى يحقق هذا العلو ماذا فعل؟ جعل أهلها شيعا -أقسام- حتى ﻻ يتفقوا على راي ضده. ألستم تسمعون بالمثل البريطاني الذي يقول "فرِّق تسد" أي تكون سيدا، أي سيادة بالتفريق؟! بل السيادة الحقيقية بالجمع (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواَ) [سورة آل عمران : 103]، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) [سورة القصص : 4] كما بيّن الله -جل وعلا- (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [سورة المؤمنون : 53] الذين يتفرقون من اﻷمة ويتشتتون ويختلفون واقعون في هذا البلاء
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [سورة المؤمنون : 53]
(وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [سورة المؤمنون : 52]
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [سورة المؤمنون : 53]
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ) [سورة اﻷنعام : 159]
أرأيتم كيف يقول القرآن ليُنقذنا من منهج فرعون وأمثال فرعون (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة آل عمران : 156] نعم، ثم يبين لنا من هم هؤلاء الذين كفروا أنهم كانوا في النهاية شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.
يا أحبتي: القرآن يكشف هذه الحقائق ويُرسِخها في مواضع عدة، فرعون شعر أن قوته وتمكّنه بتفريق شعبِه هؤلاء من بني إسرائيل وهؤﻻء أقباط (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُم) ﻷنه يريد أن يتقوى بطائفة أخرى. هكذا يفعل الظالمون، هكذا يفعل المفسدون يقسِّمون الشعوب إلى أقسام قسم يتقوون بهم وقسم يستذلونهم -وهم اﻷكثر- وهكذا فعل فرعون، والعجيب أن أصحاب هذا المنهج يتقوون بمن هم على الباطل ويستضعفون من هم على الحق، هكذا فعل فرعون (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُم) من هي هذه الطائفة؟ هم الذين على الحق، هم بنوا إسرائيل الذين فضّلهم الله على عِلم على العالمين، هؤﻻء الذين على رسالة آبائه ممن التزم الحق منهم وجاء موسى -عليه السلام- ليُجدد هذا الدين (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُم) ماذا يفعل فيهم؟ كيف يستضعفهم؟ (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) لاحظوا الدﻻلة التدبرية (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ) ما قال ويستحيي بناتهم ﻷن مقابل اﻷوﻻد البنات، لم يقل يُذبِّح رجالهم، ﻻ، يُذبِّح اﻷوﻻد من الصغر لكن قال (وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) للغاية التي يريدها من الاستحياء، أي بعد أن يكبرن هؤلاء البنات ويصبحن نساء من أجل خدمته،باختصار فهذا منهج فرعون يُذبِّح اﻷبناء ويستحيي النساء (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) هكذا عقليته، والفساد نهايته إلى نهاية كما بين سبحانه وتعالى. (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [سورة القصص : 5] تأتي هذه اﻵية مُبيّنة كيف تكون مِنّة الله -جل وعلا- على هؤلاء- المستضعفين (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [سورة القصص :5، 6] ﻻ عزاء لليائسين والقانطين وﻻ للمتشائمين، مُستضعفون يُقتّلُون، يُذبَّحون، والنّساء يُستعملن في الخدمة واﻻمتهان والتبذل، انظروا إلى هذه النقلة العظيمة من اﻻستضعاف والتذبيح واﻻضطهاد واستخدام النساء أن يكونوا أئمة، هذا هو العُلو الحقيقي يمُنّ الله عليهم بماذا؟ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ) ﻷنه لن تكون قوة بدون تمكين، فليعلم المجاهدون هذه الحقيقة وليعلم المؤمنون أنهم لن يكونوا أئمة ولن تكون لهم قوة في ظل الخضوع ﻷعداء الله -جل وعلا-، الذين يريدون أن يجلِبوا قوتهم من أعدائهم، بالركون إلى أعدائهم، إلى الغرب، إلى أمريكا، إلى الشرق، إلى روسيا، إلى اليهود، إلى الرافضة، ﻻﻻﻻ، ﻻ يمكن هذا، ﻻ تكون القوة واﻹمامة إلا بالقوة الذاتية، باﻻستغناء عن أعداء الله -جل وعلا- (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) والنتيجة (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) سيرى الغرب ما رأى فرعون وما رأى الروم والفرس.
الروم والفرس عندما بُعث النبي ﷺ كان العرب ضُعفاء أحسنهم حاﻻ من يأوي إلى الفرس والروم، يتقوى بالفرس أو الروم، بكسرى أو قيصر كما يفعل اليوم كثيرون في هذه اﻷمة ينحازون للشرق أو الغرب، قوة كل بلد -إﻻ من وفق الله وعصم الله- بمدى ارتباطه وقوته بأعداء الله (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [سورة هود : 113] القوة الحقيقية القوة الذاتية، قوة اﻹيمان ليس باللجؤ إلى هؤلاء وهؤلاء، هذه حقائق ونهايتها معروفة، كيف كان مآل الفرس والروم؟! انتهوا وقامت هذه اﻷمة، أمة محمد ﷺ، قوة اﻹيمان، العزة، وقصة رِبعِي بن عامر في بلاط الفُرس تحقق هذا المعنى بعد أن كانت أمة مُستضعفة كيف كانت، كما كان بنو إسرائيل لذلك نزلت هذه السورة تُبين هذه الحقيقة فهي لنا أيضاً أﻻ نطلب القوة من عدونا إنما نأخذها من كتاب ربنا، من هذه القصص وهذه العِبر أما أعداؤنا لن يتيحوا لنا -والله- أن نكون أقوياء (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ*لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) [سورة يس : 74، 75] سبحان الله عجيبة هذه اﻵية في سورة (يس) كفار قريش يعبدون اﻷصنام يقولون حتى تنصرنا وفي الحقيقة هم الجنود لها، اﻵن هناك من يلجأ ﻷمريكا للغرب لروسيا لغيرها ﻹيران يريد أن يتقوى بها، هم في الحقيقة عبيد وجنود لها (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) هذه الحقائق القرآنية، نعم اﻻستضعاف في ذاته إذا أخذنا بالوسائل المشروعة يؤدي إلى القوة كما في هذه الحقيقة تأمل في هذه النهاية فرعون علا في اﻷرض ونهايته (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) هكذا يرسم لنا القرآن طريق النجاة ويبين لنا طريق الخروج من هذا اﻻستضعاف بالجهاد الحقيقي وليس بالجهاد المُدعى -كما يفعل البعض هداهم الله- الجهاد له ضوابطه وله أصوله وله منهجه، الجهاد كما هو فعلا في فلسطين وفي العراق وفي الشام على المنهج الحق وليس أن يقتل المجاهدون أو المسلمون بعضهم بعضا ويعتدي فئة على أخرى، ﻻ، إننا نحتاج إلى فهم هذه الحقائق لنخرج من هذا الواقع الذي نعيشه، الغرب يريد أن يتحكّم في اﻷمة ﻷن له مصالحه، اﻵن المجوس يريدون أن يُعيدوا دولة كسرى القيصرية فلا نتيح لهم هذه الفرصة.
لا قوة لنا إلا باﻻلتزام بكتاب ربنا ومعرفة المنهج الحق لتحقيق هذه الغاية كما يرسمها الله -جل وعلا- هنا، صفحتان (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) خلاص منذ أن قال (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) عرفنا النهاية ﻷن الله ﻻ يصلح عمل المفسدين (وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ) [سورة طه : 61] حقائق يقينية ﻻبد أن تثبت لكن باتخاذ الوسائل الشرعية ولذلك أرسل الله -جل وعلا- موسى ﻹنقاذ بني إسرائيل وتكون الحقيقة بعد ذلك (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) ﻻ يمكن أن يكون للأمة عزّ وﻻ نصر وﻻ مجد وهي تستجدي أعداءها عبر اﻷمم المتحدة وعبر مجلس الخوف وعبر وعبر... وسائل، ﻻﻻﻻ، إن لم تأخذ اﻷمة حقها فعلا بالوسائل المشروعة، باﻹيمان والصبر والتحمل فلن تحقق غايتها. أما مكر اﻷعداء ومحاوﻻت اﻷعداء فاطمئنوا نهايتهم إلى زوال ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [سورة آل عمران : 120] (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [سورة آل عمران : 186] ترسم سورة آل عمران لنا منهج اﻻنتصار كما تحقق في بدر وغيرها (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة آل عمران : 123] .
كيف تحقق اﻻنتصار؟ كيف انتهى فرعون؟ كيف زال مُلكه؟ هل بمجرد ذكر هذه الحقائق خُسف بفرعون كما خُسف بقارون؟ ﻻ، هناك سُنن. في الحلقة القادمة نبدأ مع مراحل تحقيق الانتصار الطويييل في قصة موسى وفرعون لقوم يؤمنون.
ﻻ تنسوا الدعاء ﻹخوانكم المجاهدين لعل الله ينصرهم وأن ينصر هذه اﻷمة وأن يخرجها من ضعفها ليكونوا أئمة كما كان أسلافهم وإلى الغد بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق