الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
أيها المباركون كنا قد تحدثنا في الدرس السابق عن الخِزيّ وأخذنا منحى فقهيا فيه، واليوم نتم الحديث عنه في حلقته ودرسه الثاني ونتحدث فيه عن منحى يتعلق باﻵخرة ويتعلق بالسيرة العطرة لنبينا ﷺ وأصحابه.
الله -عز وجل- ذكر في سورة النحل خبر أهل اﻹشراك واﻷيات كلها في فواتحها تدل على ربوبية الله حتى يُلزَم الناس بتوحيد اﻷلوهية. ومما جاء في تلكم اﻵيات الغُرر قول ربنا -تبارك اسمه وجل ثناؤه- (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) [سورة النحل : 27] هذه هي اﻵية التي نشرع إن شاء الله في تفسيرها.
/ قوله -جل وعلا- (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ) جاء بعد قول الله -عز وجل- قبلها (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) [سورة النحل : 26] فهذا الحديث في الدنيا ثم يأتي الخطاب القرآني يتحدث عن حالهم في اﻵخرة قال (ثُمَّ) و"ثم" حرف عطف لكنه ﻻبد فيه من التراخي أي أن اﻷمر لم يقع في آن واحد، والتراخي يُقدر بقَدَرِه بحسب قرائن من حوله.
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي يوم يُحشر الناس، يقومون (يُخْزِيهِمْ) بمعنى يفضحهم (وَيَقُولُ) أي رب العزة يُخاطب أهل اﻹشراك في الموقف العظيم فيقول -جل وعلا- ( أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) شركائي أضافها رب العزة هنا إلى ذاته المقدسة
قال البقاعي -رحمه الله- "إن هذه اﻹضافة لسببين:
اﻷول: لبيان التناهي في الغضب.
والثاني: ﻷن ذلك أقطع في التوبيخ" وقد قلت إن هذا القول في التعليل من قاله؟ البقاعي، قاله في نظم الدُرر -كتاب تفسير اﻹمام البقاعي رحمه الله-.
( أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ) أي دأبكم، شانكم (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تشاقون من؟ تشاقون أوليائي والمعنى: أن أهل اﻹشراك كانوا يتمسكون بآلهتهم التي يعبدونها من دون الله ويُحاجّون المؤمنين الموحدين بتلكم اﻷصنام واﻷوثان التي يزعمون أنها شركاء مع الله، فرب العزة يقيم عليهم الحجة يوم القيامة ويُظهر اﻷمر بجلاء ويقول (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) والمعنى: أن الشِقاق والنِزاع الذي كان حاصلا مابين أولياء الله ومابين أولياء الشيطان كان في قضية توحيد اﻷلوهية. ولما تقرأ سيرة النبي ﷺ ، تقرأ سيرة أصحابه، تقرأ ما وقع خاصة في أيام العهد المكي تفقه مثل هذه اﻵيات كثيرا لترى أن القرشيين وأخبارهم وأحوالهم كلها كانت أنهم بكل قواهم يزعمون أن مع الله آلهة أخرى وأن النبي ﷺ كل حاله، كل دأبه، كل قوله على أن الله -عز وجل- ليس معه شريك (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ) [سورة البقرة : 163] ومع ذلك هؤلاء الطغاة من أهل اﻹشراك ﻻ يمكن أن يكونوا جميعا على حال واحدة، لكن ينبغي أن تُفرّق، هم يوم القيامة في النار على حال واحدة لكن في الدنيا يمكن التفريق بينهم ولو كانوا جميعا مشركين لكن العاقبة في اﻵخرة يكونون جميعا حطبا لجهنم. من اﻷدلة على ذلك مثلا: أن النبي ﷺ يوم بدر وقد خرجت قريش، ربنا يقول (بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [سورة اﻷنفال : 47] ومع ذلك قال عليه الصلاة والسلام ﻷصحابه سمى أقوما، سمى نفرا، سمى عددا قال هؤلاء إذا لقيتُموهم لا تقتلوهم مع أنهم كانوا مشركين بعضهم يُرجى أن يكون قد أخفى إيمانه، وبعضهم كانت له يد، كانت له سابقة، مثلا: أبو البختري بن هشام هذا أحد الذين سعوا في أن الصحيفة التي كتبت فيها قريش مقاطعتها لبني هاشم سعى في أنها تُزال، تُذهب. حفظ له النبي ﷺ هذا فقال: إذا لقيتم أبا البختري بن هشام فلا تقتلوه. فلقي فلقيه رجل من بني -القبيلة المعروفة- صحابي أظن اسمه زياد بن مجذر، فلما لقيه قال له إن النبي ﷺ نهانا أن نقتلك، وهذا أبا البختري بسيفه لكن كان معه رجل -صاحب له- قال: أو تتركون من معي؟ قالوا: إن النبي-عليه الصلاة والسلام- نهانا عن قتلك أنت ولم ينهانا عن قال هذا. ماذا قال؟ قال: والله ﻻ تتحدث نساء قريش أني تركت زميلي يقتل ونجوت إما أن تقتلانا سويا أو تتركانا سويا وأخذ يحاربهما فاضطر زياد إلى أن يقتله ومضى إلى النبي ﷺ يعتذر له وقال: يارسول والله ما قتلته حتى هم بقتالي. يعني لم أجد بدا لو لم أقتله لقتلني.
فانظر إلى، ثمة شيء يا بني يُسمى سُؤدد نفسي، داخلي وإن كان على باطل لكن اﻵن أنت إذا نجوت ما يضرك أن تقول نساء قريش لكنه كان من سُؤدده يقول والله ﻻ تتحدث نساء قريش أني نجوت ومن معي قتل، وهذا يعطيك إشارة أن النساء ﻻ يُقدمن إنما يحميهم الرجال، هم اﻷصل في النساء بيوتهن وإنما تفرح المرأة بالرجل إذا كان بهذا. لكن الناس في زماننا، اﻷمة في زماننا لما استسقت من الغرب، أخذت من الغرب أنه يقدم النساء على الرجال أو يجعل النساء مع الرجال في مكان وخندق واحد وهذا باطل عقلا، باطل نقلا، باطل طبعا، باطل شرعا.
نعود لما نحن فيه في قضية أن أهل اﻹشراك ﻻ يمكن أن يكونوا جميعا في شأن واحد، والسُؤدد كان يحكم المجتمع الجاهلي.
عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- في قصة إسلامه الشهيرة خرج يريد رسول الله فلقيه رجل فأنبأه أن أخته آمنت وأن زوج أخته سعيد بن زيد آمن فغير الوِجهة بقَدَرِ الله، والله يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [سورة اﻷنفال : 24] فذهب إلى بيت أخته، طرق الباب، كان خباب بن اﻷرت -رضي الله عنه وأرضاه- يُقرئهما القرآن في صحيفة معه، اختبأ خباب، أخفت اﻷخت الصحيفة عند فخذها، دخل عمر ما القول الذي اسمع؟ أنكرا في بادئ اﻷمر، أصرّ عليهما، أخبراه، قام إلى زوج أخته فلطمه، قبل أن يلطِمه قامت اﻷخت تدافع عن زوجها فلطمها فسقطت، فلما سقطت رأى أخته قد سقطت جاءته نخوته العربية -ﻻ يوجد حُر يفرح بضرب امرأة- فلما رأى أخته قد سقطت وقد صفعها وكأن شيئاً من اﻷذى لحِقها تغيّر الحال بقدرة الكبير المتعال، وكم من منحة في طي محنة، لما تغير قال أعطوني الصحيفة، في أول اﻷمر ترددا، خافا، رفضا، أصرّ قال قوﻻ لينا، قبلا، تقول بعض الروايات أنهما أمراه باﻻغتسال وهذا عندي بعيد ﻷن اﻷمر والطهارة لم يكن قد نزلت بعد، أنا أتكلم في أول اﻹسلام. غاية اﻷمر أنهما أعطياه الصحيفة. أخذ عمر الصحيفة وكان يقرأ فقرأ أوائل فواتح سورة طه (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ(2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) هذه كلمات والله تُزلزل جبال، قرأها عمر تغيّر، قال دُﻻني أين مكان محمد، خرج خباب حينها من مخبئه، شعر أن عمر قد تغيّر، لما خرج قال: يا عمر إني كثيرا ما كنت اسمع رسول الله ﷺ يقول (اللهم أعز اﻹسلام بعَمرِ بن هشام أو عُمر بن الخطاب) وأرجو أن تكون قد أصابتك دعوة رسول الله ﷺ، هذا زاده نورا على نور، قبِل خباب فأخبره أن رسول الله في دار اﻷرقم بن اﻷرقم. خرج عمر إلى دار اﻷرقم بن اﻷرقم طرق الباب، من كان قريبا من الباب نظر من ثُقب الباب رأى عمر، عرفه، قال يا رسول الله هذاعمر مُتوشحا سيفه، فقال حمزة -كان قد آمن- يا رسول الله دعه يدخل فإن أراد خيرا كافأناه وإن أراد شرا قتلناه بسيفه، فأذن له ﷺ فلما دخل أخذ -عليه الصلاة والسلام- بتلابيبه وقال: أما آن لك أن تشهد؟ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. آمن عمر، خرج من دار اﻷرقم، تبِعه ابنه عبدالله -يومئذ صبي يُدرك- قال عمر بعد أن وصل إلى أندية قريش أي رجال قريش أنقل للحديث؟ قالوا جميل بن معمر الجُمَحِي. ذهب عمر إلى جميل قال: يا جميل أما شعرت أني أسلمت؟ يقول عبد الله فوالله ما رد على أبي وإنما وضع ثيابه في فمِه ودخل على أندية قريش ونادى يا معشر قريش حتى اجتمعوا عليه قال إن عمر قد صبأ، وإذا بعمر واقف على رأسه قال: كذب، بل أسلمت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قامت قريش تعانده، هذا معنى اﻵية (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أخذوا يُشاقونه حتى طلعت الشمس وهم ينزعون ثيابه وينزع ثيابهم فجأء رجل، فلما جاء الرجل سكت الناس، قال: ما هذا؟ قالوا: عمر صبأ، قال: فمه، "فمه" يعني ماذا يعني، فمه رجل اختار لنفسه دينا انصرفوا عنه. فانصرف الجميع، يقول عبد الله بن عمر كأنه ثوب وفسخ. يعني لم يعترض أحد وخرجوا. يقول عبد الله -رضي الله عنه- فلما هاجرنا إلى المدينة قلت ﻷبي يا أبي من ذالكم الرجل الذي وقف معك ونجّاك من قريش يوم أسلمت؟ قال: يا بني ذاك سعيد بن العاص ﻻ جزاه الله خيرا.
اﻵن اﻹنسان يُنيخ مطاياه كيف يقول عمر عن رجل صنع له هذا الصنيع ﻻ جزاه الله خيرا؟ ﻷن الله ذم سعيدا هذا في القرآن أعظم الذم وما كان لعُمر أن يُثني على رجل ذمّه الله، الله يقول (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (78) كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)] [سورة مريم] قلنا هذا العاص بن وائل السهمي -لعله سبق لسان قلت سعيد بن العاص- هذا العاص بن وائل السهمي وهو أحد من ذمّهم الله في القرآن، والذين ذمّهم الله في القرآن كلهم ماتوا على الكفر، الوليد بن المغيرة، وأبو جهل، والعاص بن وائل، الله -عز وجل- قال في الوليد (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) [سورة المدثر : 11] وقال في أبي جهل (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ*عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ) [سورة العلق 9 :10] وقال في العاص بن وائل (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا) وليس في القرآن آية ذمّ الله فيها أبا سفيان لِعِلْمِ الله في اﻷزل أن أبا سفيان سيُؤمن والقرآن ﻻ يمكن أن ينزل إلا بالحق.
نعود للآية: فالله يقول (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) المفترض أن هؤلاء يُجيبون لكن من الخِزيّ الذي هم فيه ﻻ يملِكُون أن يُجيبوا فيُجيب غيرهم، من الذي يجيب؟ سادة الناس. أنا أسألكم اﻵن من سادة الناس؟ سادة الناس اﻷنبياء ومن ورث ما ورثوه وهم العلماء، قال الله في اﻵية (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) اﻵية هكذا (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فهم سادة في الدنيا سادة في اﻵخرة لكن ليس العِلم بكثرة حفظ اﻹنسان وقراءته وروايته إنما العلم الخشية من الله. (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال العلماء: العِلم منشأ كل فضيلة إذا عمِل به صاحبه.
قال ربنا (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ) وهي البلاء والفضيحة (الْيَوْمَ) يوم القيامة، اليوم الذي يتحدثون فيه، اليوم الذي ينطق هؤﻻء فيه ويجيبون رب العزة (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) الخِزيّ عرفنا أنها الفضيحة ما السوء؟ العذاب، (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) وهذا فيه نوع من الحصر أي أن أهل اﻹيمان ﻻ يُقال إن السوء عليهم، وقد مر معكم في دروسنا هنا وفي غيرها أن عُصاة المُوحدين يدخلون النار ليُطهروا ﻻ ليُهانوا والله -عز وجل- يقول هنا (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) سمّاه الله سوء وهو عذاب النار (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) و"الكافرين" جمعُ مفرده كافر، ومر معكم أن كَفَرَ بمعنى: غطى، يقول لبيد: "في ليلة كفر النجوم غمامها". بمعنى أن الغمام غطى على النجوم. فﻻ يُسمى الكافر كافرا إلا إذا تلقى الوحي ثم أعرض عنه -عياذا بالله- المراد من اﻵيات: معرفة معنى الخِزيّ. جاء الخِزيّ في آيات أُخر لكن كلها مرت معنا كثيرا منها في دروس قد سلفت وسبقت وﻻ حاجة للتكرار.
لكن إذا أراد اﻹنسان أن يتوسع وعظا فليعلم أن من دعاء الصالحين أن يقول العبد (اللهم أجرني من خزي الدنيا وعذاب اﻵخرة) فإن المعصية إذا وقعت وكتب الله للعبد أن يسترها عليه ولم يعلم بها أحد فإن ذلك من أمارات أن الله سيؤهيؤه للتوبة ﻷن اﻹنسان -غالبا- إذا عُلِمت معصيته وشاعت فإن قُربه من التوبة يكون بعيدا ولذلك يُوصى الكُل بأﻻ نعصي الله، لكن نقول ﻷي أحد وقعت منه معصية، استزله الشيطان أول طرائق القرب من الله بعد المعصية أﻻ تخبر بها أحدا وﻻ ينبغي ﻷحد أن يكشف سِتر الله -جل وعلا- عنه (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ثم بعد ذلك إذا نجا اﻹنسان من معصية سترها الله عليه يُصبح الرجل أحد رجلين:
إما رجل يعرف فضل الله عليه أن الله أحبه يوم أن ستره فيحمد الله أنه ستره ويؤب إلى ربه بالتوبة.
وإما عبد -عياذا بالله- لم ير لله وقارا وظن أنه نجا من اﻷولى بفطنته، بذكائه، بقدرته فيبحث عن معصية أخرى تشابهها ثم ما يزال يزداد يزداد حتى يأخذه الله -عياذا بالله- أخذ عزيز مقتدر.
ووالله إن معصية ﻻ تستطيع أن تُخبر بها أبويك فإن الله أجلّ من أن تلقاه بها، إن معصية ﻻ تستطيع فرحا أن تمضي إلى أبويك لمكانتهما في عينيك فتُخبرهما بما صنعت فاعلم أن الله أجلّ منك ومن أبويك وليكن الله في قلبك أعظم من كل أحد وكُلما هممت بمعصية تذكر إقبالك على الله يوم تلقاه. اﻹنسان لو يُقدر له أن يقرأ في صلاة الليل (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [سورة الانشقاق : 6] والله ﻻ يحجِم بك عن المعصية شيء أعظم من يقينك بأنك تلقى الله، ونحن على يقين أنه ﻻ يوجد مؤمن الله هين في قلبه إلى أن يصل إلى مرحلة ﻻ يُهمه أن يلقى الله، هذه منزلة -عياذا بالله- ﻻ تُقال ﻷهل اﻹيمان لكن مما يحفظك الله به -حفظنا الله وإياكم من كل سوء- الشيطان عدو وأي عدو يأتي للعالم، يأتي للعابد، يأتي لحافظ القرآن، يأتي للحاكم، يأتي للشاب، يأتي للكهل، يأتي للشيخ الكبير، يأتي للغريب، يأتي للمقيم، يأتي لكل أحد، هذا عهد قطعه على نفسه (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة ص : 82] لكن ﻻبد من أن يُلجم ولن يُلجم بشيء أعظم من أن تُذكر نفسك بأنك ستلقى الله.
اللهم إنا نسألك حسن الحياء منك وخشيتك في الغيب والشهادة والرغبة الحقة في لقائك. اللهم أجرنا من خِزي الدنيا وعذاب اﻵخرة. وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق