الأحد، 10 أغسطس 2014

الحلقــ الثالثةـــة



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي اﻷمين على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أيها اﻹخوة المؤمنون، أيها اﻹخوة الصائمون مع سورة القصص.
 بسم الله الرحمن الرحيم (طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
(طسم) تلفت اﻷنظار، (طسم) تشد اﻻنتباه، (طسم) لماذا؟ هذه الحروف المُقطعة كما عبّر عنها المفسرون التي تأتي في أوائل السور وقد جاءت في تسع وعشرين موضعا -كما بين العلماء- (الر-المر-الم-حم) وهكذا، بين العلماء وتكلموا فيها وأرجح اﻷقوال أننا نقول الله أعلم بمرادها بعيدا عن تفسيرات أهل البدع فهم يفسرونها تفسيرا بدعيا خارجا عن كلام الله -جل وعلا- ﻷن هذا القرآن كما في هذه اﻵية ( تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين) ليست ألغازا لكن لها حكمتها، لها دﻻلتها، لها ثرها، لها معناها.
 ذكر العلماء من ذلك: أن افتتاح هذه السور بمثل هذه الحروف المقطعة لشدّ اﻻنتباه، لتُبين لنا أن هذا القرآن مُركب من هذه الحروف العربية (طسم-الم-حم-المر) ﻷنه ﻻ يأتي حرف في كتاب الله إﻻ بمعنى قد نُدرك بعض معناه وقد ﻻ نُدركه لكننا ندرك يقينا أن هذه اﻷحرف لها حكمتها ولها دﻻلتها وتجعلنا عندما نسمع هذا المقطع ننظر لما بعده دون تكلف ودون تقعُّر ودون غلو ولذلك قالوا الله أعلم بمرادها. لكن ﻻ يعني هذا أننا ﻻ نستفيد منها، من أعظم الفوائد أن لك في كل حرف أجر، حسنة كما قال النبي ﷺ (ﻻ أقول الم حرف) بل ألف حرف وﻻم حرف وميم حرف، لك في كل حرف عندما تقرأ (الم-طسم) ثلاثة أحرف وفي كل حرف من اﻷجر العظيم ماﻻ يقدِّره إﻻ الله، هذا معنى عظيم، هذه دﻻلة عظيمة، هذه فائدة عظيمة مع ما ذكروا من اﻻنتباه.
(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) الكتاب بيّن يا أحبتي، القرآن واضح ولهذا ذكر العلماء أن التدبر لكل من يجيد اللغة العربية وليس -كما قال البعض- أنه خاص بالعلماء، نعم التفسير خاص بالعلماء، الدﻻﻻت والبلاغة والمعاني واﻷحكام هذه للعلماء ومن قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب، لكن التدبر، الفهم العام للسياق هو خطاب لنا فهو بلسان عربي مبين، هو بيّن ومُبين وقد قرر اﻹمام الشنقيطي -رحمه الله- في سورة محمد عند قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا‏) بيّن وقرر أن كل من يجيد اللغة العربية فهو مُطالب بالتدبر وآثم إن لم يتدبر وفيه صفة من صفة هؤلاء الذين أقفل الله على قلوبهم، بل هم أيضاً كانوا سببا في ذلك بمعاصيهم. فهو كتاب مبين ولهذا جئنا في هذه الحلقات نقف مع تدبر هذه اﻵيات.
 (طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
( مِنْ نَبَإِ) وإﻻ فالنبأ كُله صعب قد تكون "من" هنا تبعيضية، وقد تكون أيضا بيانية لما ورد من تفصيل في هذه السورة، فهو يبين لنا قصة موسى (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) إذا هو من خلال هذه السورة سيُبين لنا قصة موسى وما ترتب عليها ومن لوازمها وهذا معنى عظيم جدا.
 أيها اﻷحبة (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) دليل على رفعتها ومكانتها فهي آيات بينات واضحات جلية ليس مجرد الهَذّ كما يفعل البعض، سامح الله بعض اﻷئمة سامحهم الله وهداهم الله وردهم للحق يقرؤون هَذَاً دون تدبر، دون تأمل، دون مراعاة للوقف واﻻبتداء، همهُم متى يركعون، حقيقة بعض اﻷئمة في صلاة التراويح ﻻ تتجاوز ثلث ساعة، بالله كيف يصلي أحد عشر ركعة بتلاوتها وركوعها وسجودها وتشهداتها وسلامها وخلفه هؤﻻء الصفوف في حدود ثلث ساعة أو ربع ساعة؟! اقسموها على ركعات، شيء عجيب جدا، هل من أجل ذلك نزل القرآن يُهَذُّ هَذَاً كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- "كهذ الشعر"؟ كلا (نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ) فهو الحق ليست القصص الكاذبة، القصص الزائدة، القصص التي ﻻ تؤدي إلى حقيقة، ﻻ (بِالْحَقِّ) لمن؟ (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أنا وأنت -أخي الكريم- مُخاطبون بهذه اﻵية ولذلك قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: أن كل مافي هذه السورة محكم. كل ما يأتي فيها من دﻻلة وقصص وأحكام فنحن مُطالبون به ﻷن الله قال (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنه ذكر هذه القصة قصة موسى وما بعدها من نبأ موسى من أجل ذلك فلنقف مع كل آية نتأمل ماهو نصيبك منها؟ وماهي آثار هذه اﻵية عليك؟ كل هذا من خلال هذه السورة العظيمة سورة القصص، وكما قلت يبين لنا أثر القصص على تربية أبنائنا وأجيالنا من أجل أن نرفع مستوى إيمانهم (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
 ثم بعد ذلك يقول الله -جل وعلا- ويبين هذه اﻷولى في هذه القصة أن قصة موسى -عليه السلام- قصة لها آثارها في هذه اﻷمة (نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) بدأ (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) عندما تقرأ هذه اﻵية تذكر كل من علا في اﻷرض وهو في الحقيقة ليس عُلواً حقيقيا إنه عُلو وهمي كالذي يقفز في الهواء دون دراسة ودون إعداد سيسقط على رأسه (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) هكذا تكون دﻻﻻت اﻵيات (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) تأملوا أﻻ تلاحظون أن هذه سيرة الطغاة؟ أن هذا المنهج مضطرد عند من يعلو في اﻷرض؟ في آخر السورة يقول الله -جل وعلا- ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا) قارنوا بين أول السورة ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) وفي الختام ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ) لمن؟ (لِلْمُتَّقِينَ) هذا المنهج الذي ذكره الله عن فرعون يتكرر مع الفراعنة، أبو جهل فرعون هذه اﻷمة طغى وتكبر وفسد كيف كانت نهايته؟ النتيجة واحدة. فرعون يدعي اﻷلوهية تكبرا (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) هو يعلم أن موسى -عليه السلام- مُرسل من ربه (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا).
أبو جهل نفس النتيجة يأتيه النبي ﷺ ومن معه أي فرعون هذه اﻷمة ومن معه يُبين لهم الحقيقة النبي ﷺ ويطغون ويتكبرون في النهاية كيف قتل؟ كيف انتهى؟ انتهى فرعون غرقا وينتهي أبو جهل يقتله شابان من شباب هذه اﻷمة، أبطال ابني عفراء ويرقى ابن مسعود -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- على صدره ويقول له في تكبره وغطرسته وفي آخر رمق من حياته يقول أبو جهل ﻻبن مسعود -رضي الله عنه- لقد ارتقيت مرتقى صعب يا رويعي الغنم. لكن النتيجة واحدة انتهى.
 عندما نجد هذه الحقائق أيضا ستنطبق على فراعنة هذه اﻷمة، ألم نرى خلال السنوات الماضية من سقط منهم؟ ألم نرى كيف كان الرئيس الفلاني والرئيس الفلاني كيف انتهى؟! في طغيانه ونياشينه وينتهي في المجاري يؤخذ منها ويقتل شر قتلة.
هذه سنة الله مضطردة نواصل معها بإذن الله ليرتفع إيماننا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ليرتفع يقيننا، ليذهب اليأس من صدورنا. صدق الله.
غداً نواصل مع هذه الحقيقة بل مع هذه الحقائق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق