سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها اﻹخوة الصائمون، أيها اﻹخوة المؤمنون نعيش مع هذه القصة بل مع هذا القصص.
مشهدان عجيبان طالما وقفت متأملا لهما (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ*
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) مشهد ومطلع عجيب جدا، المستعجلون يتوقعون أن يقال فخسف بفرعون، جاءت صاعقة وأهلكت فرعون، أُغرق فرعون، ﻷن مطلع اﻵية وهذه الدﻻلة العظيمة تؤثر في هذا السياق ثم نفاجأ بماذا؟ (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) نعم (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [سورة القصص : 7] أين المشهد؟ هذا وعد الله -جل وعلا- أن يُهلك فرعون ( وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) من هؤلاء المستضعفين. وإذا هو يُولد موسى -عليه السلام- وتبدأ مرحلة الرضَاع وسنوات ثم سيأتي ذهابه إلى مدين عشر سنوات يرعى الغنم ثم يبعثه الله -جل وعلا- بعد ذلك (فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) سبحان الله ليس هناك عجلة، فرعون مستمر في طغيانه، مستمر في فساده، في علوه، في استكباره ويولد مولود، هذا- المولود الذي هو موسى -عليه السلام- ويمر بهذه المراحل العجيبة تأملوا، حتى منها والله كم وقفت، عشر سنوات يرعى الغنم وفرعون يبطش ويقتل ويفسد، وموسى يخرج هاربا (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) [سورة الشعراء : 21] ويبقى هاربا ثمان سنوات إلى عشر سنوات يرعى الغنم تهيئة للمرحلة التي وعد الله بها. ماذا يقول المستعجلون؟ ماذا يقول الذين يريدون أن يُغيروا وجه اﻷرض بالقوة خلال ساعات؟ محمد ﷺ يبقى ثلاثة عشر عاماً في مكة مع مافي ذلك من بطش قريش واستضعاف المؤمنين، منهم من يُقتل، منهم من يُعذب، منهم من يُهاجر، ثلاثة عشر عاماً ثم يُهاجر النبي ﷺ إلى المدينة وبعد سنة ونصف يبدأ الجهاد، أين أبناؤنا من هذه المعاني؟!
الله يعلمنا هنا أن الـ... تحتاج إلى مراحل وإلى صبر وإلى إعداد وإلى تخطيط حتى نستطيع أن نرفع اﻻستضعاف عن اﻷمة، حتى نستطيع أن نُخرج اليهود من فلسطين ونُخرج الرافضة والمجوس، هذه الدولة المجوسية تسلطت على إخواننا في العراق، أن نُخرج النُصيريين عن بلاد أهل السنة عن اﻷرض المباركة في الشام، أن يُرفع البلاء واستعمار الدول الغربية بعد استعمار روسيا ﻷفغانستان هاهو استعمار غربي في أفغانستان وما حولها، اﻷمور ليست بالعجلة فحِكم الله جارية، تعلمنا هذه السورة (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [سورة القصص : 7] عجيبة هذه اﻵية كم لها من دﻻﻻت؟! خبران، أمران، بُشريان، نهيان، انظروا للبلاغة القرآنية، سياق عجيب جدا.
كيف أوحي إلى أم موسى؟ الله أعلم قيل: إنه الإلهام، وهناك قول ﻻ أجد له دليلا أنه جبريل -عليه السلام- لكن اﻷقرب أنه اﻹلهام (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [سورة النحل : 68] فيُلهم اﻹنسان إلهاما يجعله يسير مع هذا الطريق وهذه قدرة الله -عز وجل- وإﻻ فالوحي له أنواع وليس وحي اﻷنبياء، ﻻ، وحي اﻷنبياء يختلف إما أن يُكلمه الله من وراء حجاب كما في سورة الشورى. نعم، أو يُرسل رسوﻻ، فالوحي له أنواع، الوحي للأنبياء وأشهره إرسال الملائكة للأنبياء، ومنه التكليم كما كلّم الله موسى تكليما وكما كلّم محمد ﷺ عندما عُرج به إلى السماء.
الشاهد: أوحى الله إليها ثم وضعت ابنها فعلا في اليمّ فماذا كان؟ التقطه آل فرعون (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) [سورة القصص : 8] هذه الدﻻلة (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي) قلب اﻷم المُفعم بالرحمة والحب ﻷن فرعون كان يُقتِّل اﻷبناء فقيل له إنه سينتهي بنو إسرائيل ولن يلِدوا من يُوجِد النساء لخدمتنا، فبدأ يقتل عاما ويُبقي عاما، هارون -عليه السلام- أخو موسى كان في العام الذي ﻻ يُقتل فيه أحد وجاء موسى في العام الذي يُقتل فيه فكان أي مولود في هذا العام يُقتل، فكان يتوقع أن يقتله فرعون فخافت عليه أمه فأوحى الله -جل وعلا- إليها هذا الوحي (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [سورة القصص : 7].
هنا وقفة: لماذا فرعون كان يقتل هؤلاء؟ ﻷنه قيل: إنها رؤيا، وقيل: إن الكُهّان والسحر -وكان موجودا- السحرة في وقته وهم الكُهّان، جاء من قال له إنه سيُولد من بني إسرائيل من يزول ملكك على يديه. فرأى أن يقتل. تأملوا الغباء. وسبحان الله هؤلاء الذين يقودون بالطغيان يكون لديهم غباء قد لا يوجد عند بعض اﻷطفال بل إن اﻷطفال فيهم من الذكاء والقوة مالا يوجد عند هؤلاء. نقول له يا فرعون صاحبك الذي قال لك إنه سيُولد من بني اسرائيل من يزول مُلكك على يديه هل هو صادق أم كاذب؟ إن كان صادقا فسيزول مُلكك مهما فعلت، وإن كان كاذبا فلماذا تقتل الناس؟!
جاء عمر -رضي الله عنه- للنبي ﷺ وقال له في قصة ابن صياد -كما في الصحيح- أريد أن أقتل ابن صياد، فقال النبي ﷺ ﻻ. لماذا؟ ﻷنهم خشوا أن يكون ابن صياد هو الدجال، والدجال ثابت أنه سيخرج في آخر الزمان -المسيح الدجال- قال له النبي ﷺ كلمة احفظوها. في الصحيح، عجيبة جدا جدا، يقول لعمر: (يا عمر إن يكن هو -أي إن يكن هو الدجال- فلن تُسلّط عليه -ﻻ يمكن لأنه سيخرج الدجال- وإﻻ يكن هو -أي إن لم يكن ابن صياد هو الدجال- فلا خير لك في قتله) لماذا؟ ﻷنك إن قتلته وهو ليس الدجال فمعناه قتلت رجلا تظنه الدجال وليس بالدجال، وإن يكن ابن صياد فعلا هو الدجال فلا يمكن أن تُسلط عليه.
هكذا بالنسبة لفرعون إن يكن من أخبرك أنه فعلا سيُولد من بني إسرائيل من يزول مُلكك على يديه، وهذا فعلا حقيقة الله أعلم كيف كان قد يكون استرقوها من السمع ﻷنه كما تعلمون أنهم ﻻ يعلمون الغيب، كلا، لكن قد يسترقونها من السمع، وقد تكون رؤيا وقيل إنها رؤيا والرؤيا تقع حتى للكافر كما في قصة يوسف -عليه السلام- لما رأى الملك الرؤيا العظيمة جدا.
الشاهد: فلن تقتله. وفعلا لن يقتله بل يتربى موسى في بيت فرعون. لبيان مهما كان علوه وطغيانه وجبروته فهو ضعيف. هذه الحقيقة (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) هي كان أملها أﻻ يُقتل ابنها ويبشرها الله -جل وعلا- أنه سيكون من المُرسلين بل إنه من أولي العزم من الرسل (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ*فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) هنا ليس للتعليل، هم ما أخذوه وربوه من أجل أن يكون عدوا لهم إنما هي "ﻻم العاقبة" وأشدّ ما يكون على اﻹنسان أن عدوه يتربى في بيته (عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) في كل شيء، خاطئين في فهمهم، خاطئين في سياستهم، خاطئين في تدبيرهم، كله خطأ في خطأ، هكذا يكون الفساد فهو يُنتج الخطأ بعد الخطأ فتتركب (كَانُوا خَاطِئِينَ) في طغيانهم، في ظلمهم للناس، في أكل حقوقهم، في قتل بني إسرائيل، في استحياء النساء، في التخطيط وهذا المكر الذي جاء عليهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) ﻻحظوا القرينة ﻻ يوجد ظالم إلا عنده من يعينه، الظالم وحده ﻻ يستطيع أن يفعل شئ، عنده جنود فليسوا بُرءاء من ظُلمه فعمّ الله وحكم على الجميع (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) ﻻ يأتي من يقول أنا ﻻ ذنب لي الذنب فقط على من أمرني، ﻻﻻ، أدخلهم الله مع فرعون في آيات عظيمة في القرآن تأكيدا على أن أعوان الظلمة شركاء لهم في جرمهم وظلمهم وطغيانهم، لن ينفعهم يوم القيامة (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) [سورة اﻷعراف : 38] فلينتبه اﻹنسان أن يكون شريكا في الظلم مهما كان فإنه يدخل في هذه الحيثية.
غدا نواصل بإذن الله مع هذه القصة العجيبة ومع هذه المرحلة المهمة في قصة موسى -عليه السلام-عندما يتربى في بيت فرعون لينشأ بعد ذلك ويكون هلاك فرعون على يده بأمر الله (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ*فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [سورة الشعراء : 62 ، 63] هذه اﻵيات العظيمة التي
ِمرت في سورة الشعراء غدا نقف معها بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق