الخميس، 17 يوليو 2014

الحلقــ الأولى ــة / حق التلاوة هو التدبر والعمل



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن ﻻ إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) 
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُم ْوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
 أما بعد: فأهنئ نفسي وإخواني المسلمين في مشارق اﻷرض ومغاربها بهذا الشهر الكريم، أسأل الله أن يجعلنا ممن يُغفر له فمن صام رمضان إيماناً واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه. فلا تفوتنا هذه الفرص.
 أيها اﻷحبة، أيها المؤمنون ويتجدد اللقاء، هذه هي السنة السادسة مع هذا البرنامج ليدبروا آياته والحمد لله كم تحقق من خير عظيم، هدف عظيم نسعى إليه لتحقيق ما أُنزل من أجله الكتاب. هذا القرآن أُنزل من أجل ماذا؟ من أجل التدبر، أنزله الله -جل وعلا- كما قال -جل وعلا- ( لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) هدف عظيم نسعى إليه أن يكون التدبر عند كل مسلم، في كل بيت، في كل مدرسة، في كل مجتمع لماذا؟ ﻷن في ذلك السعادة ﻷن في ذلك فتح القلوب وإﻻ من غفل عن التدبر فإنه يأخذ هذه الصفة أو بعضها ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) الذي يقرأ القرآن وﻻ يتدبره كأن قلبه قد أقفل عليه، العبرة ليست بالتلاوة، ذمّ الله -جل وعلا- أولئك الذين ﻻ يتدبرون القرآن فلنحذر ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) أنزل الله القرآن لماذا؟ ( كِتَـــابٌ أَنزَلنَـــاهُ إِلَيكَ مُبَــــارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَـــات ِهِوَ لِيَتذَّكَّرَ أُولُوا الأَلبَابِ ) نعم أيها اﻹخوة نتدبره، نكون من أولئك الذين يتلونه حق تلاوته ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ) حق التلاوة هو التدبر والعمل.
 أخي أيها المؤمن، أيها المسلم هل تعلم أن تدبر القرآن يحقق لك السعادة في الدنيا والآخرة كيف؟ ( طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ) ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) والعياذ بالله (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) لديك قضايا، لديك مسائل شخصية وعامة في اﻷمة، في المجتمع، في نفسك، في أسرتك، في أوﻻدك اطمئن هذا في القرآن من خلال التدبر ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) هكذا أيها اﻷخ القرآن بين أيدينا، ﻻ نحصي -أقصد ومن معي من إخواني ممن عُني بالتدبر- من يعرض علينا بعض بعض المشكلات وندل على تدبر آية ثم تنحل المشكلة. يقول لي أحد الزملاء وهو من الذين يرقُون بالوجه الصحيح، يرقون المرضى، يقول عندما لفتم نظري إلى التدبر ﻻ تتصورون النتائج المذهلة التي تحققت كيف؟ يقول سمعت من أحد اﻹخوة من المعنيين بالتدبر أن سورة الطلاق فيها نجاة عجيبة، فيها سلامة، فيها تحقيق الرزق، فيها تحقيق المبتغى فبدأت بعد أن أرقي المريض أوصيه بتدبر سورة الطلاق لماذا؟ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ( سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) يقول: ماهي إلا أيام ويتصل بي الشخص ويقول لي أبشرك الحمد لله شفيت مما أعاني، قد يعاني من مرض نفسي، قد يعاني من سبب..، مع اﻷخذ باﻷسباب الشرعية هذا هو التدبر، هو النجاة من أجل ذلك أنزل القرآن.
 نحن -بإذن الله- نعيش مع هذه السورة العظيمة، سورة القصص في هذا الشهر العظيم في شهر رمضان. هذه السورة فيها العجب، تحكي كأنها نزلت اليوم وهي نزلت على النبي ﷺ في ظروف صعبة، في مشقة قد يكون اليأس قد دبّ في بعض النفوس وهم بشر فتنزل هذه السورة اطمئن يا محمد، اطمئنوا أيها الصحابة ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ) لكن قدّمها بماذا؟ ( طسم* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ* نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قال العلامة اﻹمام السعدي -رحمه الله- هذه اﻵية وهذه السورة مُحكمة ﻷنه قال ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ونحن مؤمنون. (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) ويذكر ما فيها كما يفعل فرعون هذه اﻷمة أبو جهل ومن معه من تشريد وقتل وتعذيب، تُقتل سمية وياسر -رضي الله عنهم- يُعذب عمار حتى يلجأ إلى قول الكفر، يسجن بلال، يُهجّر الصحابة. اطمئنوا هذا اﻻستضعاف ﻻ تخافوا ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) هذه السورة تعلمنا الصبر، عدم اﻻستعجال مع كل هذا الوصف لفرعون وماذا كان يفعل ومع ذلك ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيه) الله -جل وعلا- قادر على أن يُهلك فرعون بنفس اللحظة كما أهلكه فيما بعد، كما غرق فيما بعد، يُرضَع موسى في بيت فرعون وإن كانت أرضعته أمُّه لكن أقول بإشرافه هذا بيته، ويتربى في هذا البيت ثم يهاجر إلى مَديَن ثم يرعى الغنم ( ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) .... ثم يُوحى إليه.
 هذه السورة فيها آية وتسلية للمؤمنين -للمستضعفين-وفيها تنبيه للمتعجلين، يريدون أن يغيروا الواقع في لحظات، هذا اﻻستعجال سبب لنا مشكلات كبيرة، إما استعجال أو تنازل ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) ﻻ، من يريدنا نتنازل عن دين الله، نمالئ أعداء الله، نُضيع معالم الوﻻء والبراء، يذهب التوحيد، ﻻ، هذا لهو وهذا ما يريده منا اﻷعداء اليوم بأساليبهم وطرقهم ومحاوﻻتهم ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) هذا من اللغو (أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ* إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ماذا نفعل؟ كما في سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) أما أن نتنازل في دين الله، ﻻ، هذه السورة ترسم لنا معالم، ترسم لنا حقائق، تبين - لنا حقائق، تبين لنا ماذا نفعل وتواصل هذه السورة بدﻻﻻتها العجيبة جدا، تقصُّ على النبي ﷺ ما حدث لموسى من الهداية إلى الصراط المستقيم والطريق المستقيم، هذا الذي يجب علينا إذا توجهت إلى الله ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) هذه السورة تحقق لنا قضايا اجتماعية كيف؟ في قصة موسى والفتاتين كم فيها من عبرة؟ كم فيها من دروس؟ (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) رسالة إلى بناتنا وأخواتنا، (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) ثم يقول ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) علاج للعنوسة، تبقى البنات سنوات ﻻ يعرض اﻷب، ﻻ تعرض اﻷم، ﻻ يعرض اﻷخ ﻷعراف غير صحيحة، صاحب مدين يعرض على موسى وهو غريب ﻻ يعرفه إﻻ بعد أن قصَّ عليه القصص (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) ترسم لنا كيف نخفف المهور (ثَمَانِيَ حِجَجٍ).
هذه السورة مليئة بالكنوز، مليئة بالدروس، مليئة بالعبر، مليئة بالتفاؤل لكن تختم بقضية التوحيد (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ). أن نحقق التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) التقوى في هذا الشهر في كل يوم يمر عليك في حياتك وفي رمضان بصفة خاصة ماذا حققت من التقوى؟ فإن لم تلحظ ذلك فاحذر. الذي يصوم ويقرأ القرآن بدون تدبر في النهار ويسهر على معاصي الله هذا لم يحقق التقوى.
 الشاهد: أن سورة القصص فعلا -كغيرها من آيات أخرى- نعيش معها في اﻷيام القادمة -بإذن الله- تدبر وتأمل. عيشوا مع القرآن متدبرين. اليوم تسمعون إلى القارئ، أنت تقرأ اليوم ماذا تدبرت؟
 هل زاد إيمانك؟
 هل زاد يقينك؟
 هنا حققت التدبر، هل بكت عينك؟ هل هل ... أسئلة كثيرة هنا حققت التدبر وإﻻ فأخشى أن يكون مجرد تلاوة وقد عدّ ابن القيم أن مجرد التلاوة من دون تدبر من هجر القرآن وأعوذ بالله أن نكون من هؤلاء الذين يقول فيهم النبي ﷺ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) حتى نسلم من هذا اﻷمر أن نتلو القرآن، نحكِّم القرآن، نعمل بالقرآن، نستشفي بالقرآن، نتدبر القرآن بهذا نحقق الغاية العظمى ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ) أي والله بشرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق