الثلاثاء، 7 يناير 2014

الحلقــ الثالثة عشرــة / أصحاب الجنة


الحمد لله حمداً طيبا مباركا فيه كما يجب ربنا ويرضى وأشهد أﻻ إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
 فهذا لقاء ودرس متجدد من برنامجنا مع القرآن ودرس اليوم يحمل عنوان أصحاب الجنة.
لفظ (أصحاب) ورد كثيرا في القرآن:
- ذكر الله -عز وجل- أصحاب الفيل فقرنهم بالهلاك (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ).
- وذكر أصحاب السبت وقرنهم باللعن (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) وقد مر معنا تفصيل هذا.
- ذكر الله أصحاب الكهف وقرن ذكرهم بالهداية (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ).
- ذكر الله -عز وجل- أصحاب القرية وقرنهم بالكفر والتكذيب (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).
 ذكر الله -عز وجل- أصحاب موسى وقرن ذكرهم بالتخوف والفزع (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) .
- وذكر الله -عز وجل- أصحاب مدين وقرنهم بالكفر قال ربنا (وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) .
مِمن ذكر الله -عز وجل- مسبوقا بلفظ اﻷصحاب: أصحاب النار وأصحاب الجنة لكن الحديث عن أصحاب الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها-.
 أما معنى أصحاب الجنة: معناها قوم مؤمنون كتب الله لهم أن يدخلوا الجنة.هذا عندما يقال أصحاب الجنة.
والجنة: دار يدخلها أرفع الناس تقوى وهم اﻷنبياء ويدخلها أقل الناس تقوى وهم الجهنميون، والجهنميون: -آخر من يخرج من النار- يعتقهم الله -عز وجل- فيخرجون من النار .فالجنة من حيث اﻹجمال دار لكل من وحد الله الكبير المتعال .
هذه الجنة حتى يكون اﻹنسان من أهلها لن يكون من أهلها إﻻ برحمة الله قالوا ولا أنت يارسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
 سنتحدث عنها حديثاً ذا شجون منوعا لا يحمل جادة واحدة في أصله فنقول:
أول ما يفر منه اﻹنسان ينظر إلى الموانع من دخول الجنة:
فأعظم الموانع من دخولها أبديا الشرك بالله ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّة) فأعظم ما يفر منه المؤمن أن يقع منه شرك بالله -تبارك اسمه وجل ثناؤه- ﻷن الشرك يحول بين أن يدخل العبد الجنة لا ابتداء ولا انتهاء فيفر المؤمن من الشرك كله خفيه وجليه، صغيره وكبيره بكل أحواله وهذا أمر لا خلاف بين الناس عليه.
 ثم نأتي ﻷمور تمنع من دخول الجنة ابتداء:
المجتمع المسلم اﻷصل أنه مجتمع متراحم ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم) هذا مقصد شرعي عظيم فإذا جاء أحد الناس يريد أن يخالف هذا المقصود الشرعي فيسعى بين الناس بالنميمة حتى يفرق بينهم مجتمعا نسائيا أو مجتمعا رجاليا، مجتمعا وظيفيا أو مجتمعا أسريا، مجتمع دولة، أو مجتمع عائلة، أو مجتمع قبيلة يريد أن يفرق بينهم، هذا الصنيع ذمه الشرع وحكم بأنه يقضي بأنه يمنع من دخول الجنة قال -عليه الصلاة والسلام- (لا يدخل الجنة نمام) فمن يسعى بين الناس بالنميمة إنما يخالف مقصودا شرعياً عظيما وهو تراحم الناس ومحبة بعضهم لبعض فإذا سعى اﻹنسان بين الناس باﻹفساد كما أنه يحول بينهم وبين التراحم فإن عمله هذا يحول بينه وبين رحمة الله فيحول بينه وبين دخول الجنة والجنة مستقر رحمة الله.
 /عظم الله شأن الوالدين فقال -صلوات الله وسلامه عليه- (ﻻ يدخل الحنة عاق) فإذا استصحب المؤمن أن عقوقه لوالديه -عياذا بالله- لو وقع يحول بينه وبين دخول الجنة  لا يمكن بعد ذلك أن يعُقّ والديه لأن الجنة أعزّ مطلوب وأعظم مرغوب.
 / الخمر : سماها النبي -صلى الله عليه وسلم-أم الخبائث قال نبينا (لا يدخل الجنة مدمن خمر) وقد ابتُلي بها كثير من الناس بل إنه -والعياذ بالله- يوجد في بعض البلدان -عافانا الله وإياكم- أن وجودها في البيوت أصبح شعارا ودثارا وأمرا لا يمكن التنازع فيه وهذا -والعياذ بالله- من أمارات البعد عن طاعة الله ويُخشى على أهله أو من يصنع ذالكم الصنيع ، ولا يستطيع اﻹنسان أن يستطرد في هذا ﻷنه لا نفع من الاستطراد لكن نقول ربنا يقول ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) هذه الثلاثة من أعظم ما يحول بين المؤمن وبين دخول الجنة ابتداء.
/ قال -عليه الصلاة والسلام- (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) الكِبر على الناس منازعة لله -تبارك اسمه-في صفة لا تليق إلا به وهي الكبرياء فتحول بين صاحبها وبين دخول الجنة.
 كما ينظر اﻹنسان في الموانع ينظر اﻹنسان في اﻷسباب والبواعث والدوافع التي جاء بها الشرع ودل عليها مما يدخل بها المؤمن الجنة:
 قال -عليه الصلاة والسلام- (أهل الجنة ثلاثة: رجل ذو سلطان مُقسِط) الملوك، اﻷمراء، الوزراء، أهل الولايات الكبرى إذا كتب الله -عز وجل- لهم أن يُقسِطوا -يعدلوا- وأن يسوسوا رعيتهم بالحكمة والعدل كانوا من أعلى أهل الجنة مقاما، ولما عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله بدأ باﻹمام لعظيم نفعه قال (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله..) قال في أولهم إمام عادل ﻷن وجود اﻹمام العادل من أعظم المنافع التي ينتفع بها الناس -نسأل الله أن يوفق خادم الحرمين الشريفين لما يحبه ويرضاه.
 ثم قال -صلى الله عليه وسلم- قال في اﻷول رجل ذو سلطان موفق مسدد أينما يوجه يأتي بخير، وقال -في الثالث- (ورجل ضعيف متضاعف ذو عيال) قد يُبتلى اﻹنسان بالضعف، يُبتلى اﻹنسان بالفقر، يُبتلى اﻹنسان بالمسكنة ويكثر عياله ويقِل ماله، وهذا كثير في عصرنا هذا في كثير من البلاد، فإذا رزق اﻹنسان مع هذا صبرا، قلبا صابرا ولسانا شاكرا ذاكرا ولم يحل هذا الهمّ والغمّ والكرب بينه وبين أن يطيع الله، يغدو ويروح على المساجد، لا يفتر لسانه عن ذكر الله بين الحين والآخر، يقلب النظر في كتاب الله -يقرؤه يتلوه- بين الحين والآخر، يأتي مسجد حيه، مسجد بيته، كلما رأى كثرة أولاده استعان بالله وبرزقه عليهم فهو رجل ضعيف متضاعف ذو عيال، فهذا ممن كتب الله -عز وجل- له الجنة.
/ يأتي اﻹنسان -في بيته، في داره، في عمله- من ينازعه اﻷمر، يختصم معه فيعلم الرجل أنه على حق ومع ذلك لا يرى داعيا- سببا، باعثا- إلى أن يعلو صوته ويظهر خصامه يقول المصدوق -صلى الله عليه وسلم- (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا) فإذا حسُن خلقه مع من ينازعه ومع من لا ينازعه فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول (أنا زعيم بيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلقه) . فيبحث اﻹنسان عن أسباب تعينه على دخول الجنة فيأتيها وموانع تحول بينه وبين دخول الجنة فيذرها ويتركها. هذا طريق في فهم الجنة.
 إذا تحدثنا عن الجنة من باب أو من وجه آخر. مما ذكره الله -عز وجل- في كتابه أخبر الله -عز وجل- أن أهلها يُمتعون باﻷزواج، حور عين ومن مضى من اﻷزواج الله يقول الله يقول: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ) ، وقال في سورة يس ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ).
ذكر الله -تبارك وتعالى- عظيم الخدمة لهم قال ربنا (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ) وقال ربنا -تبارك اسمه- (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) فإذا كان من يقوم بالخدمة مثل اللؤلؤ المكنون فكيف بالذي يُخدم؟! إذا كان الذي يقوم بالخدمة -الخادم- يقول الله عنه كأنه لؤلؤ مكنون فما بالك بمن يُخدم ولهذا قال الله -عز وجل- عنهم (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) نضرة على وجوههم وسرورا في قلوبهم وهذا إنما يكون في الجنة.
 في الجنة صحبة اﻷنبياء والمرسلين وأولياء الله المقربين إذا كان اﻹنسان منّ الله عليه بالعمل الصالح الزاكي دنا وقرب من أهل الجنة، وأعظم ما في الجنة رؤية وجه الله، وهذا حررناه كثيرا في دروسنا وإن كان لا نقول لا حاجة ﻹعادته بل هذا مما تحتاجه النفوس في كل حين لكن ليس كل وقت وحين يلهم اﻹنسان أن يقول قولا حميدا. والمقصود -أيها المبارك- لذة النظر إلى وجهه -تبارك وتعالى- هي النعيم في جنات النعيم، لذة النظر إلى وجهه -تبارك اسمه وجل ثناؤه- هي النعيم الحق في جنات النعيم ربنا يقول (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) رزقنا الله وإياكم هذا - المقام الجليل العظيم برحمة منه وفضل.
 / في الجنة يتمنى اﻹنسان ما يريد فيأتيه ما تمناه ربنا يقول (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يكون الرجل منهم قد دنت منه القِطاف فيأخذ الثمرة فما أن يأكلها حتى تُستبدل بغيرها تُشبهها في المرأى وتختلف عنها في الطعم (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) قد يقول قائل: إن في بيوت  بعض أثرياء الدنيا اليوم من أهل الكفر أو من أهل اﻹيمان -على ما يُعلم ويشتهر- من الشواطئ والقصور الموجودة في شتى بقاع العالم شرقيه وغربيه، شماله وجنوبه والمنتجعات المعروفة المشهورة التي لا يكاد اﻹعلام يُغيبها، قد يقول قائل بعض من هذا موجود، مُختلف اﻷصناف من اﻷطعمة وأنهار تجري إما أنهار طبعية أو أنهار صناعية وغير ذلك من المتاع.
 فنقول: منع الله -عز وجل- أن يخلد أهلها فنغّص عليهم بالموت البقاء فيها فإما أن تُفنى تلك المضاجع والمنتجعات بزلزال يأتيها أو أن يفنى أصحابها بموت يخترمهم فيحرمهم منها وكلا الحالين منتفٍ في الجنة قال ربنا ﻷبينا آدم (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ) وقال ربنا (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وعلى هذا حسن بالمرء -ويخاطب بهذا الملوك واﻷمراء واﻷثرياء وأهل الغنى خاصة- حسن بهم أن يتقللوا من متاع الدنيا، حسن بالمرء أن يتقلل من متاع الدنيا ما أمكن. إذا تقلل المرء من متاع الدنيا أعانه ذلك على الحساب يقول -صلى الله عليه وسلم- (المؤمن يكره الموت والموت خير له من الفتنة) فقد تأتي فتنة تذهب دين الرجل فيكون لو مات خير له من أن بقي (والمؤمن يحب المال) على الضد اﻵن قال في الموت يكره الموت وأجاب -عليه الصلاة والسلام- قال (والموت خير له من الفتنة) قال (والمؤمن يحب المال وقلة المال أخفّ عليه في الحساب) وفي الحديث (إن الفقراء ليقيلون في الجنة أربعين عاما قبل أن يدخلها اﻷغنياء) اﻵن أي أغنياء؟ اﻷغنياء المؤمنون الصالحون الذين حكم لهم بالجنة فالفقراء يدخلون الجنة قبل اﻷغنياء بأربعين عاماً يقيلون فيها أربعين عاماً قبل أن يدخلها اﻷغنياء. والحديث هذا من أعظم المواعظ (المؤمن يكره الموت والموت خير له من الفتنة والمؤمن يحب المال وقلة المال أخفّ عليه في الحساب) ووالله من خرج منها مستورا قليل الظهر خير له من أن يخرج منها وقد لحقته تبعات وتبعات. صلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق