الخميس، 14 نوفمبر 2013

الأيام والليالي في كلام رب العالمين -2-


 الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على العبد المُجتبى والحبيب المُصطفى والرسول المُرتضى وعلى آله وأصحابه ومن على هديه اقتفى وبعد ..
 كنا قد تحدثنا في اللقاء الماضي عن الأيام والليالي وقلنا أننا سنتدارسها في لقائين مضى أحدهما -بحمد الله- ونستعين الله في اللقاء الآخر ، وانتهينا إلى ليلة القدر وبيّنا شيئاً مما يمكن أن يقال حولها.
قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم فيما يُذكر فيه الأيام والليالي أخبر أنه -جل وعلا- بعث موسى بالآيات البينات وقال في الآية الكريمة : (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) جاء في صحيح مسلم ما يُفسر معنى أيام الله ، وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقِل ، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل يذكّرهم بأيام الله ، قال -عليه السلام- : (وأيام الله نَعماؤه وبلاؤه) ، والله جل وعلا يقول في مدح ذاته العلية : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فلله -جل وعلا- على الصالحين نعمة وعلى الفجار نقمة ، والتذكير بأيام الله يُذكر العبدُ إخوته بما كان من نِقم الله وأيامه فيمن عصى وتجبر ، ويُذكرهم برحمة الله -جل وعلا- فيمن أطاعه وشكر ، هذا المعنى من قول الله -جل وعلا- : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) أي بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب . مما يندرج بصورة أولية في قول الله جل وعلا لموسى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) ماهو معلوم أن موسى عليه السلام نجاه الله -جل وعلا- والملأ ممن معه من بني إسرائيل نجاهم في يوم عاشوراء في العاشر من محرم ، لما نجاهم الله -تبارك وتعالى- من فرعون وأغرق آل فرعون ، فلما قَدِم نبينا -عليه الصلاة والسلام- المدينة وجد اليهود يصومون ذلك اليوم فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم نجى الله فيه موسى  فقال -عليه الصلاة والسلام-  (نحن أحق أو أولى بموسى منكم) فصامه وأمر أو ندب الناس إلى صيامه ، فهذا من التذكير بأيام الله ، لأن يوم عاشوراء هو يوم نجّى الله -جل وعلا- فيه موسى. وقلنا يندرج فيه ما مضى من إهلاك الله -جل وعلا- لعاد وثمود والقرون الغابرة وما مضى هذا كله يندرج في قول الله جل وعلا : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) . ومرت معها الليالي والليالي قلنا تُنسَب إلى الوقائع، تاريخياً أهل التاريخ والصناعة التاريخية يقولون أن هناك ليلة اسمها ليلة الخلفاء وهذه الليلة يقولون أنها كانت ليلة السبت لأربعة عشر ليلة بقين من شهر ربيع الأول عام مائة وسبعين للهجرة ، وفيها -أي في تلك الليلة- مات الهادي وهو الخليفة وتولى الرشيد وهو خليفة و ولد المأمون وأصبح بعد ذلك خليفة ، فقالوا في تلك الليلة مات خليفة وبُويع خليفة ووُلد خليفة -طبعاً هذا استطراد تاريخي- وبنو العباس حكموا الأمة ردحاً من الزمن بعد زوال دولة بني أمية ثم زال ملكهم على يد هولاكو كما هو معلوم .
نقول نحن هنا : هذا ما يمكن أن نقوله عن الأيام والليالي ، وقد قلنا في اللقاء الأول سنتحدث عن الأيام والليالي ثم نزدلف إلى الشهور والسنين .
 أهل العلم يقولون : أن الأصل الليل وأن النهار خُلق من الليل قال الله -جل وعلا -: (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ) فأخبر الله -جل وعلا- أن الليل هو الأصل -على حد من فهم هذا من أهل العلم- .
أما الشهور فإنا لو تأملنا كلام ربنا -جل وعلا- لوجدنا كثيراً مما تتعلق به معاملات الناس، وأحكام الفقه تنصرف إلى الشهور يقول ربنا -تبارك وتعالى- (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) والإيلاء : أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته هذا معنى الإيلاء ، فهو له ذلك أربعة أشهر كحد أقصى ثم إما أن يطلق وإما أن يعود بالوطء ، فحدده الله -جل وعلا- وجعله في أربعة أشهر .
كذلك قال -جل وعلا- : (وَالَّلائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِي لَمْ يَحِضْنَ) فجعل -جل وعلا- العِدة للواتي يئسن من المحيض أو اللائي لا يحضن أصلاً جعله -جل وعلا- ثلاثة أشهر ، والمقصود: أن الله -جل وعلا- جعل الأشهر زمناً للعدة.
كذلك في الأيام جعل الله -جل وعلا- في الكفارات الأيام ، فأخبر جل وعلا قال : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) إذاً الأيام والشهور يتعلق فيها كثير من الأحكام الفقهية.
أما الأعوام والسنون: فلا يُعرف في كلام الله أنه تعلق بها حكم شرعي بطول الأمد ، لكن الفقهاء إذا تحدثوا عن المفقود ومن المفقود ؟ في الإصطلاح: من انقطع خبره وخفي أثره ولا يُدرى أحي هو أم ميّت ، فلا ريب أنه إذا كان له زوجة إلى متى تنتظر؟! وإذا كان يملك مالاً يًقسّم بين الورثة أو لا يُقَسّم؟ وأهل العلم -رحمهم الله- من الأئمة الأربعة وغيرهم اختلفوا في هذه المسألة اختلافاً كثيراً ، لكن يبدو -والعلم عند الله- أن قول الأمام أحمد رحمه الله في هذه المسألة قد يكون أصوب الأقوال ، قال الإمام أحمد -رحمه الله- في هذه المسألة قال : يُنظر أين فُقد هذا المفقود ، فإن كان فُقد في مظنة هلاك ، في مظنة هلاك بمعنى مثلاً في الصفين في معركة فنجى قوم ومات آخرون ، أو في سفينة غرِقت فنجى قوم ومات آخرون ، ولا يُدرى أهو من الناجين أومن الهالكين ، قال : فمثل هذا يُنظر أربعة أعوام إن تبيّن أمره أو بعد أربعة أعوام يُقسّم ماله وتبدأ زوجته في العدة ، فإذا انقضت العدة حُل لها بعد ذلك أن تتزوج .. واضح هذا ، هذه الحالة الأولى من المفقود ، على أي مذهب ؟ مذهب لأمام أحمد.
الحالة الثانية: أن يُفقد على حال ليست فيها مظنة هلاك ، كمن يسافر في سياحة أو تجارة أو في طلب علم مما لا يُعرف أنه كان مع قوم هلكوا ، فمثل هذا يُحسب له تسعون عاماً منذ ولادته ، أي هو القرن الذي يعيش فيه على أقرانه ، قالوا -الفقهاء من تبع الإمام أحمد رحمه الله- قالوا : غالباً لا يعيش المرء أكثر من هذا -في الغالب- ، فيُنظر من يوم ولادته إلى أن يأتي عليه تسعون عاماً بعد أن يغلب على الظن أنه تسعون عاماً مرت على ولادته بعد ذلك يُقسّم المال لورثته ، ويؤذن لزوجته أن تعتد ثم بعد ذلك تتزوج .
وبعض العلماء يقول : يُنظر هذا لاجتهاد الحاكم ، وللإمام مالك -رحمه الله- قول : أنه يُنظر في حدود سبعين سنة ، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين) . هذا ما يتعلق بالمفقود.
نعود للأيام والليالي في القرآن : ثمة ليالي مثل ليلة القدر لكن ليلة القدر ليلة تعبّد ، جاء في القرآن ليالٍ أكرم الله فيها بعض أنبيائه لكن أخّرنا الحديث فيها لأنه لا يتعلق بها تعبّد ، مثل الليلة التي نجّى الله -جل وعلا- فيها لوطا -عليه السلام- فإن لوطا -عليه السلام- لما جاءه الملائكة -كما في الخبر المشهور- كشباب حِسان وقام قومه إليهم -أي إلى الأضياف- وكانت زوجته أخبرت قومه عن الأضياف، لما جاؤه أخبرته الملائكة : (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا) هذا في خبر موسى . 
نظيره قال الله -جل وعلا- (إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) وكان لوط -عليه السلام- لما أخبرته الملائكة أن موعدهم الصبح ورَدَ أنه قال لهم : أين نحن من الصبح ؟ فقالت له الملائكة : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) فالمقصود: أن الله -جل وعلا- نجّا لوطاً وبنتيه ليلاً. كذلك قال الله -جل وعلا- في حق سيد الخلق وأشرفهم وأكرمهم نبينا -صلى الله عليه وسلم - قال : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وإن كان لا يتعلق بليلة الإسراء والمعراج عبادة ، لكنها ليلة -قطعاً- أكرم الله -جل وعلا- فيها نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
كذلك قال الله -جل وعلا- لنبيه موسى : (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) فنجّى الله -تبارك وتعالى- موسى ، أو بدأ موسى يخرج من أرض مصر ليلاً ، لكن قطعاً إن فرعون لم يتبعهم إلا صباحاً ، قال الله -جل وعلا- : (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) إما مع شروق الشمس ، وإما من جهة الشرق لأن البحر الأحمر بالنسبة لمصر يقع شرقاً (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) . فهذه ليالي أكرم الله -جل وعلا- فيها هؤلاء الرسل الكرام موسى ولوطاً ومحمداً -صلى الله عليه وسلم- لكنه لا يتعلق بها عبادة .
 بقي بعد ذلك عبادات شرعها الله -جل وعلا- في الأيام والليالي لاعلاقة لها بليلة معينة خلاف الذي ذكرناه ، فإذا استثنينا رمضان وهو شهر الصيام ، واستثنينا ليلة القدر وقد ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أمته للقيام ، بقيت الأيام والليالي ، فثمة أيام حرّم النبي -صلى الله عليه وسلم- صومها -كما مرّ معنا- مثل يومي العيد وأيام التشريق ، مثل يومي العيد الأضحى والفطر ، وأيام التشريق ، ما سوى ذلك فإن الأيام والليالي مطية للعمل الصالح ، فمن العبادات التي تُشرع في سائر الأيام عموما. : الصيام ، وهو يتأكد في أحوال شهر شعبان ، شهر الله المحرم ، يوم عاشوراء ، يوم عرفة . بقينا فيمن حجّ في يوم عرفه ، من حج -قطعاً- سيقف في عرفة هل يصوم أو لا يصوم ؟ الجمهور على أنه الأفضل لا يصوم ، لماذا ؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن صائماً وكفى بهديه هدياً ، ولأنه أقوى على العبادة أو أقوى على الدعاء ، لأن المشروع مراعاة مقتضى الحال في يوم عرفة هو ماذا ؟ هو الدعاء . بعض أهل العلم ينظر في يوم عرفة إن وافق الشتاء فالنهار قصير ، وصومه غالباً لايؤثر على الدعاء ،لأنه قليلاً ما يعطش الناس فيه ، فيجمع المرء ما بين الصيام وما بين الوقوف بعرفة والدعاء .. ظاهر هذا ، وإذا كان الحال حال صيف وقيض وطول نهار فالأفضل والأولى في حقه أن لا يصوم لما كان من هديه -صلوات الله وسلامه عليه- ، وهذا قول حسن وإن كان الأول قول الجمهور واضح كالشمس رجحانه ، لكنني أنا أسرد أقوال العلماء ، هذا مايقع في النهار .
 مما يقع في النهار من عبادات : الصلوات النوافل المطلقة وأظهرهن ركعتي الضحى ، واختلف العلماء في ركعتي الضحى على أقوال عدة :
- منهم من يراها على الإطلاق
- ومنهم من لا يراها على الإطلاق
- ومنهم من يُقيدها
وأكمل الأقوال فيها -والعلم عند الله- أنه يُنظر في الرجل ، إذا كان للرجل حظ من قيام الليل كثير فيصليها غبّاً يعني حيناً يصليها وحيناً يتركها ، وإن لم يكن للرجل حظ  كثير من قيام الليل فالأولى أن يُحافظ عليها ، جمعاً ما بين الأدلة والعلم عند الله ، لكن من حافظ عليها فهو على خير عميم ولا يُنكر عليه البتة ، لكن أنا أفصّل فقهياً ما تجتمع عليه الأحاديث ، والله -جل وعلا- أقسم بالضحى قال : ( والضحى ).
ما بين أذان الظهر وإقامة الصلاة يعني ما بين أن تصلي الفريضة -أي بعد دخول الوقت إلى أن تصلي الفريضة- فإن النافلة في هذا الوقت عظيمة قال -عليه الصلاة والسلام- : (إنها ساعة تُفتّح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يُرفع لي فيها عمل صالح) . وقد جاء في السنة أن العبد يصلي أربع ركعات يعني ركعتان وركعتان هذا طبعاً هذا غير ما يتعلق بالسنن الرواتب ، هذا في الأيام . بقينا في ماذا ؟ في الليالي .
 أما الليالي المشروع فيها والذي نُدبت إليه الأمة أن يوتر الإنسان فيها ، وأن يكون له حظ من قيام الليل ، قال الله -تبارك وتعالى- عن أوليائه المقربين : (كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وقال الله لنبيّه وخاتم رسله : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا*نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا) وقد قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- (من كل الليل قام رسول صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى آخر الليل)، وفيما يظهر -والعلم عند الله- أن الناس يختلف أحوالهم ، أعمالهم ، ظروف أُسرهم متى يقومون ، متى يأوون إلى فراشهم ، المُهم أن يكون لك حظ من قيام الليل ، لا تقبل أن تقوم صباحاً وأنت تخطوا بقدميك تسأل الله رزقاً ولم تكن لتك القدمين أن قامت تلك الليلة بين يدي الله ، إنما يُستجَلب ما عند الله بطاعته والقنوت بين يديه ، وقد فُسّر القنوت في القرآن على أفضل أحوله بطول القراءة في الصلاة (وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ) .
هذا ما تيسر قوله حول الأيام والليالي في كلام رب العزة والجلال ، وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .
---------------------------------------
شكر الله لمن فرغت الحلقة وجزاها عني كل خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق