الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

الوقفــ الأولى ــة من جـ 21 / مع فاتحة سورة الروم



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد : فهذه أولى الوقفات الثلاث مع الجزء الواحد والعشرين من كلام الله ونستفتح بفاتحة سورة الروم قال الله -جل وعلا- {الم *غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أما الحروف المتقطعة فقد مضى القول فيها ، والروم هم من نسل العيس بن اسحاق أخي يعقوب ، وكذلك فارس من نسل نبي الله نوح أحد أبنائه الثلاثة الذين نجو ، كانت هاتان الدولتان ظاهرتين وكان بينهما صراع كأي قوتين في العالم على مر التاريخ لكن الفرس لم يكونوا أهل كتاب وكانت الروم أهل كتاب فكان تعاطف المشركين في مكة مع الفرس أعظم من تعاطفهم مع الروم فوقعت حرب بينهما والمسلمون في مكة فغُلبت فيها الروم كما قال الله (الم *غُلِبَتِ الرُّومُ) غُلبت من فارس ، فلما غُلبت من فارس كان أهل الإشراك يقولون للصحابة هؤلاء أصحابنا -أي فارس لأنهم غير أهل كتاب مثلهم- غلبوا أصحابكم -لأن المؤمنين أهل كتاب والروم أهل كتاب ، ويُعيرونهم بهم وإننا سنظهر عليكم كما ظهر أصحابنا من الفرس على الروم ، لما قالوا ذلك أنزل الله -جل وعلا- قوله (الم*غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ) الألف واللام في "الأرض" ليست الألف واللام للجنس وإنما هي الألف واللام للعهد ، والعهد هنا: عهد ذهني بمعنى أدنى الأرض إلى أي أرض؟ أرض جزيرة العرب لأن المخاطب بالقرآن هنا أولا هم أهل مكة فيصبح أن الأرض وقعت بينهما على أرض شمال جزيرة العرب غير بعيدة عنها ، ممكن تكون في أذروعات ، في بُصرى فيما حولها أو قاربها ، الله -جل وعلا- لم يُعينها (فِي أَدْنَى الأَرْضِ) وهذا وقع فلا غيب فيه لكن أين الغيب؟ الغيب في قول الله (وَهُم) أي الروم التي غُلبت (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فأخبر رب العالمين  -جل وعلا- أن الروم ستغلب (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) متى يارب العالمين؟ قال (فِي بِضْعِ سِنِينَ) والبضع : العدد من الثلاث إلى التسع (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) من قبل أن يُغلبوا ومن بعد أن يغلِبواعلى كل... (لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ ) يعني يوم يتم النصر ويقع أن الروم تغلب فارس ( يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) . لما نزلت الآية أخبر الصديق قريشا بهذا فتلاحيا هو وأُبيّ بن خلف وتقامرا -كنوع من التحدي- فاتفقا وجزم أبو بكر أن الروم ستغلب فحددوا أجلا فاختار أبو بكر ثلاث أو خمس باعتبار أن الله قال (فِي بِضْعِ سِنِينَ) على عشر قلائص من الإبل فلما اتفقا على هذا أخبر أبو بكر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما وقع منه فقال -عليه الصلاة والسلام- زد في الخطر وأمدد في الأجل ، ما معنى زد في الخطر؟ أي بدل المقامرة على عشر اجعلها على أكثر ، وزد في الأجل ، بدل الخمس اجعلها إلى تسع ، فوافق أُبيّ على هذا فلما كان يوم الحديبية -على قول- ويوم بدر -على قول- والظاهر عندي أنه يوم الحديبية غلبت الروم فارس ووقع ما أخبر الله -جل وعلا- به فأخذ أبو بكر ما اتفقا عليه من ورثة أُبيّ لأن أُبيّا قُتل في بدر ، فلما أخذ المال ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يُنفقه ، هذا كله قبل أن يأتي التحريم بالقمار . من هذا الخبر ، من هذه القصة قال أبو حنيفة -رحمه الله- وتلميذه محمد بن الحسن بأن ما يقع بين المسلمين والكفار في دار الحرب من الربا والقمار يجوز أكله بناء على هذا النص ، والجمهور على المنع .
قال الله -جل وعلا- (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ) يعني يوم يقع ذلك النصر (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) فعلى القول أن هذا الحدث وقع في بدر يصبح أن المؤمنين فرحوا فرحتين ، تحقق وعد الله بأن الروم غلبت ، وبأنهم انتصروا في بدر ، وإن قلنا على الحديبية فيكون الفرح به مؤجل ، فقال الله -جل وعلا- (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُفبرحمته يُنجي وبعزته ينصر (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ثم قال (وَعْدَ اللَّهِ) وفي القرآن -أيها المبارك- وعد ووعيد وبيان التفصيل فيهما على النحو التالي :     
أما الوعد فلا يُخلفه الله البتة ، كل وعد في القرآن قائم .
واما الوعيد فينقسم إلى قسمين :
الوعيد في حق أهل الكفر -من يموت على غير الدين- فنفاذ الوعيد فيه قائم ومنه قول الله -تبارك وتعالى- (قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ*مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) .
أما وعيد الله -جل وعلا- لأهل المعاصي من المؤمنين فإنه مندرج تحت المشيئة إن شاء أمضاه وإن شاء عفا . فمثلا قال الله -جل وعلا- (مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) هذا وعيد نفاذه قائم ولا يدخل تحت المشيئة لأن الله قال (لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) . كذلك هناك في القرآن قول الله -جل وعلا- (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) فأخبر الله أنه سيُصليهم نارا فهذا وعيد لكن نفاذه في حق كل أحد بعينه تحت المشيئة . هذا الفرق بين الوعد والوعيد في كتاب ربنا العزيز الحميد.
قال الله -جل وعلا- هنا (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون أن الله لا يُخلف وعده ، وفي إنفاذ الوعد دلالة فضل ، وفي عدم إنفاذ الوعيد في حق عصاة المؤمنين دلالة رحمة ، وفي إنفاذ الوعيد في حق الكفار دلالة قدرة . وهذا ظاهر جدا . (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
 ثم بيّن أنهم -عياذا بالله- إنما تعلق علمهم بما لا ينفع (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) العِلم الحق أن يكون هناك يقين بأن هناك لقاء مع رب العالمين،هذا هو العلم الحق الذي يبعث على العمل ويُدني من الطاعة ، ويُحجم بالعبد عن المعصية ، وقد سمّى الله -جل وعلا- هذا خالصة أي ليس كل أحد يؤتاه ولا يُعطاه ، قال الله -جل وعلا- عن صفوة أنبيائه ورسله (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ) ما هي أي رب فقال (ذِكْرَى الدَّارِ) فذكرى الدار ، تذكر الآخرة ، العِلم الحق بلقاء الله -جل وعلا- هو الخالصة العُظمى وهو العِلم الحق قال ربنا (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فجعل ذلك ذما لأنه غاب عنهم العِلم بالآخرة وما يكون فيها من أهوال ، يسرها الله عليّ وعليكم . وهذه الوقفة الأولى من الجزء العشرين وننتقل بعدها -إن شاء الله- إلى الوقفة الثانية.  

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيكم , العديد من المعلمات كانوا يبحثون عن التفريغ للعديد من النصوص
    و الحمد لله وجدنا في هذا الموقع ما كنا نبحث عنه
    بارك الله فيكم

    ردحذف
  2. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    وفيكم بارك الرحمن أخيتي ونفع بكم .

    ردحذف