الوقفة الثانية من الجزء الخامس عشر عند قول الله -جل وعلا- (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)
ومعنى الآية : لا تتبّع ولا تتجرأ على ما ليس لك به علم وهذا أدبٌ أُريد به تأديب عُلماء الأُمة ، ثم قال أصدق القائلين (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ثم علَّل قال(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) جيء بـ"كُل" للإحاطة ، وأُقْحِمت "كان" في الآية (كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) يقول البلاغيون لرسُوخ الخبر ومعنى الآية كان مسؤولاً عنه وهي كِناية -في الأسلوب العربي- كِناية عن المؤاخذة بالتقصير في هذه الجوارح وهذه الحواس أصلاً غيرُ عاقِلة لكِنها في الآية أُنزِلت منزلة العُقلاء فجيء باسم الإشارة "أُولئك" والأصل أن أولئك لا يُخاطب بها إلا العُقلاء فأُنزِلت هذه الجوارح منزلة العُقلاء لأنها تستحق ذلك هذا من وجه ، ومن وجه آخر أنَّه عُرِف عن العرب أحياناً أَنهم يُنزلون أحياناً غير العاقل منزلة العاقل قال ابن جرير :
ذُم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيام
وجرير ممن يُستشهد بِشعره لأن العرب جعلوا حدَّاً تاريخياً لمن يأخُذون عنه اللغة فلمَّا اختلط العرب بالعجمِ أصبح لا يأخُذون عن سني إلا بعد مئة وعشرين سنة من الهجرة لا يأخُذون من أحد ، لكن من عاش قبل مئة وعشرين ، قبل مئة وثلاثين تقريباً يأخُذون عنه ويقولون مثلاً لولا الفَرزدق لذهب ثلث لُغة العرب ، وهؤلاء الشُعراء كما وصفهم ربهم (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) لكن العبرة بالألفاظ التي حفظوها لنا بقيت تُعينُنا على فهم كلام ربنا -تبارك وتعالى- ، وجرير شاعرٌ عاش في عصر بني أُمية كانت له مع شاعرَين آخرين أو ثلاثة كالفرزدق والأخطل والراع النُميري والبُعيث له معهم شعرٌ يرد بعضهم على بعض عُرِف في عالم الأدب باسم النقائض ، يقول أحدُهم قصيدة يمدح بها أحدهم ويذُم قوم صاحبه فيرُد الآخر عليه على وزنها ورويها فمثلاً يقول الفرزدق :
أحلامنا تزِن الجبال رزانة ** وتخالنا جِنّا إذا ما نجهل
إنا لنضرب رأس كل قبيلة ** وأبوك خلف أتانه يتقمل
فيرد عليه جرير :
أعددت للشعراء سُمّا ناقعا ** فسقيت آخرهم بكأس الأول
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا ** وبنا مقامك في الحضيض الأسفل
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ** وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
اني انصببت من السماء عليكم ** حتى اختطفتك يا فرزدق من عل
وعالمُ واسعٌ بينهم لكن الأخطل كان نصرانياً فكان جرير يُعيرُه بنصرانيته :
يُعطى النِساء مهورهن كرامة ** ونِساءُ تَغْلِبَ ما لهُن مهور
وكان قريباً من البيت الحاكم فيستغل قُربه من البيت الحاكم في أنه يقهر الشُعراء لكن جريراً لمَّا أراد أن يَرُد على الأخطل كان الأخطل قد عُمِّر -يعني كبُر- ولهذا قال جرير لابنته : أدركتُه وله ناب ولو أدركته وله نابان لأكلني ، لكن الفرزدق على وجه الخُصوص يتكِئ على أبٍ وأجدادٍ مشهورين ، أما جرير فيقولون أن رجُلاً سأله من أشعرُ الناس؟ أحياناً الجواب يدُل على ذكاء صاحبه قال تُريد أشعر الناس ؟! قال نعم قال هيَّا تعال وأخذه بيده وأدخله خيمة ، في الخيمة شاة ورجُل يشرب اللبن من ضرع الشاة مباشرة، قال تدري من أشعرُ الناس؟ قال نعم ، قال من هذا أبوه ، هذا أبي من بُخله لا يشربَه في إناء حتى لا يسمع أحدٌ شخيب اللبن فيطلبه ، يشربه مباشرة ، أشعر الناس من غلب بهذا الأب ثمانين شاعراً ، أي أن أبي لو كان ملِكاً لو كان أميراً لو كان سيداً ماذا أصنع؟! إذا كان أبي هذا حاله وأنا غلبت الشُعراء فكيف لو كُنت ابن ملِكٍ أو ابن أمير . وجرير هذا -وهذا داخل في فهم القرآن لأنك تحتاج كثيراً إلى أن تقرأ لهم حتى تفهم كلام الله - وحتى أجد عُذراً لنفسي أنا أدركتُ الإمام الشنقيطي -رحمه الله- ، الإمام الشنقيطي - رحمه الله- لمَّا ذهب إلى السودان أكرمه أهلها فأخذوا يسألونه عن عِلمه ، أجِلاء العُلماء منهم قد حضروا فقالوا يا شيخ ما آخر كتابٍ قرأته ؟! فقال رحمه الله كتاب عُمر ابن أبي ربيعة ، ديوان شعر عُمر ابن أبي ربيعة ، فذُهلوا لأنهم يعرفون أن عُمر شاعر غزل ، شاعرُ غزلٍ مُنحط ، قال بهِ أستعين على فهم كلام ربي أنا لا أُريد شِعره أعرفُ عُمر وأعرف سيرته وأعرف حاله والله يغفر لنا وله، لست عليهم بوكيل، لكنِّي إن فهمت أسلوب العرب في كلامها استعنت به على فهم كلام الله.
فنحن هُنا قُلنا إن اللفظ أولئك لا يُطلق إلا على العُقلاء لم أُطلق على العُقلاء قلنا هذا سنن العرب في كلامها ، من أين عرفنا أنه سنن العرب في كلامها؟ قُلنا من قول جرير :
ذُم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيامِ
نعود للآية حتى نفقه : الآية في مُجملها، أعظم واعِظ لمن أراد أن يُفتي في دين الله.
كان في العرب رجُلٌ يُقال له عامر بن الضرب العُدواني والعرب إذا اختلفوا يأتون إليه يحتكِمون فيجدون عنده جواباً -قبل الإسلام- فجاءه مرة ركب جماعة فقالوا ياعامر لدينا إرث -مال- ونُريد أن نقسمه وأحد الورثة خُنثى -له آلة رجُل وآلة ذَكر- نُعطيه على أنه أُنثى أو نُعطيه على أنه ذكر ؟! قال أمهلوني فمكثوا عنده شهراً ينحر لهم ويُطعمهم وليس عنده جواب ، كان عنده جارية ترعى له الغنم إسمها سُخيلة فكان كُل يومٍ يُعنِّفها لكسلها تخرُج متأخرة وتعود مبكرة ، فذات يومٍ قالت لهُ إن أضيافك أكلوا طعامك يعني ما بقي لك شيء كل يوم تذبح لهم فما خبرُهم ما سؤالهم ؟! فسخِر منها وطردها فجاءته مرة ثانية تُلِح عليه فلمَّا ألحت عليه كمدا قال لها: هذا خبرُهم كذا وكذا وكذا ، قالت أين أنت ياعامر أتبِع الحُكم المبال ، فبُهت قال فَرَّجتها عني يا سُخيلة ، له أربعون يوم ، قال فَرَّجتها عني يا سُخيلة أتبِع الحُكم المَبال ، إن كان إن كان يبول من آلة الذكر أعطه نصيب الذكر ، وإن كان يبول من آلة الأنثى أعطه من نصيب الأُنثى إن كان يحمل الآلتين. فأصبح يُكرمها ويقول فَرَّجتها عني ياسُخيلة وقضى بِها.
إلى الآن لا علاقة للقصة بالآية لكن لم أدرجناها ؟! لأن عالم الشام إبراهيم النخعي لمَّا بلغه الخبر -رُوي له- قال لا إله إلا الله رجُلٌ لا يرجوا جنة ولا يخاف ناراً يتوقف في مسألة أربعين يوماً فكيف بمن يُفتي من غير أن يتأمل سؤال السائل . عامر بن الضرب في الجاهلية لا يرجوا جنة ولا يخاف ناراً ، أيُ جوابٍ يقوله يخرجون فمكثوا عنده أربعين يوماً يُطعمهم ويتكلف لهم خشية أن يقول لهم قولاً غير صحيح . الفائدة من القصة هي المُراد وكلام الله أبلغ وأعظم وأشدُ وعظاً من قول الله -جل وعلا-(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) .
وقد قُلت أنا في دروس خلت: أن شيخنا -رحمه الله- جاءه وفدٌ من الكويت يسألونه سؤلاً شرعياً فأبى أن يُجيب في آخر عمره فألحوا عليه ، فأصلح من جلسته واتكئ قال: قال فُلانٌ كذا ، وقال فلان كذا ، وقال فلان كذا ، -الظاهر كانت مسألة البرلمانات- وقال فلان كذا ، ثم وضع يده على رقبته وقال وأمَّا أنا فلا أحمل في ذِمتي شيء ، لا أدري ، ورفض أن يُجيب. بل إنه في آخر عُمره سأله رجلٌ عن الطلاق قال : اسأل غيري، قال: ياشيخ أجب، قال : اسأل غيري ، فألحّ السائل فسرد عليه أقوال العُلماء كُلها في الطلاق -وهو سريع الكلام من سمعه منكم- قال مالك قال الشافعي قال أبو حنيفة وحُجة كل فريق والآية جلس نص ساعة يتكلم ، طبعاً السائل عامي قال يا شيخ ما فهمت ولا شيء ، قال: ألم أقل لك اسأل غيري ومشى ولم يُجبه . أصابه الروع أشد في ... مع أنه في كتابه أضواء البيان رد على أئمة وهذه مسأله تُحير ، وأنا ناقشت أحد المشايخ في هذه المسألة لكن لم نصل إلى حل لم الشيخ لم يُجيب مُشافهة مع أنه في كِتابه رد على كبار الأئمة واختار أقوال صعبة ورجح وكل من قرأ كتابه رأى بضاعته في العلم لكن غفر الله له ورحمه ورحم أموات المسلمين وإلى الوقفة الثالثة إن شاء الله .
ومعنى الآية : لا تتبّع ولا تتجرأ على ما ليس لك به علم وهذا أدبٌ أُريد به تأديب عُلماء الأُمة ، ثم قال أصدق القائلين (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ثم علَّل قال(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) جيء بـ"كُل" للإحاطة ، وأُقْحِمت "كان" في الآية (كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) يقول البلاغيون لرسُوخ الخبر ومعنى الآية كان مسؤولاً عنه وهي كِناية -في الأسلوب العربي- كِناية عن المؤاخذة بالتقصير في هذه الجوارح وهذه الحواس أصلاً غيرُ عاقِلة لكِنها في الآية أُنزِلت منزلة العُقلاء فجيء باسم الإشارة "أُولئك" والأصل أن أولئك لا يُخاطب بها إلا العُقلاء فأُنزِلت هذه الجوارح منزلة العُقلاء لأنها تستحق ذلك هذا من وجه ، ومن وجه آخر أنَّه عُرِف عن العرب أحياناً أَنهم يُنزلون أحياناً غير العاقل منزلة العاقل قال ابن جرير :
ذُم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيام
وجرير ممن يُستشهد بِشعره لأن العرب جعلوا حدَّاً تاريخياً لمن يأخُذون عنه اللغة فلمَّا اختلط العرب بالعجمِ أصبح لا يأخُذون عن سني إلا بعد مئة وعشرين سنة من الهجرة لا يأخُذون من أحد ، لكن من عاش قبل مئة وعشرين ، قبل مئة وثلاثين تقريباً يأخُذون عنه ويقولون مثلاً لولا الفَرزدق لذهب ثلث لُغة العرب ، وهؤلاء الشُعراء كما وصفهم ربهم (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) لكن العبرة بالألفاظ التي حفظوها لنا بقيت تُعينُنا على فهم كلام ربنا -تبارك وتعالى- ، وجرير شاعرٌ عاش في عصر بني أُمية كانت له مع شاعرَين آخرين أو ثلاثة كالفرزدق والأخطل والراع النُميري والبُعيث له معهم شعرٌ يرد بعضهم على بعض عُرِف في عالم الأدب باسم النقائض ، يقول أحدُهم قصيدة يمدح بها أحدهم ويذُم قوم صاحبه فيرُد الآخر عليه على وزنها ورويها فمثلاً يقول الفرزدق :
أحلامنا تزِن الجبال رزانة ** وتخالنا جِنّا إذا ما نجهل
إنا لنضرب رأس كل قبيلة ** وأبوك خلف أتانه يتقمل
فيرد عليه جرير :
أعددت للشعراء سُمّا ناقعا ** فسقيت آخرهم بكأس الأول
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا ** وبنا مقامك في الحضيض الأسفل
لما وضعت على الفرزدق ميسمي ** وضغا البعيث جدعت أنف الأخطل
اني انصببت من السماء عليكم ** حتى اختطفتك يا فرزدق من عل
وعالمُ واسعٌ بينهم لكن الأخطل كان نصرانياً فكان جرير يُعيرُه بنصرانيته :
يُعطى النِساء مهورهن كرامة ** ونِساءُ تَغْلِبَ ما لهُن مهور
وكان قريباً من البيت الحاكم فيستغل قُربه من البيت الحاكم في أنه يقهر الشُعراء لكن جريراً لمَّا أراد أن يَرُد على الأخطل كان الأخطل قد عُمِّر -يعني كبُر- ولهذا قال جرير لابنته : أدركتُه وله ناب ولو أدركته وله نابان لأكلني ، لكن الفرزدق على وجه الخُصوص يتكِئ على أبٍ وأجدادٍ مشهورين ، أما جرير فيقولون أن رجُلاً سأله من أشعرُ الناس؟ أحياناً الجواب يدُل على ذكاء صاحبه قال تُريد أشعر الناس ؟! قال نعم قال هيَّا تعال وأخذه بيده وأدخله خيمة ، في الخيمة شاة ورجُل يشرب اللبن من ضرع الشاة مباشرة، قال تدري من أشعرُ الناس؟ قال نعم ، قال من هذا أبوه ، هذا أبي من بُخله لا يشربَه في إناء حتى لا يسمع أحدٌ شخيب اللبن فيطلبه ، يشربه مباشرة ، أشعر الناس من غلب بهذا الأب ثمانين شاعراً ، أي أن أبي لو كان ملِكاً لو كان أميراً لو كان سيداً ماذا أصنع؟! إذا كان أبي هذا حاله وأنا غلبت الشُعراء فكيف لو كُنت ابن ملِكٍ أو ابن أمير . وجرير هذا -وهذا داخل في فهم القرآن لأنك تحتاج كثيراً إلى أن تقرأ لهم حتى تفهم كلام الله - وحتى أجد عُذراً لنفسي أنا أدركتُ الإمام الشنقيطي -رحمه الله- ، الإمام الشنقيطي - رحمه الله- لمَّا ذهب إلى السودان أكرمه أهلها فأخذوا يسألونه عن عِلمه ، أجِلاء العُلماء منهم قد حضروا فقالوا يا شيخ ما آخر كتابٍ قرأته ؟! فقال رحمه الله كتاب عُمر ابن أبي ربيعة ، ديوان شعر عُمر ابن أبي ربيعة ، فذُهلوا لأنهم يعرفون أن عُمر شاعر غزل ، شاعرُ غزلٍ مُنحط ، قال بهِ أستعين على فهم كلام ربي أنا لا أُريد شِعره أعرفُ عُمر وأعرف سيرته وأعرف حاله والله يغفر لنا وله، لست عليهم بوكيل، لكنِّي إن فهمت أسلوب العرب في كلامها استعنت به على فهم كلام الله.
فنحن هُنا قُلنا إن اللفظ أولئك لا يُطلق إلا على العُقلاء لم أُطلق على العُقلاء قلنا هذا سنن العرب في كلامها ، من أين عرفنا أنه سنن العرب في كلامها؟ قُلنا من قول جرير :
ذُم المنازل بعد منزلة اللوى ** والعيش بعد أولئك الأيامِ
نعود للآية حتى نفقه : الآية في مُجملها، أعظم واعِظ لمن أراد أن يُفتي في دين الله.
كان في العرب رجُلٌ يُقال له عامر بن الضرب العُدواني والعرب إذا اختلفوا يأتون إليه يحتكِمون فيجدون عنده جواباً -قبل الإسلام- فجاءه مرة ركب جماعة فقالوا ياعامر لدينا إرث -مال- ونُريد أن نقسمه وأحد الورثة خُنثى -له آلة رجُل وآلة ذَكر- نُعطيه على أنه أُنثى أو نُعطيه على أنه ذكر ؟! قال أمهلوني فمكثوا عنده شهراً ينحر لهم ويُطعمهم وليس عنده جواب ، كان عنده جارية ترعى له الغنم إسمها سُخيلة فكان كُل يومٍ يُعنِّفها لكسلها تخرُج متأخرة وتعود مبكرة ، فذات يومٍ قالت لهُ إن أضيافك أكلوا طعامك يعني ما بقي لك شيء كل يوم تذبح لهم فما خبرُهم ما سؤالهم ؟! فسخِر منها وطردها فجاءته مرة ثانية تُلِح عليه فلمَّا ألحت عليه كمدا قال لها: هذا خبرُهم كذا وكذا وكذا ، قالت أين أنت ياعامر أتبِع الحُكم المبال ، فبُهت قال فَرَّجتها عني يا سُخيلة ، له أربعون يوم ، قال فَرَّجتها عني يا سُخيلة أتبِع الحُكم المَبال ، إن كان إن كان يبول من آلة الذكر أعطه نصيب الذكر ، وإن كان يبول من آلة الأنثى أعطه من نصيب الأُنثى إن كان يحمل الآلتين. فأصبح يُكرمها ويقول فَرَّجتها عني ياسُخيلة وقضى بِها.
إلى الآن لا علاقة للقصة بالآية لكن لم أدرجناها ؟! لأن عالم الشام إبراهيم النخعي لمَّا بلغه الخبر -رُوي له- قال لا إله إلا الله رجُلٌ لا يرجوا جنة ولا يخاف ناراً يتوقف في مسألة أربعين يوماً فكيف بمن يُفتي من غير أن يتأمل سؤال السائل . عامر بن الضرب في الجاهلية لا يرجوا جنة ولا يخاف ناراً ، أيُ جوابٍ يقوله يخرجون فمكثوا عنده أربعين يوماً يُطعمهم ويتكلف لهم خشية أن يقول لهم قولاً غير صحيح . الفائدة من القصة هي المُراد وكلام الله أبلغ وأعظم وأشدُ وعظاً من قول الله -جل وعلا-(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) .
وقد قُلت أنا في دروس خلت: أن شيخنا -رحمه الله- جاءه وفدٌ من الكويت يسألونه سؤلاً شرعياً فأبى أن يُجيب في آخر عمره فألحوا عليه ، فأصلح من جلسته واتكئ قال: قال فُلانٌ كذا ، وقال فلان كذا ، وقال فلان كذا ، -الظاهر كانت مسألة البرلمانات- وقال فلان كذا ، ثم وضع يده على رقبته وقال وأمَّا أنا فلا أحمل في ذِمتي شيء ، لا أدري ، ورفض أن يُجيب. بل إنه في آخر عُمره سأله رجلٌ عن الطلاق قال : اسأل غيري، قال: ياشيخ أجب، قال : اسأل غيري ، فألحّ السائل فسرد عليه أقوال العُلماء كُلها في الطلاق -وهو سريع الكلام من سمعه منكم- قال مالك قال الشافعي قال أبو حنيفة وحُجة كل فريق والآية جلس نص ساعة يتكلم ، طبعاً السائل عامي قال يا شيخ ما فهمت ولا شيء ، قال: ألم أقل لك اسأل غيري ومشى ولم يُجبه . أصابه الروع أشد في ... مع أنه في كتابه أضواء البيان رد على أئمة وهذه مسأله تُحير ، وأنا ناقشت أحد المشايخ في هذه المسألة لكن لم نصل إلى حل لم الشيخ لم يُجيب مُشافهة مع أنه في كِتابه رد على كبار الأئمة واختار أقوال صعبة ورجح وكل من قرأ كتابه رأى بضاعته في العلم لكن غفر الله له ورحمه ورحم أموات المسلمين وإلى الوقفة الثالثة إن شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق