الخميس، 25 يوليو 2013

الوقفــ الثالثة ــة من جـ 15 / مع قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ..)


هذه الوقفة الثالثة من الجزء الخامس عشر قال ربُنا وهو أصدق القائلين (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا) الخ الآيات. الآيات تتكلم عن أصحاب الكهف وتستصحب أمر عظيم ، الأمر العظيم الذي يجب أن تستصحبه في التفسير هُنا: أنهم فِتية ، لمَّا قال الله إنهم فتية عرفنا أنهم لم يُجربوا أحداث الزمان ولم تعرُكهم الأيام ولم يتنقلوا في البُلدان وأنهم مازالوا فتية صغاراً هذا مُهم لكن لِماذا حفِظهم الله؟ للتوحيد الذي كان في قلوبهم فلا يُوجد حافظ -بِقدر الله- أعظم من توحيد الله -جل وعلا- ، ولهذا إبراهيم لمَّا تنقل في البُلدان في الشام والعراق ومصر ورأى الأُمم كيف تعبُد غير الله فتهلك بنى البيت ليُعبد الله وحده عنده دون سواه ، علِم عليه السلام أنه لا حافظ أعظم من التوحيد قال الله (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ) هذه مهم استصحابها . من هُنا نأتي إلى قول الله -جل وعلا- (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ) تزاور : بمعنى تميل قال عنترة :  فازور من وقع القنى بلبانه، "إزور" بمعنى مال ، أنت تقول أنا أذهب لزيارة الشيخ يُوسف يعني هو أصلاً ليس في بيتي لكنِّي أميل عليه هذا معنى الإزورار.
 يقول ربُنا (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ) السؤال فتحت الكهف من جهة بدهياً تُصبح الشمس من جهة بالطريقة هذي أم أن الشمس الأصل أنها لابُد أن تمر عليهم وآية من الله أن تميل عنهم؟ قول الله -جل وعلا- (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) دليل على الرأي الآخر ، (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)
 ثم قال (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) الصواب أنهم كانوا يناموا مفتوحة أعيُنهم (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) ثم لمَّا كان التوحيد في قلبهم خالصاً تولى الله أمرهم قال ربُنا (وَنُقَلِّبُهُمْ)   فأسند التقليب إلى نفسه ، إلى ذاته العلية (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) قال العُلماء: حتى لا تأكُل الأرضة أجسادهم ، وعقلاً الله -جل وعلا- قادر على أن يحفظ أجسادهم من غير تقليب لكن حتى يعلم كُل أَحد أن لله سُنن لا تتبدل ولا تتغير ، (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ  وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي عند مُقدمة الكهف (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ  لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًايتعجل بعض من يُفسر القرآن فيقول إن قول الله (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) سببه أن هيئتهم تغيرت ، طالت أشعارهم ، طالت أظفارهم ، انحنت ظهورهم  ، وهذا لا يُمكن أن يقع البتة ، القرآن يدُل على خِلافه صراحة ، أين يدُل القرآن على خِلاف ذلك؟ أن الله قال بعدها ، بعد أن قال (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) قال (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ) من ماذا من نومهم (لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) هم أنفسهم ، قبلها قال (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) شهد الله لهم بالهدى وكمال العقل ، وهنا قال (لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ) يعني وهم يتسائلون  (كَمْ لَبِثْتُمْ)؟! طرح سؤالاً من الذي سيُجيب؟ البقية وكلهم الله يقول (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) قال (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) هل يُعقل أنه لو أنه طالت أشعارهم وأظفارهم وانحنت ظهورهم وتغير شعر رأسهم ، جرت عليهم أحكام الزمان أن يقول أحدٌ منهم (لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) محال ، لأنه لا يقال في حق أحدٍ يوماً أو بعض يوم وهو ظاهر التغيُر ، لكن لمَّا قال يوماً أو بعض يوم عرفنا أنه لم يرَ في أصحابه أي تغيُر ، ولم يروا في أصحابهم أي تغيُر ثم رزقهم الله العقل ، ومن كمال العقل أن الإنسان لا يشغل نفسه بما قد مضى وانتهى (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) طيب ماذا تُعانون ؟! نُعاني جُوع ، إذا عقلاً ماذا نصنع نحُل إشكال الجوع الذي نُعانيه نبدأ بالقضية التي تهُمُنا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) حملهم للورِق مع قولهم (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) يدل على أنهم من أبناء قومٍ من علية القوم في الغالب ، (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) هل الزكاة هنا بمعنى غالية الثمن ؟! أو الزكاة هنا بمعنى الطعام المباح ؟! أو بالزكاة هنا بمعنى الطعام الذي يغني عن الجوع ؟! كُلها محتملة والمشهور عند العُلماء أنه أتى لهم ببطيخ فسد به عطشهم وجوعهم (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ) ومن العقل أن لا يُشغِّب العاقل على نفسه قال (فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ  وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) المؤمن لا يبحث عن الفتنة ، لا يبحث عن مهالكه ولهذا قال رسول  الله -صلى الله عليه وسلم- ( إذا سمعتم بالدجال فلا تخرجوا إليه ) وقال : (لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموه فاصبروا)  (فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ  وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا*إِنَّهُمْ)  هم الآن يظنون أنهم مازالوا في نفس عام الملك وحُكم الملِك الذي فروا منه (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) قال الله (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) من أحيا هؤلاء من مرقدهم بعد أكثر من ثلاث مئة عام قرينة وعبرة أنه قادر أن يُحي الموتى في قبورهم ، وعلى أن النوم أخو الموت وقد سئل نبيُنا صلى الله عليه وسلم أفي الجنة نوم؟ قال (النوم أخو الموت) ليس في الجنة نوم ، النوم أخو الموت قال الله -جل وعلا- (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) وقد بينَّا في لقاء ماضٍ أن الاحتجاج ببناء المساجد على القبور بهذه الآية باطلٌ شرعاً لأن الآية ليس فيها أكثر من خبرٍ نقل فهي متشابه القرآن والسنة فصلت (لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) تقول أُم المؤمنين يُحذر ماصنعوا ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا)
أدب الله نبيه أن بعض الأقوام طول الجدال معه لا ينفع، أمَّا عددهم فقد قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- "أنا من القليل الذين يعلمونهم هم سبعة وثامنهم كلبهم" -والعلم عند الله- لكن هذا الذي هو عليه أكثر أهل العلم لكن القول بأن هذه الواو واو الثمانية هذا لا يصح ، ولا يوجد في اللغة شيء اسمه واو الثمانية ومن قال به من علماء اللغة قد وهم وهماً كبيراً ، واحتجوا بهذه الآية وبقول الله (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) قالوا أبواب الجنة ثمانية فلذلك جاء الله بالواو ، واحتج بقول الله -عز وجل- (عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ) إلى أن قال في الثامنة (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) فقالوا لأن الأبكار جاءت ثامنة جاء الله بالواو ، إنما جاء الله بالواو للمُغايرة لأن المرأة ممكن أن تكون مُسلمة مُؤمنة قانتة عابدة في آنٍ واحد فلا حاجة للفاصل لكن مُحال أن تكون المرأة ثيباً وبكرا في آنٍ واحد فلذلك فُصل بينهما في الواو بواو العطف وهي واو تقتضي المُغايرة.
من اللطائف في هذا الباب أنهم يقولون إن المعتصم الخليفة العباسية كان ثامن ملوك العباس وحكم ثمانية سنين وثمانية أشهُر وثمانية أيام ومات وعمره ثمانية وأربعون وثمانية سنين وثمانية شهور وترك ثماني بنات وثماني ذكور فأباح دم رجُلٍ شاعر يُقال له دِعبل الخزاعي فدِعبلٌ هجى المُعتصم بكونه الثامن قال :
ملوك بني العباس بالكُتب سبعة ** ولم تأتِنا عن ثامنٍ لهم الكُتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعةٌ **  خيارٌ إذا عُدُّو وثامنهم كلبُ -يقصد المُعتصم-.
 هذا من استخدام معاني القرآن في هجو الناس وهو مسلك غيرُ حميد لكنها هذه مما يُقال تاريخياً في مثل هذه الآيات والعِلم عند الله وصلى الله على محمدٍ وآله والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق