أ.ضحى السبيعي
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}
من فضائل شهر الصِّيام أنَّ الله -تعالى- مدحه من بين سائر الشُّهور، بأن اختاره لإنزال القرآن العظيم فيه، واختصَّه بذلك، ثمَّ مدح هذا القرآن الَّذي أنزله الله فقال: {هُدًى} لقلوب من آمن به، (وَبَيِّنَاتٍ) لمن تدبَّرها على صحَّة ما جاء به، ومُفرِّقًا بين الحقِّ والباطل والحلال والحرام.
/ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
نزول القرآن في هذا الشَّهر سابقٌ على فرض الصِّيام فيه، فهو شهر قرآن قبل أن يكون شهر صيامٍ، فاجتمعت ميزتان، وقد فقه السَّلف هذا، فصاموه، وعمروا ليله ونهاره بالقرآن تلاوةً وتدبُّرًا، تحقيقًا للاسم والمسمَّى، وتركوا ما سواه.
/ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
الصِّيام له ارتباطٌ بالقرآن، من جهة أنَّه سببٌ لارتفاع القلب من الاتصال بالعلائق البشريَّة، إلى التَّعلُّق بالله -تعالى-، كما أنَّ الصِّيام سببٌ لصفاء الفكر ورقَّة القلب الَّتي هي سبب الانتفاع بالقرآن.
/ وصف الله شهر رمضان بأنَّه: {الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} لتتأكد العناية به فيه، فلنشتغل بالقرآن: نقرأه وحدنا ومع أهلنا، ونملأ به وقتنا، منتفعين بالتَّقنيَّة الحديثة من إذاعاتٍ وقنواتٍ وعَبْر ملفات حاسوبٍ وجوالٍ، ويتهادى المسلم مع إخوانه المقاطع المؤثرة والتَّلاوات المرَّقِّقة، ليكون شهر القرآن!
/ انظر: لما شَرَع الله الصومَ بغير بدلٍ -مع ما فيه من المشقَّة المعروفة- قال بعدها: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} فاليُسر هو ما جاء عن الله -تعالى-، لا أن يكونَ التَّيسير شماعةً تُغَيَّر بها شرائع الصَّوم والحجّ والأعياد.
/ أُنزل القرآن ليكون هدًى، ولذلك ذكرت الهداية في (الفاتحة) وفي أوَّل البقرة {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وتلاوة القرآن إذا خلت من هذا المعنى فَقَدتْ أعظم مقاصدها، فعلى التَّالي للقرآن أن يستحضرَ قصدَ الاهتداء بكتاب الله والاستضاءة بنوره، والاستشفاء من أدوائه بكلام ربِّه، ولا يقتصر على مجرد تلاوة الحروف: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ}.
/ الصِّيام سببٌ لارتفاع القلب من الاتصال بالعلائق البشريَّةِ إلى الاتصالِ والتَّعلُّق بالعلائق السَّماويَّة الَّتي نزل منها القرآن، ففيه اتصالٌ مباشرٌ بجهة نزول القرآن. وبهذا يلتقيان من هذا الوجه.
/ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
الهداية تشمل: هدايةَ العلم، وهدايةَ العمل، فمن صام رمضان وأكملَه، فقد منَّ الله عليه بهاتين الهدايتين، وشكرُه -سبحانه- على أربعة أمور:
إرادةِ الله بنا اليُسْر، وعدمِ إرادته العسر، وإكمالِ العدَّة، والتَّكبيرِ على ما هدانا، فهذه كلُّها نِعَمٌ تحتاج منَّا أن نشكرَ اللهَ بفعلِ أوامره، واجتنابِ نواهيه.
/ {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} وإذا كان التَّكليفُ شاقًّا ناسب أن يُعقّب بترجِّي التَّقوى، وإذا كان تيسيرًا ورُخصةً ناسب أن يعقّب بترجِّي الشُّكر، فلذلك خُتمتْ هذه الآية بقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لأنَّ قبله ترخيص للمريض والمسافر بالفطر.
/ تكبيرُ الله على هدايته جاء في ثنايا آيات الصِّيام: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} وفي ثنايا آيات الحجِّ: {لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ} ، فإذا أردت أن تعرفَ موقع هاتين الآيتين الكريمتين، فيكفي أن تتذكر أنَّ هناك 5 مليارات من البشر محرومون من هذه الهداية! فلِمَن المنّة؟
{بَلِ اللَّـهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} .
قال ابنُ عباس: "حقٌّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يُكبّروا الله حتَّى يفرغوا من عيدهم؛ لأنَّ الله -تعالى ذكره- يقول: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ}. فليكن التَّكبير شعارًا يملأ المساجد والبيوت والأسواق".
---------------------
※ مجالس المتدبرين ※
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق