السبت، 23 مارس 2013

الإسراف والاقتار -١-



 الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه و على سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
 أيها المباركون لقاؤنا هذا الدرس إن شاء الله تعالى حول مفردتين هما : الإسراف والاقتار ، وقد مضت سنننا في هذا اللقاء المبارك أننا نتعرض لمفردتين من كلام الله جل وعلا فنجملهما غالبا في لقائين ما أمكننا إلى ذلك سبيلا ، نُجمل في الأول ونفصل في الثاني ، وأحيانا يتغير الحال بحسب مقتضيات ومعطيات ما نريد بيانه من آيات كلام رب العزة والجلال تبارك اسمه وجل ثناؤه .
 ما الإسراف وما الاقتار ؟
 الإسراف: الإكثار ، والاقتار: القلة ، إلا أن الإسراف الإكثار في أشياء كُثر تتعلق بأعمال القلوب وبأعمال الجوارح ، تتعلق بأمر الدين ، تتعلق بأمر الدنيا ، كما أن القَتَر يُطلق على أثر الدخان في الوجه ، أثر الدخان إذا ظهر على الوجه ومنه قول الله -عز وجل- (تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ) ، ومنه قول الله -تبارك وتعالى- عن أوليائه المؤمنين : (وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ) وهذا ظاهر ، لكن كما قلنا الإسراف الإكثار ، والاقتار القلة ، وغالبا ما يُطلقان على الإنفاق ، وقد جمعتهما آية الفرقان قال الله -عز وجل- : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) فجعل الاقتار مقابلا للإسراف ، إلا أن الإسراف يقع على معانٍ عدّة نُجمِلها ثم نتخذ بعد ذلك آيات نحرر معناها ما أمكنا.
يقع الإسراف في المعاصي وله طرائق فكل معصية أو معاصٍ أكثر الإنسان منها يُسمى إسراف. فرعون تجبر وطغى حتى أزهق أرواحا فقال الله -جل وعلا- عنه (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ، قوم لوط يوجد أمامهم خياران : خيار حق ، وخيار باطل ، خيار الحق أن يأتوا أزواجهم ، وخيار الباطل أن يأتوا الزنا -نساء غيرهم- لم يأتوا نساءهم ولم يأتوا نساء غيرهم -وهو الزنا- تجاوزوه إلى الذُكران فأصبحوا في منتهى الإسراف ولهذا قال الله عنهم كما أخبر عنهم نبيهم لوط عليه السلام قال (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) فهم تجاوزوا الحد إلى أبعد ما يمكن أن يُتَصوّر ولهذا قال الله -جل وعلا- عنهم هنا في الأعراف (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)، وقال عنهم -تبارك اسمه وجل ثناؤه- في الذاريات (مُسَوَّمَةً) أي الحجارة (عِندَ رَبِّكَ) لمن؟ (لِلْمُسْرِفِينَ) والمراد قوم لوط .ظاهرٌ هذا . ذكرنا فرعون وذكرنا قوم لوط .
 نأتي للقتل : الله -جل وعلا- حرّم الدماء وقال تبارك و تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) ثم قال ربنا (فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ) قال العلماء والإسراف في القتل هنا يكون على أوجه منها :
الحالة الأولى: أن يقتل أكثر مِن مَن قُتل منه ، يعني يقتل بالواحد إثنين أو أكثر فهذا إسراف لا يجوز شرعآ .هذه حالة.
 الحالة الثانية : أن يقتل غير الذي قتله ، فيقول إن الذي قتل وليي ليس شريفا مثله أنا أقتل أشرف من القاتل ، فالقاتل وضيع في نظري لا أقبل به أقتل واحدا غيره فهذا ماذا ؟ إسراف .
 الحالة الثالثة : أن يُمثّل بالمقتول ، يعني يقتل قاتله لكنه يٌمَثّل به فهذا مندرج في الإسراف ، قال بعض العلماء ومن الإسراف أن يتولّى القاتل إقامة الحد لأن هذا مِما أوكله الله جل وعلا إلى ولي الأمر ، إلى السلطان فلا يحق لأحدٍ أن يفتئت على ولي الأمر ويمارس هذا بنفسه ، فقالوا من الإسراف أن يباشر هو القتل بنفسه .ظاهرٌ هذا .
 نحن نتحدث عن الإسراف جملة حتى نصل إلى آيات نقف عندها ، لكن لابد أن تُحيط علما ما أمكن بمفردة الإسراف في كلام الله -جل وعلا- .
من الآيات التي تحدثت عن الإسراف : آيات الزمر وهي آيات توبة عظيمة ، قال ربنا (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إلى ما بعدهن من آيات وسيأتي .
اختلف العلماء في سبب النزول على طرائق عدة لكن أظهرها والعلم عند الله أن قوما بعد أن استقر الإسلام - ولهذا قالوا أن هذه الآيات مدنية في سورة مكية فالزمر سورة مكية لكن هذه الآيات مدنية على الغالب - قالوا إن مايدعوا إليه محمد -صلى الله عليه وسلم -حسن ولكنه نقرأ في قرآنه ، في كتابه وعيدا عظيما في حق من قتل وزنا وسرق ونحن أكثرنا القتل ،أكثرنا الزنا ، أكثرنا السرقة ، فأنزل الله -جل وعلا- قوله : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) وهذا لا يتفق يعني هذه الآيات تدل على عظيم الرحمة ، لماذا تدل على عظيم رحمة ؟ لأن طريقة القرآن في الكلام عن الظالمين لا يأتي فيها إضافتهم إلى الله إضافة تشريف ، وهنا أضافهم إلى الله إضافة تشريف رغم أن الحديث عن قوم مذنبين (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ) هو الأصل في "أسرف" يتعدى بـ"مِن" وهنا تعدى بحرف الجر "على" حتى يبين أن هذه الذنوب كأنها استولت عليهم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ) ،(يَا عِبَادِيَ)  نداء ، لكن بم نودوا ؟ (لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) ووالله لا يسع عاقل يُدرك من العلم مثقال ذرة أن يقنط من رحمة الله ، ووالله إنك لتدخل على بعض ملوك الدنيا ويغلب على ظنك أنه يؤتيك سؤلك لما علمت أو قرأت أو سمعت أو رأيت من فضله ، فكيف وأنت تسأل ملك الملوك ، ففضل الله ورحمته واسعة وإن من أشنع العباد من يأس الناس من رحمة الله ، وليس موفقا من وقف على منبر أو جلس في مجلس ، أو وعظ قوما فيأسهم أو قنّطهم من رحمة الله ، بل إنه لا أحد أرحم من الله ، ونحن لم نأت بهذا جزافا، القرآن يقول (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) والقرآن يقول (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فالله -تبارك وتعالى- خير الرحمين ، وأرحم الرحمين ، ورحمته وسعت كل شيء ، قال هنا (لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) لا يدبن عليكم يأس ، ولا يدخلن عليكم قنوط ، فرحمتي وسعت كل شيء ، ثم بيّن قال (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الذنوب في أصلهاعلى ضربين: ضرب هو الشرك بالله ، فهذا لا يُغفر إلا بأن يتوب العبد منه ويتركه (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) بقينا في ماذا ؟ غير الشرك من الذنوب ، غير الكفر ، غير المخرجات من الملة ، مازال الإنسان باقيا على أصل الإسلام فهذا قد يغفر الله له وإن لم يتب ، فإن تاب غفر الله له (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)، (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويعلم العبد بهذا أنه ما حمل على ظهره شيئا أعظم من الذنوب ، قال ربنا هنا : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) بعد أن أخبرهم أنه يغفر ويرحم أخبرهم ما الطريقة المثلى لينالوا مغفرته ويدركوا رحمته ، بعد أن بيّن لهم أنه يغفر ويرحم بيّن لهم ما الطريقة المثلى لأن ينالوا مغفرته و يدركوا رحمته فقال (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) وهذا أول ما ينصرف لأهل الإشراك ،لأهل الكفر ويدخل فيه جملة عصاة الموحدين (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) والإنابة : التوبة إلى الله وهي من أعظم المناقب وأجلّ العطايا (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ *وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) يحتمل معنيين :
 المعنى الأول: أن يكون المراد القرآن ، فيصبح معنى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم) أي أن هناك كتبا سبقت القرآن،التوراة والإنجيل والزبور، والقرآن جاء مهيمنا عليها فإذا قال ربنا (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم) إنما يدعونا لاتباع القرآن .
 ظاهرُه هذا ، وهذا عندي مرجوح وإن قال به أخيار ، والراجح (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) أي أن القرآن فيه حسنٌ وأحسن ، كما أن في التوراة حسنٌ وأحسن لأن الله قال لموسى (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) مِما في القرآن من حسنٍ وأحسن، الله يقول (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) هذا حسن ، أحسن منه (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فقال ربنا (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي فجأة (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) الحسرة : الندامة ، والآية تتحدث عن يوم القيامة ، من الحسرات التي تقع يوم القيامة : يرى الرجل المُمسك للمال ماله بيد مُورِثه -من ورِثه- وقد انفقه في طاعة الله فيرى يوم القيامة مالا تركه وقد قبضه وأبى أن ينفقه في سبيل الله فورِثه من ورثه من أبنائه ،من بناته ،من بعض قرابته، فأنفقوه في سبيل الله فيرى الكرامة التي نالها هؤلاء بماله الذي خلّفه لهم فأي حسرة تصيبه يوم ذاك ، ومن الحسرة أن يرى الرجل من خوّله الله أن يعمل عنده كمن يكون سيدا ولديه مملوك ، ويكون ملِكا ولديه أُجراء ، ويكون ثريا ولديه من يعمل عنده وهم مستضعفون في القصر ، في المنزل الواسع ، في العمل ، في المصنع ، في المتجر ، في المكان الذي أنت تملكه ، وأنت تراهم أُجراء ما يسمى بين قوسين في لغتنا الدارجة -عُمال- وأنت يومئذٍ ترى أنك أفضل وأكمل وأجلّ منهم فتراهم يوم القيامة وقد أُلبِسوا من الحُلل ، و أُعطوا من الكرامة ما أنت محروم منه ، فيقول ذلكم المتحسر : قد كنت لا أرى لهم فضلا وكنت أرى أنني أكمل منهم عقلا، وأفضل منهم حالا ، لكنهم قضوا أيامهم -حتى وهم يعملوا معك- قضوها في طاعة الله ، قضوها في رحمة الله ، قضوها وهم يسألون الله ومع ذلك لم يقع منهم شيء يقصّرون به عن قيامهم بعملك وإلا ما نالهم تلك الكرامة حتى تصيبك منهم تلك الحسرة . وقال بعض العلماء: وقد يرى الرجل يوم القيامة رجلا أعمى كان في الدنيا ، فيرى ذلكم المبصر ،ذلك الأعمى وقد رُد له بصره ، ورُفعت له كرامته فيقول هذا وهو لا يُبصر كان يعبد الله و يُطيعه و يرجوه ويدعوه ، وأنا كنت أُبصر وأرى ، وأرى أن فيه نقصا وفيّ زيادة ، وله مذلّة ولي كرامة ، واليوم أجد الأمر خلاف ما كنت أحسبه في الدنيا ، هذا من معاني قول الله (يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) والعاقل لا يمكن أن يقبل وما زال في دارعمل أن يكون منه خوف من أن تناله حسرة يوم القيامة .
/ ثم قال الله (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) الساخرين بمن ؟ بأولياء الله بالمؤمنين ، قال قتادة رحمه الله : "ما كفاهم أنهم كفروا بالله حتى سخروا بأوليائه" ولهذا مما يحفظك الله به أن لا تتعرّض لأولياء الله ، فإن قلت من هم أولياء الله ؟ فإن الله يقول (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) وقد قال عليٌ -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- "إن الله أخفى أولياءه في عباده ، فلا تدري أي عبدٍ لقيته هل هو وليٌ لله أم لا" والمراد: أن تسلم بلسانك ، بقبلك من الخوض في أعراض الناس.
/ (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ *أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أي أن لي رجعة (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فيُخبَر يوم ذاك أن حُجته أُقيمت والمحجة وضحت ، قال الله -جل وعلا- (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قال ربنا (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) ثم أخبر الله -جل وعلا-  عن سبيل النجاة فقال (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) .
 يبقى أيها المباركون حول هذه الآيات قبل أن ندخل في الاقتار في اللقاء القادم وعظٌ عام حولها قلنا مرارا الذنوب لا يسلم منها أحد ، لكن لابد أن تكون على ثقة برحمة الواحد الأحد ، فلا يكن منك مهما وقع منك ذنب إصرار على صغيرة ، فإن الإصرار على الصغائر يقود إلى أن تكون كبائر في الكتاب ، لا يقع منك فرح بالمعصية وليقع منك ندم عليها ، وفرح بالطاعة تجمع معه رجاءك في الله أن يقبلها الله -جل وعلا- منك ، كما أن من أسباب أن تنال رحمة الله -جلّ وعلا- وإحسانه أن تنكسر لأوليائه، وإن لم تستطع أن تطيع الله في شيء فلا أقل من أن تُجلّ من أطاعه ، إن لم تستطع أن تطيع الله في شيء مُعيّن لا تقدر عليه فلا أقل من أن تُعين من أطاعه في هذا على طاعته ولنضرب مثلا محسوسا : عبدٌ لا يقدر أن يصوم النوافل لشغله ،لصحته ،لاعتلاله، لوظيفته ، لبره بوالديه ، يعجز أن يصوم النوافل فلا أقل من أن يكون عونا لأهل الصيام أن يصوموها ، فيُعينهم بالإفطار بالشراب بالماء بغيره عل الله -جلّ وعلا- أن يكتبه معهم ، إن من إجلال الله أن تُجلّ من يغلب على ظنك أن الله يُجله ، وهذا باب واسع ، ومِما تنكسر به القلوب وتعظم به الفوز إجلال القرآن ، إجلال حملته ، النظر فيه ، تدبره ، قراءته ،تأمله، الفرح به ، ما من نعمة أعطاها الله عبد أعظم من أن يعطيه أن يؤمن بكتابه ، مُحكمه ومتشابهه ، وأن يرزقه العمل فيه ، قال الله لنبيّه (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ثم بيّن له أن الدنيا كلها ليست بشيءٍ إن آتاك الله القرآن (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) وهذه وردت في آيات كُثُر ذكرنا بعض معناها لكن فليكن منك إجلال لكلام الله ، يكن المصحف في بيتك إن وجدت برهة من وقتك فلا أقل من أن تفتحه و تقرأ فيه ، وأنت تحتسب أن الله يدّخر لك ما تقرأه عنده ، إن سكنت في شقق ،إن سكنت في فندق ،إن مررت في سفرك بمطارات تجد في مصلياتها مصاحف ، وإن من القُرَب أن لا تحب أن يبقى كتاب الله مهجورا ، فتأتي للمصحف ولو وأنت واقف وافتحه تقرأ آيات حتى لا يُترك كتاب الله مهجورا ثم ترده ثم تمضي لسبيلك فتُظهر لله إنكسار قلبك وأنك وإن عجزت أن تحفظه ، أن تكون من العلماء به ، أن تكون مِمن يُعلِّمه فعلى الأقل تكون مِمن يحب من آتاهم الله القرآن. وفقنا الله وإياكم وصلى الله على محمد وآله و الحمد لله رب العالمين .
---------------------------------------------
الشكر موصول لأخيتنا الغالية (**) لتفريغها الحلقة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق