كثير من الناس يجيب عن سؤاله عن أعظم نعمة عليه بالأمور المادية كالزوجة والأولاد...الخ ، وإذا سُئل عن أعظم مصيبة كذلك يجيب الأمور المادية .
فتأتي هذه السورة لتصصح هذا المفهوم ، وتوضح لنا أن :
أعظم نعمة هي الإيمان ، وأعظم مصيبة هي الكفر بالله تعالى ،هل تستوي الظلمات و النور؟!
لذلك فإن السورة ومن أجل توضيح هذا المفهوم تتابع دوماً في مقابلة بين الحق والباطل, بين أهل الإيمان و أهل الكفر, و بدايتها واضحة في هذا المعنى (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ). وكأن المعنى : أيها الإنسان أنظر إلى الظلمات والنور ولاحظ الفرق بينهما, ثم تأمل نعمة الله واختر بينهما, فإما أن تجعل نفسك في النور بالإيمان بالله تعالى, و إما أن تبقى في الظلمات بالكفر بالله عز و جل.
/ وجهان ليوم واحد : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُورٍ)
س : ما علاقة أيام الله - الأيام التي نصر الله فيها الصالحين وأهلك الظالمين على مر العصور- بالصبر و الشكر ؟
ج: إن أيام الله نعمة على المؤمنين ونقمة على الكافرين ، لذلك فتذكرها من قبل المؤمنين يعين على الصبر و تحمل الأذى و تحث على الشكر على نعمة الإيمان (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) .(وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ
وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) تذكير موسى عليه السلام لقومه بأيام الله. فطريق الله عِز ونعمة ، والكفر صغار وذل ونقمة .
/ ثم تأتينا قاعدة ووعد رباني : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ
لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
وتنطبق القاعدة على كل نعم الله المادية ، وغير المادة كنعمة الإيمان ، فأنت إن شكرت الله على نعمة المال سيزيدك الله منه ، وإن شكرت الله على نعمة الإيمان سيزيدك الله منها بوعده تعالى في الآية . ونعمة الإيمان أهم نعمة مطلوب منا شكر الله تعالى عليها, والزيادة فيها خير لنا من كل النعم الأخرى و أسبق عليها بالأهمية.
/ رسالة الأنبياء :
ثم تأتي الآية على كلام المواجهة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، ولكن هذه المرة ليست على لسان كل نبي على حدة ، إنما الأنبياء معاً على عكس السورة السابقة ، لأن الموضوع المقصود واحد وهو المواجهة بين أهل الإيمان و أهل الكفر. (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ)
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ)
(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي
اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن
ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ
بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا
فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ).
هل تفكرت في أهمية هذه النعمة ؟ إن الله تعالى بعزته وجبروته يناديك ويدعوك لتستغفره ويغفر لك وهو الغني عنك ، رب كريم عزيز جليل .
/ وتواصل الآيات على نفس الغرار في الموازنة بين نعم الله و نقمه حتى تصل لخطبة إبليس في جهنم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ
لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ
فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا
أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا
أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
انظر إلى الخزي لأهل الكفر، بعد أن أغواهم يتبرأ منهم ، فكيف تستجيب له والله تعالى يخبرك أنه سيتبرأ منك يوم القيامة . فهل هنالك نقمة أشد من ذلك ؟!!
/ الكلمة الطيبة :
و تصل الآيات إلى آية محورية تشير إلى أعظم نعم الله تعالى ، الكلمة الطيبة - كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله - حيث يظن الناس أن معظم نعم الله تعالى مادية ، وأن النعم المادية هي التي تثمر وتستمر ، و لكن أعظم نعم الله ، نعمة الإيمان يشبهها الله تعالى بالشجرة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ), فكما أن الشجر الطيب يثمر ثماراً طيبة ,، فكذلك نعمة الإيمان وشجرة ألاّ إله إلا الله محمد رسول الله تثمر أشخاصاً مؤمنين ومصلحين و إيجابيين, وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها حسنات جارية و أعمالاً صالحة تبقي لصاحبها صدق جارية بعد موت صاحبها.
وبالمقابل فإن شجرة الكفر ، وكلمته هشة خبيثة لا جذر لها ولا أصل (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن
قَرَارٍ ).
فحريٌّ بنا ألاّ نفرط في نعمة الإيمان التي أعطانا الله إياها ، أو أن نجحد بها ، ونحذر أن نكون من الذين قال سبحانه فيهم:(وَجَعَلُواْ لِلَّهِ
أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ
إِلَى النَّارِ).
فكيف يكون شكر الله على نعمة الإيمان ؟ (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ
آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ).
/ ثم تعدد السورة نماذج أخرى من نعم الله علينا:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ).
(وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ) .
واللطيف أن الآية تقول : تعدوا نعمة وليس نِعم لأننا إن حاولنا أن نحصي خصائص نعمة واحدة كالشمس مثلاً ، فلن نحصيها ! فكيف بنا بنعم الله تعالى علينا ، ثم ما بالنا بأعظم نعمة أنعمها الله علينا نعمة الإيمان بالله تعالى !؟ وكما أنها أعظم نعم الله علينا فهي تحتاج إلى أعظم شكر منا لله تعالى أن أنعمها علينا.
نموذج إبراهيم عليه السلام :
و يأتي الختام .. بمقارنة بين نموذجين ، نموذج للإنسان عاش في نعمة الله - سيدنا إبراهيم عليه السلام - واستشعر نعمة الإيمان ، وبين أناس عاشوا بعيدين عن الله ، وهم ظالمون لأنفسهم و مجتمعاتهم من حولهم.
فسيدنا إبراهيم كان شكره واضحاً على النعمة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ
الدُّعَاء). فكان دعاؤه الرائع ورجاؤه إلى الله تعالى أن يتم نعمة الولد بنعمة أعظم منها و أجلّ : أن يحفظ الله دينه و دين ذريته بالصلاة (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ
الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء*رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) . انظر لهذا الحنان من أبينا إبراهيم وهو يدعو لنا ولأولادنا أن يثبتوا على الصلاة.
فينبغي أن ينطبع في حس المؤمن : أن الشكر هو أعظم عطاء يُعطى العبد؛ لأن قانون الله تعالى أن الشكر يزيد النعم [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ] . يقول الحسن البصري : «الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر فكم من مُنعَم عليه غير شاكر» وقال الفضيل بن عياض :«عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم». وقد شرف الله المؤمنين حين استهزئ بهم وقالوا : (أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا) قال سبحانه (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) سورة الأنعام : ٥٣ وواجب على المؤمن أن يكون أهلاً لهذا الشرف العظيم الذي بوأهم الله تعالى إياه حين وصفهم بالشاكرين وذلك بتحقيق الإيمان والسعي في كماله، وإتباع القول بالعمل، والدوام على الشكر ظاهراً وباطناً؛ فإن الشكر هو ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة .
فينبغي أن ينطبع في حس المؤمن : أن الشكر هو أعظم عطاء يُعطى العبد؛ لأن قانون الله تعالى أن الشكر يزيد النعم [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ] . يقول الحسن البصري : «الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر فكم من مُنعَم عليه غير شاكر» وقال الفضيل بن عياض :«عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم». وقد شرف الله المؤمنين حين استهزئ بهم وقالوا : (أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا) قال سبحانه (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) سورة الأنعام : ٥٣ وواجب على المؤمن أن يكون أهلاً لهذا الشرف العظيم الذي بوأهم الله تعالى إياه حين وصفهم بالشاكرين وذلك بتحقيق الإيمان والسعي في كماله، وإتباع القول بالعمل، والدوام على الشكر ظاهراً وباطناً؛ فإن الشكر هو ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة .
/ ختام السورة : ثم تختتم السورة بأشد الآيات على الظالمين والبعيدين عن الله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء*وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ).
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن
قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ)
فهل من نقمة أشد من هذه.
سبب التسمية : سميت باسم سيدنا إبراهيم عليه السلام لنتذكر هذا النموذج الذي شكر نعمة الإيمان أحسن الشكر بأن دعا لنا ولأولادنا بالثبات على هذا الدين وذلك بالثبات على الصلاة.
فالحمد لله رب العالمين ملئ السموات وملئ الأرضين ، أن جعلنا من المؤمنين . والصلاة و السلام على سيدنا محمد وآله و صحبه أجمعين .
فالحمد لله رب العالمين ملئ السموات وملئ الأرضين ، أن جعلنا من المؤمنين . والصلاة و السلام على سيدنا محمد وآله و صحبه أجمعين .
----------------
مجالس المتدبرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق