الأربعاء، 25 يوليو 2012

الإرث


 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وبعد :
 فنستأنف في هذا اللقاء المبارك دروسنا في هذا المسجد في آيات كتاب الله المبين وكنا قد حررنا كثيرا أن هذه اللقاءات تحمل في طياتها كل لقاء عنونا خاصا به .
 واليوم إن شاء الله تعالى سنتحدث في لقائين متتابعين عن الإرث فنقول مستعينين بالله - جل وعلا - :
الإرث : انتقال شيء من شخص إلى شخص أو من قوم إلى قوم هذا في حالة الحياة الدنيا ويكون حسا ويكون معنى وبكلٍ جاء القران . ففي لقائنا الأول سنتحدث عن إما الموروثات المعنوية غالبا . أما المال فنفرد إن شاء الله له لقاء آخر مستقلا نتكلم فيه إجمالا عن أحكام المواريث والفرائض على ما جاء به القرآن ثم الآن - كما جرت العادة - نبدأ بالآيات التي ذكر الله جل وعلا فيهن لفظ الإرث :
قال ربنا في سورة الأنبياء {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} زكريا أحد أنبياء بني إسرائيل العظام - عليه السلام - وقد مكث دهرا طويلا لا يُولد له ، وقد علم هو أن الأقدار والفضل كله بيد الله فلجأ إلى ربه يسأله ، ومن تتبع دعاء الأنبياء في القرآن يجد أنهم غالبا يبدؤن دعاءهم بلفظ "ربِ" أو "ربنا" على أنه ليس في القرآن كله لفظ ربي بإضافة "الياء" إلى رب حال الدعاء ، ليس في القران كله إضافة الياء في "رب" حال الدعاء وإنما تأتي من غير ياء ، فزكريا دعا ربه قائلا {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} ونحن حديثنا ليس عن الأنبياء وإنما عن لفظ الإرث فما معنى {وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}؟
 أجمل ما قيل فيه أو أكمل ما قيل فيه المعنى : أنت خير من يبقى بعد كل من يموت قال أهل العلم : والمعنى من الآية إجمالا أنني أعلم ياربي أن دينك لن يضيع ولو مُت أنا قبل أن يرثني أحد ، لأنه كان قائما بالإمامة والنبوة في بني إسرائيل . وأجمعوا على أنه لم يكن يريد الولد لنفسه لذاته وهذا ظاهر القران والعلم عند الله ، لكنه بقدر الله رُزق يحيى لكن يحيى - عليه السلام - مات في حياة أبيه ، ويجمع بين يحيى وزكريا عليهما السلام في سيرة نبينا - عليه السلام - أنهما من الأنبياء الذين التقى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج ، ليلة الاسراء والمعراج لقي يحيى لكنه لم يلقَ زكريا ، لقي يحيى ابن زكريا مع عيسى ابن مريم هذه الآية الأولى .
من الآيات التي ذكر فيها لفظ الإرث قول الله - جل وعلا - {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } وهذه في سورة مريم قال أهل العلم : إن "إنا" هنا تفيد أن هذا أسنده الله الى ذاته العلية وليس إلى أحد من جنده ، {نَرِثُ الأَرْضَ} كان كافيا في فهم المراد لكن الله عطف فقال {وَمَنْ عَلَيْهَا} و "من" وفق تعبيرات النحوين واستعمالاتهم تدل على العاقل فحتى لا يتوهم أن عاقلا أيا كانت قوته ، أيا كان جبروته يمكن أن يبقى عامرا قال الله - جل وعلا - {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} من العقلاء ومن غير العقلاء والمعنى : لا يبقى عامر ، كل شيء يهلك ويموت .
{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا} تفيد الحصر لأنها جاءت قبل الفعل ، ما قال ويرجعون الينا قال {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} والمعنى : لا يرجعون إلى غيرنا، ليس مآلهم إلى أحد من جبابرة الدنيا ولا من ضعفائها ، ليس لهم مرد إلا إلى الله .
وبعض أهل العلم يقول : - في تعبير حسن -  يُردون إلى الله في الدنيا معنىً ويُردون إلى الله في الآخرة حساً ، والمعنى أن الميت يُقبر وهذا أمر متفق عليه فهو لم يعد في الدار الآخرة بأنه على عرصاتها لكن ما أبقاه ، ما تركه أمره إلى الله يضع الله جل وعلا ما كان يملكه ذلك الرجل حيثما يشاء . ثم إن الكل يعودون إلى ربهم يوم القيامة يوم يقوم الأشهاد ويُحشر العباد {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} والآية في مجملها تدل على عظمة ربنا تبارك وتعالى .
من الآيات التي ورد فيها ذكر الإرث قول الله - جل وعلا - {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} والآية في خواتيم سورة الأنبياء، والمعنى : اختلف العلماء في المراد بقول الله جل وعلا "الأرض" ، واختلفوا في المراد بالذكر ، واختلفوا في المراد بالعباد الصالحين ، فبعض أهل العلم يقول : إن المراد {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} أي كل كتاب أنزل بعد التوراة ، {مِن بَعْدِ الذِّكْرِ} على أن "الذكر" هنا هو المراد به التوراة وأن الأرض المراد بها الأرض المقدسة ، أرض الشام يرثها عبادي الصالحون أي بنو إسرائيل . وهذا قول لكنه مرجوح جداً في ما يغلب على الظن .
 القول الذي نرجحه - والعلم عند الله - أن المعنى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} الزبور إذا أُطلق يُراد به الكتاب الذي أنزل على داود قال ربنا {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} يُراد به الكتاب الذي أنزل على داود {مِن بَعْدِ الذِّكْرِ} فأصبح الكتابة في الذكر مقدمة على الكتابة في الزبور . الذكر هنا يراد به أم الكتاب اللوح المحفوظ فيصبح أن الله - جل وعلا - كتب عنده في الذكر بأم الكتاب أن الأرض يرثها العباد الصالحون ، هذا الذي كتبه الله في الذكر ضمّنه في الزبور ، أي ذكره الله جل وعلا في الزبور، وقلنا إن الزبور هو الكتاب الذي أنزل على نبي الله داود .
 {أَنَّ الأَرْضَ} قال بعض أهل العلم : الأرض هنا الجنة ، وهذا قول الأكثرين أن الأرض مراد بها الجنة واحتجو بآيات في هذا الباب قال الله جل وعلا {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} فأخبر - جل وعلا - أن الأرض هنا أرض الجنة هذا قال به كثير من العلماء أن المراد : أن العباد بصلاح أعمالهم بتوفيق من الله ورحمته يرثون الجنة {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} وقال - جل وعلا - {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ}، وأخبر - جل وعلا - أن الجنة تُورث ، وقال عن دعاء الخليل {وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} هذه الآيات وما جاء في معناها دليل على من قال إن المراد بالأرض هنا أرض الجنة .
 وقال آخرون : أن الأرض ليست معينة وإنما المراد أرض الكفار والأرض عموما أن الله كتب الغلبة لأوليائه ولعباده الصالحين واستدلوا بقول الله - جل وعلا - {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} وما في أمثالها من الأيات {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ} وغيرها من الآيات والواقع الذي كان يعيشه الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ فتح الله لهم مغانم كثيرة أيام حياته ثم تفرقوا في البلدان ودانت لهم جزيرة العرب وما حولها - رضوان الله تعالى عليهم - ثم في عهد أواخر الراشدين وأوائل عهد بني أمية توسع أهل الإسلام إلى ديار كثيرة . قالوا هذا هو المعنى أن الصلاح كفيل به أن ينال أهل الإسلام العزة . هذا أحد الأقوال وقلنا إن قوما جعلوها في بني إسرائيل وهذا بعيد جداً .
يُفقه من هذا كله أننا نرجح أن المراد بالذكر أم الكتاب وأن الأرض هي أرض الكفار الأرض عموماً وأن صلاح المؤمنين هو الذي يُناط به نصرة الله جل وعلا لهم كما دلت عليه آيات كثيرة .
 مما ذكر الله - جل وعلا - في آيات المواريث قول الله - جل وعلا - {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} وكلا من سليمان وداود من أنبياء بني إسرائيل ، وهذه الآية احتج بها من يقول إن الأنبياء يورثون فقالو إن الله يقول - وقوله الحق - {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} "ورث" فعل ، "سليمان" فاعل ، و"داود" مفعول به ، أي : كان سليمان هو الوارث . وقالو إن سليمان ابنا داود وهذا متفق عليه ، لكن الآية قطعا ليس فيها حجة لهذا القول لِمَ ليس فيها حجة ؟ لأنه قد عُلم بالاتفاق أن داود عليه السلام كان له أبناء كثر أكثر من عشرة أولاد غير سليمان فلا يتعلق الإرث هنا بإرث المال الذين زعمو أنه ورثه مالا لِمَ لا يتعلق به؟ لأن إرث المال لا يتعلق بسليمان وحده فكل أبناء داود ورثوه بمقتضى الإرث الشرعية الذي كان في شريعة بني إسرائيل أنذاك لكن المراد هنا أن سليمان عليه السلام ورث النبوة والعلم عن أبيه بل أعظم ما ورثه داود لسليمان إرث العلم وقد قال عليه الصلاه والسلام : (العلماء ورثه الانبياء) وأخبر أن الأنبياء لم يتركوا دينارا ولا درهما وإنما تركوا العلم فمن أخذه اخذ بحظ وافر . 
من هذ يفقه أن ثمة أشياء معنوية تُورث ، تتنقل وهذا أمر مستقر في الأذهان عرفته العرب في أيامها وكلامها فمثلا عمر بن كلثوم رجل من تغلب ، من وائل كان سيدا في قومه ، وأهل التاريخ أهل الرواية يقولون إن الفتك وقع خمس مرات ، ثلاثة في الجاهلية واثنين في الإسلام : فالفتك الذي وقع في الجاهلية فتك الحارث بن ظالم لخالد بن جعفر ، وفتك البراظ لقيس الكناني ، والثالث فتك عمر بن كلثوم بعمر بن هند ، وأما الذي وقع في الإسلام ففتك عبد الملك بن مروان بعمر بن سعيد بن العاص ، وفتك أبي جعفر المنصور بأبي مسلم الخرساني . الأربع لا تعنينا يعنينا عمر بن كلثوم لأننا سنأتي بكلام شاهد على ما نقول في أن المجد يورث حتى نصل إلى ما نبتغيه .
عمر بن كلثوم كان عمر بن هند ملكاً على الحيرة ، يقول الرواة في خبر ذائع شهير أنه قال يوما لجلسائه أي رجل في العرب تأنف أمه أن تخدم أمي ؟ فقالوا له لا نعلم أحد إلا عمر بن كلثوم وكان عمر بن كلثوم من أعز خلق الله نفساً وساد قومه وهو صغير وعُمِّر فأحب عَمر بن هند أن يستدعيه فأستدعاه ، فلما أستدعاه أمره أو ندبه ، حثه على أن يُحضر أمه ، فأحضر أمه وجمعا من تغلب معه فلما دخلو الرواق جعل عمربن هند رواق الرجال لوحده ورواق النساء لوحده وقال لأمه اطلبي من أم عمر بن كلثوم خدمة حتى تخدمك فقبلت ، وجلس عمر بن هند في رواقه وهو الملك والسيوف معلّقه خلفه وضيفه أمامه فإذا بأم عمر بن هند تقول لأم عمر بن كلثوم ناوليني ذالكم الطبق ، فهذا إذا ابنها أعز الناس نفساً لابد أن يكون هذا شيء مأخوذ من الأم وهل تلد الحية إلا حية ، فلما قالت هذا قالت أنت خذيه تلاحيا فقالت أم عمر بن كلثوم واذلاه لتغلب فسمعها ابنها عَمر بن كلثوم وهو ضيف على الملك - على عمر بن هند - فقام إلى السيف المعلق خلف عَمر بن هند فاستله وضرب به رأس عمر بن هند ففتك به هذا الفتك ، فتك به ثم قام من معه من تغلب فتكوا بالحراس ثم رجع إلى ديار قومه ومعه أمه ولم يُصب أحد من تغلب بأذى لأن عنصر المفاجأة - على تعبير المعاصرين اليوم - أذهل من كان مع عمر بن هند ، هذا الفتك جعل لعمر بن كلثوم حظاً أكبر فأخذ يقول قصيدة ، نونيته الشهيرة إحدى معلقات يُعرِّض بها بِعمر بن هند :
 فإن قناتنا ياعمر أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا قال فيها : متى كنا لأمك مُقوتينا.
 هذا كله لايعنينا ؟ هذا تقديم توطئة ، إلى أن قال :
ورثنا المجد قد علِمت مَعّدٌ ** يُطاعن دونه حتى يلينا
ورِثتُ مُهلهلا والخيرُ منه ** زهير نِعم ذخر الذاخرينا 
وعتابا وكلثوما جميعا ** فأي المجد إلا قد ولينا
وقال في رواية : منا بهم تراث الأكرمينا
 المقصود يقول هو إن هذا المجد ورثناه كابرا عن كابر ، أباً عن جد عن خال .
فثمة أشياء ليست أموالا لكنها تُورث هذا كله توطئة لأن نقول إن الله - جل وعلا - اختار بني إسرائيل في حقبة من الدهر وفضّلهم وقال - وهو أصدق القائلين - :{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} لكنهم لم يقبلوا هذا الميراث ولم يأخذوا الدين بحقه فقتلوا الأنبياء وردوا على الله كلامه وكذبوا رسله فكان من ذلك أن الله - جل وعلا - أبدلهم بهذه الأمة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فأورث الله - جل وعلا - أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان الله قد جعله قديما في بني إسرائيل ، فكما يُورث المال كذلك المجد يُورث ،  أشد صراحة من هذا كله إيضاحا قول الله جل وعلا :{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فأخبر - جل وعلا - أن الكتاب يُورث وهذا فيه حث للمسلمين على أن يأخذوا القرآن بحقه لأن الله قال :{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فعلى قدر أخذك بالكتاب يدل على اصطفاء الله - جل وعلا - لك ، والناس في هذا مقامات شتى وقد حررنا في أول لقاء ما دوّنه الشافعي - رحمه الله - في الرسالة :أن من علّمه الله القرآن وعمِل به هذا أهل لأن ينال الإمامة في الدين ثم الناس بعد ذلك درجات في هذه المنزلة لكن لا يمكن أن يتصور أن أحدا ً يمكن أن يكون أهلا للإمامة في الدين وهو لا يفقه القرآن لأن قواطع القرآن ناطقة بأنه لا يمكن أن ينال أحد هذه المنزلة إلا بالقرآن لأن الله قال وقوله الحق :{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}فلا يقال لمن فقّهه الله في القرآن أنت لا تفقه في كذا ولا في كذا ولا في كذا هذا القائل لم يفقه ما جاء به القرآن فالله - جل وعلا - قال :{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فما من شيء من عِلم الصناعة أو التجارة أو السياسة او الحرب أوغيرها إلا والقرآن متضمن إياه ولهذا قصّ الله أنباء الأمم وقص الله أنباء الرسل ، إذا كان أنبياء الله وهم ساسة الخلق لا يؤخذ منهم كيف يقود الإنسان الأمم ، ممن تؤخذ القيادة ، وأين يعرف الإنسان كيف يسوس الأمم ويتكلم في هذه العظائم إن لم يكن يفقه ما أنزله الله - جل وعلا - على رسوله ، فإن موسى ساس بني إسرائيل دهرا طويلا وقصّ الله خبره في القرآن لتأخذ هذه الأمة ، وكذلك الصديق والفاروق وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا الخلفاء الراشدين والساسة المبدعين لأنهم فقِهوا القرآن ، أخذوه من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفهموه فعرفوا كيف يسوسوا الخلق ويصنعوا الدول وإلا الصديق ولا الفاروق والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حق عمر في علم السياسة قال (فلم أرى عبقريا يفري فريا) ولو تأملت تجد أن عمر وافق القرآن في عدة أمور فهذه التي جعلت عمر يكون أكثر من غيره ، وشيخنا الأمير الشنقيطي رحمة الله كان في حرم الله يُدّرس فزاره ذات مرة الملك محمد الخامس - رحمه الله - ملك المغرب وأراد أن يحضر الدرس فما أختار من القرآن إلا قول الله تعالى :{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ليبين أن القرآن حاكم على كل شيء .
 قد يقول قائل أين السنة ، السنة على الرأس والعين وليس من الدين أن يفصل أحد بين القرآن والسنة ولا يقبل حتى من يسمون الآن بالقرآنيين خطأ أن يُسمون بالقرآنين لأن من أبطل السنة لا يمكن أن يقيم القرآن ، من يوصف بأنه قرآني حق لا بد أن يأتي بالسنة فلا يمكن الفصل بينهما البتة ، القرآن أنزل على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولايمكن أن نفقه القرآن إلا عن طريقه صلوات ربي وسلامه عليه . والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق