د.عصام العويد
اليوم -أيها الأحبة- نريد أن نجعل سورة الأنفال حياة لقلوبنا ، هذه السورة العظيمة يقول ابن عباس: "هي في بدر كلها" يعني السورة نزلت في معركة بدر وما يشبه هذه المعركة من الأحكام أي في وقت بدء عزّ الاسلام والمسلمين , فإذا أردنا أن نتعرف على أحكام هذه المرحلة من مراحل الأمم والشعوب وكذلك الدول ماذا عليهم أن يفعلوا نزلت هذه السورة العظيمة سورة الأنفال .
لكن قبل الدخول في تفاصيل ذلك دعونا نستمع الى شي من أياتها :
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)) هذه السورة العظيمة حينما تَقرأ في مطلعِها ستلفت انتباهك إلى شي غريب في مطلع السورة ، شيء لو تأملناه يجب أن نستفسر لِمَ الله -عز وجل- بدأ هذه السورة بهذا المقطع ؟
الله -عز وجل- يقول: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) الأنفال هي: الغنائم التي حصلت من دون معركة ، من دون قتال
فهم يسألونك , الصحابة يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأنفال , فجاء الجواب (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) طيب الأنفال لله والرسول لكن يارب بيّن لنا حكم الأنفال !
لم يبين الله سبحانه وتعالى حكم الأنفال هنا في مطلع سورة الأنفال وانما قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) سبحان الله لماذا هذا المطلع !
يسألونك عن الأنفال يكون الجواب (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) نعم , لأن القضية الأهم والأكبر إذا أردنا أن ننتصر على أعدائنا ليست هي قسمة الغنائم ليس هو ما حكم الأنفال ، لا, إذا أردتم أن تنتصروا انتصاراً حقا تُرفع بسببه راية الإسلام والمسلمين خفاقة في العالمين أول ما يكون من أمورنا (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) لابد أن نُصلح قلوبنا ، أن نُصلح ذات بيننا إذا أردنا أن ينصرنا ربنا ، ولذلك جاءت سورة الأنفال وهي تؤكد هذه الحقيقة تأكيداً واضحاً في أولها , في وسطها , في نهايتها
كل ذلك يؤكد الله -جل وعلا- على سلامة القلوب إذا أردنا أن ننتصر على أعدائنا .
سنحيا بسورة الأنفال , نعم سنحيا
بل وسننتصر بسورة الأنفال لكن كيف يكون هذا؟
سورة الانفال تدور على سلامة القلب على الألفة بين المؤمنين تعالوا الى هذه السورة ماذا يقول الله عز وجل فيها !
يقول تعالى (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) لو أنفقت ما في الأرض يا محمد ما ألفت بين قلب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وأولئك الصحب الكرام (مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) -لا إله إلا الله- ما أعظم أن تكون القلوب متآلفة ، متصاحبة ، كل قلب يميل ويحِن على القلب الآخر بين الفئة المؤمنة المسلمة ، في الأسرة الواحدة , في العشيرة الواحدة ، بل في الوطن الواحد ، بل في الأمة كلها ، أن تكون هذه القلوب كل قلب ينظر الى الآخر بشفقة ورحمة وطلب للخير والعافية للقلب الأخر .
تعالوا أحبتي : كيف كان السلف يعيشون مع هذه الآية ؟
جاء عن الإمام مجاهد -إمام التفسير- وقد كان يتكلم عن هذه الآية العظيمة (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) فقال رجل كان عنده: يا إمام ما أهون هذا - هذا سهل يعني -
فقال: سبحان الله كيف تقول هذا سهل والله -عز وجل- يقول (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) . ولذلك حينما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة المصافحة :
( إذا تصافحا المؤمنان تحاطت خطاياهما كما تتحات أوراق الشجر) والحديث مرسل ولكن معناه صحيح .
بعض الناس يستسهل هذا, يقول ها يصافح ويقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم إذا الذنوب والخطايا تحاتت ما بقي شيء !
أخي , قبل أن تتصافح هذه الأيدي لابد أن تتصافح هذه القلوب
قبل أن تبيّض وأن تغسل هذه الأكف , لابد وأن نغسل ونُبيّض قلوبنا .
إن هذا الدين دين قلب قبل أن يكون دين جوارح
لابد منهما معاً , ولذلك لما نزلت هذه الآية العظيمة يمتنُّ الله بها على خليله وحبيبه محمد -صلى الله عليه وسلم- فكان لابد أن نستشعر أنه لن تصلح أحوالنا , وأنه لن ننتصر على أعدائنا حتى نحقق هذا المطلب العظيم (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) سورة الأنفال حياة .
سورة الأنفال حياة وذكرنا أن سورة الأنفال إنما هي في بدر كلها
فإذا كان الأمر كذلك فتعال إلى شيء من أسباب النصر الذي بسببه الله -جل وعلا- يجعل هذه الأمة منصورة ، حينما ختم الله سورة الأنفال قال في أخرها :
(وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) من هؤلاء؟ أولئك المستضعفون , أولئك الذين اعتدى عليهم جبّار من جبابرة الأرض . إما أنه اعتدى على دمائهم بالقتل ، وإما على أراضيهم بالسرقة ، وإما على أموالهم بالنهب ، وإما على أعراضهم بالاعتداء عليها ، وأي نوع من أنواع الظلم .
هنا ما الذي يجب علينا؟ ما الذي يجب على حكام المسلمين؟ ما الذي يجب على عموم الناس؟ على علمائهم؟ على مثقفيهم؟ على كل قادر منهم؟ لابد أن ننصر إخواننا المستضعفين .
بعض الناس عندما نقول لهم : أولئك مسلمون حدث لهم شيء ، مصيبة من المصائب في غزة , أفغانستان , لبنان , تونس , السودان , اليمن , في أي مكان من الأماكن ! نقول : لابد أن ننصرهم .
يبدأ يقول : ما علينا منهم هؤلاء دولهم هي المسؤولة عنهم لهم ظروفهم ونحن لنا ظروفنا , ويبدأ يتعلل بعلل من أجل أن لا يفعل واجب الله عليه بنصرتهم .
هنا أخي ثق أنك لن تُنصر إلا بنصرتهم وأنك لن تُرزق إلا بالنفقة عليهم ولذلك صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم) إذا كان عندنا ضعفاء هنا في بلادنا أو في بلاد المسلمين بل أن الظلم يجب أن يُرفع حتى عن الكافر -إن استطاعنا أن نرفع الظلم عنه- فجاءت الآية هنا في سياق بيان أسباب النصر (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) تُريد النصر من الله ! إذاً اُنصر ذلك الضعيف ، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ننام في بيوتنا مطمئنين آمنين ولنا إخوان من شرق وغرب وشمال وجنوب يعانون الأمَرّين , يعانون من الظلم ، من التخويف ، يعانون أحيانا من القتل والاعتداء والسجن لا يجوز هذا أبداً . ولنعلم حكاما ومحكومين إن فعلنا ذلك والله ما ينصرنا الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق