الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

الدرة القرآنية الثالثة عشر قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ )


سورة التغابن وهي سورة اختلف هل هي مكية أم مدنية والأشهر أنها مكية وقيل إن بعض آياتها مدنية والعلم عند الله ، وسُميت بسورة التغابن لقول الله - جل وعلا - فيها (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ). أما الآيتان اللتان نحن بصدد الحديث عنهما فإن الله - عز شأنه -يقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) وقال في الآية الثانية (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فأنت تلحظ أنه لما ذكر في الأول قال "من " وهي بعضية ويصبح المعنى إن بعض الأزواج وبعض الأولاد عدو ، أما في الثانية فقال (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)ولم يقل "من" فالأموال والأولاد فتنة على كل حال ، أما كون الأزواج والأولاد عدو فهذا ليس على كل حال ولهذا جاء بـ "من" قال - جل ذكره - (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ) .
النفس تخشى الضرر من وجهين :- ضرر على البدن وهذا غالبا يأتي من جهة الدنيا .
- وضرر على النفس والروح وهذا غالبا يأتي من جهة الدين يعني بمعنى ضرر على الدين ، يعني يُناكفك ، ينافحك في دينك .
فالآية الأولى يقول الله - جل وعلا - فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا نداء كرامة (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) العدو يكون عدوا لذاته ويكون عدوا بفعله ، فمن العدو للذات إبليس والحية ، فإن الحية نهشتك أو لم تنهشك ، آذتك أو لم تؤذك فهي عدو ، وفي الحديث ( ما سالمنهن منذ أن حاربنهن ) ، لكن من الأعداء ما يكون عدوا بفعله فقد تكون العداوة عداوة حقيقية غير عارضة يقول ربنا (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ) في سورة المائدة لكن هذه العداوة قد لا تصل إلى أن تكون حقيقية لكن قول الله - جل وعلا - (فَاحْذَرُوهُمْ) أي تنبه أيها المؤمن أنه لا شيء أعظم من آخرتك فلا يكن سعيك في أن تذهب عنك آخرتك ، فلربما صرفتك الزوجة أو العكس يصرف الزوج زوجته عن أعمال الطاعات وعن فعل الخيرات ، فلما يكن هذا الشخص الذي يصرفك عن الطاعات وعن أفعال الخيرات يصنع هذا الصنيع فقطعا هو عدو لأنه حال بينك وبين طاعة الله ، ولا شيء أعظم ولا أجلّ من أن تعبد الله - جل وعلا - وتطيعه فكل من حال بينك وبين طاعة الله ورضوانه وبلوغ جنته فهو عدو لك من وجه ما بقدر حيلولته بينك وبين طاعة الله - جل وعلا - .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) وهذا يُنبئ المؤمن على أن يتوخى الحذر وهو يتعامل مع من حوله ، لكن ربنا - جل وعلا - حتى يتحقق التوازن لنفسية المؤمن جاء القرآن بقوله (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) فالصفح يكون بألا يكون هناك تثريب ، والمغفرة تكون بطي الأمر وقبول العذر ، وقول ربنا - جل وعلا - في الأول (وَإِن تَعْفُوا) يكون بنسيان الذنب وتركه.
أيا كان هذه الأمور الثلاثة المتتابعة قلنا يُراد بها التوازن فلا يُفهم من الأول أنك تجعل من أزواجك وأولادك عدوا تحاربهم لكن هذا الأمر الذي يُفهم في الأول جاء ما بعده مقيدا له حتى يتحقق التوازن فثمة أمور يحسًن فيها طرح التثريب ، يحسُن فيها عدم اللوم ، يحسُن فيها طي الذنب لكن ليس على كل حال فبعض الذنوب والأخطاء إن تٌركت دفعت إلى ما هو أعظم منها والعاقل يتعامل بحكمة وإدراك للمآل ، خطأ منا أن نفكر في الحال ، لابد من إدراك المآل حتى يستقيم قرارنا ورأينا في كثير من المسائل .
(إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
من منا لا يرجو رحمة الله وغفرانه فحتى يتحقق لنا هذا من وسائل ذلك العفو عمن ظلمنا لأن الله يقول
(هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ).في الآية الأخرى التي تليها قال ربنا (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ) هذا أسلوب حصر (وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا أجر أعظم من الجنة على هذا أكثر أهل التفسير وهو الصواب . أما قول الله - جل وعلا - (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فالمال فتنة لأن الإنسان إذا كان فقيرا ربما فقر هذا دفعه إلى أمور محرمة حتى يستغني ، وإن كان بين بين فإنه يُصاب بالشُح ولذلك هذا من أعظم أحوال الإنفاق لأنه يطمع أن يكون غنيا ، والغني يقول قد جمعت وتعبت وجهدت فيخشى من الإنفاق ، فقال ربنا- جل وعلا - وفي الخبر الصحيح (وفتنة أمتي في المال) . قال ربنا هنا (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وأما ذكر الأولاد فيُأيده الحديث الصحيح ، حديث عبدالله بن بُريدة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر فبينما هو يخطب دخل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان فيعثران فنزل من المنبر وحملهما والتفت إلى الناس وقال صدق الله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لقد نظرت إلى ابني هذين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى نزلت وحملتهما ) صلوات الله وسلامه عليه .
الفتنة غير العدو ، فالعدو ينشأ عنه فعل ، تشعر به أنه يحول بينك وبين طاعة الله - جل وعلا - ، أولاد وزوجة يصرون عليك صباح مساء على أعمال تعلم أن فيها تعدي لحدود الله وحرماته ، أو لا يأتون لك بطريق غير مباشر - أين سنذهب هذا الصيف ؟ إلى أي الديار سنفر من برد الشتاء- وهم يعلمون أنك غير ذي مال حتى تسعى لجمع المال فتشعر أنت أنك أحيانا مجبر على أن تستدين ، وربما بعض النفوس تسرق ، بعض التفوس تختلس ، بعض النفوس تقبل الرشوة حتى يُرضي تلك الزوجة وأولئك الأولاد ، من هذا الباب هم عدو ،. فإذا صمتوا ولم يتكلموا ولم يقولوا شيئا فليسوا بأعداء لكنهم يبقون فتنة لأن كونك تراهم حالهم غير حال الناس تشعر بنقصان يعتريهم هذا فتنة واختبار لك وربما دفعتك نفسك من غير طلب منهم لا تصريحا ولا تلميحا إلى أن تصنع شيئا من الحُرمات ، تنتهك بعض الحرمات ، تتجاوز الحدود حتى تشعر بأنك قدمت شيئا لهم وهم في هذا الحال فتنة ، فهم فتنة على كل حال ولم يتكلموا ، فإن نطقوا ودفعوك إلى معصية الله فهم عدو بفعلهم .
أما المال فقد قلنا قال عليه الصلاة والسلام (وفتنة أمتي المال) وهذا واقع معاصر يشهد على هذا - عياذا بالله - فما دفع الناس إلى أن يتخلوا عما استئمنوا عليه إلا حبهم للمال وهذا حديث يستفيض فيه لكن فيما قلناه كفاية لأن الكلام الإنشائي إذا طال حول كلام الله يذهب عنه رونق التفسير وإنما يُفسر القرآن بالقدر الذي يغلب على الظن أن سامعه فقه عن الله - جل وعلا- كلامه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق