الأحد، 7 أغسطس 2011

آيات الصيام في سورة البقرة


قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )يخبر تعالى بما منّ به على عباده بأن فرض عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان .
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه .
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام أخبر أنه أياما معدودات أي : قليلة في غاية السهولة ، ثم سهّل تسهيلا آخر فقال (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وذلك للمشقة في الغالب رخّص الله لهما في الفطر .
ولما كان لابد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن أمرهما أن يقضياه في أيام أُخر إذا زال المرض ، وانقضى السفر وحصلت الراحة . وقوله (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يطييقون الصيام (فِدْيَةٌ) عن كل يوم يفطرونه (طَعَامُ مِسْكِينٍ) وهذا في ابتداء فرض الصيام لما كانوا غير معتادين للصيام وكان فرضه حتما فيه مشقة عليهم درّجهم الرب الحكيم بأسهل طريق وخيّر المطيق للصوم بين أن يصوم وهو أفضل أو يُطعم ولهذا قال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) .
ثم بعد ذلك جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق يُفطر ويقضيه في أيام أخر ، وقيل ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) أي يتكلفونه ويشقّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير فدية عن كل يوم مسكين وهذا هو الصحيح
/(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أي : الصوم المفروض عليكم هو شهر رمضان ، الشهر العظيم الذي قد حصل لكم فيه من الله الفضل العظيم وهو القرآن الكريم المشتمل على الهداية لمصالحكم الدينية والدنيوية ، وتبيين الحق بأوضح بيان ، والفرقان بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، وأهل السعادة وأهل الشقاوة . فحقيق بشهر هذا فضله ، وهذا إحسان الله عليكم فيه أن يكون موسما للعباد مفروضا فيه الصيام ، فلما قرره وبيّن فضيلته وحمكة الله تعالى في تخصيصه قال (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) هذا فيه تعيين الصيام على القادر الصحيح الحاضر . ولما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصة أعاد الرخصة للمريض والمسافر لئلا يتوهم أن الرخصة أيضا منسوخة فقال (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير ويسهلها أشد تسهيل ، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عبادة في غاية السهولة في أصله . وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهّله تسهيلا آخر إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات . وهذه جملة لا يمكن تفصيلها لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ويدخل فيها جميع الرُخص والتخفيفات .
/( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ ) وهذا - والله أعلم - لئلا يتوهم متوهم أن صيام رمضان يحصل المقصود منه ببعضه ، دفع هذا الوهم بالأمر بتكميل عدته ويشكر الله تعالى عند إتمامه على توفيقه وتسهيله وتبيينه لعباده بالنكبير عند انقضائه ، ويدخل في ذلك التكبير عند رؤية هلال شوال إلى فراغ خطبة العيد .
الفوائد المستنبطة من الآيات :- فيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال والمسارعة إلى صالح الخصال وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها .
- الصائم يُصاحب التقوى في صومه فتكون له التقوى بمنزلة الصاحب الملازم له ، وفي حال فقدها لا يستفيد من الصحبة شيء ، فبينهما تلازم .
- مما اشتمل عليه من التقوى : أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوه التي تميل إليهل النفس متقربا بذلك إلى الله ، راجيا بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى .
- أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه .
- أن الصيام يضيق مجاري الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فبالصيام يضعف نفوذه ، وتقل منه المعاصي ومنها : أن الصائم في الغالب ثكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى
ومنها : أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى .
- أهمية الصيام لأن الله صدره بالنداء ، وأنه من مقتضيات الإيمان لأنه وجه الخطاب إلى المؤمنين ، وأن تركه مُخل بالإيمان .
- فرضية الصيام لقوله تعالى ( كُتِبَ)
- فرض الصيام على من قبلنا من الأمم لقوله تعالى ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) .
- تسلية الإنسان بما أُلزم به غيره ليهون عليه القيام به لقوله تعالى (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) .
- استكمال هذه الأمة لفضائل من سبقها حيث كتب الله عليها ما كتب على من قبلها لتترقى إلى درجة الكمال كما ترقى إليها من سبقها .
-الحكمة في إيجاب الصيام وهي تقوى الله لقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإذا حصل التقوى فهو تحقيق الشكر في نهاية الآية .
- فضل التقوى وأنه ينبغي سلوك الأسباب الموصلة إليها لأن الله أوجب الصيام لهذه الغاية ، إذا هذه الغاية عظيمة ويدل على عظمها أنها وصية الله للأولين والآخرين لقوله تعالى ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ) .

/ قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)
المعنى الإجمالي للآية :ذكر الله - عز وجل - أنه أباح لكم في ليالي الصيام يعني لا في نهاره مباشرة الزوجات من الجماع وغيره ، فكل من الزوجين ستر للآخر من الحرام بسبب مخالطة كل واحد منهما بالآخر كامتزاج الثوب ولابسه فلهذا تم الترخيص والتيسير، علم الله أنكم تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم - وسيأتي معنى الخيانة - .
حينما كان الصوم في الصدر الأول يبدأم بمجرد نوم الصائم بعد الإفطار فتاب عليكم بأن قبل منكم التوبة من تلك الخيانة وغفر لكم فالآن بعد النسخ حكم تحريم المفطرات بعد النوم يجوز لكم مباشرة نسائكم واطلبوا ما أباحه الله لكم من الاستمتاع لإنجاب الذرية أو الولد ويباح لكم الأكل والشرب أثناء الليل كله إلى أن يطلع الفجر الصادق ببدء ظهور ضوء النهار وذهاب ظلمة الليل وذلك هو المراد بالخيط الأبيض أي : ضوء الفجر المعترض في الأفق الذي يظهر كالخيط الممدود بجوار سواد الليل ، وشبه الفجر والليل بخيطين أبيض وأسود لامتدادهما ، ثم أتموا الصيام إلى غروب الشمس .. الخ .

/ معاني الكلمات الغريبة :
- الرفث : هو نكاح كناية عن الجماع ، قال الزجاج : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته ، وعدى الرفث بـ " إلى " لتضمينه معنى الإفضاء ، وجعل النساء لباسا للرجال والرجال لباسا لهن لامتزاج كل واحد منهما بالآخر عند الجماع كالامتزاج الذي يكون بين الثوب ولابسه .
- يختانون : من الخيانة ، وإنما سماهم خائنين لأن ضرر ذلك عائد عليهم .
هذا الاختيان بكون الإنسان يفتي نفسه بأن هذا الأمر هين ، أو بأنه صار في حال لا تحرم عليه زوجته وما أشبه ذلك ، وأصل هذا أنهم كانوا في أول الأمر إذا صلى أحدهم العشاء الآخرة أو نام قبل العشاء الآخرة فإنه يحرم عليه الاستمتاع بالمرأة والأكل والشرب إلى غروب الشمس من اليوم التالي ، فشق عليهم ذلك مشقة عظيمة حتى إن بعضهم لم يصبر
فبيّن الله - عز وجل - حكمته ورحمته بنا حيث أحل لنا هذا الأمر ولهذا قال تعالى ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ) .
- قوله (فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) التوبة تحتمل معنيان :
الأول : قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم .
الثاني : التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة .
- قوله (وَعَفَا عَنكُمْ) أيضا تحتمل معنيين :
الأول : يحتمل العفو من الذنب
الثاني : يحتمل التوسعة والتسهيل
وقد نقول : تاب عليكم من الذنب وعفا عنكم من جهة التوسعة والتسهيل .
- قوله تعالى (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) أي اطلبوا ما قدر الله لكم من الولد وذلك بالجماع الذي يحصل به الإنزال .

سبب نزول قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله
(وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )قال الإمام البخاري - رحمه الله - حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال : كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - " إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي وإن قيس بن صرمه الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام ؟
قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك . وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فقالت : خيبة لك ، فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت الآية ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، ونزلت
(وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) .الحديث أعاده الإمام البخاري في كتاب التفسير مع تغيير في بعض السند وفي تصريح أبي إسحاق بالسماع ولفظ متنه لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) الآية . وظاهرهما التغاير لكن لا مانع من أن تكون نزلت في هؤلاء وفي هؤلاء .
/ الفوائد المستنبطة من الآية :
- رحمة الله تعالى بعباده فقد نسخ الحكم الأول إلى بدل مخفف حيث كانوا قبل ذلك إذا ناموا أو صلوا العشاء في ليالي رمضان حرمت عليهم النساء والطعام والشراب إلى غروب الشمس من اليوم التالي ثم خفف عنهم بإباحة ذلك إلى الفجر .
-جواز الكلام بين الزوج وزوجته فيما يُستحيا منه لقوله تعالى (الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) لأنه مضمن معنى الإفضاء .
- جواز استمتاع الرجل بزوجته من حين العقد لقوله تعالى (الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ما لم يخالف شرطا بين الزوجين ، وقد ظن بعض الناس أنه لا يجوز أن يستمتع بشيء من زوجته حتى يعلن النكاح وهذا ليس بصحيح لكن هنا شيء يخشى منه وهو الجماع فإنه ربما حصل حمل ، وإذا حصل حمل مع تأخر الدخول ربما يحصل في ذلك ريبة ، فإذا خشي الإنسان هذا الأمر فليمنع نفسه لئلا يحصل ريبة عند العامة .
- أن الزوجة ستر للزوج وهو ستر لها أن بينهما من القرب كما بين الثياب ولابسيها ، ومن التحصين للفروج ما هو ظاهر لقوله تعالى ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) .
- ومنها : ثبوت علم الله بما في النفوس لقوله تعالى (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ )- أن الإنسان كما يخون غيره قد يخون نفسه وذلك إذا أوقعها في معاصي الله فإن هذا خيانة وعلى هذا فنفس الإنسان أمانة عنده فلا يوقعها في معاصي الله لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
- إثبات التوبة لله لقوله تعالى (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) وهذه من الصفات الفعلية .
- إثبات عفو اللع لقوله تعالى (وَعَفَا عَنكُمْ) ثبوت النسخ خلافا لمن أنكره وهو في هذه الآية صريح لقوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) يعني وقبل الآن لم يكن حلالا .
- أن النسخ إلى الأخف نوع من التوبة إلا أن يُراد بقوله تعالى (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) ما حصل من اختيانهم أنفسهم .
- جواز مباشرة الزوجة على الإطلاق بدون تقييد ويُستثنى من ذلك الوطء في الدبر ، والوطء حال الحيض أو النفاس ، والمباشرة في الاعتكاف أيا كانت هذه المباشرة مقدماتها أو الجماع .
- أن ينبغي أن يكون الإنسان قاصدا بوطئه طلب الولد لقوله تعالى (وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) وذكروا عن عمر أنه لا يُجامع إلا إذا اشتهى الولد ولكن مع ذلك يمنع الإنسان أن يفعل لمجرد الشهوة فهذا ليس فيه منع بل فيه أجر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وفي بضع أحدكم صدقة ) قالوا : يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال ( نعم أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر ؟ قالو : نعم ، قال ( فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) .
-جواز الأكل والشرب والجماع في ليالي الصيام حتى يتبين الفجر لقوله تعالى ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) .
- أن الإنسان لو طلع الفجر وهو يجامع ثم نزع في الحال فلا قضاء عليه ولا كفارة لأن ابتداء جماعه كان مأذونا فيه ولكن استدامته بعد أن تبيّن الفجر حرام وعلى فاعله القضاء والكفارة إلا أن يكون جاهلا ، وقد قيل : إنه إذا نزع في هذه الخال فعليه كفارة لأن النزع جماع ، لكنه قول ضعيف ، إذ كيف نُلزمه بالقضاء والكفارة مع قيامه بما يجب عليه - وهو النزع - .
- جواز أن يصبح الصائم جنبا لأن الله أباح الجماع حتى يتبين الفجر ، ولازم هذا أنه إذا أخر الجماع لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر ، وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصبح جنبا من جماع أهله ثم يصوم .
- جواز الأكل والشرب والجماع مع الشك في طلوع الفجر لقوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) فإن تبيّن أن أكله وشربه وجماعه كان بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه .
- رد قول من قال أنه يجوز أن يأكل الصائم ويشرب إلى طلوع الشمس لقوله تعالى ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وكذلك رد قول من قال إنه يجوز أن يأكل أو يشرب إلى الغلس .
- بيان خطأ بعض جهال المؤذنين الذين يؤذنون قبل الفجر احتياطا - على زعمهم - لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعو أذان ابن أم مكتوم فإنه لايؤذن حتى يطلع الفجر ) وهو أيضا مخالف للاحتياط لأنه يستلزم أن يمتنع الناس مما أحل الله لهم من الأكل والشرب والجماع وأن يقدم الناس صلاة الفجر قبل طلوع الفجر ، وأيضا فإنه يفتح بابا للمتهاون حيث يعلم أنه أذن قبل الفجر فلا يزال يأكل إلى أمد مجهول فيؤدي إلى الأكل بعد طلوع الفجر من حيث لا يشعر ، ثم اعلم أن الاحتياط الحقيقي إنما هو في اتباع ما جاء في الكتاب والسنة لا في التزام التضييق والتشديد .
- أنه لو لو أكل الإنسان يظن أن الفجر لم يطلع ثم تبيّن أنه طلع فصيامه صحيح لأنه قد أُذن له بذلك حتى يتبيّن له الفجر ، وما كان مأذونا فيه لا يترتب عليه إثم ولا ضمان ولا شيء ، ومن القواعد الفقهية المعروفة " ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون " وهذا هو ما تؤيده العمومات مثل قوله تعالى (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) وتؤيده أيضا نصوص خاصة في هذه المسألة نفسها وهو فعل عدي بن حاتم - رضي الله عنه - حيث كان يضع عقالين تحت وسادته أحدهما أبيض والآخر أسود فيأكل وهو يتسحر حتى يتبيّن له العقال الأبيض من العقال الأسود ثم يُمسك فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - المراد من الآية ولم يأمره بالقضاء .
- الإيماء إلى كراهية الوصال لقوله تعالى (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ ) والوصال معناه أن يقرن الإنسان صوم يومين جميعا لا يأكل بينهما ، وقد كان الوصال مباحا ثم نهاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه وقال ( أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ، ورغّب - صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر فقال ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) وهذا من باب أن الشيء قد يكون مأذونا فيه وليس بمشروع مثل الصدقة عن الميت فالصدقة عنه مأذون فيها وليس بمشروع .
- أن الاعتبار بالفجر الصادق الذي يكون كالخيط ممتدا في الأفق ، وذكر أهل العلم أن بين الفجر الصادق والفجر الكاذب ثلاثة فروق :الأول : أن الصادق مستطير مسعترض من من الجنوب إلى الشمال ، والكاذب مستطيل ممتد من الشرق إلى الغرب .
الثاني : أن الصادق متصل بالأفق وذاك بينه وبين الأفق ظلمة .
الثالث : أن الصادق يمتد نوره ويزداد والكاذب يزول نوره ويظلم .
- أن بياض النهار وسواد الليل يتعاقبان فلا يجتمعان لقوله تعالى (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسود) .
- أن الأفضل المبادرة بالفطر لقوله تعالى ( إِلَى اللَّيْلِ ) وقد جاءت السنة بذلك صريحا كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - ( لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) .
- ان الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فينتهي بالليل لقوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم )

/ سبب نزول قوله تعالى ( مِنَ الْفَجْرِ)
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد ح وحدثني سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : "أنزلت (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) ولم ينزل (مِنَ الْفَجْرِ) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والأسود ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتها فأنزل الله بعد : (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا أنه يعني الليل والنهار وليس الحبل " .

ملحوظة : هناك العديد من المسائل الفقهية الهامة المتعلقة بالصيام متعلقة بالآيات لم أنقلها خشية الإطالة فمن أراد الاستزادة يجدها على هذا الرابط :




-------------------------------
المصدر دورة الحكمة التأصيلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق