قوله تعالى ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا *وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا*بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا )هذه الآيات تتحدث عن اليهود ونقضهم الميثاق مع الله تبارك وتعالى ، والمراد باليهود هنا بنو إسرائيل الذين كانوا مع موسى عليه السلام ، وحتى تفقه الخطاب قلنا القرآن كما أن الإنسان يحتاج فيه إلى اللغة يحتاج فيه إلى فقه التاريخ। فهؤلاء القوم لما خرجوا من أرض مصر أمرهم الله أن يدخلوا الأرض المقدسة كما سيأتي معنا في الجزء السادس فأبوا فقضى الله عليهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة مع أن الصحراء التي تاهوا فيها صحراء محدودة ليست كبيرة لكن مع ذلك كانوا يغدون ويروحون ويجيئون في مساحة واحدة لأن الله قال (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) الذي يعنينا هنا أن الله قال (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ذكر الله - جل وعلا - أسباب ، كيف أن الله نزع منهم القيادة الروحية في العالم ثم فصّل قال : (وَبِكُفْرِهِمْ) الباء سببية - وهذا مهم في الفهم - والباء تأتي لأنواع : تأتي للإلصاق (إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا*عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّه) هذا معنى الباء للإلصاق ، وتأتي بمعنى العوض قال - صلى الله عليه وسلم - ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) معناه أي عوضا عن عمله لأن الجنة أعظم من أعمالنا .
أما السبب فهو هنا في قول الله تبارك وتعالى (وَبِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كفرهم ، (وَقَوْلِهِمْ) أي اليهود (عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) مريم هي الصديقة مريم التي مرّ معنا في اللقاء الرابع شيء من أخبارها .
هذه المرأة لم يُذكر في القرآن اسم امرأة غيرها ، وسمّاهاالله - جل وعلا - صدّيقة قال عنها (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) وهي مريم ابنت عمران ، ومعنى قول الله - جل وعلا - (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) :
البهتان في اللغة هو ذمك الشخص في وجهه مكابرة ، فهؤلاء رموها بالزنا بهتانا عيانا وهي تسمع - نسأل الله العافية - .
(وَقَوْلِهِمْ) معطوفة على كفرهم ، (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) الآية يمكن شرحها من عدة طرائق لكن نبدأ بالأول اليهود يزعمون أنهم قتلوا المسيح عيسىابن مريم ، لكن الآن لغويا الله يقول (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) من الذي قال "رسول الله" هنا ؟ هل هي في باب الحكاية أو من قول المحكي ، بمعنى أوضح : هل هم قالوا "قتلنا المسيح" وسكتوا فالله هو الذي قال عن المسيح أنه رسول الله ؟ أم هم قالوا ( قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ) ؟
على كل وجه يختلف المعنى فإذا كان الكلام أنهم هم قالوا قتلنا المسيح عيسى بم مريم والله قال " رسول الله " يصبح المعنى مقام مدح ، كأن الله يقول كيف يقتلون رسولي ويصف الله عيسى بأنه رسول ، لكن إن كان الذين قالوا (قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) وهم أصلا لا يؤمنون به فلا يصبح المقام مقام مدح ، يصبح المقام مقام ذم ، وهذا له نظائر في القرآن ، وقلنا أن من طرائق التفسير أن الإنسان ما استطاع يستصحب الآيات في ذهنه قبل أن يحكم . الله - جل وعلا - يقول (وَقَالُواْ) أي قريش (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ومعلوم أن قريش لا تؤمن ، كفارهم لا يؤمنون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه ذكر لكن قالوا (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) من باب التهكم . ونظيره قول أهل مدين لشعيب (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) فقولهم "أصلاتك" هم لايؤمنون بالصلاة أصلا ولا يُقرون أن ما يصنعه شعيب صلاة ، ولا يُؤمنون أن شعيبا حليما ولا رشيدا ، ولو علموا وظنوا أنه حليم ورشيد لاتبعوه لكن قالوا " صلواتك،حليم،رشيد" كلها من باب السخرية والذم والتهكم . هذا تحرير معنى قول الله - جل وعلا- ( إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ).
عيسى بن مريم تكلم وهو صبي ، ونبئ قبل الأربعين ، ورُفع وهو على رأس ثلاثا وثلاثين سنة ، والمشهور عند العلماء ان أهل الجنة يدخلون الجنة على رأس ثلاثا وثلاثين سنة كسن عيسى عليه السلام يوم رُفع .
الله يقول هنا (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ) ثم قال (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ) والميم - قطعا - نافية ، فنفى الله القتل ونفى الصلب ، وقد يقول قائل : إن نفي القتل من لوازمه نفي الصلب ، لكن هذا لا يلزم لأنهم - أي الناس - كانوا في بعض أحوالهم يصلبون دون أن يقتلوا فيجعلون المصلوب على خشبة ثم يرمونه حتى يدمي يُنزلونه ، وأحيانا يصلبونه ويقتلونه وهو مصلوب .
يبقى سؤال تاريخي عليه يتفرع معنى الآية ، السؤال التاريخي : لا نملك نحن أدلة تثبت وقائع تاريخية لكن بين أيدينا في الآناجيل ، فيما نُقل إلينا أمور لا نستطيع أن نردها ولا نستطيع أن نقبلها بالكلية ، أمامنا رواية إن صحت شيء وإن لم تصح شيء آخر ، الرواية تقول : إن عيسى ابن مريم وُضع شبهه، صورته على أحد من خانه ووشى به وهو يهوذا ، فيُصبح يهوذا أُلقي عليه شبه عيسى فظنه اليهود أنه عيسى فقتلوه وصلبوه ، فعلى هذا يوجد قتل ويوجد صلب لكن المقتول والمصلوب ليس عيسى إنما أحد من خانوه ، هذه رواية .
القول الثاني أن هذه الرواية غير صحيحة ، غير ثابتة فيصبح معنى قول الله ( شُبِّهَ لَهُمْ ) على القول الأول ( شُبِّهَ لَهُمْ)يعني ألقي شبه عيسى على يهوذا ، وعلى عدم وجود هذا الخبر وعدم صحته يصبح المعنى (وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) أي أن كبراءهم ، سادتهم ، أهل الرأي منهم من يحملون الحنق على عيسى أشاعوا في الناس أن عيسى قُتل وصُلب وأنه لم يُرفع ففشى هذا فيهم حتى تناقلته الأجيال فأصبح كل جيل يأتي يؤمن بوجود هذا الأمر الذي لا حقيقة له ، فيُصبح معنى قول الله - جل وعلا - (وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) أي التبس الأمر عليهم واختُلق عليهم إفك وكذب حتى شاع بينهم واشتهر وعُرف فظنوا أن عيسى - عليه السلام - قتل وصُلب .
قال الله - جل وعلا - : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)
الاختلاف الوارد هنا يحتمل معانٍ عدة لا يمكن القطع بأحدها ، الاختلاف هل هو قُتل أو رُفع بينهم اختلفوا النصارى أنفسهم هل الذي قتل عيسى في هيئة الناسوت أم عيسى في هيئة اللاهوت ، وقائلون إنه قُتل ناسوته غير لاهوته وآخرون قالوا بل قتل في ناسوته ولاهوته ، هذه كلها آراء قيلت في قتل المسيح عيسى ابن مريم لكن المقطوع به يقينا قال الله ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) هذه "يقينا" كذلك تحتمل معنيين على الأرجح فبادئ الرأي هل " يقينا " هذه تعني وما قتلوه يقينا يعني أنهم قتلوا لكن ما قتلوا عيسى ، يعني قتلوا أحدا لكن لم يكونوا متيقنين من الذي قتلوه ، من الذي قُتل ، أو المعنى الآخر أن الله يقول (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) يصبح المعنى يقينا ما قتلوه ، أي نحن نخبرك يا من تقرأ كتابنا ، تتأمل آياتنا أنه يقينا أن هؤلاء لم يقتلوا عيسى البتة ، والآية تحتمل المعنيين .
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) إذا ما الذي حصل ؟
قال الله (بَل) هذه للإضراب ،والإضراب أحيانا يكون إضراب إبطال وأحيانا يكون اضراب انتقال .
قال (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) والرفع هنا - قطعا - رفع قُربى وزُلفى للمسيح عليه السلام .
أما السبب فهو هنا في قول الله تبارك وتعالى (وَبِكُفْرِهِمْ) أي بسبب كفرهم ، (وَقَوْلِهِمْ) أي اليهود (عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) مريم هي الصديقة مريم التي مرّ معنا في اللقاء الرابع شيء من أخبارها .
هذه المرأة لم يُذكر في القرآن اسم امرأة غيرها ، وسمّاهاالله - جل وعلا - صدّيقة قال عنها (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) وهي مريم ابنت عمران ، ومعنى قول الله - جل وعلا - (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) :
البهتان في اللغة هو ذمك الشخص في وجهه مكابرة ، فهؤلاء رموها بالزنا بهتانا عيانا وهي تسمع - نسأل الله العافية - .
(وَقَوْلِهِمْ) معطوفة على كفرهم ، (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) الآية يمكن شرحها من عدة طرائق لكن نبدأ بالأول اليهود يزعمون أنهم قتلوا المسيح عيسىابن مريم ، لكن الآن لغويا الله يقول (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) من الذي قال "رسول الله" هنا ؟ هل هي في باب الحكاية أو من قول المحكي ، بمعنى أوضح : هل هم قالوا "قتلنا المسيح" وسكتوا فالله هو الذي قال عن المسيح أنه رسول الله ؟ أم هم قالوا ( قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ) ؟
على كل وجه يختلف المعنى فإذا كان الكلام أنهم هم قالوا قتلنا المسيح عيسى بم مريم والله قال " رسول الله " يصبح المعنى مقام مدح ، كأن الله يقول كيف يقتلون رسولي ويصف الله عيسى بأنه رسول ، لكن إن كان الذين قالوا (قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) وهم أصلا لا يؤمنون به فلا يصبح المقام مقام مدح ، يصبح المقام مقام ذم ، وهذا له نظائر في القرآن ، وقلنا أن من طرائق التفسير أن الإنسان ما استطاع يستصحب الآيات في ذهنه قبل أن يحكم . الله - جل وعلا - يقول (وَقَالُواْ) أي قريش (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ومعلوم أن قريش لا تؤمن ، كفارهم لا يؤمنون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه ذكر لكن قالوا (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) من باب التهكم . ونظيره قول أهل مدين لشعيب (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) فقولهم "أصلاتك" هم لايؤمنون بالصلاة أصلا ولا يُقرون أن ما يصنعه شعيب صلاة ، ولا يُؤمنون أن شعيبا حليما ولا رشيدا ، ولو علموا وظنوا أنه حليم ورشيد لاتبعوه لكن قالوا " صلواتك،حليم،رشيد" كلها من باب السخرية والذم والتهكم . هذا تحرير معنى قول الله - جل وعلا- ( إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ).
عيسى بن مريم تكلم وهو صبي ، ونبئ قبل الأربعين ، ورُفع وهو على رأس ثلاثا وثلاثين سنة ، والمشهور عند العلماء ان أهل الجنة يدخلون الجنة على رأس ثلاثا وثلاثين سنة كسن عيسى عليه السلام يوم رُفع .
الله يقول هنا (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ) ثم قال (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ) والميم - قطعا - نافية ، فنفى الله القتل ونفى الصلب ، وقد يقول قائل : إن نفي القتل من لوازمه نفي الصلب ، لكن هذا لا يلزم لأنهم - أي الناس - كانوا في بعض أحوالهم يصلبون دون أن يقتلوا فيجعلون المصلوب على خشبة ثم يرمونه حتى يدمي يُنزلونه ، وأحيانا يصلبونه ويقتلونه وهو مصلوب .
يبقى سؤال تاريخي عليه يتفرع معنى الآية ، السؤال التاريخي : لا نملك نحن أدلة تثبت وقائع تاريخية لكن بين أيدينا في الآناجيل ، فيما نُقل إلينا أمور لا نستطيع أن نردها ولا نستطيع أن نقبلها بالكلية ، أمامنا رواية إن صحت شيء وإن لم تصح شيء آخر ، الرواية تقول : إن عيسى ابن مريم وُضع شبهه، صورته على أحد من خانه ووشى به وهو يهوذا ، فيُصبح يهوذا أُلقي عليه شبه عيسى فظنه اليهود أنه عيسى فقتلوه وصلبوه ، فعلى هذا يوجد قتل ويوجد صلب لكن المقتول والمصلوب ليس عيسى إنما أحد من خانوه ، هذه رواية .
القول الثاني أن هذه الرواية غير صحيحة ، غير ثابتة فيصبح معنى قول الله ( شُبِّهَ لَهُمْ ) على القول الأول ( شُبِّهَ لَهُمْ)يعني ألقي شبه عيسى على يهوذا ، وعلى عدم وجود هذا الخبر وعدم صحته يصبح المعنى (وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) أي أن كبراءهم ، سادتهم ، أهل الرأي منهم من يحملون الحنق على عيسى أشاعوا في الناس أن عيسى قُتل وصُلب وأنه لم يُرفع ففشى هذا فيهم حتى تناقلته الأجيال فأصبح كل جيل يأتي يؤمن بوجود هذا الأمر الذي لا حقيقة له ، فيُصبح معنى قول الله - جل وعلا - (وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) أي التبس الأمر عليهم واختُلق عليهم إفك وكذب حتى شاع بينهم واشتهر وعُرف فظنوا أن عيسى - عليه السلام - قتل وصُلب .
قال الله - جل وعلا - : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)
الاختلاف الوارد هنا يحتمل معانٍ عدة لا يمكن القطع بأحدها ، الاختلاف هل هو قُتل أو رُفع بينهم اختلفوا النصارى أنفسهم هل الذي قتل عيسى في هيئة الناسوت أم عيسى في هيئة اللاهوت ، وقائلون إنه قُتل ناسوته غير لاهوته وآخرون قالوا بل قتل في ناسوته ولاهوته ، هذه كلها آراء قيلت في قتل المسيح عيسى ابن مريم لكن المقطوع به يقينا قال الله ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) هذه "يقينا" كذلك تحتمل معنيين على الأرجح فبادئ الرأي هل " يقينا " هذه تعني وما قتلوه يقينا يعني أنهم قتلوا لكن ما قتلوا عيسى ، يعني قتلوا أحدا لكن لم يكونوا متيقنين من الذي قتلوه ، من الذي قُتل ، أو المعنى الآخر أن الله يقول (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) يصبح المعنى يقينا ما قتلوه ، أي نحن نخبرك يا من تقرأ كتابنا ، تتأمل آياتنا أنه يقينا أن هؤلاء لم يقتلوا عيسى البتة ، والآية تحتمل المعنيين .
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ) إذا ما الذي حصل ؟
قال الله (بَل) هذه للإضراب ،والإضراب أحيانا يكون إضراب إبطال وأحيانا يكون اضراب انتقال .
قال (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) والرفع هنا - قطعا - رفع قُربى وزُلفى للمسيح عليه السلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق