قال العلماء : الباء من معانيها الكثيرة الاستعانة وهي المرادة هنا - والله تعالى أعلم - ولذلك قال الشيخ السعدي - رحمه الله - في لفتة لطيفة قال " بسم الله يعني باسم كل اسم من أسماء الله " لأن الاسم هنا مفرد مضاف فيعُمّ كل اسم ، يعني باسم الله ، باسم الرحيم ، باسم القادر ، باسم المعين ، باسم المهيمن ، باسم القوي ، كلها أقولها الآن في كلمة " باسم " في هذه الباء في "باسم" ويؤيدها قوله تعالى ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) نعمة الله هنا مفرد لكنها مفرد مضاف يدل على كل ما يمكن أن يكون نعمة .
/ قال العلماء في التقدير : باسم الله أستعين ، وذهب الألوسي في روح المعاني إلى شيء عظيم وقال " الاستعانة فيها من الأدب والاستكانة لأن فيها إظهار العبودية وفيها التلميح من أول وهلة إلى إسقاط حول الإنسان وقوته والتعلق بكنز لا حول ولا قوة إلا بالله " .
عندما أقول " باسم الله " يعني ليس باسمي ولا بحولي ، لو لم يوفقني الله لما قرأت الفاتحة يوما من الدهر ، لو لم يوفق الله فلان الذي يحفظ القرآن بالقراءات لما قرأ حرفا منه ، لكنها هي " باسم الله " بالاستعانة .
/ الزمخشري قدّر وقال " باسم الله أقرأ " لأن المناسب هنا هو القراءة ، كما تقول عندما تدخل البيت " باسم الله " يعني باسم الله أدخل ... وهكذا .
قال الزمخشري في استخراج الوقفات البلاغية : لماذا قلنا باسم الله أقرأ ، ولم نقل أقرأ باسم الله ؟
لأن المراد في هذا المقام هو التبرك باسم الله فهو أهم من ذكر القراءة .
ولكن هناك مقارنة أخرى في سورة العلق لما قال الله ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) هناك قدم "إقرأ" وهنا قدم العلماء في التقدير " باسم " .
قال : " لأن المراد هنا المراد بداية القرآن ، بداية الفاتحة فالتبرك باسم الله الأعظم أهم ، أما هناك فالمراد ما دام أنها أول آية نزلت هي القراءة ، فنحن أمة إقرأ ، ونحن أمة القراءة فقدم القراءة سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ( ما أنا بقارىء ) فقيل له ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ )
/ ( الله ) وقف العلماء عند هذا الاسم لله تعالى :
قال الإمام أبو حيان في بحره المحيط : " أعرف الأعلام كلها وأبينها " ولذلك كلمة " الله " لا يشترك في تسميته أحد ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن ) .
/ يذكرون عن سيبويه أنه ذكر في كتابه أنه قال :" الله أعرف المعارف على الإطلاق " وسكت ولم يزد على تعريفه ، يقولون أنه رؤي في المنام فقيل له : ماذا صنع الله بك ؟ قال : غفر الله لي ، قالوا : بم ؟ قال : بقولي أن الله أعرف المعارف على الإطلاق .
/ معنى كلمة ( الله ) : قال الشيخ السعدي - رحمه الله - : " هو المألوه المعبود بحق الذي يستحق الإفراد بالعبادة والتوحيد لما اتصف به من صفات الألوهية والكمال والجلال التي لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى ".
/ ثم أردف الله البسملة بقوله ( الرحمن الرحيم )
هذان الاسمان يدلان على أن الله ذو رحمة واسعة ، قال ( رحمن ) يعني واسع الرحمة عظيم التي وسعت كل شيء قال تعالى ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) وعمت كل حي .
قال السعدي - رحمه الله - :" وكتبها الله للمتقين المتبعين رسله " وهذه هي الرحمة الخاصة وأما الرحمة المطلقة فهي لمن عداهم ، في الحديث الصحيح ( إن لله مئة رحمة أنزل منها رحمة واحدة في الدنيا يتراحم الناس فيما بينهم والدواب حتى إن الدابة ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تطأه وادخر عنده تسعا وتسعين رحمة في الآخرة ) فإذا جاء يوم القيامة أضيفت هذه الرحمة إلى الرحمات الأخرى ورحم الله من شاء في ذلك اليوم ، و هذه بشرى عظيمة للمؤمنين .
/ تكلم العلماء على تقديم (الرحمن) على (الرحيم) وذكروا فيها أشياء كثيرة منها :
قالوا : " إن الرحمن فيها مبالغة أشد من الرحيم ، وعادة العرب أنها تبدأ بالأقل فتقول فلان عالم نحرير أو شجاع ياسل أو جواد فياض ، المفروض تبدأ بالأقل ثم الأكبر لكن هنا بدأ بالعكس ، فقالوا - والله أعلم - إن ( الرحمن ) تناول عظائم الأمور ، كأن الله سيرحمنا في أشياء كبيرة جدا ثم يقول ( الرحيم ) أي حتى الأمور الدقيقة ستشملها رحمة الله .
فالشيء الذي سيفوتك في الرحمة الكبيرة سيعطيك الله إياه في الرحمة الصغيرة التي هي أدق وأخص من الرحمة الأولى .
/ ومنهم من قال : أن (الرحمن) رحمة خاصة بالجميع و(الرحيم ) رحمة خاصة بالمؤمنين ويستدلون بقوله تعالى ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا )
/ وبعضهم قال : إن ( الرحمن ) رحمان الدنيا والآخرة ، والرحيم رحمان الآخرة فقط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق