السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الحمدلله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أمّا بعد:
فإنّ العناية بكتاب الله من أعظم ما يُقرّب إلى الله ، ومن أعظم ما يُتاجَرُ به مع الله، فقد أمر الله جلّ وعلا بتلاوة كلامه ورتّب على مجرّد التلاوة وهذا خاصّ بالقرآن، أن مجرّد قراءته مُتعبّد بها بخلاف غيره من الكلام، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } فمجرّد التِّلاوة يُرتّب عليها الأجور العظيمة وجاء في الحديث الصّحيح: أنّ لقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات. والمثال على ذلك جاء بالنّص { لا أقول (آلم ) حرف بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف } ثلاثونَ حسنة لــــ ( آلم ) ، فَكَم يُحصِّل من الأجور من جلس ربع ساعة ليقرأ جزءاً من القرآن؟ مائة ألف حسنة في ربع ساعة، وختمة واحدة تُقرأ في سبع بكل راحة ويُسُر وسُهولة يحصل القارئ فيها على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، القرآن أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، نعم الخِلاف مَوجود بين أهل العلم في المراد بالحرف هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى؟ لكن من نظر إلى فضل الله جلَّ وعلا وكرمه يترجّح عنده أنّ المراد بالحرف حرف المبنى.
على كلِّ حال هذه الأجور العظيمة مُرَّتبة على مُجرّد التِّلاوة ، ثلاثة ملايين حسنة يستطيع المسلم أن يُحصِّلها في السَّبع من غير أن يُخلَّ بعمل دينّي أودُنيوي، يجلس بعد صلاة الصُّبح في كل يوم إلى أن تنتشر الشَّمس ساعة، يختم القرآن في سَبع ويمتثل الأمر النَّبوي لعبدالله بن عَمرٍ رضي الله عنهما حيث قال له النَّبي عليه الصّلاة والسّلام: اقرأ القرآن في سبع ولا تَزِد مع انّ ابن عَمرٍ زاد ،صار يقرأ القرآن في مُدّة أقل، وعُرِفَ عن جمعٍ من الصَّحابة والتَّابعين قراءة القرآن في ليلة، دع عنك ما يُقال عن بعضهم أنّه يقرأ مرّتين في اللّيلة وأُثِر عن بعضهم أنّه يقرأ ثلاث، وذُكر أشياء لا يقبلها عقل مع أنّها ذكرها أهل العلم، الكاتب الصوفي يقول يختم أربع مرّات بالنّهار ويختم أربع في اللّيل ، لكن الوقت لا يستوعب .
المقصود أنّ قراءة القرآن مُيَسّرة وجميع ما يتعلّق بالقرآن ميّسر، لكن لمن؟ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } لابد أن يكون مدّكر، متذَكِّر لما أمامه، مُتذكر للهدف الذّي خُلِق من أجله، هذا الذي يحرص على مثل هذه الـــمُتاجرة مع الله جلّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } تجارةً لن تبور، في أسبوع ثلاثة ملايين،قد يقرأ في ثّلاث فيختم في الشَّهر عشرة مرّات كل واحدة ثلاثة ملايين في الشَّهر ثلاثون مليون حسنة، حسنة لا يُمكن أن يتعرّض لها لص ولا سارق ولا أحد ، أودِعت في ديوان لا يمكن أن يتطاول عليه أحد إلا الشّخص نفسه، إذا أراد أن يُفرّط فيما جمع ، هذا أمره إليه، وهو عاقل يُدرك ما ينفعه وما يضرّه، قد يُعنى بالقرآن ويختم مرّتين أو ثلاث أو أربع في الشّهر ومع ذلك يأتي مُفلساً يوم القيامة، والنّبي عليه الصلاة والسلام سأل الصّحابة عن المفلس؟ فقالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع ، قال : لا ، المفلس من يأتي بأعمال - في رواية - أمثال الجبال من صَلاة وصِيام وصدقة وحجّ وجهاد وغيرها ثم يأتي قد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مالَ هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن تمت المقاصة وإلا أخُذ من سيئاتهم فأُلقيت عليه فألقي في النّار نسأل الله العافية .
المقصود أنّ القرآن متعبَّدٌ بتلاوته والمتاجرة مع الله جلّ وعلا تَحصُلُ على أقل تقدير لهذه المضاعفات على مجرّد التّلاوة (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور) هذه مُتاجرة مع الله جلّ وعلا، والقرآن من أعظم ما يُتاجر به مع الله جلّ وعلا، وهل هُناكَ كَلَفة في قِراءة القرآن والله جلّ قد يَسَّره لنا، إلاّ أنّ النّفس تحتاج إلى مجاهدة، تحتاج إلى جِهاد في أوّل الأمر ثم التَّلذذ ، هذه التِّلاوة المأمور بها والــمُرّتب عليها الحسنات على أنحاء وأقسام فكل قِسم، وكل نوع، وكُلّ صنف له نصيبه من الأجر فهُناك ما يُسَّمى بالهَذّ الذّي يُحصِّل أجر الحروف، ففي سُنن الدَّارميّ:( يُقال لقارئ القرآن اقرأ وارقَ في دَرَجِ الجنّة كما كُنت تقرأ في الدّنيا هذّاً كان أو ترتيلاً ) لكن لكلٍّ أجره .
الترتيل أجره أعظم فقد أمر الله به جلّ وعلا (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } وأجرُ الترتيل قدرٌ زائد على مجرّد أجر الحروف، والعُلماء يختلفون في الأفضل من الهذّ والترتيل مع تفاوت المقادير، فيفترضون الخِلاف في شخصٍ أو في شَخصين يجلسان ساعة، وهذا يقرأ في الساعة خمسة أجزاء ،وذاك يقرأ في الساعة جزئين ، الذي يهذّ القرآن يقرأ خمسة أجزاء والذّي يُرَّتل يقرأ جُزئين، أيُّهما أفضل؟ هذا يحصل على خمسائة ألف حسنة من أجل الحروف، وذاك يحصُل على مائتي ألف حسنة، لأن كل جزء بمائة ألف، لكن مضاعفات الحسنات تتفاوت وابن القيّم رحمه الله تعالى لمّا ذكَرَ الخلاف قال: " لاشكّ أنَّ الأجر مُرّتب على الحُروف وكثرة الحروف أجر التِّلاوة "، فيكون من خَتَم القرآن مرّة على الوجه المأمور به بالتَّدبر والترتيل مرّة واحدة وختم الثّاني الذّي يقرأ هذّاً عشر مرّات يكون هذا كمن أهدى دُرّة كل ختمة بدُرّة قيمتها ألف، والذّي ختم مرّة واحدة بالتّدبر والترتيل كمن أهدى دُرّة واحدة لكن قيمتها مائة ألف ... فرق!!
فعندنا قراءة الهذّ تُحصّل أجر الحُروف، وكان كثيرمن السَّلف يقرأ هذّاً ، ودموعه تتناثر في حِجره وكثيرٌ منّا يقرأ ترتيلاً وكأنّه يقرأ جريدة أو صحيفة। وإلى عهدٍ قريب تجد كثير من النّاس في ليلة الثاني عشر من رمضان يذهبون إلى بعض المساجد التي عُرِف أئمتها بالخُشوع وأدركنا مسجد شيخنا الشّيخ صالح الخِريصي ومع أنه يهزّ ومع ذلك لا يُسمع صوته من البُّكاء والنّاس كذلك .
وصلِّينا في السَّنوات الأخيرة مع أصحاب الأَصوات المؤثّرة في صلاة التّهجد يقرأ ثلاثة سُور يبدأ بيونس وينتهي بيوسف وما تحرّك ساكن ، مروراً بهود التي جاء فيه الخبر المختلف فيه (شيّبتني هود وأخواتها ) فكثير من أهل العلم يحكم عليه بالاضطراب والذّي ترجّح عند الحافظ ابن حجر أنّه أمكنه أن ينفِي الاضطراب بترجيح أحد الوجوه فهو حديثٌ حسن عنده.
النّوع الأوّل : قراءة الهذّ .
النّوع الثاني : الترتيل.
النّوع الثالث: الترتيل مع التّدبر.
وجاءَ الحثُّ عليه في ثلاثِ آيات أو أربع آيات بصراحة في القرآن ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ } {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } ،{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} فالتّدبر أجره قدرٌ زائدٌ على مجرّد القراءة وعلى مجرّد الترتيل، وبهذا يحصل الكمال وبهذا يحصل زيادة العلم والعمل واليقين والإيمان .
فتدبّر القرآن إن رُمتَ الهُدى***** فالعلم تحت تدّبر القرآنِ
يقول شيخ الإسلام- رحمه الله - : "وقراءة القرآن على الوجه المأمور به يـُورث القلب من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يُدركه من لا يعانيه" ـ يعاني التدّبرويُزاوله ـ، نقرأ القرآن ونفتتح ونقرأ في السَّاعة خمسة أجزاء، ويُقبِل النَّاس على القرآن في المواسم، لكن هل يؤثر فيهم القرآن ويغيّر من حياتهم شيء؟ لا . لماذا؟ لأنَّهم لا يقرأون القرآن على الوجه المأمور به، نعم يُحصِّلون الأجر والثّواب بقدر ما يقرأون من الحروف والنّاس يتفاوتون في ذلك، بعض النّاس يُسَّرت له التِّلاوة فتجده يقرأ القرآن في يوم، ما زال الأمر كذلك عند بعض المقبلين على العِبادة لا سيما في المواسم، لكن لا يتسنى هذا لكلِّ أحد، الذّي لا يعرف القرآن إلا في رمضان هل يستطيع أن يختم في يوم؟ أو يقرأ خمسة أجزاء في يوم؟ ما يستطيع، لأنّه ما تعرَّف على الله في الرَّخاء فيتعرّف عليه في الشِّدة، والنّاس في العشر الأواخر من رمضان يجاورون بمكة ويلزمون المسجد الحرام أقدس البقاع وأفضل البقاع ويلتمسون ليلة القدر، والمفترض فيمن هجر وطنه وأهله ولَزِمَ البيت الحرام أن يصحب كلام الله وأن يُكثر من ذكره وأن يشغل وقته بالذّكر والتّلاوة والصّلاة والدُّعاء، لكن لـــمّا كان جُلّ وقته معموراً بالقيل والقال فإنّه لا يُعان على مثل هذه الأمور، بل بعض النّاس يعتكف ولا يتأثّر بالاعتكاف يفرح بالزَّائر وقد يستصحب معه أشياء ،والسَّلف يُعطِّلون دروس العلم في الاعتكاف وهذا يأتي معه بأجهزته ووسائل الاتّصال ولا يبقى من وقته للعبادة شيءٌ يُذكر فمثل هذا لا ينتفع بالاعتكاف الانتفاع المرجو وإن كان مُثاباً على هذه النيّة وهذا اللّزوم للمسجد، فتجد حاله ليلة العيد مثل حالته في شعبان .
فيخرج من المسجد إذا أُعلِنَ الشَّهر وإذا كان من شعبان يفوته شيءٌ من الصَّلوات لابدَّ أن يفوته ركعة من صلاة العشّاء أوّل صلاة بعد الاعتكاف، فالإنسان عليه أن يتعرّف على الله في الرَّخاء ليعرفه في الشّدة ، فمن حجّ فلم يرفُث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومُ ولدته أمّه، يكون أربعة أيّام الحجّ أو ثلاثة إذا أراد عصر المدّة، وسوف أحقق ما جاء في هذا الوعد مهما كلّف الأمر، ثمّ تجده عشيّة عرفة يلتفت يميناً وشمالاً علّه أن يجد من يعرفه أو يتعرّف عليه لتمضي هذه السَّاعة، لماذا؟
لأنّ حياته في وقت الرّخاء معمورة بالقيل والقال، فينتبه الإنسان لمثل هذا فإذا جاءَ وقت الشّدة ما حصَّل شيء، فيتحسَّر ويتحرَّق على أنّ الناس يَجنون الأجور العظيمة وهو يلتفت يميناً وشمالاً ، وإذا مسك المصحف تلفّت إن وجد أحد وإلا نعس ونام ، لابد أن يكون لك نصيب من تعبّد سابق لِتُعان على التعبّد في وقت الحاجة ،الآية التي قرأها أخونا في أوّل الأمر {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(10 ) عجوز في الثَّمانين من عمرها أحسّت بمغص شديد تكرَّر عليها وذهبت للمستشفى فقالوا لها إنّ عندها حصى في الكُلى وقالوا لابد من عملية، قالت أخرج اليوم وأستخير وأرجع لكم، أخذت كأساً فيه ماء زمزم وقرأت فيه شيئاً من القرآن فشربته ونزل الحصى، ذهبت إلى المستشفى وفحصوها وحلّلوا وقالوا لا يوجد شيء، ماذا صنعتي؟ قالت : القرآن الذي لو أنزل على جبل راسي كبير كأحد مثلاً، لتفتَّت، وتصدَّع كيف لا تتحلّل هذه الحصوات الصَّغيرة، لكن نحتاج إلى يقين بوعد الله جلّ وعلا، لنتأثر بكلامه .
كثير منّا يقرأ القرآن وهو في وادٍ وقلبه في واد، وإذا حصَل عنده أدنى حركة، لو أنّ الرّيح حرّكت الباب ما عَرف أين يقرأ، وإذا أغلق المصحف ما يدري في أيّ سورة كان يقرأ، هل هذا يعيش مع القرآن؟
المقصود أنّ القراءة التي تترتّب عليها آثارها هي القراءة المأمور بها، يعني على الوجه المأمور به بالتّدبر والترتيل.
الترتيل يتسنى لكثير ممّن حفظ القرآن، أو قرأ القرآن على الطّريقة المعروفة عند أهل التّجويد بالتجوّيد يحصل الترتيل.
أمّا التدّبر فلابد من أن يُستعان على فهمه بكلام أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين وقبل ذلك كلام الرَّسول صلى الله عليه وسلّم الذّي جاءَ مبيّناً للقرآن وموضّحاً له ومُفسِّراً له، ثمَّ صحابته الكرام ثمّ تابعوهم بإحسان ومن تبعهم إلى يوم الدِّين من أهل التَّحقيق الذّين يُفَسِّرون كلام الله جلّ وعلا.
فالوصيِّة لِكلِّ طالب علم يُرِيد أن يستعين على تحقيق هذا الهدف العظيم الذّي هو التّدبر أن يصحب معه كتاباً في غريب القرآن، أو تفسيراً من التّفاسير المختصرة، ولعلّ مثل هذه الدّورة تُحقّق هذا الهدف، فأعظم ما يُستعان به على التّدبر فهم القرآن من خلال كلام أهل العلم الموثوقين.
وعُرِف عن أهل العلم أنّ لهم قراءات متنوعة، فقراءة لتحصيل أجر الحروف وقراءة للتّفقه من القرآن، وقراءة للتدّبر والتأثّر بالقرآن، وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عن بعضهم أنّه كان يقرأ القرآن في كلّ يوم، يعني يختم كلّ يوم، وله ختمةُ تدّبر أمضى فيها عشرين سنة، كثير من المسلمين لا يتسنّى له أن يتدبّر القرآن بمفرده لأنه ليست لدّيه الأهلية لتدبّر القرآن من عامّة النّاس ومبتدئي طلبة العلم هؤلاء يستعينون على ذلك بكتب الغريب والتّفاسير المختصرة، والذّي يصحب معه تفسيره ويُراجع عليه معاني الآيات أثناء حفظه هذا يستفيد كثيراً لكن لا يكون التّفسير مُطوّلاً بحيث يعوقه عن حفظ القرآن في أقرب مدّة وأقصر مدّة إذا تطرّق إليه الملل والسآمة.
وهذه الدورة المُباركة يُرجى منها الثّمرة العُظمى وهي التدّبر لكلام الله جلّ وعلا...
فتدبّر القرآن إن رُمتَ الهُدى***** فالعلم تحت تدّبر القرآنِ
تجد الإنسان يقرأ القرآن في سبع، أو في ثلاث، أو في أقل من ذلك ،سنين طويلة لكن إذا سألته عن شيء من معاني كلام الله جلّ وعلا ، أو ممّا يُستنبط منه تجد أنّه لم يستفد كثيراً، نعم استفاد الأجر المرّتب على الحروف وهذا بحد ذاته نافعٌ جِدّاً هذا رصيد للمسلم يثقل به ميزان حسناته، لكن أعظم من ذلك التدّبر الذّي فيه النّفع الأعظم. هذا الكتاب كلام الله الذي فضله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه.
هو الكتاب الذّي من قام يقرأه*****كأنّما خاطب الرّحمن بالكّلِم
ومن أعظم كتب التّفسير وأكثرها فائدة التّفاسير الموثوقة التفسير المشهور " تفسير الحافظ ابن كثير" لكنّه لا يصلح لعامّة النّاس ومبتدأي الطلبة لوجود التّكرار والأسانيد،فوُجِد له مختصرات كثيرة، كثير من طُلاّ ب العلم يسأل عن أفضل المختصرات، فنقول أفضل هذه المختصرات التي يستفيد طالب العلم مختصر الشيخ أحمد شاكر "عمدة التفسير" لا سيما في الثُّلث الأوّل الذّي توّلاه الشيخ بنفسه، هناك أيضاً "المصباح المنير" و أيضاً " اليسير في اختصار تفسير ابن كثير" كلّها طيّبة وبحروفها المنقولة من تفسير الحافظ ابن كثير.
هناك أيضاً " مختصر للشِّيخ نسيب الرِّفاعي" وهو مختصر نافع وعلى جادّة السَّلف في العقيدة.من الكتب التي يُستفاد منها في هذا الصّدد " تفسير الشِّيخ عبدالرّحمن بن سعدي" إلاّ أنّه صاغه بأسوبه، وما فهمه من كلام السَّلف في تفسير القرآن ويُستفاد منه. ومن الكُتُب التي يُستفاد منها أيَضاً تفسير الشِّيخ فيصل بن مبارك المسمّى" توفيق الرّحمن في دروس القرآن" وهذا بحروفه من كلام السَّلف، انتقاء بالحرف من كلام السَّلف والشيخ ما تصرّف في شيء، إذا كان الشيخ ابن سعدي صاغ كلام السّلف بأسلوب سهل ميسّر، فإن الشيخ فيصل ما تصرّف إطلاقاً، إنّما انتقى من كلام السّلف تفسير القرآن مختصر جِدّاً ونافع.
بعض طُلاّب العلم يسأل عن مختصر لتفسير ابن كثير، وبعضهم يُدَل على المختصر يُقال له الأفضل كذا وكذا، وبعضهم يُقال له إذا رُؤيَ عليه علامات النّباهة والقُدرة يُقال له أفضل مختصر لابن كثير (مختصرك أنت)، امسك ابن كثير وبيدك القلم وضع أقواس على الكلام المكرّر إذا رأيت أنّ الحاجة إليه ليست داعية أو أنّ فائدته أقل.
لماذا يُقال مثل هذا لبعض الطُّلاب النَّابهين؟
أولاً: لأنَّ لديهم القُدرة.
ثانياً: أنّ بهذا تتم الفائدة، تجد كثيرمن طُلاّب العلم يقول قرأت ابن كثير مرار أكثر من مرّة وما استوعبت ولا جمّعت ، نقول : اختصر الكتاب بعد ذلك تستوعب وتُجمّع، لأنَّك إذا أردت الاختصار أحضرت ذهنك.ولعل المختصِر الذّي تُدَل عليه على أنّه أفضل المختصرات قد يكون حذف شيئا في تقديره أنّه لا داعي له، وهو في حقيقة الأمر بالنّسبة إليك أهم ممّا أبقى فيكون أحياناً المحذوف أولى بالبقاء من المذكور، فكون الإنسان يختصر بنفسه ليكون على علم بما يحذف كعلمه بما يُبقي. وبهذه الطّريقة يرسخ العلم ويكون ثابتاً في ذِهن الإنسان ويكون العلم مقرونا بكلام الله جلّ وعلا فيستفيد منه فائدة عظيمة.
بعض النّاس يقول أنا أسمع القرآن من فُلان فأَتأثر وأبكي، وأسمع الآيات نفسها من شخص آخر ولا أتأثر ولا أبكي ؟
الترتيل يتسنى لكثير ممّن حفظ القرآن، أو قرأ القرآن على الطّريقة المعروفة عند أهل التّجويد بالتجوّيد يحصل الترتيل.
أمّا التدّبر فلابد من أن يُستعان على فهمه بكلام أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين وقبل ذلك كلام الرَّسول صلى الله عليه وسلّم الذّي جاءَ مبيّناً للقرآن وموضّحاً له ومُفسِّراً له، ثمَّ صحابته الكرام ثمّ تابعوهم بإحسان ومن تبعهم إلى يوم الدِّين من أهل التَّحقيق الذّين يُفَسِّرون كلام الله جلّ وعلا.
فالوصيِّة لِكلِّ طالب علم يُرِيد أن يستعين على تحقيق هذا الهدف العظيم الذّي هو التّدبر أن يصحب معه كتاباً في غريب القرآن، أو تفسيراً من التّفاسير المختصرة، ولعلّ مثل هذه الدّورة تُحقّق هذا الهدف، فأعظم ما يُستعان به على التّدبر فهم القرآن من خلال كلام أهل العلم الموثوقين.
وعُرِف عن أهل العلم أنّ لهم قراءات متنوعة، فقراءة لتحصيل أجر الحروف وقراءة للتّفقه من القرآن، وقراءة للتدّبر والتأثّر بالقرآن، وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عن بعضهم أنّه كان يقرأ القرآن في كلّ يوم، يعني يختم كلّ يوم، وله ختمةُ تدّبر أمضى فيها عشرين سنة، كثير من المسلمين لا يتسنّى له أن يتدبّر القرآن بمفرده لأنه ليست لدّيه الأهلية لتدبّر القرآن من عامّة النّاس ومبتدئي طلبة العلم هؤلاء يستعينون على ذلك بكتب الغريب والتّفاسير المختصرة، والذّي يصحب معه تفسيره ويُراجع عليه معاني الآيات أثناء حفظه هذا يستفيد كثيراً لكن لا يكون التّفسير مُطوّلاً بحيث يعوقه عن حفظ القرآن في أقرب مدّة وأقصر مدّة إذا تطرّق إليه الملل والسآمة.
وهذه الدورة المُباركة يُرجى منها الثّمرة العُظمى وهي التدّبر لكلام الله جلّ وعلا...
فتدبّر القرآن إن رُمتَ الهُدى***** فالعلم تحت تدّبر القرآنِ
تجد الإنسان يقرأ القرآن في سبع، أو في ثلاث، أو في أقل من ذلك ،سنين طويلة لكن إذا سألته عن شيء من معاني كلام الله جلّ وعلا ، أو ممّا يُستنبط منه تجد أنّه لم يستفد كثيراً، نعم استفاد الأجر المرّتب على الحروف وهذا بحد ذاته نافعٌ جِدّاً هذا رصيد للمسلم يثقل به ميزان حسناته، لكن أعظم من ذلك التدّبر الذّي فيه النّفع الأعظم. هذا الكتاب كلام الله الذي فضله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه.
هو الكتاب الذّي من قام يقرأه*****كأنّما خاطب الرّحمن بالكّلِم
ومن أعظم كتب التّفسير وأكثرها فائدة التّفاسير الموثوقة التفسير المشهور " تفسير الحافظ ابن كثير" لكنّه لا يصلح لعامّة النّاس ومبتدأي الطلبة لوجود التّكرار والأسانيد،فوُجِد له مختصرات كثيرة، كثير من طُلاّ ب العلم يسأل عن أفضل المختصرات، فنقول أفضل هذه المختصرات التي يستفيد طالب العلم مختصر الشيخ أحمد شاكر "عمدة التفسير" لا سيما في الثُّلث الأوّل الذّي توّلاه الشيخ بنفسه، هناك أيضاً "المصباح المنير" و أيضاً " اليسير في اختصار تفسير ابن كثير" كلّها طيّبة وبحروفها المنقولة من تفسير الحافظ ابن كثير.
هناك أيضاً " مختصر للشِّيخ نسيب الرِّفاعي" وهو مختصر نافع وعلى جادّة السَّلف في العقيدة.من الكتب التي يُستفاد منها في هذا الصّدد " تفسير الشِّيخ عبدالرّحمن بن سعدي" إلاّ أنّه صاغه بأسوبه، وما فهمه من كلام السَّلف في تفسير القرآن ويُستفاد منه. ومن الكُتُب التي يُستفاد منها أيَضاً تفسير الشِّيخ فيصل بن مبارك المسمّى" توفيق الرّحمن في دروس القرآن" وهذا بحروفه من كلام السَّلف، انتقاء بالحرف من كلام السَّلف والشيخ ما تصرّف في شيء، إذا كان الشيخ ابن سعدي صاغ كلام السّلف بأسلوب سهل ميسّر، فإن الشيخ فيصل ما تصرّف إطلاقاً، إنّما انتقى من كلام السّلف تفسير القرآن مختصر جِدّاً ونافع.
بعض طُلاّب العلم يسأل عن مختصر لتفسير ابن كثير، وبعضهم يُدَل على المختصر يُقال له الأفضل كذا وكذا، وبعضهم يُقال له إذا رُؤيَ عليه علامات النّباهة والقُدرة يُقال له أفضل مختصر لابن كثير (مختصرك أنت)، امسك ابن كثير وبيدك القلم وضع أقواس على الكلام المكرّر إذا رأيت أنّ الحاجة إليه ليست داعية أو أنّ فائدته أقل.
لماذا يُقال مثل هذا لبعض الطُّلاب النَّابهين؟
أولاً: لأنَّ لديهم القُدرة.
ثانياً: أنّ بهذا تتم الفائدة، تجد كثيرمن طُلاّب العلم يقول قرأت ابن كثير مرار أكثر من مرّة وما استوعبت ولا جمّعت ، نقول : اختصر الكتاب بعد ذلك تستوعب وتُجمّع، لأنَّك إذا أردت الاختصار أحضرت ذهنك.ولعل المختصِر الذّي تُدَل عليه على أنّه أفضل المختصرات قد يكون حذف شيئا في تقديره أنّه لا داعي له، وهو في حقيقة الأمر بالنّسبة إليك أهم ممّا أبقى فيكون أحياناً المحذوف أولى بالبقاء من المذكور، فكون الإنسان يختصر بنفسه ليكون على علم بما يحذف كعلمه بما يُبقي. وبهذه الطّريقة يرسخ العلم ويكون ثابتاً في ذِهن الإنسان ويكون العلم مقرونا بكلام الله جلّ وعلا فيستفيد منه فائدة عظيمة.
بعض النّاس يقول أنا أسمع القرآن من فُلان فأَتأثر وأبكي، وأسمع الآيات نفسها من شخص آخر ولا أتأثر ولا أبكي ؟
أولا : إخلاص القارئ له دور، وكون المستمع يُلقي سمعه للقارئ له دور، وصوت القارئ له دور ولذا جاء الأمر بتزيين القرآن بالأصوات ( زيّنوا القرآن بأصواتكم)، (ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن) ، فيَرِد على هذا سؤال: أنّي إذا سمعت كلام الله من فلان الذّي صوته أقل لا أتأثر، وإذا سمعته من فلان الذّي صوته أجمل وأرّق وأندى أتأثر، فهل التّأثير للقرآن أو للصّوت ؟ ظاهر الأمر أنّ الفرق بينهما هو الصّوت إذاً التأثير للصَّوت، نقول لا، التّأثير للقرآن الــمُؤدّى بهذا الصّوت ، لكن لو أتيت بهذا الصوت في غير القرآن في شعر أو نثر غير القرآن ما أثّر، إذاً التأثير ليس للصَّوت المجرّد وإنّما للقرآن الــمُؤدّى بهذا الصَّوت وهذا إشكال سأَل عنه كثير من طُلاب العلم القرآن هو القرآن فكيف نتأثر بصوت فلان ولا نتأثر بصوت فلان، نقول أنت تتأثر بالقرآن المؤدّى بهذا الصّوت، ولولا أنّ للصّوت دورٌ شرعيّ معتبراً لـما أُمِرَ بتحسين الصوت وتزيينه والتّغني بالقرآن ، النَّبي عليه الصلاة والسلام استمع لِقراءة أبي موسى وأخبره بأنّه أُوتي مزماراً من مزامير آل داود، واستمع لقراءة ابن مسعود ،معروف بجمال صوته فالتفت ابن مسعود للنَّبي عليه الصّلاة والسّلام فإذا عيناه تذرفان.
ويترتب على هذا سؤال آخر: وهو أنّي إذا كنت أتأثر بقراءة فلان ولا أتأثر بقراءة فلان وهذا قريبٌ من البيت وذاك بعيد، فهل أتتَّبع أصحاب الأصوات النّدية المؤثرة أو أقتصر على إمام الحيّ ولا أتعداهُ ؟ الإمام أحمد يقول: اتبع الأنفع لقلبك إذا كان قلبك يتأثّر مع الإمام الفلاني اذهب إليه.
مع الأسف أنّه وُجِد من حفظ القرآن وأتقن القرآن وأقام قراءة القرآن ورتّل القرآن وتاجر بالقرآن، لكن مع من مع الله جلّ وعلا؟ المرابحة الحقيقية مع رب العالمين ( يرجون تجارةً لن تبور) ؟ لا، تاجر مع الخلق ، تجده من مأتم إلى آخر، اليوم عند مأتم بني فلان يقرأ القرآن، وغداً في مأتم بني فلان يقرأ القرآن، وغداً في كذا وغداً في كذا،وغدا في مولد وغدا في كذا هذه متاجرة، لكن مع الله جلّ وعلا؟ ، إنّما هذه متاجرةٌ خاسرة .المتاجرة الخاسرة .
فعلى الإنسان أن يطلب الأعلى، والقرآن من أعظم ما يُتقرّب به إلى الله، وهو عبادةٌ محضة ممّا يُتقرّب به إلى الله ، فلا يُؤثِر الإنسان الأدنى على الأعلى.
قد يقول قائل : إنّ أبا سعيد لــمّا قرأ على اللّديغ فبرئ، وأخذ الأجر ومقدار ثلاثون رأساً من الغَنم، وأقرّه النّبي عليه الصّلاة والسّلام وقال له: إنّ أحقُّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، هذا فيه دليل على جواز أخذ الأجر على كتاب الله. لكن الأجر إنّما يُؤخذ فيما يُنتفع به، فالرُّقية نافعة مع أنّ كون الإنسان ينفع أخاه بدون مقابل هذا هو الأكمل ، ولكن لو قرأ على مريض وأخذ منه أُجرةً معتادة لا يُلام ولا يُثّرب عليه ولا يُقال أنّه ارتكب محظوراً.
لكن من قرأ القرآن في المواسم البدعية، في الموالد ،في المآتم نقول هذا مأزور غير مأجور ومتعاون معهم على الإثم والعدوان، فهذه ليست متاجرة، ولا يترتّب عليها أجر مباح إنّما أجرها محرّم تبعا بسبب أنّها إعانة على هذا المنكر الذّي هو البدعة .
والكلام في القرآن وما يتعلق بالقرآن لا ينقضي، فالقرآن لا تنقضي عجائبه.
ولعلّنا بهذا القدر نكتفي، والله أعلم وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ويترتب على هذا سؤال آخر: وهو أنّي إذا كنت أتأثر بقراءة فلان ولا أتأثر بقراءة فلان وهذا قريبٌ من البيت وذاك بعيد، فهل أتتَّبع أصحاب الأصوات النّدية المؤثرة أو أقتصر على إمام الحيّ ولا أتعداهُ ؟ الإمام أحمد يقول: اتبع الأنفع لقلبك إذا كان قلبك يتأثّر مع الإمام الفلاني اذهب إليه.
مع الأسف أنّه وُجِد من حفظ القرآن وأتقن القرآن وأقام قراءة القرآن ورتّل القرآن وتاجر بالقرآن، لكن مع من مع الله جلّ وعلا؟ المرابحة الحقيقية مع رب العالمين ( يرجون تجارةً لن تبور) ؟ لا، تاجر مع الخلق ، تجده من مأتم إلى آخر، اليوم عند مأتم بني فلان يقرأ القرآن، وغداً في مأتم بني فلان يقرأ القرآن، وغداً في كذا وغداً في كذا،وغدا في مولد وغدا في كذا هذه متاجرة، لكن مع الله جلّ وعلا؟ ، إنّما هذه متاجرةٌ خاسرة .المتاجرة الخاسرة .
فعلى الإنسان أن يطلب الأعلى، والقرآن من أعظم ما يُتقرّب به إلى الله، وهو عبادةٌ محضة ممّا يُتقرّب به إلى الله ، فلا يُؤثِر الإنسان الأدنى على الأعلى.
قد يقول قائل : إنّ أبا سعيد لــمّا قرأ على اللّديغ فبرئ، وأخذ الأجر ومقدار ثلاثون رأساً من الغَنم، وأقرّه النّبي عليه الصّلاة والسّلام وقال له: إنّ أحقُّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، هذا فيه دليل على جواز أخذ الأجر على كتاب الله. لكن الأجر إنّما يُؤخذ فيما يُنتفع به، فالرُّقية نافعة مع أنّ كون الإنسان ينفع أخاه بدون مقابل هذا هو الأكمل ، ولكن لو قرأ على مريض وأخذ منه أُجرةً معتادة لا يُلام ولا يُثّرب عليه ولا يُقال أنّه ارتكب محظوراً.
لكن من قرأ القرآن في المواسم البدعية، في الموالد ،في المآتم نقول هذا مأزور غير مأجور ومتعاون معهم على الإثم والعدوان، فهذه ليست متاجرة، ولا يترتّب عليها أجر مباح إنّما أجرها محرّم تبعا بسبب أنّها إعانة على هذا المنكر الذّي هو البدعة .
والكلام في القرآن وما يتعلق بالقرآن لا ينقضي، فالقرآن لا تنقضي عجائبه.
ولعلّنا بهذا القدر نكتفي، والله أعلم وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق