يقول بشر بن الحارث الحافي : " إنما مثل الآية مثل التمرة كلما مضغتها ازدادت حلاوتها "
ما أجمل أن نجلس مع كتاب الله عز وجل ، هذا الكتاب الذي أنزله الله ليكون نورا وهدى للناس وليكون دستورا ونبراسا في حياتهم .
وفي هذه السلسة المباركة سنتدبر هذه السور العظيمة التي هي في آخر القرآن ، يقرأها كل الناس يستمعون إليها من أئمة المساجد يتلونها في صلواتهم ، يحفظها - بحمد الله - أكثر المسلمين ، أو يحفظون أكثر هذه السور ، ولكنهم يعلمون أنها من سور القرآن وكثير من معانيها لا تكاد تجدها مفهومة لدى كثير منهم ، وهذا مع الأسف شيء لا يليق بحالنا مع كتاب ربنا سبحانه وتعالى .
ما هو المفصل ؟
المفصل هو : السور التي كثر الفصل بينها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم ) وتبدأ هذه السور من سورة (ق) عند كثير من أهل العلم إلى آخر المصحف .
وهذا المفصل كان يُسمى عند الصحابة المُحكم لأنه لا يكاد يوجد فيه شيء منسوخ - أي قد أُزيل ونُسخ ورُفع حكمه .
ويقسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام :
الأول : طوال المفصل ويبدأ من سورة (ق) إلى نهاية سورة المرسلات .
الثاني : أوساط المفصل ويبدأ من سورة (عمّ) إلى نهاية سورة الليل
الثالث : قصار المفصل ويبدأ من سورة الضحى إلى سورة الناس .
هذه القصار من رحمة الله لنا أن جعلها آخر المصحف لتكون لعامة الناس ، للأطفال ، للنساء ، للكبار ، للحاضرة ، لكل الناس . وسنفتتح هذه السور بسورة الضحى .
- هذه السورة نزلت لتبين نعم الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، لكن أي نِعم ؟ إنها النِعم المادية على محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه النِعم كثيرة جدا ولكن الله تعالى يُبين لرسوله أعظمها وأجلها وأعلاها وأرفعها ليُذكّر رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه أحب الخلق إليه ، وأنه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يهجره أو يُبغضه أو يقلاه
مناسبة السورة : كان الني صلى الله عليه وسلم في مكة ، وكان عليه الصلاة والسلام يُقارع المشركين بالدعوة ، يدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن ، وكان له خصوم ألدّاء ، وأعداء أشدّاء . يُحاولون النكاية برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يتتبعون أخباره أولا بأول .
ذات ليلة اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم وفي الليلة الثانية لم يقم لأنه كان مريضا عليه الصلاة والسلام ، فعلمت زوجة عمه أبي لهب واسمها أم جميل ، وكانت شديدة العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بُشرت في القرآن بالنار ، فجاءت فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرى شيطانك قد قلاك ، تعني الوحي الذي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد هجره وأبغضه وقلاه وأبعده .
هذه الكلمة ليست بشيء لأنها من كافرة ،مُبغضة ،عدوة شديدة العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن لشدة محبة رسول الله لربه وتعلقه به كادنت تؤثر عليه مثل هذه الكلمة .
فلما قالت هذه الكلمة أراد الرب سبحانه وتعالى أن يُطمن محمدا صلى الله عليه وسلم لئلا يتأثر ، لأن العلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين ربه علاقة في غاية الروعة من العبودية والجمال والتمام والكمال . فالله يُراعي نبيه بالربوبية ومحمد صلى الله عليه وسلم يقوم بكمال العبودية .
- أُنزلت هذه السورة تطمينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الله لا يمكن أن يبغضه ويهجره وأنه سبحانه قد أنعم عليه بالنعم الكثيرة وفيها أيضا رد على تلك المرأة الشانئة المبغضة .
وإليكم تفسير هذه السورة :
فوائد من تفسير الشيخ :
- مالرابط بين قوله تعالى ( والضحى والليل إذا سجى ) وبين قوله ( ما ودعك ربك وما قلى ) ؟
أقسم سبحانه بالضحى ليبين أن الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الضحى ، وكالنور الذي ينزل على الكون فيرى الناس به الأشياء فكذلك الوحي مثل النور . وأن إنقطاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الليل ، وكذلك الناس متى رجعوا إلى هذا الكتاب فهم في نور . ومتى انقطعوا فهم في ظلمة .
- قال ( ربك ) لأن له صلى الله عليه وسلم ربوبية خاصة منه تعالى . فيربيه ويختصه ويجتبيه .
- ربوبية الله لعباده تختلف باختلاف أحوالهم فهناك ربوبية عامة ، وربوبية خاصة ، وربوبية أخص .
- الربوبية العامة ، لعامة الخلق يشترك فيها مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم ، الجن والإنس والملائكة والحيوانات والبهائم والحشرات وكل شيء .
- بشارة الله لرسوله أنه أعطاه صلى الله عليه وسلم أعلى المقامات وأرفع الدرجات في الآخرة وهو المقام المحمود .
- النفس بحاجة إلى اليقين .
- عدم العلم يُعتبر من الضلال والمقصود من قوله ( ووجدك ضالا ) أي غافلا عن هذا الوحي لا علم لك به ولا تدريه .
- من أراد أن يخرج من الضلال والجهل عليه بهذا الهدى ، عليه بهذا الوحي والنور الذي نزل من الله لعباده
- وجوب شكر الله على النِعم .
- السائل هو من يطلب المال ، وكذلك سائل العلم والهدى والنور .
- من التحدث بنعمة الله ألا يظهر من لسانك ولا على صفحات وجهك إلا الرضى بنعمة الله عليك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق