الأحد، 28 سبتمبر 2025
تدبر سورة الكهف م.(٢٧) / د. محمود شمس
السبت، 27 سبتمبر 2025
| الدرس التاسع والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٩) (وإذ نجيناكم من آل فرعون…)
#قصة
وليد يكره المقص#مسلسل #علماء في مواجهة السلاطين
الإمام النووي في مواجهة الظاهر بيبرس#مسلسل #علماء في مواجهة السلاطين
ابن تيمية في مواجهة غازان ملك التتار
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
ن/ "قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم* وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون* وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون* ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون* وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون* وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم* وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون* ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون* وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال:(وإذ نجيناكم من آل فرعون) أي من فرعون وملئه وجنوده، وكانوا قبل ذلك يسومونكم أن يولونهم ويستعملونهم سوء العذاب أي أشده بأن كانوا يُذبحون أبناءكم خشية نموكم، (ويستحيون نساءكم) أي فلا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل ومُذلل بالأعمال الشاقة، مستحي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه، فهذا غاية الإهانة، فمنّ الله تعالى عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم، وهم ينظرون لتقرّ أعينهم، (وفي ذلكم) أي الإنجاء (بلاء) أي إحسان (من ربكم عظيم) فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره، ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة ليُنزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة، والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبد العجل (من بعده) أي ذهابه، (وأنتم ظالمون) أي عالمون بظلمكم قد قامت عليكم الحجة فهو أعظم جرما وأكبر إثما، ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى عليه السلام بأن يقتل بعضكم بعضا، فعفى الله تعالى عنكم بسبب ذلك لعلكم تشكرون الله."
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولا تكننا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل أما بعد: لا يزال السياق في هذه الآيات القرآنية في ما وصى به سبحانه وتعالى بني إسرائيل، وفي ثنايا هذه الوصايا يذكرهم الله سبحانه وتعالى بنِعمه العظيمة والمتعدده عليهم، قد مر معنا قول الله سبحانه وتعالى (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) والمقصود بنعمته أي نعمي لأن المفرد إذا أضيف يفيد العموم فأجمل النعم هناك في قوله (نعمتي) وبدءا من هذه الآية ذكرٌ للتفصيل، تفصيل النِعم، تفصيل ما أُجمل في قوله (نعمتي التي أنعمت عليكم) بدءا من هنا قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا سيأتي معنا في آيات كثيرة يُذكرهم بنِعم أنعم بها عليهم (وإذ نجيناكم من آل فرعون)، (وإذ فرقنا بكم البحر)، (وإذ واعدنا موسى)، (وإذ آتينا موسى)، (وإذ قال موسى)، هذا كله عدّ وتفصيل لما أُجمِل في قوله سبحانه وتعالى (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) أي نعمي. والتذكير هنا لهم بالنعمة مثل قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) - والخطاب لليهود في زمن النبي عليه الصلاة والسلام- هو تذكير لهم بنِعمه على أسلافهم -آبائهم وأوليهم - بأن خلّصهم ونجاهم من سوم فرعون لهم سوء العذاب.
قال جل وعلا (وإذ نجيناكم) هذا معطوف على ما قبله، وعرفنا أن (إذ) إعرابها - وهي تأتي كثيرا في القصص القرآني- إعرابها أنها اسم في محل نصب بفعل محذوف مُقدر تقديره واذكروا
واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون أي قومه..
(يسومونكم سوء العذاب) يذيقونكم أشد العذاب
قال (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم) (يستحيون نساءكم) أي: يستبقون بناتكم للخدمة والامتهان، ومعنى يستحيون: أن يبقونهن حيات لا يقتلونهن.
(وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) الإشارة هنا في قوله (ذا) إلى ماذا؟ قوله (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) هل المراد بالبلاء هنا النعمة أو المراد النقمة؟
●هل المراد وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، أي وفي ذلك إنعام عليكم من ربكم عظيم فتكون الإشارة عائدة إلى الإنجاء (نجيناكم)
●أو تكون البلاء لأن البلاء يطلق ويراد به الشر ويراد به الخير
فإن أريد النعمة فالمراد النجاة والتنجية، وإن أريد النقمة والشر الذي حصل لهم فالإشارة في قوله (وفي ذلكم) أي إلى سوم فرعون لهم سوء العذاب يذبح أبناءهم، ويستحي نسائهم
/ منهم من أعاد أعاده على النجاة فكان المراد بالبلاء النعمة.
/ ومنهم من أعادوه على سوم فرعون لهم سوء العذاب. فيُراد بالبلاء النقمة والأذى والشر الذي حصل لهم.
(وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم)
●على الأول يكون المعنى: وفي ذلك إنعام من ربكم عظيم، أنعم الله به عليكم.
● وعلى المعنى الثاني: وفي ذلكم ابتلاء من ربكم عظيم لكم كما قال عز وجل (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)
إذن قوله (بلاء)
● قيل: النعمة
● وقيل: ما كانوا فيه من العذاب. والثاني هو قول جمهور المفسرين.
قال (وإذ فرقنا بكم البحر)
/ فإما أن تكون سببية (فرقنا بكم البحر) (بكم) أي بسببكم
/ أو (بكم) بمعنى اللام أي: لأجلكم، ولأجل تخليصكم من هذا الطاغية وأعوانه (وإذ فرقنا بكم البحر) هذا يفسره قول الله سبحانه وتعالى في سورة الشعراء (فأوحينا إلى موسى أن ضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)، كل فرق من الماء - قسم من الماء - لأن هنا قال (فرقنا) هناك قال (كل فرق) يعني كل قسم فرقه الله من الماء كالطود العظيم أي كالجبل الكبير، وهذه آية سبحان الله رأوها بأعينهم وشاهدوها، وصار الماء السيال واقف مثل وقوف الجبال كطود يعني الجبل، فأصبح الماء - ماء البحر- أقسام كل قسم منها مثل الجبل، وبين هذه الجبال الواقفة من الماء صارت الأرض يبسا ليست وحل، لأنك إن نزحت الماء من مكان استمر فيه الماء مدة طويلة يصبح ما يستطيع أحد يمشي فيه من الوحل الذي فيه الطين، فصار في نفس اللحظة - وقت الضرب- وقت لحظة ضرب موسى بعصاه البحر وقف الماء مباشرة وقوف الجبال وأصبح بين الجبال طرقا يابسة، وهذي آية رأوها، آية عظيمة - سبحان الله - من الآيات وهي في الوقت نفسه نعمة من نعم الله على بني إسرائيل.
قال (وإذ فرقنا بكم البحر)
(بكم البحر) الآية المشار إليها قبلها قال سبحانه (ولما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون* قال كلا إن معي ربي سيهدين (لأنهم يقولون العدو وصل والبحر أمامنا أين المفر؟ أين النجاة؟ (قال كلا إن معي ربي سيهدين) ثقة عظيمة بالله سبحانه وتعالى ووعده بنصر المؤمنين، قال (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم).
قال (وإذ فرقنا بكم البحر)
(وإذ) يعني: واذكروا إذ، و(إذ) هنا ظرف بمعنى حين مثل السابقة، لأن (إذ) هذه تارة تأتي وتكون اسما، وتارة تكون حرفا بحسب موقعها في الجملة، يعني مثلا في حديث جبريل (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا) (إذ) هذه حرف، يسمى حرف الفجاءة، هذا حرف، وأما (إذ) هنا فهي اسم، وهي بمعنى حين.
قوله (وإذ) يعني: واذكروا حين، (وإذ فرقنا بكم) واذكروا حين فرقنا بكم البحر.
(فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون) هذه نعمة عظيمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على بني اسرائيل، قد ثبت في الصحيح أن موسى وقومه صاموا ذلك اليوم شكرا، وكانوا يصومون ذلك اليوم، يوم الإنجاء لهم والإغراق لآل فرعون، هذه الآية العظيمة كان اليوم العاشر من محرم، فكان موسى وقومه يصومونه شكرا لله، ولما جاء عليه الصلاة والسلام المدينة وجدهم يصومونه وسأل عن سبب صيامه؟ فقالوا هو يوم أنجى الله موسى ومن معه وأغرق فرعون معه، قال: نحن أحق بموسى منهم فصامه عليه الصلاة والسلام، ثم قال بعد ذلك (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر) العاشر شكر، والتاسع مخالفة لليهود، العاشر شكر على هذه النعمة نعمة إغراق فرعون وقومه، قال (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون) فرعون وقومه وعتاد فرعون، وكان مدة طويلة من الزمان يسومهم سوء العذاب، ولما فلق الله سبحانه وتعالى البحر وصار كما تقدم مثل الجبال والطريق يابسة مشى موسى عليه السلام وقومه مع هذا اليبس إلى أن خرجوا من الجهة الأخرى سالمين، فأتبعهم فرعون بجنوده، فلما تكامل موسى وقومه خروجا، وتكامل فرعون وقومه دخولا أمر الله جل وعلا البحر أن يعود كما كان، فهذا الطاغية والجنود والعتاد و... الخ، هلكوا هَلَكَ نفس واحدة، وحينها قال فرعون (آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) قال (آلآن وقد عصيت) يعني ما ينفع إيمان المشاهدة، النافع إنما هو إيمان الغيب (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) هذا ما ينفع، هذا يسمى توبة المشاهدة.
(وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) وهذا أبلغ في ماذا؟ (أغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) تنظرون هذا العدو وجنوده، والأذى العظيم الذي حصل لكم منه، تنظرون بأعينكم وهو يغرق أمامكم، ترونه.. تشاهدون، فهذا أشفى لصدورهم وأبلغ في إهانة هذا العدو، يغرق ومن سامهم سوء العذاب ينظرون إليه، يشاهدونه وهو في الغرق، هذا أبلغ في شفاء صدورهم، وأبلغ في إهانة هذا العدو وجنوده.
قال (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) أي تمام أربعين ليلة، واعدنا موسى تمام أربعين ليلة، في قراءة (وعدنا موسى) هنا (واعدنا) من المواعدة، المواعدة هنا هي وعد من الله وقبول من موسى فجرى القبول مجرى الوعد قال (واعدنا)، والقراءة الثانية: (وعدنا موسى) من الوعد، (واعدنا) من المواعدة.
قال (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون)
هذه عجيبة، واعد الله موسى أربعين ليلة وفي فترة ذهاب موسى اتخذوا العجل وعبدوه من دون الله وهم قبلها بفترة يسيرة قليلة شاهدوا إنعام الله عليهم ومنته الكبرى عليهم في إنجائهم من ذاك العدو، بعدها بقليل، بعدها بوقت يسير عبدوا العجل مع أنه في طريقهم مباشرة بعد النجاة شاهدوا قوما يعبدون أصناما لهم (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم) هذه (جاوزنا ببني إسرائيل البحر) مباشرة لاحظ الفاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتو) الفاء هذه تفيد الفورية، يعني بعد النجاة بلحظات يسيرة مروا بقوم يعكفون على أصنام لهم (قالوا يا موسى اجعل لنا إله) هذه عجيبة، (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين* وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يُقتّلون أبناءكم) فذكرهم بالنعمة التي حصلت للتو قريبا حصلت، لاحظ بعد هذا، بعد الطلب والتحذير ذهب موسى للموعد وفي هذه الفترة وكان وعظهم عن ذلك الأمر بعدها اتخذو عجلا عبدوه من دون الله. والله إنك تعجب لهذه العقول، وفي الوقت نفسه تحمد الله على منة التوحيد، التوحيد هذه منة ما ترجع إلى أذكياء، فيه أذكياء في العالم ما يعرفون التوحيد. وفيه أناس ضعفاء العقول، ضعفاء الذكاء من أحسن الناس توحيدا، التوحيد مِنة، التوحيد مِنة وفضل من الله.
قال (وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) الواو هنا حالية (وأنتم ظالمون) أي والحال أنكم ظالمون لأنفسكم، نوع الظلم هنا؟ ظلم أكبر لأن عبادة عجل هذه كفر (وأنتم ظالمون).
قال (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك) كتب الله عز وجل لهم توبة ورجوعا عن هذا الأمر وتاب الله عليهم، وعفا عنهم من بعد ذلك، قال (لعلكم تشكرون) أي الله على ما مَنّ وتفضّل.
قال (وإذ آتينا موسى الكتاب) وهذا كله بعد خروجهم من البحر - القصة السابقة (وإذ وعدنا) هذا بعد الخروج من البحر- (وإذ آتينا موسى الكتاب) هذا أيضا بعد الخروج من البحر.
(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) الكتاب المراد به التوراة. والفرقان قيل فيه أقوال لكن أقربها أنها المراد بها التوراة، فذُكرت باسمها، وذُكرت بصفتها وما اشتملت عليه أنها فرقان بين الحق والباطل.
(وإذا أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) قال الشيخ رحمه الله: "هذا شروع في تعداد نِعمه سبحانه وتعالى على بني إسرائيل على وجه التفصيل" هذا التفصيل أتى بعد إجمال في قوله (نعمتي) (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) هناك أجمل، وهنا شروع في تفصيل ذاك الإجمال. قال: (وإذ نجيناكم من آل فرعون) أي من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك - قبل إنجاء الله لكم- كانوا يسومونكم سوء العذاب، يولونهم ويستعملونهم، ويديمون تعذيبهم وأذاهم، (سوء العذاب) أي أشده بأن كانوا يذبحون أبناءكم خشية نموكم، (ويستحيون نساءكم) أي فلا يقتلونهن، الإناث البنات لا يقتلونهن، فأنتم بين قتيل هذا في الذكور، ومذلل بالأعمال الشاقة، هذا في الإناث، مستحيا على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه، فهذا غاية الإهانة، فمنّ الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم، وهذا مثل ما تقدم أشفى لصدورهم وأنكى في هلاك عدوهم، (وفي ذلكم) الإنجاء (بلاء) أي إحسان، هذا قول في معنى الآية، وفي ذلكم الإنجاء (بلاء) أي إحسان (من ربكم عظيم) فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره. ويجعل هذا القول أقرب دلالة السياق، لأن السياق عدّ نِعم، تفصيل نِعم (وإذ نجيناكم) بهذا صُدرت الآية، وعرفنا أن من أهل العلم من أعاده على قوله (يسمونكم) أي ما كانوا فيه من العذاب المهين.
ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة ليُنزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد، حتى عبدوا العجل (من بعده) أي من بعد موسى للموعد الذي واعده ربه، (من بعده) أي ذهابه، (وأنتم ظالمون) (ظالمون) قال: "عالمون بظلمكم قد قامت عليكم الحجة" "قد قامت عليكم الحجة" من قيامها القصة التي أشرت إليها في سورة الأعراف لما طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلها كما لأولئك آلهة، فبين لهم وأقام عليهم الحجة، وبيّن أن هذا كفر بالله وهدم للتوحيد، وذكر لهم البراهين فأقام عليهم الحجة، بعد هذا بقليل اتخذوا العجل، قال: "(وأنتم ظالمون) عالمون بظلمكم قد قامت عليكم الحجة، فهو أعظم جرما وأكبر إثما" قال: "ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك لعلكم تشكرون. قال: (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون)
قال (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) (وإذ آتينا) هذه أيضا من جملة النِعم والمِنن (وإذا أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) ثم استمر السياق في ذكر النعم، نِعم الله على هؤلاء على بني إسرائيل.
ونسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما ... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
السبت، 20 سبتمبر 2025
تدبر سورة الكهف (٢٦)/ د. محمود شمس
الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025
الدرس الثامن والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٧) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…)
تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٧) (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي…)
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: فلا نزال مع هذا السياق المشتمل على وصايا الله جل وعلا لبني اسرائيل، قد تقدم قول الله عز وجل (يا بني إسرائيل) ثم أعيد هذا النداء (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) والتكرار فيه التذكير والتأكيد، التذكير بالنعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليهم، والتأكيد عليهم أن يعوا هذا الذي يذكرهم الله سبحانه وتعالى به، متذكرين فضل الله جل وعلا عليهم وإنعامَه عليهم بالنعم المتعددات، قال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) (نعمتي) مفرد مضاف يراد به الجمع، فالمراد النِعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليهم ولهذا هنا أجمل قال (نعمتي) ذكر النعمة إجمالا وسيأتي التفصيل بدءا من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا سيأتي في آيات عديدة ذكر الله عز وجل لنعم يذكرهم الله سبحانه وتعالى بها بُدأت بقوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون)، هذا الآن قوله (وإذا نجيناكم) بدأٌ بالتفصيل، هنا إجمال للنعمة قال (نعمتي التي أنعمت عليكم) هذا إجمال ثم بدأ التفصيل من قوله (وإذ نجيناكم من آل فرعون) ولهذا ستجد يمر معنا في السياق أنواع من النعم يعددها (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد) إلى آخر الآية وهكذا تجد يأتي تعداد للنعم هنا أجمل وبعده ماذا؟ فصّل.
قال (يا بني إسرائيل) عرفنا ما في قوله (يا بني اسرائيل) من حفز النفوس، نفوس هؤلاء وتذكيرهم بانتسابهم لهذا النبي الصالح عليه السلام يعقوب.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا تخصيص بعد تعميم (نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) هذا من جملة النعم، التفضيل هو من جملة النعم (وأني فضلتكم على العالمين) فضّل مَن؟ بني إسرائيل على العالمين، أي عالَم؟ العالم كله؟ (وأني فضلتكم على العالمين) أي عالم الزمان الذي كان فيه من يُعنون بهذا الخطاب، لأن هذا تذكير للموجودين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام بماذا؟ بالنعم التي أنعم بها على من؟ على آبائهم وأجدادهم (جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) الحديث عن ماذا؟ عن النعم التي أنعم بها على آبائهم وأجدادهم، يوضح لك أن هذا هو المقصود الآية التي تأتي (وإذ نجيناكم من آل فرعون) الذين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هل رأوا فرعون؟ إذن، لما يقول (وإذ نجيناكم من آل فرعون) هذا المعني به مَن؟ يذكرهم بنعمة الله على آبائهم وأجدادهم.
وأختم هذا المجلس بفائدة نافعة لطيفة رأيتها في تفسير بن جُزَيء لهذه الآية (يا بني إسرائيل) فائدة لطيفة ونافعة:
يقول رحمه الله: (يا بني اسرائيل) لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل خصوصا" الناس عموما أين؟ (يا أيها الناس اعبدوا ربكم)
" لما قدم دعوة الناس عموما دعا بني اسرائيل خصوصا وهم اليهود وجرى الكلام معهم من هنا" - من قول (يا بني إسرائيل) إلى ماذا؟ قال: "إلى حزب سيقول السفهاء" كله يتعلق بخطاب لبني إسرائيل إلى حزب (سيقول السفهاء) فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم، وتارة بالتخويف، وتارة بإقامة الحجة، وتوبيخهم على سوء أعمالهم، وذِكر العقوبات التي عاقبهم بها".
ثم انظر هذا التلخيص الآتي اللطيف قال: "فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء من النِعم : وإذ نجيناكم من آل فرعون، وإذ فرقنا بكم البحر، بعثناكم من بعد موتكم، وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى، ثم عفونا عنكم، فتاب عليكم، نغفر لكم خطاياكم، أتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا"
قال: "وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء -كلها في السياقات الآتية- وذكر من سوء أفعالهم عشرة أشياء: قولهم سمعنا وعصينا، واتخذتم العجل، وقالوا أرنا الله جهرة، وبدل الذين ظلموا، ولن نصبر على طعام واحد، ويحرفونه. وتوليتم من بعد ذلك، وقست قلوبكم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق.
قال: "وذكر من عقوبتهم عشرة أشياء: ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، ويعطوا الجزية، واقتلوا أنفسكم، وكونوا قردة، وأنزلنا عليهم رجزا من السماء، وأخذتكم الصاعقة، وجعلنا قلوبهم قاسية، وحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. وهذا كله جزاء لآبائهم المتقدمين".
هذا ونسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه صراط مستقيما.. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
الأربعاء، 10 سبتمبر 2025
فوائد من سورة هود الآيات (١- ١٢)
/ (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) يعلم بعواقب الأشياء، وخباياها وخفاياها، فلا يتطرق إلى تفصيله وإحكامه وأمره ونهيه شيء من الشك؛ لأن الإنسان عادة يرتاب ويشك من إحدى جهتين حينما يؤمر بشيء، إما أنه يتخوف من جهة نقص العلم، أن الذي أمره معلوماته قد تكون خطأ، لأن هذا الشيء الذي أمر به في نفسه غير صحيح، أو يتخوف من جهة الحكمة، قد يكون هذا الشيء الذي تقوله الآن صحيحاً لكن ليس في هذا الوقت مع أنه في نفسه حق، لكن الله -عز وجل - لا يرد عليه لا هذا ولا هذا، لا نقص في العلم ولا في الحكمة، فهو يضع الأشياء في مواضعها، ولذلك إذا أمر بشيء ينبغي أن يتلقى مباشرة، بكل ثقة ولا يقال: هذه ما تصلح، هذه تؤدي إلى مفاسد.
/ قوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) قال ابن كثير : " أي نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له " . وهذا تفسير جيد، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فجاء الأمر بالتوحيد وغيره، لكنه ذكر التوحيد لأن كل ما يُذكر من الأمر والنهي عائد إليه، فيذكر القصص والأمثال وغير ذلك من أجل أن يتعظوا ويعتبروا وينقادوا ويستجيبوا لله تبارك وتعالى - إذا دعاهم لعبادته، وما يذكره من أسمائه وصفاته ودلائل قدرته كل ذلك راجع إلى التوحيد.
/ (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله- : " أي يعلم أين منتهى سيرها في الأوض وأين تأوي إليه من وكرها، وهو مستودعها " ، يعلم أين منتهى سير هذه الأشياء، فحينما تنطلق الطيور من أوكارها، والدواب تخرج من جحورها ونحو ذلك فهي حينما تنطلق الله -عزوجل- يعلم منتهى ذلك، يعلم مستقرها أين تصل، أين تذهب، أين تجيء، أين تكون، حينما تقع على الأشجار أو على الجبال أو غير ذلك، ( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا } أين تكون ومنتهى سيرها، ( وَمُسْتَوْدَعَهَا } المكان الذي تأوي إليه، كل ذلك يعلمه، كل ما يصدر منها من حركة وانتقال فالله - عزوجل- قد أحاط به وعَلِمه لا يخفى عليه من ذلك خافية. وذكر عن ابن عباس -رضي اللّٰه تعالى عنهما- :" ( مُسْتَقَرَّهَا ) أي: حيث تأوي، والمستودع قال: حيث تموت" وهذا قال به ابن جرير - رحمه الله - فالله -عزوجل- جعل الأرض مستودعاً لهذه المخلوقات، ثم يبعثهم اللّٰه - عزوجل- منها، ويدل عليه حديث أبي عزة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّٰه -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قضى اللّٰه لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، أو قال: بها حاجة)٢ فتقول: هذا ما استودعتني) .
/ (كُلُّ فِي كِتَبٍ مُبِينٍ) أي: يبين عما فيه من عددها وأرزاقها وحركاتها وسكناتها، وتفاصيل كل ما يتعلق بها، كما في الآية الأخرى: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ } ، الراجح فيه: اللوح المحفوظ.
/ (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَنَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَٰهَا مِنْهُ إِنَّهُ, لَيَوسُ كَفُورٌ) (وَلَيِنْ أَذَقْنَٰهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّيَ إِنَّهُ لَفَرِحُ فَخُورُ )
الدرس السابع والأربعون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٤)
تفسير سورة البقرة: من الآية (٤٤) (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم …)
ن/ قال رحمه الله "(قوله
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين* الذين يظنون أنهم ملاقوا
ربهم وأنهم إليه راجعون* يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني
فضلتكم على العالمين* واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة
ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون) أمرهم الله تعالى أن يستعينوا في أمورهم كلها
بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله
حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على
ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور ومن يتصبر يصبره الله،
وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان وتنهى عن الفحشاء والمنكر يستعان بها على كل
أمر من الأمور، (وإنها) أي الصلاة (لكبيرة) أي شاقة (إلا على الخاشعين) فإنها سهلة
عليهم خفيفة، لأن الخشوع وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فعلها منشرحا صدره
لترقبه للثواب وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعي له يدعوه
إليها وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه، والخشوع هو خضوع القلب وطمأنينته،
وسكونه لله تعالى وانكساره بين يديه ذلا وافتقارا، وإيمانا به وبلقائه ولهذا قال (الذين
يظنون) أي يستيقنون (أنهم ملاقوا ربهم) فيجازيهم بأعمالهم، (وأنهم إليه راجعون)
فهذا الذي خفف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلي في المصيبات، ونفّس عنهم الكربات،
وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم
يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات، من أشق شيء عليه"