الجمعة، 31 يناير 2025

الدرس التاسع والعشرون / تفسير سورة البقرة: من الآية (٣) (الذين يؤمنون بالغيب..)

تفسير سورة البقرة: من الآية (٣) الذين يؤمنون بالغيب...


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة لتضمن التقوى لذلك، فقال (الذين يؤمنون بالغيب) حقيقة الإيمان هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر، وإنما الشأن في الإيمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به لخبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. فهذا الإيمان الذي يُميَّز به المسلم من الكافر لأنه تصديق مجرد لله ورسله، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله تعالى به، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم سواء شاهده أو لم يشاهده، وسواء فهمه وعقِله أو لم يهتدِ إليه عقله وفهمُه، بخلاف الزنادقة المكذبين بالأمور الغيبية لأن عقولهم القاصرة المقصّرة لم تهتدِ إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ففسدت عقولهم ومرجت أحلامهم، وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله. ويدخل في الإيمان بالغيب الإيمان بجميع ما أخبر الله تعالى به من الغيوب الماضية والمستقبلة وأحوال الآخرة، وحقائق أوصاف الله تعالى وكيفيتها، وما أخبرت به الرسل من ذلك، فيؤمنون بصفات الله تعالى ووجودها ويتيقنوها وإن لم يفهموا كيفيتها"
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى وآله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد:
 قول الله عز وجل (هدى للمتقين): (هدى) هذا عائد إلى القرآن الكريم (هدى للمتقين) أي فيه هداية لهم ومر معنا إشارة المصنف إلى قول الله عز وجل (هدى للناس) فالقرآن هدى للناس عموما بما حواه من هدايات ونفع لهم، وهدى للمتقين أي باعتبار انتفاعهم به وأخذهم بهدايات هذا القرآن العظيم.
 (هدى للمتقين) عرّف الشيخ فيما سبق المتقين الذين اتقوا ما يُسخط الله بفعل الأوامر وترك النواهي، قال جل وعلا (هدى للمتقين) فإذا قيل ما صفاتهم؟ هؤلاء الذين انتفعوا بهدايات القرآن واهتدوا بنوره وضيائه ما هي صفاتهم؟ جاءت تباعا: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) هذه الصفات للمتقين، وعلى هذا النحو جاء آيات في القرآن وهي مهمة في معرفة التقوى ومن هم أهلها وما صفاتهم، لأن هذه الآيات في أوائل سورة البقرة ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المتقين قال (للمتقين الذين) القرآن ثلاث آيات على هذا النحو (للمتقين الذين)، (الذين) ثم تُذكر الصفات، هنا قال: (للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) إلى آخر الآيات، وقال في آل عمران (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين* والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله) ثم قال: (أولئك جزاؤهم مغفرة) مثل هنا قال: (أولئك على هدى من ربهم) فيذكر الصفات ثم الثواب الذي أعدّه الله سبحان وتعالى للمتقين، وقال جل وعلا في سورة الأنبياء (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) (للمتقين الذين) مثلها، وذكرا للمتقين (الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون)، (يخشون ربهم بالغيب) أي يخافون ربهم في الخلوات، في السِر، في قلوبهم خوف وخشية من الله سبحانه وتعالى، وهذه من أمارات التقوى العظيمة أن يخشى المرء ربه في الغيب، أي حال خلوته إذا خلوتَ الدهر يوما فلا تقل **خلوت ولكن قل عليّ رقيب
قال (هدى للمتقين) ثم جاءت الصفات، وإذا قرأتها تجد أن هذه الصفات للمتقين في الجملة على نوعين: عقائد وشرائع، أو قل عقائد وأعمال، العقائد: الإيمان الذي في قلب المرء مستقر في قلبه متمكن، والأعمال: الطاعات الصلاة والزكاة ونحوها، فجُمع في صفات المتقين بين العقيدة والعمل، أو العقيدة والشريعة، مثلها كذلك في صفات المتقين قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين) هذه عقيدة ، (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (أولئك) أي أهل هذه الصفات، ما هي هذه الصفات؟ عقيدة وعمل مثل ما جاء في أول السورة، فيؤخذ من هذا أن صفات التقوى في الجملة: صحة اعتقاد، وصلاح عمل.
هذه خلاصة صفات المتقين، صحة اعتقاد، اعتقاد صحيح، عقيدة صحيحة مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وصلاح عمل، محافظة على العمل، وهذا أيضا هو حقيقة الإيمان، الإيمان قول وعمل، الإيمان عقيدة وشريعة، ولهذا الشيخ يقول: "ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال" هذا مقدمة للصفات، وقال: "ثم وصفها بالعقائد والأعمال" بالعقائد التي في القلوب، والأعمال التي يقوم بها المرء بجوارحه، ولسانه وقلبه، قال: "لتضمن التقوى لذلك" قال: "ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال" العقائد في القلوب والأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة لأن هناك في القلب زيادة على عقيدة، هناك أعمال في القلب، الحياء والخشية، والإنابة والتوكل، هذه أعمال قلبية، هناك أعمال باللسان، هناك أعمال بالجوارح، وإذا عُمر القلب بتقوى الله جل وعلا طابت الجوارح وزكت بالأعمال الصالحة المُقرِبة إلى الله سبحانه وتعالى.
الصفة الأولى للمتقين قال: (الذين يؤمنون بالغيب) ما معنى يؤمنون بالغيب؟ أي يؤمنون بكل ما غاب عنهم مما أخبرتهم به رسل الله، يؤمنون بكل ما غاب عنهم، ما معنى غاب عنهم؟ أي لا يرونه، لا يشاهدونه، "يؤمنون بكل ما غاب عنهم مما أخبرتهم به رسل الله، بكل التفاصيل التي أخبرتهم به الرسل، فالرب سبحانه وتعالى لا يراه عباده في هذه الدار (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) لكن يؤمنون بكل صفاته التي جاءت في الكتاب والسنة، الملائكة لا يراهم العباد ويؤمنون بكل صفات الملائكة التي جاءت في الكتاب والسنة، اليوم الآخر وتفاصيله وهو آت لا ريب فيه، المؤمن يؤمن بكل التفاصيل التي جاءت عن اليوم الآخر في الكتاب والسنة، كل ما أخبرت به رسل الله من الأمر الذي لا يُشاهد، لا يُرى، لا يُحس يدخل في الإيمان بالغيب، قال أبو العالية في معنى قول الله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب) قال: "يؤمنون بالله" هذا معنى يؤمن بالغيب يؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث، فهذا غيب كله، فإذن قوله (يؤمنون بالغيب) ماذا دخل تحتها؟ نعم، العقيده كلها، أصول الإيمان كلها دخلت تحت قوله (الذين يؤمنون بالغيب)، وهذه الصفة (يؤمنون بالغيب) هي من أخص وأبرز صفات المؤمن، أما الكافر، وأما المكذب والجاحد والمعاند، والمستكبر يقول أنا لا أؤمن إلا بما أحسه، وبما أراه دائما، المؤمن ميّزه الله عن العالمين بهذه الصفة العظيمة الإيمان بالغيب. ولهذا بُدأت صفات المؤمنين في أول كتاب الله سبحانه وتعالى بهذه الصفة (الذين يؤمنون بالغيب)، قال الشيخ: "حقيقة الإيمان هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل المتضمن لانقياد الجوارح" المتضمن لانقياد الجوارح وليس اللسان، فالإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس فإنه لا يتميز بها المسلم الكافر، إنما الشأن في الإيمان بالغيب الذي لم نره ولم نشاهده وإنما نؤمن به لخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا الإيمان الذي يُميز به بين المسلم من الكافر لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم سواء شاهده أو لم يشاهده، لم يشاهده هذا هو الإيمان بالغيب سواء شاهده أو لم يشاهده، وسواء فهمه عقله أو لم يهتدِ إليه عقله وفهمه، يعني لم يقف على مثلا الحكمة ولم تتبين له الحكمة فهو يؤمن به. قال: "بخلاف الزنادقة المكذبين بالأمور الغيبية لأن عقولهم القاصرة والمقصرة لم تهتدِ إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، فسدت عقولهم، ومرج أحلامهم، وزكت عقول المؤمنين. المصدقين المهتدين بهدى الله"
 ثم بين الشيخ رحمه الله أنه يدخل في الإيمان بالغيب الإيمان بجميع ما أخبر الله به من غيوب ماضية ومستقبلة، أحوال الآخرة وحقائق وأوصاف الله، وتقدم معنا النقل عن أبي العالية، وهذا أيضا جاء عن غيره في أن الإيمان بالغيب ينتظم أصول الإيمان كلها.

📖 قال رحمه الله: "ثم قال (ويقيمون الصلاة) لم يقل يفعلون الصلاة أو يأتون بالصلاة لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة، فإقامة الصلاة إقامتها ظاهرا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطنا بإقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقول ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله تعالى فيها (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وهي التي يترتب عليها الثواب، فلا ثواب للعبد من صلاته إلا ما عقَل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها".
🎤قول الله سبحانه وتعالى (ويقيمون الصلاة) هذه أول صفة للمتقين بعد العقيدة، أول صفة للمتقين بعد صلاح العقيدة إقامة الصلاة، وهذا يدل على المكانة العظيمة للصلاة وأنها كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام أعظم موضوع، وهي عماد الدين، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من العمل ويدل في هذا النص على مكانة الصلاة العظيمة ومنزلتها العلية أنها ذُكرت بعد العقيدة مباشرة، الدين عقيدة وعمل، عقيدة وشريعة، أول العمل، في مقدمة العمل الذي جاءت به الشريعة ماذا؟ الصلاة، والله جل وعلا قال: (الذين يقيمون الصلاة) ما قال الذين يصلون، الذين يفعلون الصلاة، الذين يأتون بالصلاة، وإنما قال (الذين يقيمون الصلاة) وإقامة الصلاة قدر زاد على مجرد الفعل، يقيمون الصلاة مثل ما بين المصنف رحمه الله تعالى يتناول إقامة الصلاة ظاهرا وباطنا، ظاهرا بإتمام الأركان والشروط والواجبات والعناية بالسنن، هذا كله إقامة للصلاة، وباطنا بالخشوع فيها وإقبال القلب فيها على الله سبحانه وتعالى الذي هو روح الصلاة.
قال: "وإقامتها باطنا بإقامة روحها وحضور القلب فيها وتدبر ما يقول ويفعل منها". انتبه لهذه الفائدة وتجد تفاصيلها في كتاب الصلاة لابن القيّم فائدة مهمة قال: "يتدبر ما يقول ويفعل منها" لما يصلي المصلي يتدبر في صلاته ما يقول، ما يتلو من القرآن، وما يأتي به من أذكار، يعني في يتدبر في التكبير الله أكبر، سمع الله لمن حمد، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى، لا يقولها ألفاظا مجردة، بل يقولها وهو يُعمِل قلبه على استحضار معانيها، هداياتها، دلالاتها، وأيضا يتدبر في أعمال الصلاة ما يفعل الركوع، السجود، الجلسة، التشهد، جلسة التشهد، الجلسة بين السجدتين، يتأمل في هذه الأعمال، وابن القيم رحمه الله تعالى له تفاصيل نافعة جدا مفيدة للعبد في إعانته على هذا التدبر، تدبر لأقوال الصلاة وتدبر لأفعال الصلاة، قال: "فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأيضا قال الله فيها واستعينوا بالصبر والصلاة في هاتين الآيتين الصلاة فيها معونة. ومزدجر، معونة (استعينوا بالصبر والصلاة) ومزدجر (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، لكن: ما هي الصلاة المعينة؟ وما هي الصلاة الزاجرة؟
 أهي كل صلاة؟ أهي نقرها كنقر الغراب؟ أهي إضاعة وقتها، والإتيان بها هكذا سريعا ليتخلص منها؟ قال (الذين يقيمون الصلاة) إقامتها يدخل فيها الحفاظ على الوقت، يدخل فيه العناية بالأركان، الشروط والواجبات، ويدخل فيه روح الصلاة ولب الصلاة وهو حضور القلب وأداؤها بخشوع، وبحسب هذا الحضور من القلب، يكون الحظ من الأجر، لأنه كما ثبت في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الرجل يصلي ليس له من صلاته إلا نصفها إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا عشرها، إلا ثمنها) ...الخ ما معنى هذا؟ يعني ليس له إلا ما عقل من صلاته، هذا المعنى ليس له إلا ما عقل من صلاة، قال الشيخ: "وهي التي يترتب عليها الثواب فليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها. هذا فيه حديث لكن لم يثبت (ليس للرجل من صلاته إلا ما عقل منها) لكن المعنى يدل عليه الحديث الآخر ليس له من صلاته إلا نصفها، إن هذا ثابت. قال: "ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها" ما معنى دخل في الصلاة؟ يعني التي مأمور بإقامتها، فكما أن العبد مأمور بإقامة الفريضة بأركانها وشروطها، وحضور القلب فيها، فكذلك هو مأمور بماذا؟ في النافلة أن يقيم الأركان والشروط والواجبات ويؤديها بحضور قلب.

📖 قال رحمه الله: "ثم قال (ومما رزقناهم ينفقون) يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الزوجات، والأقارب، والمماليك، ونحو ذلك، والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير، ولم يذكر المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله، ولأن النفقة من حيث هي قربة إلى الله، وأتى بمن الدالة على التبعيض لينبههم أنه لم يُرِد منهم إلا جزء يسيرا من أموالهم غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه وينتفع به إخوانهم، وفي قوله (رزقناهم) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم وإنما هي رزق الله تعالى الذي خولكم وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضّلكم على كثير من عباده، فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين.
🎤قال: قول الله عز وجل (ومما رزقناهم ينفقون) قال (ومما رزقناهم) (من) تفيد التبعيض، لم يقل وينفقون ما رزقناهم، (ومما رزقناهم) أي ينفقون بعض وقليل مما رزقناهم، وهذا فيه أن الزكاة والصدقة هي قليل من كثير، قليل يخرجه الغني من كثير أعطاه الله سبحانه وتعالى إياه، وهي صدقة تؤخذ من الأغنياء وتُرد على الفقراء. وسميت في الشريعة الزكاة (يؤتون الزكاة) سميت زكاة لأنها فيها زكاة لمن يخرج المال، زكاة لقلبه، وفيها أيضا زكاة لماله (ما نقصت صدقة من مال) بل هي بركة لماله وسِعة فيه، وأيضا زكاة للمجتمع لأنها تقوي التكافل، والتراحم المطلوب بين أهل الإيمان (مَثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد).
 قال: "يدخل فيها النفقة الواجبة"  (ومما رزقناهم ينفقون) يدخل فيها النفقة الواجبة كالزكاة والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك، ويدخل فيها أيضا النفقة المستحبة بجميع طرق الخير.
(ومما رزقناهم ينفقون) على مَن؟ لم يذكر في الآية على من، يقول الشيخ: "ولم يُذكَر المُنفق عليه لكثرت أسبابه وتنوع أهله، كثير وجوه الخير، الواجبة وجوهها ثمانية كما في آية الصدقات في سورة التوبة والمستحبة بابها واسع، فلم يُذكر المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله، ولأن النفقة من حيث هي قربة إلى الله سبحانه وتعالى بشرط أن يكون أخرجها تقربا إلى الله، يريد بها وجه الله (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).
قال: "وأتى بمِن الدالة على التبعيض لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزء يسيرا من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه" ينتفعون بوجوه عديدة من الانتفاع من أعظمها أعظم الانتفاع الوقاية من شح النفس (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) ومن المنافع البركة في المال، يحصل لماله بركة، الصدقة لا تنقص المال بل تكون سببا لبركة المال، ومن الفوائد الزكاة التي تحصل للقلب (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ففيها طهارة، وفيها الزكاة للمال، قال: "وينتفع بها إخوانهم الفقراء والمحتاجين  تنفعهم غاية النفع لأنها تسد حاجة وعوز وفقر.
وفي قوله (ومما رزقناهم) هذا تذكير للغني أن المال الذي بيدك هذا منّة الله عليك، الله الذي أعطاك إياه، والله الذي رزقك إياه فلا تشُح بما أعطاك الله وأكرمك سبحانه وتعالى به، في قوله (رزقناهم) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم وإنما الله الذي ملككم إياها، ورزقكم إياها، كم من الأذكياء وفطناء الناس دخلوا في وجوه في التجارة ما حصلوا شيء مع ذكائهم وحِدة فطنتهم ونباهتهم ما حصلوا شيء، وكم من أناس ليس من الأذكياء وربما يوصف بعضهم بأنه من الأغبياء ويُحصّل مالا كثيرا، تنفتح عليه الدنيا وتُصب عليه صبا فهذا رزق الله، هذا رزق الله سبحانه وتعالى، لا يقول القائل ورثته كابرا عن كابر، أو أنا حقيق به، أو حصّلته بجدارتي وفطنتي ونباهتي، (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)، قال: "وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضّلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم واسوا إخوانكم المعدمين"، "واشكروه" هذا فيه أن الصدقة من الشكر، شكر المُنعم سبحانه وتعالى. نعم

📖 قال رحمه الله: "وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان".
🎤قال رحمه الله: وهذه لطيفة ينبه عليها يقول: "كثيرا ما يُجمع بين النفقة والصلاة (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) كثيرا ما يجمع بين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا تُوصف الزكاة بأنها قرينة الصلاة في كتاب الله، ما معنى قرينتها؟ أي رفيقتها تُذكر الصلاة فتذكر معها فهي قرينة الصلاة، والصلاة أفضل العبادات البدنية، والزكاة أفضل العبادات المالية.
 قال الشيخ في وجه كثرة الجمع بين الصلاة والزكاة في القرآن قال: "لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على العبيد" ويجمع هذين الأمرين قول الله عز وجل (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) أي: أحسنوا في عبادة الخالق، وأحسنوا في معاملة المخلوق، فالزكاة متضمن للإحسان للعبيد، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين، فلا إخلاص ولا إحسان. نعم

📖 قال رحمه الله: "ثم قال (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) وهو القرآن والسنة، قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفرقون بين بعض ما أُنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه إما بجحده أو تأويله على غير مراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يأولون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناها وإن صدقوا بلفظها، فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا، وقوله (وما أُنزل من قبلك) يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بالكتب السماوية كلها وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم"

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما... سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق