ننتقل الآية التي بعدها يا شيخ.
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:115]
بارك الله فيك..
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، هذه من الآيات التي وردت في مسألة القبلة في الصلاة، وسوف تأتي معنا الآية الصريحة في تحويل القبلة إلى الكعبة بدل بيت المقدس.
{ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي ولله مُلك المشرق والمغرب، يأمر عباده سبحانه وتعالى بما شاء، حيثما توجهوا فهم يستقبلون القبلة، فهو المحيط سبحانه وتعالى ، وهذه الآية يستدل بها العلماء على أن القبلة شرطٌ من شروط الصلاة، فلا تصح الصلاة إلا باستقبال القبلة. والمقصود – كما تعلمون- بالشرط: هو ما يلزم من عدمه العدم ، يعني الصلاة -مثلًا- شرط من شروط الصلاة الطهارة، هل يصح أن تُصلي بدون طهارة؟ لا .. لكن تطهّرت هل يجب عليك أن تُصلي؟ لا.. لأن يمكن تتوضأ في غير وقت الصلاة، ولذلك يقولون في تعريف الشرط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته، يعني أهل المنطق أفادونا حقيقة في التعريفات هذه، فيقولون: هذا هو الشرط، الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته، كالطهارة للصلاة، فلا تجوز الصلاة بدون طهارة، ولكن لا تجب الصلاة عند الطهارة. فإذًا نقول: استقبال القبلة شرطٌ من شروط الصلاة بدلالة هذه الآية.
/ ومن فوائدها أيضًا: أنه إذا صلى المصلي لغير القبلة اجتهد، كان في سفر فاجتهد في معرفة القبلة، فتبين له أنها في هذا الاتجاه فصلى، وبعد أن انتهى من الصلاة تبين له أنه أخطأ في اتجاه القبلة؛ فالحكم أنه ليس عليه إعادة الصلاة بدلالة هذه الآية: { َلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، فكأن الله يلتمس لنا العذر عندما نجتهد فنُخطئ في معرفة اتجاه القبلة في أسفارنا وفي الأماكن التي لا نعرف فيها اتجاه القبلة. وطبعًا ذكر الشيخ صديق حسن خان من فوائد هذه الآية: جواز النافلة على الراحلة في السفر أنه يجو للمسافر وهو على راحلته أن يتنفّل سواءً كان متجهًا إلى القبلة أو غير متجه للقبلة، وهذا كما ثبت في الحديث وفي فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابتلاه الله بكلمات فأتمّهن، والمفسرون لهم في الحديث عن الكلمات هذه تفاسير كثيرة ، والمقصود أن الله سبحانه وتعالى ابتلاه بأحكامٍ وتكاليف فقام بها على وجهها عليه الصلاة والسلام وأتمّها فقال الله سبحانه وتعالى : { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، أي قدوةً يُقتدى بك في أفعالك وأقوالك، فقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: يا رب اجعل من ذرتي أئمةً يُقتدى بهم، فقال الله سبحانه وتعالى له: لا ينال عهدي لك بالإمامة الظالمين من ذريتك.
ولاحظوا - سبحان الله – فضل الله العظيم الذي لا يُحدّ كيف أنه يئس من الولد وكبُر سنه أليس كذلك؟ وكانت امرأته عاقرًا، ثم لم يجعل الله سبحانه وتعالى أن يكافئه بأبناء عاديين وإنما كافأه بأنبياء وبرسل هم قادة هذه الأمة بعده، ، ولذلك كان من ذريته إسحاق وإسماعيل. فأما إسحاق فقد جعل في ذريته النبوة والكتاب، فجاءوا أنبياء بني إسرائيل كلهم من ذرية إسحاق،وجعل إسماعيل ولم يأت من ذرية إسماعيل من الأنبياء إلا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنه فاق الجميع عليه الصلاة والسلام. ولذلك كما قال ابن الرومي في بيتٍ جميل يقول: أحيانًا يكون الشرف لوالد بسبب الولد فيقول:
كم من أبٍ قد رقى بابنٍ ذرى شرفٍ *** كما رقت برسول الله عدنانُ
فهذا فضلٌ عظيم من الله سبحانه وتعالى جعله لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وتأملوا قصة إبراهيم وكيف صبر وكان يُدافع عن العقيدة ويُدافع عن التوحيد، فرفع الله قدره في الدنيا وفي الآخرة.
/ من أهم الفوائد التي تُستنبط من هذه الآية والأحكام: "على أن الإمام لابد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع" أنه يُشترط في الإمام الذي يكون إمامًا للمسلمين أن يكون عدلًا مقيمًا للشرع بدلالة قوله سبحانه وتعالى : { لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، لأنه قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، فقال العلماء: إذًا يُشترط في الإمام ألا يكون ظالمًا، وعكسها أن يكون عدلًا عادلًا مقيمًا لأحكام الشرع، فهذه فائدة.
/ وأيضًا من فوائدها: قال الشيخ صديق حسن خان: اشتراط السلامة من الظلم في كل الأمور الدينية والشرعية، وأنه مُحرم.
وتُلاحظون – أيها الأخوة – من الفوائد التي تظهر معنا في هذه الآيات: أن الأحكام الشرعية الكبرى العظيمة في الإسلام لم يأت شرعها بآيةٍ واحدة، وإنما تتكاثر الآيات والأدلة من الأحاديث النبوية أيضًا على مشروعيتها كالصلاة مثلًا والزكاة وغيرها.
/ ومن فوائدها التي ذكرها الشيخ صديق حسن خان -أيضا- في كتابه هذه الآية قال: "أن التنظف ونفي الأوساخ والأقذار عن الثياب والبدن من الأمور المأمور بها لِما ورد أيضًا في هذه الآيات في قوله: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.. إلخ.
-----------------------------------------------------
جزى الله خيرا من قام بالتفريغ وقد نقلته (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق