الأحد، 7 يونيو 2020

الإلمام بآيات الأحكام / الحلقة (2) - بين يدي كتاب (نيل المرام) لصديق حسن خان


بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. حياكم الله أيها الإخوة الكرام في هذه المجالس العلمية [الإلمام بآيات الأحكام]
.. كتاب "نيل المرام" الذي اختاره الزملاء في هذه الدورة يُعتبر من الكتب المتأخرة، وصديق حسن خان هو من الذين يرون أن عدد آيات الأحكام محصور في عدد مُحدد. والذي جعل – أيها الأخوة – العلماء يحصرون آيات الأحكام في هذا العدد هو: التيسير على طلاب العلم - من أمثالنا - بحيث أنه عندما يشترطون في كتب أصول الفقه شروط المجتهد الذي يحق له الاجتهاد في الفقه قالوا: "من شروطه أن يكون عارفًا بآيات الأحكام، عارفًا بأحاديث الأحكام" فصنفوا في آيات الأحكام وصنفوا في أحاديث الأحكام. 

آيات الأحكام أرادوا أن يقربوا له الآيات التي يحتاجها المسلم في حياته العملية الفقهية. ولذلك تُلاحظون في كليات الشريعة الآن نُقرر أو يُقررون على الطلاب الآن في التفسير تفسير آيات الأحكام، لأنهم يعلمون أن خريج كلية الشريعة سيتوجه إلى القضاء، أو يتوجه إلى المحاماة، أو يتوجه إلى كتابة العدل ونحو ذلك، فسيحتاج إلى هذه الآيات التي تتحدث عن الحقوق - الحقوق الشخصية كما يسمونها - في الأنكحة والطلاق والعتاق والظهار وتقسيم التركات ونحو ذلك. فقالوا: نُركز على هذه الآيات، وإلا كما قال صديق حسن خان - وسوف نقرأ المقدمة - "أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يُغفل آية واحدة من القرآن الكريم إلا ويتعلمها"، ولكننا نحن من هذا الباب وهو باب التيسير على طالب العلم قرّبنا له الآيات التي نرى أن فيها أحكاما فقهية صريحة لكي يكون على معرفة وعلى صلة وثيقة بهذه الآيات، فلذلك صنفوا آيات الأحكام واختصروها.
بعضهم قال: مائة وخمسين آية، بعضهم قال: مائتين آية، بعضهم قال: ستمائة آية، وهناك مؤلفات الآن صغيرة رأيتها ربما ثلاثة أو أربعة ليست كثيرة جمعوا فيها آيات الأحكام فقط مع ترتيبها على السور، وبعضهم جمعها مع ترتيبها على الموضوعات وهذا أجود، لأن تفسير آيات الأحكام أولى أنواع التفسير التي ينبغي أن تُرتب ترتيبًا موضوعيًا. وهذا مستغرب أن العلماء الذين صنفوا في آيات الأحكام لم يسلكوا هذا الترتيب من قديم، فيجمعوا آيات الأحكام التي وردت في الطهارة مع بعضها، آيات الأحكام التي وردت في الصلاة مع بعضها، ولذلك حتى البيضاوي – رحمه الله – عندما جاء إلى تفسير آيات الخمر في سورة البقرة لم يكتفِ بالحديث عن قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] ، لأن هذه الآية الذي يقرأها بمفردها سيستدل بها على أنه يجوز شرب الخمر، واستدلاله صحيح ، لكنه إذا لم يعرف الآية التي نسخت هذه الآية في سورة المائدة سيبقى الحكم عنده خاطئًا، ولذلك استحضر كل الآيات التي وردت في تحريم الخمر، في سورة النحل، وفي سورة المائدة، وفي سورة البقرة، وفي سورة النساء { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النساء:43]، فلخصها تلخيصًا بديعًا في أول موضع في سورة البقرة،ولذلك تفسير آيات الأحكام ينبغي أن يكون دائمًا بهذه الطريقة حتى يستكمل طالب العلم الرؤية الكاملة للحكم كيف ورد في القرآن الكريم، طيب.
 هنا ماذا يقول الشيخ صديق حسن خان؟
 طبعًا صديق حسن خان هو من العلماء المتأخرين الهنود وكان ملكًا بالمناسبة، كان أبوه ملك وكان هو أيضًا ملكًا في مملكة بهوبال في الهند، فكان رجلًا موسرًا وغنيًا وثريًا ويطلب الكتاب بأي ثمن، ولذلك بالغ النساخ والوراقون في جلب الكتب له بغالي الأثمان. ولذلك بعض المخطوطات إلى اليوم مازالت من أفخر المخطوطات لأنها قُدمت إلى صديق حسن خان، وكان ملكًا يدفع فيها مبالغ طائلة. فصنف كتابًا – وكما تعلمون – في تفسير القرآن سماه "فتح البيان في مقاصد القرآن" وصنف هذا الكتاب "نيل المرام في تفسير آيات الأحكام" ، أيضًا لخص فيه آيات الأحكام على الرؤية التي يراها، ولذلك يقول في المقدمة الشيخ صديق حسن خان - طبعًا هو تُوفي سنة ألف وثلاثمائة وسبعة يعني مُتأخر ليس قديمًا - قال: "وبعد.. فهذه الآيات التي يحتاج إلى معرفتها راغبٌ في معرفة الأحكام الشرعية القرآنية" - لاحظوا الشرعية القرآنية، الشرعية يقصد بها الفقهية - "وقد قيل إنها خمسمائة آية وما صح ذلك" يعني هو يرفض هذا الرقم يقول رقم مبالغ فيه، "وإنما هي مائتا آيةٍ أو قريبٌ من ذلك وإن عدلنا عنه وجعلنا الآية كل جملةٍ مفيدة يصح أن تُسمى كلامًا في عُرف النحاة كانت أكثر من خمسمائة آية". يعني يقصد إذا كنا سنحسب الآيات بالآيات الموجودة في المصحف كما هي الآية التي لها بداية ولها نهاية فهي لا تتجاوز مائتين، أما إذا كنا سنعتبر الآية كل جملة مفيدة فالآية الطويلة ستكون عدد من الآيات. 
قال: "يصح أن تُسمى كلامًا في عُرف النحاة كانت أكثر من خمسمائة آية وهذا القرآن من شك فيه فليعُدّ". يعني يقول: الذي لا يصدقني يأخذ المصحف ويعُدّ.
 "ولا أعلم أن أحدًا من العلماء أوجب حفظها غيبًا، بل شرط أن يُعرف مواضعها حتى يتمكن عند الحاجة من الرجوع إليها، فمن نقلها إلى كراسةٍ وأفردها كفاه ذلك".
 وهذا الذي صنعه الزملاء في هذه الدورة، أفردوا هذه الآيات في كراسة ووزعوها علينا.
يقول صديق حسن خان – وهذه معلومة مهمة – في مقدمة الكتاب قال: "ولم أستقصِ فيه نوعين من آيات الأحكام" ما هما؟
 قال: "أحدهما ما مدلوله بالضرورة" كقوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فهذه واضحة ودِلالتها مباشرة فهذه لم يذكرها.
قال: "للأمان من جهله إلا أن تشتمل الآية من ذلك على ما لا يُعلم بالضرورة ولكن بالاستدلال فأذكرها. وثانيهما: ما اختلف المجتهدون في صحة الاحتجاج فيه على أمرٍ معين وليس بقاطع الدلالة". فيقول: لا أذكره أيضًا من آيات الأحكام لماذا؟ "لأن الفقهاء اختلفوا في دلالته على هذا الحكم، فعندما أُلزم طالب العلم بحفظه فقد ألزمته برأيٍ دون رأي" - هذا من وجهة نظره - ولذلك هو لم يذكر لكم إلا ما كان هناك إجماعٌ على الاستدلال به على المسائل التي استدل بها.
ثم ذكر بعد ذلك أشياء بسيطة لكنه أيضًا نبّه وقال: "وليس القصد إلا ذِكر ما يدل على الأحكام دلالةً واضحة لتكون عناية طالب العلم به أكثر وإلا فليس يحسُن من طالب العلم أن يُهمل النظر في جميع كتاب الله تعالى مُقدمًا للعناية فيه، شاملًا للطائف معانيه، مستنبطًا للأحكام والآداب من ظواهره وخوافيه".
 وهذه كلمة جميلة تُزيل الوهم الذي قد يظنه البعض أن هذه كل آيات الأحكام من القرآن الكريم، ومن حفظها أو أتقنها فقد أصبح مُفتيًا، وإنما يقول: هذه أبرزها وأهمها لتكون منها على ذكر، ثم لابد أن تكون عنايتك لما بعد ذلك مستمرة.
------------------------------------------------------
شكر الله لمن قام بالتفريغ وأجزل له المثوبة / نقلته (بتصرف يسير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق