نبدأ – على بركة الله – الآن في تفسير آيات الأحكام من سورة البقرة التي ذكرها الشيخ صديق حسن خان، فنبدأ على بركة الله، طبعًا النظام – أيها الأخوة – سوف يقرأ زميلنا، ثم نُعلق عليها – إن شاء الله -.
(المتن) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة:29]
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } [البقرة:83].
(الشرح) اختار صديق حسن خان من آيات سورة البقرة سبعًا وخمسين آية، الشيخ أبو بكر بن العربي – رحمه الله – فسر من آيات سورة البقرة تسعين آية، وقال في مقدمة تفسيره: "إن هذه السورة هي أطول سورةٍ في القرآن، وهي أعظم سورةٍ في القرآن الكريم، وقد حدثني بعض أشياخي - يقول أبو بكر بن العربي - : أن هذه السورة فيها ألف أمر وألف نهي ، وألف حكمٍ وألف خبر، وهي كُلية الشريعة، ومن تفقّه في سورة البقرة فكأنه قد تفقه في الإسلام كله". ولذلك بقي ابن عمر – رحمه الله ورضي عنه - يتعلمها ثماني سنين وهو يتفقه في سورة البقرة، فلما انتهى منها أولم بوليمةٍ عظيمة.
ولذلك من وُفق – أيها الأخوة – إلى دراسة سورة البقرة وفهم ما فيها من الأحكام ومن الفوائد؛ فقد حاز علمًا عظيمًا، ولذلك أنا أقول لبعض الطلاب أحيانًا إذا لم يستطع الطالب أن يقرأ تفسير القرآن الكريم كاملًا، فعلى الأقل يقرأ سورة البقرة.
وغالبًا – أيها الأخوة – الذين يُفسرون القرآن الكريم يُبرزون ما عندهم من العلم في سورة البقرة، ويذكرون التفاصيل في سورة البقرة، وإذا جاءت السور الأخرى قالوا: سبق شرح ذلك، وقد تقدم ذلك في سورة البقرة.
ولذلك ينبغي علينا – أيها الأخوة – العناية بهذه السورة العظيمة، والتفقّه فيها، وقراءة تفسيرها في التفاسير العظيمة العمدة مثل تفسير الإمام الطبري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" فقد تكلم فيها بكلامٍ عظيم وشرح فيها شرحًا عظيمًا، وقعّد فيها قواعد عظيمة من قواعد التفسير وقواعد الترجيح وقواعد الاختيار والقراءات وغيرها.
وأيضًا في "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي فقد أبدع فيها وتكلم فيها بكلامٍ طويل.
هنا ابتدأ الشيخ صديق حسن خان بهذه الآية، وتُلاحظون أنه لم يذكر في أولها { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [البقرة:3] لأنه يرى أنها آيات دلالتها واضحة ومباشرة وليس فيها إشكال.
الآية التي بدأ فيها في قوله I: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}، الآية واضحة في أنها وردت مورد الامتنان على الإنسان وعلى البشر أن الله سبحانه وتعالى خلق لكم ما في الأرض جميعًا.
أبرز الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآية والتي ذكرها المفسرون: هي أن الأصل في الأشياء الإباحة، هذه أبرز فائدة فيها أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة، حتى يقوم دليلٌ على النقل، فالأصل في المأكولات الإباحة، أي شيء تجده نبات مثلًا، أو شراب، أو لباس فالأصل فيه أنه مباح، إلا إذا كان هناك دليلٌ يدل على أنه مكروه أو محرم أو مستحب أو غير ذلك، لكن الأصل في الأشياء حلٌ كما يقول الفقهاء. دليل الفقهاء الذي يستدلون به هذه الآية ونظائرها في القرآن الكريم { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا }.
ومن فوائد هذه الآية التي ذكرها الشيخ صديق حسن خان: تحريم أكل الطين. كيف؟
قال: لأنه الله سبحانه وتعالى يقول: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ}، ولم يذكر الأرض نفسها وهي مكونة من الطين، فاستنبطنا حكمًا وهو أنه يحرُم أكل التراب.
هنا فائدة – أيها الأخوة – مهمة جدًا، وهي أن تفسير آيات الأحكام – في الحقيقة – ما هو إلا توظيف لأصول الفقه في استخراج الأحكام من القرآن الكريم، ولذلك هذه المادة وهذا المقرر من أفضل ما يكون لتطبيق ما نتعلمه في أصول الفقه. فإذا كانت آلتك من أصول الفقه ضعيفة فسيكون استنباطك من القرآن الكريم ضعيفًا، ولذلك تفاوت العلماء، فمنهم من وفقه الله سبحانه وتعالى إلى الفقه العظيم من القرآن الكريم لأنه قوي في آلة أصول الفقه ومن أبرزهم - وأنا دائمًا أُركز عليه وأخُصص له محاضرات خاصة - الإمام العلامة محمد بن أدريس الشافعي - الإمام الشافعي - لأنه كان ذكيًا فطنًا في كيفية استنباط الأحكام واستخراجها،ولذلك نبغ في فهمه لآيات القرآن الكريم، ولذلك يقول تلميذه الربيع بن سليمان: لا أُحصي كم مرةً دخلت على الإمام الشافعي وفي يديه القرآن الكريم يتتبع الأحكام.
وقد ذكروا أنه سُئل يومًا ما هو الدليل على أن الإجماع حُجة؟ ماهم يقولون أن أدلة الفقه أنها القرآن والسنة والإجماع والقياس، قالوا: فقال لصاحبه: أمهلني ثلاثًا - طبعًا هذه القصة إذا صحت طبعًا وأنا أستبعدها لأنه لا يمكن أن يُقعّد القياس أو يُقعّد الإجماع وهو لا يعرف دليله - أليس كذلك؟ يعني هو قد قال: أن الإجماع حجة هل يمكن أن يقول: أن الإجماع حُجة دون أن يكون عنده دليل حتى يأتي هذا الرجل؟ هذا مستبعد، لكن يعني للطرافة - فلما وصل إلى قوله تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}[النساء:115]، فقال: هذه الآية فيها وعيدٌ شديد لمن يتبع غير سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين هو الإجماع - إجماعهم على شيء من الأمور هذا إجماع منهم - فمخالفته فيها وعيدٌ شديد بالعذاب، إذًا فاتباعهم واجب.
---------------------------------------------------------جزى الله خيرا من قام بتفريغ المادة وقد نقلتها (بتصرف يسير)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق