السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
وأُصلي وأُسلم وأُبارك على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين فنعم المولى ونعم النصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيّه وخليله ، أرسله رحمة للعالمين ، فبلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغُمة فجزاه الله عنا وعن أمته خير ما جازى نبياً عن أمته ثم أما بعد ..
أيها الأحبة في الله مازلنا وإياكم مع دروس السبع المثاني وقد وصلنا بفضل الله عز وجل إلى الآية الثالثة منها وهي قول الله جل جلاله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله :{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} على قراءتين سبعيتين ، وهذه الآية -كما ذكرنا في الدرس الأول- هي أصل الخوف من الله جل جلاله ، أصل خشية الله جل جلاله ، أصل الإيمان الذي لا يستقر الإيمان إلا به ، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لا إيمان له ولذلك لا عمل له ، وكل عمل مرتبط بالإيمان باليوم الآخر فإذا ضاع الإيمان باليوم الآخر ضاع العمل وإذا وُجِد الإيمان باليوم الآخر وُجِد العمل قال الله جل جلاله:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} إنه اليوم الآخِر { نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } ، أما المكذبين باليوم الآخر فهم الأسوأ أخلاقاً .. الأقل أعمالاً ..الأسوأ حالاً {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } يعني يُكذّب بيوم القيامة ، يُكذّب بيوم الدين { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} يعني بالجزاء يوم القيامة {فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وكذلك المكذب بالدين هو الذي يفسد في التعامل مع الآخرين، لا أخلاق له .. لا عدل عنده {ِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} فهؤلاء عندهم كفرٌ باليوم العظيم ،عندهم عدم اعتقاد بالبعث بعد الموت ، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، أمنوا عقوبة الله في الآخرة فظلموا أنفسهم وظلموا الناس من حولهم {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ } يوم القيامة { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.
أيها الأحبة في الله مازلنا وإياكم مع دروس السبع المثاني وقد وصلنا بفضل الله عز وجل إلى الآية الثالثة منها وهي قول الله جل جلاله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله :{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} على قراءتين سبعيتين ، وهذه الآية -كما ذكرنا في الدرس الأول- هي أصل الخوف من الله جل جلاله ، أصل خشية الله جل جلاله ، أصل الإيمان الذي لا يستقر الإيمان إلا به ، فمن لم يؤمن باليوم الآخر لا إيمان له ولذلك لا عمل له ، وكل عمل مرتبط بالإيمان باليوم الآخر فإذا ضاع الإيمان باليوم الآخر ضاع العمل وإذا وُجِد الإيمان باليوم الآخر وُجِد العمل قال الله جل جلاله:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} إنه اليوم الآخِر { نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } ، أما المكذبين باليوم الآخر فهم الأسوأ أخلاقاً .. الأقل أعمالاً ..الأسوأ حالاً {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } يعني يُكذّب بيوم القيامة ، يُكذّب بيوم الدين { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} يعني بالجزاء يوم القيامة {فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وكذلك المكذب بالدين هو الذي يفسد في التعامل مع الآخرين، لا أخلاق له .. لا عدل عنده {ِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} فهؤلاء عندهم كفرٌ باليوم العظيم ،عندهم عدم اعتقاد بالبعث بعد الموت ، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، أمنوا عقوبة الله في الآخرة فظلموا أنفسهم وظلموا الناس من حولهم {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ } يوم القيامة { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.
أيها المؤمنون جعل الله سبحانه وتعالى هذه الآية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} في فاتحة الكتاب ، وجعل فاتحة الكتاب ركن من أركان الصلاة ليقرأ المؤمن هذه الكلمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يكررها في اليوم على الأقل سبعة عشر مرة حتى لا يغفل عن يوم الدين، يوم الجزاء فإذا كان يتعامل فهناك يوم الدين يوم جزاء على العمل ، وإذا كان يريد أن يفعل فعل هناك يوم دين ، يريد أن يترك هناك يوم دين ، ومن علم أن الدين هو الجزاء وأن الجزاء من جنس العمل فمن أساء عمله فإن الجزاء سيكون سيئاً لأنه من جنس عمله ، ومن أحب أحسن العمل والجزاء سيكون حسناً لأن الجزاء من جنس العمل {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} لمّا كان الجزاء بالإساءة كان هنالك منطق العدل {بِمَا عَمِلُوا} لا زيادة على ما عملوا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} فلما كان الجزاء بالسيئة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} لكن جزاء الحسنة هل هي حسنة مثلها ؟ لا .. جزاء الحسنة ليس حسنة مثلها بل حسنات { وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} إذاً يوم الجزاء يوم جزاء أهل الإحسان بإحسانهم وعلى إحسانهم، وأهل السيئات أهل السوء بسيئاتهم وعلى سيئاتهم ،{يَوْمَئِذٍ} يوم الدين {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ } فيروا العمل قبل أن يجازَوا عليه ويحاسَبوا عليه ورؤيتهم للعمل تنقسم إلى أقسام :
القسم الأول : رؤيتهم للعمل مكتوباً قد كُتب عليهم كل علم عملوه صغيراً كان أوكبيراً {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} إذاً هذه { لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم } أي ليُرَوا أعمالهم مكتوبة في كتاب {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } { لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم} فيروا ما عملوا حاضراً { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } وقالوا : {مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا } ، { لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم } يوم الدين يوم يروا أعمالهم أولاً.
القسم الثاني : فإذا رأوها مكتوبة ورأوها أيضاً في الموازين موضوعة في الموازين { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } في الميزان ويره في الكتاب {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } في الميزان ويراه في الكتاب، إذاً هذه الأعمال موجودة في الكتب التي كُتبت يوم كنت حياً والملائكة تكتب أقوالك وأفعالك { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }{وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} ، {كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} فما كتبه الملائكة عليك تقرأه يوم القيامة وتراه بعينك يوم القيامة ، وهذا اليوم يوم الجزاء فإن كان هذا العمل حسناً فأبشر بالخير {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} أبشر ببياض وجهك بسبب عملك الصالح {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} أبشر بإسفار وجهك {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} بما قدمت يمينك بما عملت في هذ الدنيا، أبشر بكتابٍ تأخذه بيمينك لما سُطِّر فيه من العمل الصالح { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ} أي تعالوا {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}.
{يَوْمِ الدِّينِ} يوم ترى كتابك وما كُتب فيه ، وترى ميزانك وما وُضِع فيه وترى الجزاء بعد ذلك الذي أُعدَّ لك { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أعاذنا الله وإياكم .
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقرأها المسلم في اليوم سبعة عشر مرة لئلا يغفل عن يوم الدين، وكل شيء حولك في الدنيا يُذكّرك بيوم الدين، الشمس كل يوم تطلع عليك من المشرق وتغرب من المغرب لتقول لك : يا ابن آدم لا تنس حرّ النار فما حري إلا جزء قليل من حر النار ، قال المنافقون يوم غزوة تبوك : {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ } حر الشمس ، فأجابهم القرآن : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} يُحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول -وهو الصادق المصدوق- :( اشتكت النار إلى ربها -من شدة ما هي فيه من اللهب والحر والضغط - اشتكت إلى ربها فأذن لها في السنة بنفسين نفس تتنفسه في الصيف) وهو شدة ما تجدون من حر الصيف من نفَس جهنم ( إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) وجهنم من عالم الآخرة لكن فيحها يصل إليكم في الدنيا أيها الناس فإن شدة الحر من فيح جهنم ، وأيضاً الحُمّى التي تأخذ المؤمن نصيبه من جهنم يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمّى (الحمّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ) يعني اغتسلوا بالماء لأن هذا نصيب المؤمن من فيح جهنم ، كذلك سواد الليل وظلمته تُذكِّر بسواد جهنم وظلمتها { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } الليل بسواده والنهار بشمسه وحره { لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا } لمَ خلقت هذا يارب؟ خلق الله هذا الكون ليُذكر الخلق به { هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ويُذكر الخلق بلقائه { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } ويُذكر الخلق برحمته التي وسعت كل شيء ، وبشدة غضبه إذا غضب، ويُذكرهم بجهنم التي هي سوداء كسواد الليل وظلمته وأشد وشديدة الحرارة وما حرارة الشمس إلا قليل من حرارتها.
{ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} قال أهل العلم : ذكر عذاب النار بعد التفكر في خلق السماوات والأرض لأن ما في خلق السماوات والأرض مِما يُذكّر بالنار أكثر مما يُذكّر بالجنة ، فالسماء خُلقت من دخان والدخان ينتج عن النار { ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } وأما الأرض، فالأرض أيضاً تدل على النار لأن النار براكين في جوفها، ولأن النار شهب من أعلى مسلطة عليها، ولأن النار ارتبطت بها حياة أهلها،فالشجر الذي يخرج من الأرض توقَد النار منه {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} جعلنا النار التي توقدون تذكرة لكم بنار الآخرة فمن تذكر وهو يوقد النار نار الآخرة ، من تذكر وهو يأكل طعاماً ساخناً نار الآخرة ، من تذكر وهو يشرب شراباً ساخناً نار الآخرة {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} أي للمسافرين إلى الآخرة.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الذي جعل كل شيء يُذكّر بيوم الدين.
/ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيها اسم المالك واسم الملِك وكلاهما مشتقان من صفة المُلْك كالرحمن الرحيم وكلاهما مشتق من صفة الرحمة فأصبحت فاتحة الكتاب مشتملة على أربع صفات هي أمهات صفات الله جل جلاله : صفة الألوهية {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ،صفة الربوبية {رَبِّ الْعَالَمِين } ،صفة الرحمة {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} ، صفة المُلك {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذه الصفات الأربع هي أمهات صفات الله جل جلاله والله سبحانه وتعالى مختص بها على وجه الإطلاق فلا إله إلا الله الصفة الأولى ، ولا رب سواه الصفة الثانية ، ولا راحم إلا هو فالرحمة كلها ملكه ، وكل رحمة يرحم بها راحم مرحوما هي جزء من رحمة الله {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} فالرحمة التي بُعث بها محمد صلى الله عليه وسلم من أين ؟ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (إن لله مائة رحمة وضع منها في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الخلق وادخر لعباده المؤمنين في الجنة تسع وتسعين رحمة).
أما المُلْك { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } بقي شيء ؟ { مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ } بالمُلك الذي تعطيه { وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاء } بالملك الذي تنزَع منه { بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وما زوال مُلك وإتيان مُلك إلا كتقلب الليل والنهار والليل والنهار يتعاقبان على أهل الدنيا ليُعلِن أن لا دوام على حال
لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ ** من سرّه زمن ساءته أزمان
/ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذه الآية ذُكرت قبل آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ } وبعد آية {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} لماذا؟ لفائدتين :
الفائدة الأولى : لا عبادة بغير الإيمان بيوم الدين، لا عبادة .. من كفر بيوم الدين لا يُقبل منه عدل ولا صرف ولا صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا أي شيء، لذلك لما قال صاحب الجنتين : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَة} كفر بالساعة { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَة} فعندما شك في الآخرة وأن الآخرة لا تقوم كفر فقال : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن } يعني على احتمال أن الساعة ستقوم {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } من قال أن الساعة لا تقوم فقد كفر، من شك في قيام الساعة فقد كفر، ولذلك لا يصلي خاشعاً إلا من آمن باليوم الآخر { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِم } يعني في الصلاة { وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } يعني في الآخرة .
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ومن لطيف الجمع بين {إِيَّاكَ نَعْبدُ} و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أن العبادة لا يكون لها طعم ولذة إلا إذا ارتبط العابد بالآخرة ، صلِ صلاة مودع ذاهب إلى الآخرة، آخر صلاة تصليها مُودع للدنيا مقبل على الآخرة صلِ هذه الصلاة وانظر لذتها وانظر خشوع قلبك فيها وانظر خضوع بدنك فيها وانظر الرحمة التي تغشاك وأنت تصليها، وانظر السكينة التي تنزل عليك وأنت تصليها وستستشعر بالملائكة تتنزل عليك وأنت تصليها { فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي} إنها صلاة مودع ،صلاة المودع صلاة من قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين*ِإِيَّاكَ نَعْبدُ} من جمع الآيتين في تصوره .. في شعوره .. في مشاعره ، من استشعر أنه خرج من الدنيا إلى الآخرة.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُد} لأن الله عز وجل كان قادر على أن يُقدِّم وأن يؤخر، يجعل (مالك يوم الدين) بعد (الحمد لله رب العالمين) لو جاءت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بعد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّّ الْعَالَمِين} ، وجاءت {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} وبعدها {إِيَّاكَ نَعْبدُ} لترك كثير من الخلق العبادة لأنه الدين الجزاء والجزاء على العمل والعبادة هي العمل وهنا جاء {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} ففُتِح باب الرحمة فكأن العابد وغير العابد كلهم سيدخل في رحمة الله لكن قال :{الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} ثم جاء بعدها بـ{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ليبين أنه وإن كان ذو رحمة واسعة لكنه أيضاً ذو عدل هو سبحانه تعالى الحكم العدل { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون؟ هل يستوي الذين يعبدون الله والذين لا يعبدونه؟ { هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ }.
/ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُد} عندما تقول:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} هذا أسلوب يسمى أسلوب الغيب أسلوب الغائب والفاتحة أُفتتحت بأسلوب الغائب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} أسلوب متحدث عن غائب {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيم ِمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ولكن يتغير الأسلوب فجأة بعد قوله :{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إذ مُلكه ليوم الدين سر التغيير {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم} ولا يغير ما بالنفوس إلى خالق النفوس {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه} فإذا استشعرت مُلكه ليوم الدين فاعلم أنه أيضاً مَلِك لقلبك ومالك لقلبك ويُصرِّف قلبك فإذا استسلمت بين يديه وقلت يوم الدين يومك ويوم الدنيا يومك وأنا عبدك وقلبي بين يديك وجّهني إليك فيوجهك ويهديك وعندئذ تعلنها {إِيَّاكَ نَعْبدُ} ولو لم يوجهك ربك لما قلت لا بقلبك ولا بلسانك ولا بحالك {إِيَّاكَ نَعْبدُ}.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ويوم الدين هو يوم الآخرة وله في القرآن أكثر من اثنين وثمانين اسم ، والعرب يقولون: إذا عظُم الأمر كثُرت أسماؤه، ولذلك الله عز وجل هو العظيم ولا تُعدّ أسماؤه ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) هنالك أسماء لله استأثر الله بها لا يعلمها إلا هو لأنه العظيم جل جلاله ، دعنا نعد بعض أسماء يوم الدين { يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } يوم الصاخة ، يوم الطامة، يوم الواقعة، يوم القارعة، يوم الزلزلة، يوم الصاخة، يوم الحاقة، يوم الدين ،{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }، {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ }، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } ...الخ ذلك.
كل هذا في يوم واحد ولكن {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وهذه المشكلة ، المشكلة أنه من لا يؤمن باليوم الآخر يراه بعيداً، بعيداً في تصوره ، بعيداً في الوقوع ، ويقول : كيف يقع؟! { أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }، { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَه } رجل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم -رجل من المشركين في مكة- جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل عظماً رفاتاً قد أكلته الأرض حتى أصبح رفات ففتته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم غاضباً متسائلاً يقول : يا محمد أتزعم أن ربك يعيد هذا العظم بعد أن أصبح رميماً ؟ فنزل القرآن : { فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } أين عقلك من أي شي خُلقت العظام؟ العظام كانت ماذا؟ ألم تكن العظام مضغة { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ }، والمضغة ألم تكن علقة ؟ والعلقة ألم تكن نطفة؟ والنطفة ألم تكن قطرة من الدم، والدم من أي شيء تكوّن؟ تكوّن من طعامك الذي أكلت وشرابك الذي شربت ، وطعامك وشرابك خرجا من الأرض لما نزل عليها الماء {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُم } ، الأرض بكاملها من الماء والماء من { كُنْ فَيَكُونُ } أليس هذا خلقُه وهذه قدرته قادر على كل شيء { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ * أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } بلى ، والإيمان باليوم الآخر يقوم على أركان خمسة ، خمسة من لم يؤمن بالأركان الخمسة لم يؤمن بيوم الدين :
ركنها الأول الموت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون } الركن الأول : الموت { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت }، { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }، { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ }، إذاً الموت هو الركن الأول. والموت -أيها الأحبة- قد جعله الله ملازماً للحياة { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } فما من حي إلا وقد خرج من ميت، وما من ميتٍ إلا وقد خرج منه حي { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُون }، { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى} الدجاجة من أي شيء خُلِقت ؟ من بيضة ميتة والبيضةُ الميتةُ من أي شيء خُلِقت ؟ من الدجاجة الحية ،{يُخْرِجُ الْحَيَّ} الطير { مِنَ الْمَيِّت } من البيض الميت ، { وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ } البيضة الميتة { مِنَ الْحَيِّ } من الطير الحي الدجاجة الحي { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } ، كلنا خرجنا من آدم وآدم حي خرج من تراب والتراب ميت، آدم من أين جاء؟ من التراب ، التراب حي أو ميت ؟ { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون }.
الموت -أيها الأحبة- أول دليل على اليوم الآخر ، والموت شواهده ودلائله يعيشها كل حي ، كل إنسان ينام لابد أن يموت. في أول خطبة جمعة في الإسلام خطبها محمد صلى الله عليه وسلم فقال :( أيها الناس إنكم ستموتون كما تنامون ) تموت كما تنام ( إنكم ستموتون كما تنامون وتُبعثون كما تستيقظون ) تكون جالس والذي جنبك نايم كان قبل قليل صاحي وإذا به نام، وآخر قبل قليل حي وإذا به مات ، وفي المجلس من قد نام ، كما تنامون تموتون وكما تستيقضون تُبعثون، لذلك النوم دليل الموت واليقظة بعد النوم دليل الحياة بعد الموت ، ولذلك أطلق أهل العلم على النوم الموت الأصغر، وأطلق القرآن على النوم الوفاة قال الله جل جلاله :{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى} ، { يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} { يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ } يعني ينيمكم ، { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } { مُتَوَفِّيكَ } يعني سألقي عليك النوم وليس الموت وعيسى لم يمت بل نام ورُفِع نائماً إلى السماء ويستيقظ قبل قيام الساعة وينزل إلى الأرض حكماً عدلاً {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} إذاً لم يمت { لَيُؤْمِنَنَّ } اللام للتوكيد دخلت على فعل المضارع يؤمنن فأكدته وفعل المضارع يكون للحال والاستقبال وأكد ذلك بقوله: { قَبْلَ مَوْتِهِ } إذاً لم يمت { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه } إذاً قوله تعالى :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ } أي مُلقٍ عليك النوم ورافعك إلي وأنت نائم ، وهذا كان حال أصحاب الكهف في كهفهم {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} نائمين ، قال تعالى :{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ } ، الموت نوم ، الموت نوم أكبر :{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} عبّر أصحاب القبور من الكفرة عن موتهم ودفنهم في قبورهم بالمرقد { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}.
إذاً أول ركن من أركان اليوم الآخر الموت ، فكيف يكون الموت؟
الموت من أمر الله وبأمر الله و{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } يتوفى
ثانياً : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}
ثالثاً : {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون }
كلها آيات قرآنية ، هل فيه تعارض ؟ لا ..
الله يتوفى الانفس بأمره فلا يموت أحد إلا بإذن الله وأمره {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا َ} بقي منهم أحد؟ ما بقي منهم أحد ماتوا جميعاً { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ } إذاً الموت بأمر الله والمأمور بقبض الأرواح ملك الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} وملك الموت له أعوان لا يعلم عددهم إلا الله { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } فيقبض الروح من الجسد ويسلمها ملك الموت، وملك الموت يقبض الروح ويسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان الميت مؤمناً، أو إلى ملائكة العذاب إن كان الميت كافراً.
كيف يكون الموت ومن أين يبدأ؟
يبدأ الموت من الأرجل وتُساق من القدمين إلى الساقين إلى الركبتين إلى الفخذين إلى الصُّلب الظهر البطن ثم تُساق إلى الصدر ثم تُساق حتى تصل إلى التراقي {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} ، سيقت من الأرجل -من الأقدام- حتى وصلت التراقي جمع ترقوت وترقوت وهما العظمان في هذا المكان حتى { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي } في هذا الوقت يُكشَف الغطاء عن الميت { فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَك } متى؟ يوم تصل روحك إلى التراقي { فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } يصبح الغيب بالنسبة لك شهادة، ما كنت ترى الجن ستراهم ،ما كنت ترى الشياطين تراهم، ما كنت ترى الملائكة ستراها ،ما كنت ترى النار ستراها ، ما كنت ترى الجنة ستراها، سيصبح بصرك لا حد له { فَكَشَفْنَا عَنْكَ } ترى كل شيء إلا الله { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } لكن ترى الجنة إن كنت من أهلها، وترى النار -والعياذ بالله- إن كنت من أهلها ، ترى الرحمة إن كنت من أهل الرحمة ، وترى ملائكة العذاب إن كنت من أهل العذاب ، وترى ابليس -الشيطان نفسه- وترى أعوانه الشياطين قال تعالى :{ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }.
طيب .. تعال شوف الذي حولك { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ * وَظَنَّ} أي تيقن الميت { أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ } موتاً {إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ }، وقال في سورة الواقعة بعد ما تُساق الروح من التراق حتى تصل الحلقوم آخر محطات الروح في الجسد ،آخر محطة للروح في الجسد راجعة إلى الله هي الحلقوم {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} بلغت الروح الحلقوم راجعة إلى الله { وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } لا تبصرون الروح التي تخرج، ولا تبصرون الملائكة التي تُخرِج الروح ، ولا تبصرون الحضور -الشهود الذين حضروا خروج الروح- ، { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } أي وقت خروج الروح { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ } معاشر الملائكة { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا } يعني الآخرة { مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا } يعني الآخرة { مَا تَدَّعُونَ } وأكبر شيء {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} الضيافة مقدمة من الغفور الرحيم جلّ جلاله ، في هذه اللحظة الميت وقد سمع كلام الملائكة وسمع تطمينات الملائكة وأن الضيافة ستُقدَّم له من الله يأتي خطاب روح { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } فتخرج الروح فيأخذها ملائكة الرحمة ويصعدوا بها كلما ارتفعوا نزل فوج فاستلمها ، ثم فوج فيستلمها حتى تصل إلى السماء الدنيا وتُفتح أبواب السماء لأن الملائكة كُثر يعرجون بالروح من سماء إلى سماء ومن سماء إلى سماء حتى يصلوا بها سدرة المنتهى فيخاطب اللهُ جل جلاله الروح يقول : ادخلي في عبادي ، قد رجعتي إلى ربك راضية مرضية ادخلي في عبادي ، فتدخل في عباده الصالحين، تدخل مع أرواح الأنبياء، تدخل مع أرواح الصدّيقين، تدخل مع أرواح الشهداء، تدخل مع أرواح الصالحين {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} هؤلاء هم الرفيق الأعلى الذي دعى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته ( اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى ) معنى ذلك اللهم اجعل روحي مع النبيين مع الصديقين مع الشهداء مع الصالحين ، إنها الرفقة التي لا أعلى منها وهؤلاء من عاش في الدنيا على منهجهم وهو يقول في صلاته : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } هُدِي في حياته إلى صراطهم وعند مماته يدخل فيهم { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } ، { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} في البرزخ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} يوم القيامة، هذا الموت الركن الأول وهذا موت الصالحين.
الموت له سكرات ( إن للموت سكرات ) وهي شدة النزع ولكن بعض الناس لا يجد ألماً لسكرة الموت ومنهم الشهداء، الشهيد تخرج روحه كقطرة خرجت من السقا أو شعرة سُلّت من عجين لا يجد ألماً وقت النزع.
وبعد هذا ننتقل للركن الثاني من أركان الإيمان باليوم الآخر وهو : القبر، القبر ومافيه هو الركن الثاني بعد الموت.
فهذا القبر هو الدار الأولى بعد الدنيا ، المنزلة الأولى من منازل الآخرة، كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا ذُكرت الجنة وذُكرت النار لا يتأثر كثيراً فإذا ذُكر القبر بكى وكان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (القبر أول منازل الآخرة )
ما هو القبر؟
القبر هو دارك بعد الدنيا سواء كان في الأرض حفرة، أو كان في البحر غرقاً، أو كان في جوف سباع، أو كان في جوف حيتان، أو كان ذرَّاً رماداً ذُر فوق وجه الأرض ، إذاً دارك بعد الدنيا هي القبر، فكل ميت مات انتقل إلى القبر دُفن أو لم يُدفن ، فالذين في الثلاجات هم في قبور يُعذب منها من عُذب ويُنعم من نُعّم، والذين غرقوا في البحر في قبور، والذين أحرقوا في قبور ، لأن القبر هو الدار التي بعد الدنيا سواء حُفر له في الأرض ليواري سوأته أو لتُوارى سوأته ، أو لم يُحفر له.
ولكن القبر المعتاد هو الحفرة في الأرض، وأول من علّم الإنسان القبر -الدفن- هو الغراب والقصة مشهورة، ابني آدم قابيل وهابيل حصل بينهما نزاع فقابيل سوّلت نفسه قتل أخيه هابيل فقتله، فلما قتله وكان أول قتيل على وجه الأرض حمله على ظهره فأراد الله عزوجل أن يرحم القاتل والمقتول، أن يرحم هابيل المقتول فيوارى في التراب جسده، ويرحم أيضاً قابيل من حمله فبعث غرابين فاقتتلا فقتل أحدها الآخر فحفر له في الأرض ودفنه وقابيل ينظر {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي} فعندئذ حفر لأخيه ودفنه من غير غُسل ومن غير صلاة، وعُلم بعد ذلك أن الشهيد المقتول لا يُغسل ولا يكفن كما دفن هابيل وهو شهيد، كذلك يُدفن الشهداء إلى قيام الساعة ثم ماذا؟
هذا القبر ينقسم في الواقع إلى قسمين :
قبر فيه ما يسمى باللحد
وقبر فيه ما يسمى بالشق
واللحد والشق على حسب التربة فهناك من التراب الصلب التي تستطيع أن تعمل فيه لحد من غير أن ينهار، فهذا اللحد فيه أفضل، وهناك من التربة الرخوة الذي إذا عملت لحداً انهار فهذا الشق فيه أفضل ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته اختلف الصحابة في دفنه فالمدينة يصلح فيها الشق ويصلح فيها اللحد أرض صلبة فقالوا ماذا نفعل للنبي هل نعمل له لحداً أو نعمل له شقاً؟ فقالوا : اللهم اختر لنبيك ، كان في المدينة رجلان أحدهما يُلحد -يعني يحفر في اللحد- والثاني يشق، فقالوا : اللهم اختر لنبيك ، وأول من يأتي كان صاحب اللحد فعُلم أن اللحد أفضل لأنه اختيار الله لنبيه.
القبر ما فيه؟
في القبر أمور حدثنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان بها من الإيمان باليوم الآخر، أول شيء فيه فتنة ، فتنة القبر -أعاذنا الله وإياكم من فتنة القبر- والفتنة هي الاختبار والابتلاء ،وهي عبارة عن ثلاث اسئلة: السؤال الأول في القبر : من ربك؟ ومن كان في حياته { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ } إذاً ربي الله، الفاتحة تجيب على الأسئلة كلها ، من ربك؟ ربي الله ما دينك؟ ديني الإسلام { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ، ماذا تقول في هذا الرجل؟ هذا الرجل هو محمد بن عبد الله رسول الله الذي نزل القرآن على قلبه ، لولا محمد ما عرفت الفاتحة ولا عرفت شيً ، إذاً القرآن كله يجيبك على الأسئلة، والفاتحة وحدها تجيب على الأسئلة وهي حق على كل مسلم أن يقرأها في اليوم سبعة عشر مرة ، لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، هذه فتنة القبر: من ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في هذا الرجل؟ وتجيب ربي الله، ديني الإسلام، هذا الرجل محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فيقول لك الملكان : نم نومة العروس -وفي رواية العريس- ويفسحان لك في قبر كمد بصرك ويفتحان باب عن يمينك إلى الجنة وباب عن يسارك إلى النار فتنطر إلى باب الجنة فإذا الجنة قد أعدت وزُينت لك جنتك فتتعرف وأنت في قبرك على كل شيء أُعد لك في الجنة -خلاص تراه في عينك مشهد- فتريد تذهب تدخل فيقال لك : لا حتى تقوم الساعة، وتنظر الجهة الثانية وترى مقعدك من النار لو أنك لم تدخل الإسلام فتقول ربي تسأل الله عز وجل أن يجيرك فيبدلك الله عز وجل مكان هذا جنة أخرى وهذا قول الله جل جلاله {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } جنة أُعدت له بما عمل وجنة، ورثها لأن الكافر ورث مكانه، أصبح هناك توارث، لك مقعد في النار ولك مقعد في الجنة أنت أخذت مقعدك في الجنة بعملك، صار لك مقعد في النار محجوز، وهناك واحد كافر له مقعد في الجنة يسير تبادل هو ورثك في النار فأخذ مقعدك وأنت ورثته في الجنة فأخذت مقعده { أُورِثْتُمُوهَا } هذا الإرث، ولذلك أهل النار في عذاب دائم ونكال دائم وأهل الجنة في نعيم دائم والحمد لله.
أيضاً القبر بعد الفتنة فيه ما يسمى الضمة والضمة قبل الفتنة، أول ما يُدفن الميت يضمه القبر وهذه الضمة لا ينجوا منها أحد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (والله لو نجى أحد من ضمة القبر لنجى منها سعد بن معاذ) لكن ضمة القبر تنقسم إلى قسمين : ضمة شديدة تختلف منها الأضلاع وهذه للكفار ، وضمة سهلة كضم الأم لوليدها وهي ضمة الأرض للمؤمنين أو ضم القبر للمؤمنين .
أيضاً القبر فيه ظلمة، وهذه الظلمة لا تزول إلا بالصلاة (الصلاة نور) والقبر فيه عذاب ومن أكبر أسباب عذاب القبر بعد الشرك بالله أمرين : اللسان وأعماله وعلى رأس أعماله النميمة ،والطهارة ، مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال :( إنهما ليُعذبان وما يعذبان في كبيرة أما أحدها فكان يمشي بالنميمة ) عمل اللسان ( وأما الآخر فكان كان لا يستتر من بول) وفي رواية ( لا يستنثر من بول) وبينت الروايتين أمرين اثنين الأمر الأول : الإستتار، والأمر الثاني : الإستنثار، فالاستتار هو: عدم ظهور العورة فمن كانت عورته بادية للناس فهذا من أسباب عذاب النار ، من الشباب من يلبس سراويل تبدي عوراتهم ، هذا من أسباب عذاب القبر، ومنهم من يلبس ملابس لاصقة على عوراتهم هذه أيضا من أسباب عذاب القبر لأنه يجب الستر ( لا يستتر من بول ) أي لا يكون في وقت بوله لا يستتر فيرى الناس عورته لا يستتر وهنا ستر العورة.
الثاني (لا يستنثر من بول ) الرواية الثانية، والاستنثار هو الاغتسال والطهارة أي يبول ويمشي، وكِلا الأمرين من أسباب عذاب القبر فانتبهوا أيها المؤمنين وبضدها تتميز الأشياء -بئس الموضة والعياذ بالله- هذا أيضاً اذا لم يستر عورته بطلت صلاته فهو من أسباب بطلان الصلاة، وأحد الأخوة يصلي في صف يقول : كان أمامه أحد هؤلاء الشباب الذي يلبس سراويل طيحني أول ما سجد طاح السروال -الله المستعان- فقال أنه اضطر يأخذ شماغه ويرميه عليه -يستر عورته- هذا الأفضل له أن لا يصلي في المسجد وأن يرجع إلى بيته يصلي فيه يفك الناس شره.
القبر فيه عذاب وقد نصّ القرآن على عذابه ، وفيه نعيم وقد نصّ القرآن على نعيمه ، والإيمان بعذاب القبر ونعيم القبر من الإيمان باليوم الآخر. أما عذابه فدل عليه قول الله جل جلاله :{ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ } هذا في القبر {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } يوم القيامة ، وقال عن فرعون :{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } هذا العرض عذاب القبر ، وقال :(انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ) وهذا أيضاً عذاب القبر ، ونعيم القبر واضح قوله تعالى :{ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } هذا في القبر { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} يوم القيامة.
وقد ورد في الحديث أنه إذا فُتح له باب إلى الجنة فيهُم بالدخول فتقول له الملائكة: لا.. حتى تقوم الساعة فيقول ربي أقم الساعة ربي أقم الساعة) فما من مؤمن الآن، من الآن إلى يوم القيامة في قبرة إلا يقول : ربي أقِم الساعة .. ربي أقِم الساعة ، والكافر يرى عذابه ونكاله ويفتح له باب إلى النار ويقول : ربي لا تُقِم الساعة .. ربي لا تقم الساعة ، فما في جوف الأرض من الأموات ليس لهم كلام يقولونه إلا أحد جملتين ربي أقم الساعة وهذا شعار المؤمنين من أنبياء وصديقين وشهداء وصالحين ، وأما البقية من الناس من الكفرة والفجرة فيقولون : ربي لا تقم الساعة.
والله عز وجل جعل قيام الساعة له أجل لا يُقدم ولا يُؤخر كما قال تعالى :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } هذه الساعة {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } إلا الله سبحانه وتعالى ، (أخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) هذا القبر ونعيمة وعذابه.
/ وبعد القبر نتحدث عن الحشر ..
الحمد لله .. البعث وهو النشر هو المحطة الثالثة من محطات اليوم الآخر والركن الثالث بعد الموت والقبر يأتي البعث والحشر ، البعث : هو الخروج من القبر ، وقد ذكر الله البعث في مواطن كثيرة من القرأن قال تعالى :{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا } وقال تعالى أيضاً في شأن الخروج من القبور قال :{ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا } وقال :{وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ } وقال :{ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } وقال :{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تدل على البعث ، كما أن البعث يدل عليه العقل ويدل عليه الطبع ويدل عليه الشرع .. كيف؟
الآن في بدنك حياة وموت ، موت وحياة فمثلاً الشعر الذي يخرج من رأسك ميت يخرج من حي أنت حي والشعر ميت تقطع ولا تشعر بألم وهذا الميت خرج منك وأنت حي ، أظافرك حية وما زاد منها يموت وأنت تراه وتقطعه وترميه {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } إذاً أنت تموت في أطرافك وتموت في رأسك وتموت فيما خرج منك ، ما خرج منك هذا موت.
ثم الخلايا نفسها التي تكون جسدك هذه الخلايا كل عشر سنوات تموت وتحيا تتبدل حتى البصمة، كل خلايا جسدك كل عشر سنوات بعث وموت وبعث وحياة وموت كل الخلايا الماضية تتغير وتتبدل بخلايا جديدة وأنت لا تشعر، ولذلك كان عندك ولد، وُلِد هذا الولد كل خلاياه عند ولادته إذا بلغ عشر سنوات تتغير، إذا بلغ عشرين سنة تتغير، إذا بلغ ثلاثين سنة تتغير، إذا بلغ أربعين سنة تتغير، إذا بلغ خمسين سنة تتغير، إذا بلغ ستين سنة تتغير، إذا بلغ سبعين سنة تتغير، وهذا التغير مُلازم ليبين الله لك أن الحياة والموت بيده ، يموت ويتبدل وأنت لا تشعر ، زد على هذا الشواهد التاريخية للحياة بعد الموت ، من شواهد ذلك قصة إبراهيم عليه السلام وطيوره قال :{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } بعدما حاور إبراهيم النمرود وقال إبراهيم :{ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} النمرود قال :{ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } إبراهيم بعد نهاية الحوار وانتصار ابراهيم بقي السؤال عنده ، يقول أنا الآن أقول : { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت } لماذا لا أسأل ربي كيف يحيي وكيف يميت حتى تصبح عندي حجة فسأله ليطمئن قلبه قال :{ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر } يعني اذبحها أجعل الرؤوس عندك وبقية الجسد خلّط الريش والعظام واللحم والدم كله اخلطه { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا } ثم رأس واحد وارفعه وادعهن قال : يا جسد هذا الطير اجتمع قدامي شاف الريش تطير والعظام يطير ويتكون العظم ويتكون فوق العظم لحم ويتكون فوق اللحم جلد وفوق الجلد ريش وتتطاير ويتجمع ويأتيه يمشي من غير رأس وقدامه أربعة رؤوس ويختار رأسه ويلتصق به ثم يمشي سعيا، ويأتي الثاني والثالث والرابع وإبراهيم ينظر { ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
من شواهد التاريخ في ذلك قصة بني إسرائيل خرجوا مع موسى قالوا : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } لازم نشوف الله وإلا ما نؤمن بك {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ } ماتوا جميعاً وبعثهم الله، أحياهم.
من شواهد ذلك قصة بني إسرائيل عندما رجعوا لما جاء الطاعون في بيت المقدس إيليا، لما جاء الطاعون في بيت المقدس خرج أهل بيت المقدس وكان عددهم ثلاثين ألف خوفاً من الطاعون { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ } ثلاثين الف نسمة {حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }.
من شواهد التاريخ قصة عزير عندما مر على القرية التي قد ماتت -يقال نفسهم هؤلاء- مرّ عليهم عُزير وقد ماتوا ثلاثين ألف شهر {أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } هو وحماره وبعد مائة سنة أحياه { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ } تدل على البعث { وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } كيف ننشرها ثم نكسوها لحماً { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.
وكذلك قصة أصحاب الكهف { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا } دخلوا في الكهف {فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } كم سنة؟ { ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } كيف عاشوا؟! كانوا يأكلون؟ لا .. يشربون؟ لا ، كيف ما أكلتهم الأرض؟ {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } ، كيف الشمس ما حرقت أجسادهم؟ { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ } وفي ليلة من الليالي قد تغير حكم الدولة وقتئذ كان قبل ثلاثمائة سنة يحكمها مشركون وبعد ثلاثمائة سنة أسلمت الدولة وأصبح الحاكم مسلم وفي ليلة كان نقاش بين الحاكم -الملك- ووزراءه فقال بعض الوزراء : الجنة للأرواح والبعث للأرواح والأجساد خُلِقت من الأرض ورجعت إلى الأرض ولن تعود، إذاً الآخرة عالم أرواح فقط ، فقال : الملك البعث للأجساد والأرواح معاً ، قالوا : اسمع أيها الملك كلنا عقيدتنا مخالفة لعقيدتك فإما أن تعطينا برهان وإما ننقلب عليك ، فقام الملك يدعي ربه : يارب برهان ، يارب دليل ، فبعث الله أصحاب الكهف ليعلنوها أن الله عز وجل الذي خلقهم وأماتهم أنه يحييهم إذا شاء ولما بعثهم الله قال تعالى :{ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } فقد وعد الله بالبعث بالأرواح والأجساد معاً { أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُم } انتهت المشكلة وعُلم أن البعث حق وأنه للأجساد والأرواح معاً.
وأما الشواهد من القرآن والسنة على البعث فكثيرة ، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :( وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فأرفع بصري فإذا بموسى بن عمران قائم على ساق العرش لا أدري أفاق قبلي أو أنه اكتفي له بالصعقة التي صعقها يوم قال : { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ) ، وقوله تعالى :{ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ } دلت أيضاً على ذلك.
البعث أيها الأحبة يكون من أماكن الأرض كلها لكن أول منطقة من الأرض يبعث أهلها أهل المدينة ، أول من يخرج من الأرض يوم القيامة أهل المدينة وهذا إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأول من تنشق عنه الأرض قبر محمد صلى الله عليه وسلم فيخرج، وبعد فترة يخرج أبو بكر .. عمر ، يخرج من دُفِن في بقيع الغرقد، من دُفِن في المدينة عموماً، والمدينة فيها بقيع الغرقد وفيها أيضاً مدفن أُحُد الذي فيه الشهداء حمزة ومن معه فهذه أول بقعة يُبعث الناس منها يوم القيامة ، ثم أهل مكة بعد ذلك يبعثون ، وأهل المسجد الأقصى بعد ذلك يُبعثون، ثم يُبعث الناس أشتاتاً فمن استطاع أن يموت في أحد المدن الثلاث فهي خير البقاع موتاً، مكة فيها مات آدم عليه السلام واسماعيل عليه السلام وصالح عليه السلام، وفيها أيضاً من الأمهات خديجة وميمونة رضي الله عنهما، وفيها كثير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأما المدينة ففيها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، وفيها عشرة آلاف صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أيضاً أمهات المؤمنين جميعاً ما عدا ميمونة وخديجة رضي الله عنهما.
أما بيت المقدس ففيه الأنبياء أغلب الانبياء دُفِنوا في بيت المقدس وما حوله -في أرض الشام- باركنا حوله فما حوله فيه إبراهيم الخليل في مدينة الخليل ويعقوب ويوسف عليه السلام ، وهنالك يحيى وزكريا، وهنالك بقية الأنبياء كلهم ماعدا عيسى بن مريم ونوح عليه السلام وبقية الأنبياء الذين كانوا قبل إبراهيم عليه السلام. المهم هذه المناطق الثلاث مباركة والموت فيها له شأنه.
طبعاً البعث .. إذا بدأ البعث وبدأ الناس يخرجون يحصل للكون أحداث عظيمة ، بعد ما يخرج الناس من الأرض تمتد الأرض { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } فإذا مُدَّت الأرض { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّت } قبضها الله فيقبضها الله بيمينه {ِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } طيب الناس وين تروح؟ الناس تبقى طائرة طيران كما قال تعالى :{ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ } والفراش المبثوث لا قرار له ، ثم تمُد لهم أرض أخرى { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ } والأرض الثانية : هي أرض الحشر، الأرض التي يُحشر الناس عليها وتسمى الساهرة وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :( إنها أرض بيضاء كالنَّقِرة لم يعصَ الله عز وجل عليها قط ) فإذا نُشرت الأرض الثانية تسابق الناس إليها مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء عندئذ وصفهم الله عز وجل وشببهم بالجراد قال:{ِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ }، والجراد ينتقل من قارة إلى قارة كانتقال الناس يوم القيامة من أرض الدنيا التي كانوا عليها إلى أرض الساهرة وذلك ما يسمى بالحشر.
والحشر ينقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام : حشر المؤمنين، وحشر الكافرين، وحشر المنافقين، فأما أهل الإيمان فيُحشرون إلى ربهم زمراً يعني جماعات، وأما الكافرين فيحشرون إلى النار، وأما المنافقون فيتبعون المؤمنين في الحشر ثم يُضرب بينهم وين المؤمنين بسور { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } طبعاً هذا الحشر -وهو الجمع- يحصل بعده ما يُسمى بالعرض، والعرض على الله هو بداية الحساب ، والحساب طويل وعريض ، هنالك العرض وهو أوله ، وهنالك الكتاب وهو بعد ذلك، وهنالك الموازين { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ } وهي ثلاث موازين لكل أحد ، ثم بعد ذلك يأتي الجزاء بعد العرض وبعد الكتاب وبعد الموازين يأتي الجزاء إما إلى الجنة وإما إلى النار ، والجزاء بالجنة يأتي قبله الصراط ، فالصراط طريق ما بين الميزان وبين الجنة، وهنالك أيضاً عند الميزان الحوض، والحوض يأتي الناس إليه بعد الوزن ولا يصل للحوض إلا أهل الإيمان وأما أهل النفاق وأهل البدعة فإنهم يُذادُون عن الحوض ، والنبي صلى الله عليه وسلم سألته أم المؤمنين عائشة قالت يا رسول الله : أتعرف أهلك يوم القيامة؟ قال: ( نعم إلا في ثلاث مواطن لا يعرف فيها أحدٌ أحداً عند تطاير الصحف وعند نصب الموازين وعند الصعود على الصراط ) هذه ثلاث مواقف لا يعرف فيها أحد أحد حتى النبي صلى الله عليه وسلم مشغول عن أهله ومشغول عن أزواجه وهو سيد الخلق وصاحب الشفاعة الكبرى ، طبعاً أول شيء بعد الحشر تقع الشفاعة الكبرى التي هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد الشفاعة الكبرى يأتي العرض { وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وبعد هذا العرض يأتي كما ذكرت الكتب ثم نصب الموازين { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْط } وبعد ذلك يأتي الحساب، والحساب فيه تفاصيل ، أهل النار، ومن لا يُحاسب ويذهب إلى النار، ومن لا يُحاسب ويذهب إلى الجنة، هناك طائفة لا تُحاسب وتذهب إلى النار فوراً ، وهناك طائفة أخرى لا تُحاسب وتذهب إلى الجنة، فالذين لا يُحاسبون ويذهبون إلى الجنة كُثر ومنهم الصابرون {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، والذين أيضاً لا يحاسبون ويذهبون إلى النار أهل الشرك الذين { أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } هؤلاء أيضاً إلى النار -والعياذ بالله- وبعد ذلك يقع الحساب وكلٌ يُحاسب، المؤمن يُحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً في الجنة ،والكافر يحاسب حساباً عسيراً ومن نوقِش الحساب هلك، والحساب طويل وعريض لذلك سنتناول هذا الموضوع في الدرس القادم بشيء من التفاصيل ونختم بالدرس القادم بإذن الله تعالى نختم فيه ما يتعلق بهذه الآية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } من الدين بمعنى الجزاء والجزاء من جنس العمل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فمن عمل خيرا وجده ، ومن عمل غير ذلك لا يلومن إلا نفسه، ورد في الحديث القدسي ( يا ابن آدم إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).
ورَدَ إلي هذين السؤالين يقول السائل : هل يجوز للحفيد أن يعطي زكاة ماله لجدته لأمه علماً بأن والده ليس من عائلة أمة وأنه غير مكلفاً شرعاً بالإنفاق عليها ؟ إذا كانت جدته فقيره يجب عليه أن ينفق عليها إذا لم يكن هنالك من ينفق لأن الجدة والدة والوالدة مهما علت يجب الإنفاق عليها والوالد يجب الإنفاق عليه ولا يُعطى من الزكاة الزكاة لغير الوالدين مهما علو ومها أيضاً كانوا الله عز وجل يقول :{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ } وفرق بين الزكاة وبين النفقة فالنفقة واجبة على من تجب نفقته كالأولاد والوالدين ولذلك لا تجوز الزكاة لا على الأولاد ولا على الوالدين وإن نزل الأولاد وإن علوا فمن تجب نفقته لا تجوز الزكاة عليه لذلك هذا السائل يجب عليه أن ينفق على جدته إذا لم يكن هنالك منفق عليها أما إذا كان من ينفق عليها فقير فأنت تعطي الزكاة لشخص آخر لا تجب عليك مثل ولدها أو زوجها إذا لم يكن والدك فلا شيء في ذلك.
يقول السؤال الثاني فيما يتعلق بأموال الزكاة : هل يجب أن يتحرى المزكي أن يخرج الزكاة لجميع من وردوا في الآية أم يكفيه أن يخرج الزكاة على بعضهم؟
يكفيه أن يخرج الزكاة على بعضهم فليس من الواجب أن يقسم الزكاة على أصحابها الثمانية أصناف بل لو وجد صنفاً واحداً أجزى وكفى.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وخيري الدنيا والآخرة من كفاية هميهما ،اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية اللهم إنك تعلم ما بأبداننا من أدواء وأمراض وأسقام اللهم اشفنا اللهم اشفنا من كل داء وعافنا من كل بلاء ووفقنا لما تحب وترضى ،اللهم إنك تعلم ما لدينا من ذنوب وعيوب اللهم استر عيوبنا واغفر ذنوبنا ويسر أمورنا ،اللهم إنك تعلم ما عندنا من حوائج فاقضها لنا إنك على كل شيء قدير، اللهم إنك تعلم أعداءنا ولا يخفك شيء من حالنا وحالهم فاكفنا شرهم بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير ،اللهم إنا نعوذ بك من سحر الساحرين وعين العائنين وحسد الحاسدين ومكر الماكرين وكيد الكائدين وفرط المفرطين وطغيان الطاغين وظلم الظالمين واعتداء المعتدين اللهم إنا نعوذ بك أن نَضِل أو نُضَل أو نذِل أو نُذَل أو نَزِل أو نُزَل أو نَظِلم أو نُظلَم أو نعتدي أو يُعتدَى علينا أو نكتسب خطيئة أو ذنباً لا تغفره ، اللهم إنا نسألك أن تجعل لنا من أمرنا رشداً ،اللهم اجعل لنا من أمرنا رشداً اللهم بلغنا رمضان اللهم بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وأمن وأمان اللهم إنا نسألك أن تحفظ بلادنا الحرمين الشريفين بحفظة وتكلأها براعيتك وعنايتك اللهم احفظ عبدك خادم الحرمين الشريفين اللهم احفظه بحفظك واكلأه بعنايتك وولي عهده وولي ولي عهده ، اللهم إنا نسألك أن تأخذ بنواصيهم للبر والتقوى والعمل الصالح الذي عنهم به ترضى اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه واصرف عنهم بطانة السوء اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال السلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات اللهم إنا نسألك يا حي ياقيوم أن تنزل على أمة محمد من بركات السماء وتخرج على أمة محمد من خيرات الأرض اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال أمة محمد وأن ترحم أمة محمد وأن تكرم أمة محمد وأن تؤلف بين قلوب أمة محمد اللهم أنه لا حول لنا ولا للمسلمين إلا بك ولا قوة لنا ولا للمسلمين إلا بك فبك نجول وبك نصول وبك نتوكل وإليك ننيب ، اللهم إنا نسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير النجاح وخير الدنيا وخير الآخرة والخير كله أوله وآخره ظاهره وباطنة عاجلة وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ،اللهم علّمنا القرآن وما حوى وعلّمنا السنة وما حوت علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً الله زدنا من كل خير وبارك لنا في كل خير واجعلنا مباركين إينما كنا اللهم اجعل ما بقي من أعمارنا خير مما مضى منها وما بقي من أقوالنا خير مما مضى منها اللهم اجعلنا ممن طالت أعمارهم في طاعتك وحسنت أعمالهم إبتغاء مرضاتك وحسنت خواتيم أعمالهم واسعدتهم اللهم في الدنيا والآخرة ،اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفّس الكرب عن المكروبين واقضي الدين عن المدينين اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين واصلح أحوال المسلمين أجمعين اللهم من كانت أيماً فزوجها ومن كانت متزوجة فاصلح لها زوجها ومن كانوا متزوجين يرجون ذرية صالحة فارزقهم اللهم من الصالحين اللهم أصلح نساءنا ورجالنا وأبناءنا وبناتنا وأصلحنا ياحي ياقيوم وأصلح بنا ،اللهم كما جمعتنا على هذا الفرش فاجمعنا في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله اللهم كما جمعتنا في هذا المسجد فاجمعنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر اللهم اجعلنا من ورثة الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً ،اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد واغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم ولمن ولدوا ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق