سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد ..
أيها اﻹخوة الصائمون .. أيها اﻹخوة المؤمنون .. يا أهل القرآن نواصل مع قصة موسى عليه السلام وربه يبعثه إلى فرعون.
لما طلب أن يجعل الله معه أخاه هارون (فأَرْسِلْه مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُني) قال الله له (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) واحد.
ثانيا : (وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)
الوقفات هنا:
/ أن الله استجاب دعوة موسى عليه السلام.
هنا يسأل سائل لماذا اختار موسى أخاه ولم يختر غيره؟ ﻷنه يعرف أخاه ويعرف فصاحته، لم يختره ﻷنه أخا له، ﻻ .. ليس لمجرد اﻷخوة كما مر معنا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين) فهو استأجر قويا .. أمينا في رسالته ﻷن القوة واﻷمانة نسبية -أيها اﻹخوة - كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله - في السياسة الشرعية، قد يكون اﻹنسان قويا في شأن وليس قويا في شأن آخر. فمن أجل هذه المهمة التي اختارها موسى وأرادها وجدها متوفرة في أخيه هارون عليه السلام -القوة واﻷمانة- (أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) فأرسلَه.
أما اختيار القريب أو الصديق أو ابن العائلة وتوليته مسؤولية ﻻ يستحقها إنما من أجل فقط أنه قريب أو صديق أو من أسباب أخرى، هذه خيانة. أما إذا توافر في الشخص المسؤول هذان الركنان -القوة واﻷمانة- فهو أهلٌ لذلك ﻷن من الطبع البشري أن اﻹنسان يألف أحدا دون آخر، وﻻشك أن موسى عليه السلام يألف أخاه. وهذا معنى آخر أنك إذا وجدت من تألفه ويعينك وتتجانس معه -مع توافر ركني اﻷمانة والقوة فلا حرج. الغبش الذي وقع عند الناس لسوء التطبيق -مع كل أسف- كيف؟
تأملوا: يأتي إنسان إلى مسؤول ويطلب وظيفة، يقول والله ما عندنا وظائف، يريد النقل من منطقة إلى منطقة .. والله ما نستطيع. تأتي واسطة أو قرابة فتوجد الوظيفة ويوجد إمكان النقل. أليس هذا ظلم؟! هذا هو الظلم.
أو يُعيّنُ شخصا ليس ﻷنه يتوافر فيه الكفاءة وهما الركنان اللذان نشير إليهما دائما -القوة واﻷمانة- لكن سبب التعيين في هذه الوظيفة أو هذه المسؤولية أنه قريب. هذا خلل كبير جدا، وهذه خيانة في اﻷمانة التي وُكِل إليها اﻹنسان، وهذا واقع تعيشه اﻷمة على مختلف مستوياتها إلا من عصم الله جل وعلا، فلا محاباة في مسؤوليات اﻷمة. أمورك الخاصة -في مالك- أنت حُرٌ فيه أما في حقوق اﻷمة .. في حقوق المسلمين يجب العدل ( إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان) وينهى سبحانه وتعالى عن البغي. الواقع ليس عدﻻ، يجلس إنسان ينتظر وظيفة ويُقال ما عندي وظائف وغيره يعين خلال ساعات، أين اﻷمانة في المسؤول فضلا عن اﻷمانة فيمن عُيِّنْ؟! أين العدل في المسؤول فضلا عن غيره؟!
فإذا هنا نفهم لماذا سأل موسى عليه السلام أخاه، ولو لم يكن -حاشاه- لو لم يكن هذا عدﻻ ما أجاب الله دعاءه وما أذن له (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) إذا هو طلب ودعوة صحيحة ﻻ حرج فيها بهذه الشروط التي يجب أن ندركها في مثل هذه المسؤوليات.
/ ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا) قال قبلها (بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) هذا معنى دقيق.، كيف؟
أن الغلبة للمؤمنين ( إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد) [غافر:٥١] الغلبة الحقيقية ما سميته مرارا حقيقة اﻻنتصار وسأبينها من خلالها (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) الغلبة بالحجة -كما يقول العلماء- قد ﻻ يؤمن الناس، هل آمن فرعون؟ ما آمن فرعون، هل آمن قومه؟ ما آمن قومه إﻻ السحرة، طيب أين الدليل؟ (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) بّين الله جل وعلا هنا (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) أليس السحرة مِمن اتبع موسى؟ ألم يقتلهم فرعون -على القول الراجح- (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ) إذا أين الغلبة؟
غلبتهم بالحجة .. بالثبات على المبدأ (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) [طه:٧٢] .. لما آمنوا .. خروا ساجدين .. قالوا الحق .. صدعوا بالحق أمام طاغية مُجرم، هذا هو اﻻنتصار، استجاب فرعون؟ ما استجاب فرعون، بقوا على الحياة؟ لم يبقوا، أليس الغلام لما صدع بالحق قُتل؟ بل هو دلّ على مقتله، بل قُتل قومه حتى اﻷطفال .. حتى الرُضع .. حتى النساء ومع ذلك مافي القرآن (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) [البروج:١١] إلا لهم. هذا الخلل الكبير في مفهوم اﻻنتصار أحدث عندنا انتكاسات كثيرة كيف؟
المُتعجلون يريدون أن يُغيِّروا الواقع في لحظات .. بالتفجير .. بالتدمير في غير مواطن الجهاد الحقيقة وإلا فالجهاد ﻻشك فيه ولو كان فيه قتل. المتنازلون .. المتساهلون الذين أضاعوا معالم الوﻻء والبراء، المتنازلون مع أعداء الله بحُجّة طلب هداية الناس، هؤﻻء جهلوا حقيقة اﻻنتصار، لو أدركوا حقيقية اﻻنتصار ما تنازلوا في دين الله، كيف يتنازلون عن شيء ﻻ يملكونه .. دين الله عزيز (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) إلى أن يقول في آخر السورة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:٢٩] أما التنازل في دين الله والمُداهنة بحُجّة هداية الناس وإصلاح الناس، ﻻ (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام:٥٢] مجرد أن طلب كفار قريش إذا جاؤا أن يطرد هؤﻻء الضعفاء كبلال وصهيب فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فتنزل اﻵية (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) سمّاه طردا، طيب وفي سورة الكهف (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:٢٨] طيب ما المطلوب؟
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الوعد أمام، أما التنازل وتمييع أحكام الدين وأحكام العقيدة ﻻ.. ليس منهج اﻷنبياء، خروج عن منهج النبوة كما أن الغلو خروج عن منهج النبوة هذا خروج عن منهج النبوة.
أيضا اليائسون .. القانطون لما طال البلاء ما تحمّلوا فقالوا هلك الناس ( ومن قال هلك الناس فهو أَهلَكَهم أو فهو أَهلَكُهم ) اصبر نفسك ﻻ تستعجل (بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) هذه هي الغلبة الحقيقية، الغالبون، ونصر الله متحقق.
ﻻشك أن إقامة شرع الله من أعظم النصر .. إقامة حكم الله من أعظم النصر لكن ليس هو المراد، كم من نبي خرج وأهلك قومه لم يقم حكم الله في أرضه وأذن الله له بالخروج وأهلك قومه.
إذا عندما تكون المفاهيم خاطئة .. تكون المقدمات خاطئة تكون النتائج خاطئة، فكثير من الخلل في اﻷمة اﻵن بين مُستعجل .. بين مُتنازل .. بين يائس وقانط، ويا ليت من اعتزل كفّ الناس عن شرِّه أنه ﻻ يقدر ولا يستطيع فاعتزل -هذا له شأن آخر- لكن اﻹشكال الاعتزال عندما يصاحبه يأس وقنوط من رحمة الله (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:٨٧] ما قال الفاسقون ولا الظالمون .. الكافرون، فلنتفاءل ونُحسِن الظن وسيأتي نصر الله جل وعلا. هذا معنى عظيم.
ثم جاءت هذه اﻵيات العظيمة التي بعث الله جل وعلا فيما بعد تأييدا لموسى عليه السلام وتحقيقا لرسالته لما ذهب وقرُب اﻵن من مصر قال موسى (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ) هنا اﻵن بدأنا الحلقة القادمة -بإذن الله- نقف مع وصول موسى إلى فرعون وما بدأ فيه الحوار بينهما وما فيه من آيات عظيمة إلى ذلك .
وﻻ تنسوا الدعاء ﻷنفسكم .. نعم ﻷنفسكم أعظم دعاء تدعو به لنفسك الهداية .. في الثبات .. في البُعد عمّا حرم الله، تدعو لوالديك .. ﻷبنائك .. لجيرانك .. ﻹخوانك .. للمستضعفين .. للمجاهدين ودعوتك ﻷخيك بظهر الغيب دعوة مُستجابة وملك يقول لك : ولك بمثل.
حفظكم الله وسددكم وتقبل صيامنا جميعا وحفظنا وإياكم ونصر أمتنا وحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء. وأسأل الله أن يصلح وﻻة أمور المسلمين وأن يهديهم وأن يردهم إلى الحق وأن يُولي على اﻷمة خيارها. والسﻻم عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق