الأحد، 3 أغسطس 2014

الحلقــ الثانيةـــة / المهاجرين/ج١


 الحمد لله الذي تقدست عن اﻷشباه ذاته ودلت على وجوده آياته ومخلوقاته. وأشهد أن ﻻ إله إلا الله وحده لا شريك له اعترافا بفضله وإذعانا ﻷمره. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلّغ عن الله رساﻻته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته صلى الله عليه وعلى أصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
 فما زلنا معكم بحمد الله وفضله ومنته نتناول آيات القرآن الكريم. ودرس اليوم عنوانه: المهاجرين.
وقد يقول قائل لم لم تقل المهاجرون -بالرفع-؟ نحن نلتزم باللفظ  كما ورد في القرآن ولفظ المهاجرون لم يرد مرفوعا في كلام الله وإنما ورد مجرورا قال الله -عز وجل- (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ) وقال -جل وعلا- (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ) وغير ذلك كما سيأتي فهذا الذي جعلنا نتقيد بأن نجعل العنوان مجرورا بالياء ﻷنه جمع مذكر سالم.
سنتدارس المهاجرين في كتاب الله في لقاءين متابعين -إن شاء الله- في اللقاء اﻷول منهما نتحدث عن فضل الهجرة، وفي اللقاء الثاني -إذا أذن الله- نتحدث عن فوائد من هجرة المسلمين اﻷوائل من أصحاب رسول الله ﷺ إلى الحبشة. أما الهجرة الى المدينة فقد تكلمنا عنها كثيرا في دروس مضت فلا حاجة للتكرار.
 فأما الهجرة فإننا نقول: شوقي -رحمه الله- كان شاعرا مُجيدا وكان الناس في زمنه يتناقلون شعره وكان مما قاله يتحدث فيه عن اﻷوطان فذكر على ألسنة الطير أن طيرا يطلب من آخر أظنه قال فيه أن يترك الشام ويذهب إلى اليمن على لسان طائرين ثم إن القصيدة تمضي لتقرر شيئا أراده شوقي والشاعر أرادها غاية في ذهنه ثم ترجمها شعراً، آخر أبيات القصيدة يقول يرُدُ الطير الذي يأبى الهجرة على الطير الذي يحاول معه أن يذهب إلى اليمن يقول له:
 هب -يعني افرض- هب جنة الخلد اليمن ** ﻻ شيء يعدل الوطن
هذا قول شوقي " ﻻ شيء يعدل الوطن" والحق أن هذا القول شاع ﻷن اﻷمة في زمن ما عرفت ما عرف بالقومية العربية، وهذا القول ﻻ يصح شرعاً، الشيء الذي لا يعدله شيء الدِّين. اﻹنسان يقبل أن يقدم أي شيء على غيره إلا دين الله، فأعظم ما يمُنّ الله به على عبد دين الإسلام، الله -جل وعلا- قال (وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ونبي الله يعقوب يقول (مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) خاف على أبنائه -عياذا بالله- من الكفر مع عِلْمِه بحفظ الله له ولذريته لكن المقصود أن شوقي -عفا الله عنه وغفر له ورحمه- هذا شيء لكن ﻻ يجوز إقرار أحد على الباطل مهما علا مقامه، فقول شوقي "ﻻ شيء يعدل الوطن" غير صحيح، واﻷوطان لها حق، لها ذمم، ﻻ يرتاب في هذا مؤمن وﻻ عاقل وﻻ حُرّ. كل أحد مُطالب منه أن يفي وطنه حقه خاصة إذا كان البلد -الوطن- عظيما، جليلا، أهله أهل طاعة وإيمان وصلاح وفيه خير لعموم المسلمين -مثل بلادنا هذه المملكة العربية السعودية- أعزها الله وحفظها من كل سوء لكن الله -عز وجل- أذن لرسوله ﷺ أن يترك مكة من أجل الدين فلا يبقى بعد هذا قول قائل، فإذا جاز على نبي اﻷمة ورسول الملة ﷺ أن يترك بيت الله الحرام إلى مدينته -شرفت به عليه الصلاة والسلام- فإن معنى ذلك أن أي أرض ﻻ تعدل الدين فأعظم شيء يحفظه العبد دينه وما بعد ذلك يختلف يُقدم اﻷولى فاﻷولى حتى ﻻ تبقى إلا الروح، ﻻ تبقى إلا النفس فيُقدم النفس من أجل دينه، وإن المنّة مِن الله علينا باﻹسلام ﻻ تعدلها منة. أسأل الله كما أعطانا اﻹسلام من غير أن نسأله أن يحفظنا به إلى أن نموت ونحن نسأله. نقول هذا الكلِم تمهيداً لما بعده.
 ذكر الله -عز وجل- في القرآن أبا اﻷنبياء خليل الله إبراهيم وأن قومه توعدوه بالنار قال الله في سورة العنكبوت ( فَأَنْجاهُاللَّهُ مِنَ النَّارِ) ثم ذكر الله -جل وعلا- بعد ذلك بآيات قال (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) ثم هذا وقف ﻻزم تقف وأنت تقرأ (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) وتقف والمعنى أن لوطا -عليه السلام- آمن لخليل الله إبراهيم ثم يستأنف الكلام، كلِم جديد، معنى جديد قال الله بعده (وَقَالَ) أي إبراهيم (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) فهو أول من سنّ الهجرة للبشرية من أجل دين الله، من أجل أن يبقي على دينه، لما هاجر إلى الله زاد إكرام الله له قال الله -جل وعلا- في اﻵية التي بعدها (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فلما صنع ما صنع من أجل الله والله مُطّلِع على سريرته، مُطّلِع على قلبه، مُطّلِع لم هاجر إبراهيم بأهله أبدله الله -جل وعلا- عوّضه، أعطاه في الدنيا إسماعيل وإسحاق (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فعوّضه بنبيين كريمين من صلبه وقال (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا) وحتى ﻻ يفهم أن هذا يبخس منه شيء يوم القيامة قال -جل ذكره- ( وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) وقد نال خليل الله هذا بما كان من هجرته من أجل الله. هذا أول ما دل القرآن عليه ظاهراً بينا على فضل الهجرة الى الله.
ثم جاءت آيات أخر في سور متعددة متفرقة تذكُر أصحاب رسول الله ﷺ وهجرتهم لكننا قلنا سنتحدث عن هجرة المسلمين اﻷوائل إلى الحبشة لكن نتحدث هنا عن فضل الهجرة من دﻻئل أخر.
 الله -عز وجل- ذكر خواتيم آل عمران وهي عشر آيات أولها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) وعلّمنا الله -جل وعلا- فيها الطريقة المثلى لعبادته ودعائه والتضرع إليه وسؤاله من خيري الدنيا واﻵخرة فقال -جل وعلا- في خاتمة دعائهم (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) قال الله بعدها (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ثم بعد أن ذكر هذا اﻹجمال جاءت اﻵيات تنتقل إلى التفصيل تذكر أوصاف المسلمين، أوصاف المؤمنين الذين استجاب الله لهم فبدأ الله بوصف الهجرة قال الله -جل وعلا- (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) فقدم الله -جل وعلا- وصف الهجرة على جميع اﻷوصاف قبلها وهذا يدل -كما بينا- على فضل الهجرة من أجل الله. هذه آية.
 ذكر الله -جل وعلا- في سورة الحشر ما منّ الله به على نبيه والمسلمين من فيء بني النضير وهم قوم من اليهود كانوا يسكنون المدينة ثم منّ الله على نبيه بالنصر ولم يكن للمسلمين يومئذٍ قتل في بني النضير قال ربنا (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) فهذا فيء وغنائم ساقها الله إلى نبيه، لما جاء التقسيم قال الله -عز وجل- ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِم) فجعلها النبي ﷺ بعد سهم ذوي القربى جعلها في المهاجرين اﻷولين الذين خرجوا من الديار ومن اﻷموال ﻻيريدون إلا فضلا من الله ورضوانا.
في سورة التوبة ذكر الله -جل وعلا- ساعة العسرة وهو يوم كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجهز لغزوة تبوك وكان ما كان من أمر المسلمين مما هو ذائع ومعروف في السير وفي مكانه وفي مقامه إلى أن قال رب العزة يتحدث عن التوبة قال -جل ذكره- ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ) فبدأ بسيد الخلق وأشرفهم نبينا وخاتم الرسل -صلوات الله وسلامه عليه- ثم ثنّى -جل ذكره- ثم ثنى، لما ثنى بعد النبي بدأ بالمهاجرين قال الله -عز وجل- ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) فأثنى الله على اﻷنصار وأثنى على المهاجرين لكنه قدم المهاجرين وهذا ما نقول أنه يدل على أن الهجرة إلى الله -جل وعلا- ﻻ يكاد يعدلها شيء .
 كذلك من اﻵيات في الباب نفسه أن الله -جل وعلا- ذكر اﻷخيار وهذا مر معنا كثيرا في سورة التوبة نفسها قال -جل وعلا- (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) وهذا يُسمى في اللغة إجمال ثم فصّل قال (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان) جعلني الله وإياكم ممن اتبعهم بإحسان. المراد قدّم الله -جل وعلا- المهاجرين حتى يُعلم فضل الهجرة الى الله -جل وعلا- إﻻ أنه بعد أن فُتحت مكة كان الناس يهاجرون إلى المدينة ﻷن النبي ﷺ فيها، كان -عليه الصلاة والسلام- في المدينة فالناس يهاجرون إليها فلما فُتحت مكة فقال -صلوات الله وسلامه عليه- (ﻻ هجرة بعد الفتح) فتح مكة لكنه جاء للنبي ﷺ أقوام آخرون مهاجرون من غير مكة.
أما بعد وفاته -صلوات الله وسلامه عليه- فإن اﻷصل أن اﻹنسان يعبد الله في اﻷرض التي هو فيها فإن ضُيّق عليه في دينه وعجز أن يعبد الله حق عبادته في أرض ما وجب عليه أن يترك تلك اﻷرض إلى أرض يقدر أن يعبد الله -عز وجل- فيها أكثر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال عن زمن الفتن الذي نعيش بعضاً منه ﻻ كُله قال -عليه الصلاة والسلام- عن العبادة في زمن الفتن قال (كهجرة إلي) أي كمن يجي إليّ، يهاجر إلى نبينا ﷺ ﻷن المدينة يومئذ -يوم حياته- هي معقل السنة اﻷول منها خرج العلم فعندما يأتي إنسان ويُكثر من العبادة تأسيا بالنبي ﷺ يُصبح في زمنه، الناس زمن الفتن يشغلهم القيل والقال هذا ينصر زيدا وهذا ينصر عمرا ويمكث الرجلان في الدار الواحدة، في الحجرة الواحدة منذ أن يُمسوا حتى يُصبحوا وهم يتحدثون فلان عن زيد وفلان عن عمر، هذا يأتي بأدلة وهذا يعارض اﻷدلة، وهذا يحتجّ بقول زيد وهذا يحتجّ بقول عمر حتى يصبحان ثم يُشغلا نهارهما كُل منهما يجمع أدلة حتى يُعارض بها اﻵخر إذا أمسى لكن النبي ﷺ قال (إن العبادة في زمن الفتن كهجرة إلي). ثمة آخرون هؤﻻء يتصارعان قوﻻ في حجرتيهما وآخر قد طوى سجادته وأفردها في مكان خلي وأخذ يعبد الله، فهذا شُغِل بآخرته وهؤﻻء شُغِلوا بدنيا لن يُسألوا عنها. ﻻبأس على اﻹنسان أن يعرف ما يجري حوله، أن يفقه ما يكون، هذا أمر ﻻ يرتاب أحد في وجوده لكن الذي يقع اﻵن أنه يتكلم كل أحد فيما يعرف وما ﻻ يعرف، فيما كلف به وفيما لم يكلف به، هذا أمر يقسي القلوب ولا أحب أطيل فيه لكن مناسبة الحديث قوله -عليه الصلاة والسلام- (أن العبادة في زمن الهرج -يعني في زمن القتل- كهجرة إليه). والمراد بيان فضل الهجرة إلى الله ورسوله والنبي ﷺ قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا يدل على أن أعمال القلوب لها شأن عظيم.
النبي -عليه الصلاة والسلام- بُعث في مجتمع مكي كانوا يعبدون اﻷوثان إﻻ قليلا ذكرنا في لقاء ماض بعضا منهم اثنان أو ثلاثة وهؤﻻء لم يكن لهم كبير تأثير في المجتمع المكيّ وكانت فُخوذ المجتمع القُرشيّ قوية تختلف من قبيلة إلى قبيلة كبني مخزوم، بنو أمية، بنو عبد مناف هؤلاء كان لهم سطوة. ثم بُعث سيد الخلق ﷺ وأشرقت شمس نبوته فلما دعاهم إلى اﻹسلام -عليه الصلاة والسلام- كان هناك ما يُعرف تاريخيا بمرحلة الدعوة السرية كان -عليه الصلاة والسلام- يجمع أصحابه ولم يكن قد تجاوزوا بعد اﻷربعين في دار اﻷرقم بن أبي اﻷرقم -رضي الله عنه وأرضاه- اﻷرقم بن اﻷرقم كان عمره آنذاك ستة عشر عاما وكان من بني مخزوم وبيت بني مخزوم أشد بيوت قريش عداوة للنبي ﷺ فلم يدُر في خَلد أحد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من بني هاشم يمكن أن يجمع أصحابه في دار رجل من بني مخزوم خاصة قالوا إن اﻷرقم -رضي الله عنه- لم يكن شاع في الناس إيمانه، بقي الناس في ذلك المكان حتى نزل قول الله -عز وجل- (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فامتثل -عليه الصلاة والسلام- أمر ربه ودعا إلى الله -تبارك اسمه وجل ثناؤه- لما جهر بدعوته وكثر أتباعه من الذين منّ الله عليهم باﻹيمان من السابقين اﻷولين اشتد أذى قريش عليهم وليس كل أحد منهم يجد أحدا يمنعه فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان إلى ذلكم الوقت لم يمُت عمه أبو طالب، وأبو طالب أحد رجلين من قريش سادا رغم فقرهما واﻷصل أن اﻹنسان ﻻ يسود إﻻ بمال والعرب تقول:
بالعلم والمال يبني الناس مُلكَهُم ** لم يُبنَ مُلك على جهل وإقلالِ
 لكن أبا طالب ساد في قريش، أصبح مُطاعا، والمجتمع القرشي مجتمع قبلي السؤدد فيه له مكانة، ساد أبو طالب من بني هاشم رغم فقره، وساد عتبة بن ربيعة من بني أمية رغم فقره، فكان سؤدد أبي طالب يحمي النبي ﷺ فكانت قريش تهاب أن تأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بأذى لوجود أبي طالب إجلالا له، خوفا منه، تمجيدا له، قلنا هذه أعراف تتوارث يقول عمرو بن كلثوم:
 ورثنا المجد قد علِمت مَعَدٌ ** نطاعن دونه حتى يلينا
 أي شيء معنوي يتوارثه عبر اﻷجيال. المقصود كان ﷺ يعلم أنه هو نفسه في مَنَعَة من الله أوﻻ وأخيرا ثم من عمّه لكن ليس كل من آمن معه يجد أحداً يمنعُه، ليس كل من كان معه يجد أحدا يمنعه فأشار عليهم ﷺ أذن لهم بأن يهاجروا، يهاجروا بدينهم إلى بلاد إلى ديار يغلب على الظن أنهم يستطيعون أن يُقيموا دينهم فيها دون أن يتعرض لهم أحد ﻻ قريش وﻻ غيرها لكن أذى القرشيين باقٍ وقد لقي المسلمون اﻷوائل من أذى قريش ما الله -جل وعلا-به عليم حتى إن سمية -كما تعلم- تحت حربة أبي جهل ماتت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يمُرّ عليهم ويقول في الحديث الشهير (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) جعل الله وعدي ووعدكم الجنة.
 في اللقاء القادم إن شاء الله نُتِمّ الحديث عن الهجرة ونتحدث تفصيلا عن هجرة الحبشة بإذن الله. والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق