الجمعة، 28 ديسمبر 2012

فوائد متفرقة من تفسير سورة آل عمران

/ التَّعبير في قوله (كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ) بصيغة المضارع? لاستحضار الصُّورة ، فإنَّ التعبير بالمضارع استصحابًا لصُورة الحَدث كأنهم الآن يقتلونهم،وهذا قد يكون أبشع في تصوير حالهم، إذا قال لك الإنسان أنَّه وقع في هذا الأمر وانتهى يختلف عن أن تقول إنَّه الآن يقع في هذا الأمر، فإنّ استحضار الصُّورة كأنَّها تقع الآن أشدُّ تبشيعًا لحالِهم، فالخِطاب مُوجَّه للذِّين كانوا في عهد النبي ولم يقع منهم قتل، نعم السَّبب في ذلك أنَّ الآيات ترد في سياق ذكر أخلاق اليهود،وأحوالهم ،فهذه الآيات تذكر أحوالهم ، وفي هذا السِّياق يأتي ذكر أحوال أسلافهم الذين هم تَبعٌ لهم، وقد رَضَوا بما فعلوا ولأجل ذلك وَصَفهم الله بهذه الصِّفة .

/ ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) الكتاب والسنة هُما أعظم الأسباب للعِصمة من الضَّلال وهما أعظم أسبابِ الهِداية إلى سبيل الرشاد ووالله من تَمسَّكَ بهما لن يَضِلَّ أبدًا، ولن تَضطِربَ بِهِ الأَهواء مَهما تَكُن ولكنَّ الأَمرَ مع ذلك يحتاج إلى اعتصام بالله - عز وجل - والتجاءٍ إليه، ولذلك لَمَّا بيَّن أعظمَ أسبابَ الهِداية أَشَارَ إلى الاعتصام بالله – عز وجل - فقال - عز وجل - (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهذا يلفِتُ نظرنا إلى أنَّ الإنسان وإن كان بيده سبب الهداية فقد يَضِلُّ عنها ، وتتخطفه الأهواء، ولذلك كل إنسان بحاجة إلى أن يعتصم بالله ، أن يلتجئ إليه –عزَّوجل – ويسأله العِصمَة، والهِدايَةَ، والحِفظَ، من أسباب الضَّلال .

 / قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...) نلحظ هنا تقديم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر، وهذا هو الأصل قدم الأمر بالمعروف لأنه هو الأصل أن يأمر الناس بالخير، ثم بعد ذلك يأتي نهيهم عن المنكر ولذلك الداعية إلى الله – عز وجل - يبدأ بهم يأمرهم بالخير.

 / قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ..) (ذَكَرُواْ اللّهَ) " الذِّكر" هُنا يقول بَعض المُفسرين : "يذكرون الله - يتلفظُّون بذكر الله-"  ولكنَّ الحَقيقة أن ذكر الله هنا : أولا ً ذكره في القلب يعني أنَّ القلب يَستشعر مراقبة الله واطَّلاعه عليه فَيذكُرُه في قَلبه، عندئذ تكون الخشية تنبع من القلب، فإذا كانت الخشية في القَلب تجده دون شُعُور يُسارِع فيذكُر الله فيقول لا إله إلا الله أو يقول أستغفر الله و نحو ذلك ،لأنَّ القلب ذَكَر الله عزَّوجل فواطأه بالِّلسان،واستغفر الله ، فذكروا الله بقلوبهم وبألسنتهم (فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ) طلبوا من الله أن يغفر ذنوبهم .

/ قوله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) لم يقل - عز وجل - عن المؤمنين لم يَعصوا الله أو لم يرتكبوا المعاصي و إنما قال (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) لأن الوقوع في الذنب هذا من طبيعة البشر أن يقع هذا المعصية لأنه مُركَّب من ضَعف ومن شهوات فيَضعُف ويقع في المعصية، لكن الشَّأن في المُؤمن أنَّه لا يُصِرّ و يَتذكَّر فَيرجع ويتوب و هذه هي صفة المؤمن, ولذلك أثنى الله عليهم قال ( وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) يعلمون أنَّ هذا ذنب، ويعلمون مقام الله و أنه مطلع عليهم.

 / قوله تعالى قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ...) إنَّ الحادثة التي حصلت من قُعود بعض الصَّحابة عن القتال بعد سماعهم مقتل النبي صلى الله عليه و سلم ومُعاتبة الله لهم تشير إلى مبدأ عظيم يجب على الدُّعاة من الله عز و جل و على من يقوم و يحمل همَّ الدعوة إلى الله أن يتنبه إليه وهو: أن يكون قيامه و دعوته و جهاده من أجل الحق لذات الحق الذي يدعو إليه ، ليس لمن يحمل الحق و يقوم به كائنا ً ما كان حتى لو كان النَّبي، فإن النَّبي يموت ويُقتل، فهل يموت ويُقتَل بقتل النَّبي ؟ وهل يَقعد النَّاس بعد موته ؟ أبدا ً بل يجب عليهم أن يقوموا .

/ قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) لم يكن منهم من قول، لم يكن منهم من شكاية ما شكوا، ما تأَففوا، ما جَزعوا أبدا ً ما كان منهم إلا قالوا (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) - سبحان الله - يُصيبهم القتل، والجِراح والآلام الشديدة، ومع ذلك يَزدَرُون أنفسهم في جَنب الله مع أنَّهم خرجوا لقتال عدو الله في أعظم ميدان ميدان الجهاد، ومع ذلك يزدرون أنفسهم فيسألون الله أن يغفر ذنوبهم لأنَّهم علموا أنَّ هذا الذي أصابهم ما أصابهم إلا من عند أنفسهم فسألوا الله أن يغفر ذنوبهم، أولا ً بدؤوا بها، ما بدؤوا بالنَّصر على العدو (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) أي مُجاوزتنا في أمرنا وشؤوننا،مجاوزتنا لما أمرتنا به، ولحدود ما أمرتنا به (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) بعد أن تغفر الذنوب و أن يتجاوز عنها يسألون الله تثبيت أقدامهم و النَّصر على الكافرين، وهذا السؤال الحقيقة مع أنه في غاية الأدب مع الله إلا أنَّه هذا هو المنطق الصحيح ، لأنه كما ذكرنا أن الهزيمة تكون في القلب أولاً، ولا سلامة منها إلا بالتَّجافي عن المعاصي التي هي السبب لضعف القلب و لذلك قال (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) فإذا غُفِرت الذُّنوب ثبُت القلب فإذا ثبت القلب ثبتت الأقدام في المعركة، وإذا ثبتت الأقدام في المعركة كان النصر على العدو .

/ قوله تعالى (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ...) هذا يُعطيك أنَّ الصَّحابة بَشر وليسُوا ملائكة فيهم هذه الرَّغبات الفِطرية في النَّفس فيتعلق أحدهم في الدنيا ولذلك لا حرج في ذلك أن يتعلَّق الإنسان بشيء من الدنيا و أن تَرغب نفسه فيها (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) حتى الصَّحابة يقع منهم ذلك ، لكِن إرادة الدُّنيا لا تكون على حساب الدِّين، هذا هو المَنهي وهو المَذموم .

/ قوله تعالى (وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) وهذا ـ سبحان الله ـ تجدها أخلاق يتحسَّر فيها الإنسان الذّي لا يرضى فيها بقضاء الله وقَدَرِه. ولا يُسَّلم لله أمره، تجدُه يتحسَّر، إن فاته شيء قال: ليتني ذهبت، وإن ذهب وحصل عليه مكروه قال: ليتني لم أذهب ، فهُوَ في تحَسُّر وتندُّم أبداً، ولكنَّ المؤمن يُسَّلم لله في قضائه وقَدَره،ويتوَّكل عليه ويجتهد ولا يألُوا وسعًا .

 / قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) قدّم التزكية قبل تلقّي العلم : القاعدة أنّ التخلية قبل التحلية فلا بدّ أن تزكُو نفس طالب العلم حتى يستطيع أن يتلَقّى العلم لا بدّ أن يُفرّغ قلبه من الشُّبهات ومن الشهوات حتى يستطيع أن يتلقّى العلم , لأنّ العلم إذا جاء والوعاء ممتلئ فأيّ شي يدخل على هذا الوعاء يفيض منه فلا بدّ أن يُخلَّى من هذه الشَّهَوات والشبهات حتى يمُلأ بعد ذلك بالعلم .

/ (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) هذه الآية صحيح أنّها في الكافرين لكن حتى المقيمين على المعاصي من أهل الإسلام , المُقيمين عليها الإنسان الذي يُخالف أمر الله ويُجاهر به بالمخالفة ولا تجده إلا في المعاصي والسيئات ومع ذلك الله يرزقه ويُنعم عليه ويتفضّل عليه ويُحسن إليه لا يظنّ أنّ هذا خيرٌ له بل هذا من الإمهال والإمداد له , ولذلك إذا رأيتَ أنّ الله عزوجل يُعطيك على ما أنت عليه من المعاصي فاعلم أنّ الله يُمهلك وأنّ هذا من المكر بك.

 / قوله تعالى ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) هذه الآية الحقيقة فيها إشارة إلى خطورةِ أن يتلبَّس الإنسان أو أن يتشَّبَع بما لم يُعطى،فإنَّ الــمُتَّشَّبع بما لم يُعطى كلابس ثوبي زُور كما قال عليه الصّلاة والسّلام. فالإنسان تجده بعيد عن الله ـ عزّوجل ـ بعيد عن طاعته ومع ذلك يُحبّ النّاس أن يحمدوه على تقواه وعلى زهده وعلى ورعه، فهو قد جمع السَّوأتين سوأة التّقصير، وسوأة محاولته أن يُشابه أهل الكمال وهذه من أقبح الصّفات وأخَسِّها، ولذلك ذمَّها الله ـ عزّوجل ـ كما في هذه الآيات، وتوّعد عليها بالعذاب الأليم عليها يوم القيامة.

/ كانت الآيات المتعلقة بغزوة أحد في سورة آل عمران أكثر من الآيات المتعلقة بغزوة بدر مع أن تلك كان فيها نصر وهذه فيها هزيمة لأنَّ أخذ الدروس من أسباب الهزيمة هو الذِّي يُحقق النَّصر وهو يجعل الإنسان مستمراً على النّصر، وإلا إذا لم يعلم الإنسان لماذا ينتصر ولماذا يُهزم فإنه قد يهزم مرة من المرات و قد تكون تلك الهزيمة التي يُهزم فيها هزيمة ً تأتي عليه ولا تُبقي منه. ولذلك نحن نستفيد من هذا حتى في حياتنا ، إذ ليس عيبا  أن يَفشل المرء، وأن يخسر وأن يُهزم مرة في حياته ليس عيبا لأن الفشل طريق النَّجاح، و الهزيمة هي طريق النَّصر، ولا يعرف طعم النَّصر وطعم النَّجاح إلا من ذاق طعم الهزيمة والفشل .

/ قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ) هذه الآية من أعظم الآيات التّي تُحذِّر أهل العلم من كِتمان الحقّ، وعدم توضيحه للنّاس، وغِشَّهِم فيما أنزل الله عزّوجل والتَّلبيس بسبب الأهواء أو الخوف أو الأَطماع فإنَّ من كتم شيئاً من العلم من علماء هذه الأُمّة فإنّ فيه مشابهة لليَّهود، فإنّه يُشابههم في أخلاقهم، فإنّ كتم الحقّ هو صفة اليَّهود. فإنَّ من كتم الحقّ من أهل العلم من هذه الأُمّة فإنّه قد شابه اليَّهُود في صفاتهم وفي أخلاقهم.

 / قوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ) وذِكر هذه الأحوال التفصيلية دلالة على الاعتناء بمبدأ ذِكر الله ـ عز وجل ـ أنّ الإنسان يكون ذكره لله على كل أحيانه سواء كان قائماً أو قاعداً أو مُضّطجعاً , فإذا ذكر الله على هذه الأحوال دلّ على أنّ ذِكر الله مُصاحبٌ له في كل أحواله , وهذا هو الذي ينتفع بتفكّره , الذِّي يُديم ذكر الله ـ عز وجل ـ واستحضار عظمته , وأعظم ما يَبعث في الإنسان استحضار عظمته ـ عز وجل ـ أن يتأمّل في ملكوت الله ـ عز وجل ـ .(1)

/ الأيمان ثلاثة :
- الأولى : يمين اللغو : تجري على ألسنة الناس لا يتعمدونها ولا يقصدونها فهذه قال الله جل وعلا عنها : (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ) , يقول الرجل " بلا والله " , " كلا والله " , " اجلس والله " فهذه تجري على اللسان لم يتعمدها العبد فهذه أسماها الله جل وعلا لغواً وأخبر - جل وعلا - أنه لا يؤاخذ عليها .
 - اليمين الثانية : تسمى اليمين المنعقدة : وهي التي قال الله جل وعلا عنها ( وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) وهذه تكون في الأمور المستقبلية " تفعل أو لا تفعل " , " تترك أو لا تترك " , فهذه إن وقعت على خلاف ما قلت يلزم منها كفاره اليمين . وكفارة اليمين : واحد من ثلاث على التخيير إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة . فإن أعتق رقبة أو أطعم عشرة مساكين أو كسا إنساناً ما يكفيه لأن تقام بلباسه الصلاة يستر عورته في الصلاة . هذه الثلاثة على التخيير فإن لم يستطع أن يحرر رقبة ولم يستطع أن يطعم عشرة مساكين ولم يستطيع أن يكسوهم ينتقل في حالة العجز عن هذه الثلاثة بالتخيير ينتقل إلى الصيام , والمشهور عند العامة أن الصيام مواز لهذه الثلاثة وهذا خطأ . فإن هذه الثلاثة بينها التخيير قال الله جل وعلا : ( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ) أي واحد من هذه الثلاثة (فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ) [المائدة ( 89 )] . فلا ينتقل إلى الصيام إلا إذا عجز عن واحدة من هذه الثلاث . هذان الاثنان لا علاقة له بالآية , الأخير هو الذي له علاقة بالآية .
 اليمين الثالثة : التي يحلفها الإنسان على شيء قد مضى , " يحلف على شيء لم يكن على أنه كان وعلى شيء قد كان على أنه لم يكن " هذه تسمى يمين غموس ولأنها من كبائر الذنوب لم يجعل الله جل وعلا لها كفارة , فتسمي يمينٌ غموس يمينٌ فاجرة , يلزم فيها التوبة النصوح والتخلص من المظالم والأوبة إلى الله جل وعلا . قال صلى الله عليه وسلم كما عند الستة من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ( من حلف على يمين فاجرة وهو كاذب ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله جل وعلا وهو عليه غضبان ) عياذاً بالله . وكفى بالمرء إثماً أن يلقى الله جل وعلا وربه تبارك وتعالى غضبان . وبالاستقراء - أي في النظر في أحوال الناس عبر التاريخ - أن كل من يحلف على يمين كاذبة يعاقبه الله جل وعلا قبل أن يموت . وهذا في محلات السيارات وأمثالها كثير خاصة إذا كان في قسمه وأيمانه مضرة على إنسان مسلم , كشهادة الزور تودي بأخيه المسلم وتضر به في الدنيا فهذه اليمين تبقى ملتحقة به وينتقم الله جل وعلا منه .(2)


/ من يريد أن يبقى ثابتا في الدين فليجعل بين عينيه هذا الجزء من الآية (وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) فالنفس إقبال وإدبار ، وإقدام وإحجام ، وقد تأتيك نفسك ،زوجتك ،ولدك ،يثبطك عن العمل الصالح وإنما يُنتصر على هوى النفس وعلى ما تقوله الزوجة ويبتغيه الولد ويمليه القرين بقول الله - جل وعلا - (وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) فمن يتاجر مع الله لا يمكن أن يخسر ، والمتاجرة مع الله - جل وعلا - إنما تكون على الإيمان والعمل الصالح . (3) 

/ الولاية نوعان : ولاية عامة وهي تدبير الشؤون. وولاية خاصة وهي بمعنى العناية .
ومنها أن يهمّ الإنسان بمعصية ثم يجد في قلبه خذلانا وعدولا عن هذه الهمة . أويهمّ بترك واجب فيقيض الله له من يعينه عليه حتى يفعله. فهذه ولاية من الله .(4)

-------------------------------------
1- دورة الأترجة / تفسير سورة آل عمران
2- تأملات في سورة آل عمران / للشيخ صالح المغامسي
3- مع القرآن 2 / الشيخ صالح المغامسي
4- تفسير سورة آل عمران / بن عثيمين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق