إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد ألاّ إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أيها المباركون فنستأنف معكم دروسنا في هذا المبارك حول آيات القرآن العظيم ولقاء هذا اليوم يحمل عنوان الأنبياء ، وقد ذُكر الأنبياء في القرآن الكريم كثيراً إلا أنني سأحاول معكم في تفسير موضوعي أن نلم شعث الموضوع ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً .
/ أول مادل عليه القرآن أن النبوة منزلة تُعطى ولا تكتسب قال تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ*أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) قال العلماء : الرحمة هنا بمعنى النبوة والله قال وقوله الحق (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) فما من نبي بعثه الله سأل الله تعالى من قبلُ مقام النبوة إنما الله يصطفيه ويجتبيه ويمتن عليه فيعطيه مقام النبوة هذا أولاً.
/ الأنبياء جمع غفير كما دلت عليه الأحاديث لكنني أفسر القرآن بمعنى أننا سنحاول قدر الإمكان أن نأتي بالآيات التي ذُكر فيها الأنبياء.
ذكر الله تعالى أن الأنبياء يتفاضلون ودلّ على هذا آية البقرة (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) لكننا نقول إن معنى الآية أنهم في أصل النبوة درجة واحدة ثم يتفاضلون عليهم السلام بما آتاهم الله - جل وعلا - من زيادة فضل على مقام النبوة كما يقال أن الصحبة ، صحبة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في أصلها واحدة ثم يتفاضل الصحابة بمقدار ما وفقهم الله - جل وعلا - من الخير لأن جامع الصحبة هو أنهم يؤمنون بالنبي - عليه الصلاة والسلام -ورأوه وقد ماتوا على الإيمان الذي آمنوا به فكذلك النبوة أعطاهم الله إياها فهم في أصلها واحد. إذا أخذنا بعض الآيات التي ذكر الله فيها التفضيل نلحظ فائدة عظيمة في هذا الباب قال الله تعالى في سورة الإسراء (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) هذا أصل في التفضيل إضافة إلى آية البقرة (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) قبلها قال - جلّ ذكره - (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) معنى (إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) يوفقكم للطاعات ، يوفقكم للإيمان ، (إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) لا يوفقكم للإيمان فتكفرون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) بعد أن قال في الأول (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) حتى لا يُفهم أن علم الله محصور في أنفسهم قال في الآية التي بعدها (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي أن علمه أشمل وأعظم ثم قال (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) المُلك مُلكه والرحمة رحمته والنعمة نعمته والخلق خلقه هو - جلّ وعلا - يؤتي من يشاء ويقدم من يشاء ثم قال - جل وعلا - (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ليس التفسير أن تأتي وتقول في شرحها ، في إيضاحها معنى الآية أن الله تعالى أعطى داوود كتاب الزبور لأن هذا لا يحتاج إلى تفسير ، ظاهر جداً (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) لكن التفسير الحق أن تفقه لِمَ قال الله (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ؟ قال قبلها (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) إذا الخبر هنا خبرعن التفضيل فلما ذكر الله التفضيل ذكر الشيء الذي يفضل به العبد فداوود عليه السلام آتاه الله الملك بنص القرآن وآتاه الله البنين (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) وآتاه الله المال لكن لما ذكر الله التفضيل لم يقل أنه فُضّل بالمُلك، ولم يقل أنه فُضّل بالمال ، ولم يقل أنه فُضّل بالبنين ، ذكر الله - جل وعلا - السبب العظيم في الفضل وهو العلم والعمل بالعلم قال - جل وعلا - (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) آتيناه الزبور فعمل به ، والزبور جُلُه مواعظ ورقائق كان عليه السلام يتلوها وقد أتاه الله تعالى صوتاً حسناً فكانت الطير تمُر وهو يذكر الله فتذكر الله بذكره ، والجبال الصُم تسمعه وهو يتلو الزبور فكانت تردد معه وهذه عطايا لا يمكن أن يتصورها عبد إلا إذا علِم أن المتفضل بها الواحد الأحد والإنسان لو مضى في أودية الظنون كثيراً والله لا يستطيع أن يجد جواباً ما السريرة التي كان عليها داوود حتى جعل الله الجبال الصم والطيور العجمى تردد بترديده وتسبح الله بتسبيحه (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ*وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ*وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) صلوات الله وسلامه عليه ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء لكن المراد الفضل العظيم الذي يفرح به المؤمن حقاً أن يؤتى علما يسوقه إلى رحمة الله، يعمل بالعلم ، ومن البلاء أن يؤتى الانسان علماً يعرفه به الناس وينشره ثم من يسمعه يتعظ به ويقوم به وهو لا يناله منه شئ فيكون من يسمعه أعظم حظاً بعلمه منه وهذا - عياذاً بالله اسأل الله العافية - من أجلّ المصائب (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) قال ربنا (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) ولا ريب أن حكم أي أحد على أي أحد مهما بلغ ظاهره خيراً كان أو شراً لا يلزم منه الصواب والصحة ، السرائر كلها عندالله لا يعلمها إلا هو .
قال الله هنا (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) مما دل عليه القرآن أن هؤلاء الأنبياء قضوا أعمارهم وأفنوا أيامهم في التعريف بالله وهو أجلّ مقامات العباد أن يكون الإنسان ممن يُعرِّف الخلق بخالقه ويدلهم على ربهم ، فإنك قد تقرأ كتاباً جمع فيه صاحبه الكثير من المعارف ما لم يمكن أن تجمعه لو تقصيت بنفسك سنين فيزيد من علمك ويزيد من معرفتك وقد تخرج للناس فصيحاً بليغاً تخبرهم بما قرأت لكن هذا الذي ألّف ، ذالكم الذي كتب عرّفك بالناس ، بمن حولك ولم يُعرّفك بربك فنفعك في دنياك ولم ينفعك في دينك. لكن المقامات العظام التي عاشها أنبياء الله ورسله كانوا عليهم السلام يعرفون العباد بربهم قال الله عن أولهم أو أول الرسل نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا) إلى أن قال (مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا*وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) ثم تبعه أنبياء الله ورسله عليهم السلام جميعاً على هذا المنوال .
/ مما دل عليه القرآن في أمر أنبياء الله - عليهم السلام - أن الله رزقهم الخشية والخوف منه وإجلاله يقول الله حكاية عن موسى (قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا) وقال عنه عليه السلام لما تجلى ربه للجبل قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وعن غيره من أنبياء الله وإنما نذكر هنا نماذج .
/ آتاهم الله تعالى حسن الخلق مع الناس وهذا ظاهر في سيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام - جلياً كما هو ظاهر في سيرة أنبياء الله - عليهم السلام - جميعاً بلا استثناء ، قال الله عن عبده ونبيه إسماعيل (وَاذْكُرْ) أي يا محمد (فِي الْكِتَابِ) أي في القرآن (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ) الابن البكر لخليل الله إبراهيم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا) فوصفه الله - جل وعلا - وأخبر عنه في كتابه العظيم أن هذا العبد الصالح والنبي الكريم إسماعيل كان صادق الوعد وهي من أجلّ المقامات التي يفرح بها أهل المروءات (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ) فعندما تأمر أهلك بالصلاة بلين ورفق وتحببهم في الدين فأنت تتبع بطريقتك هذه سُنن المرسلين - والله حتى لو لم يكن في البيت أحد نادي بالصلاة وذكّر أهلك برفق ولين حتى لو لم يكن في البيت أحد حتى إذا حضروا تكون متعود على أن تناديهم بالصلاة والإنسان لابد أن يموت فوالله لأن يفقدك أهلك ويقولوا غاب عنا من كان يذكرنا بالصلاة خير من أن يقولوا شيئاً آخر - فكل سبيل يكون فيه دعوة إلى الله فهو - إن شاء الناس أو أبوا - هو رفعة لك إن خلُصت لله نيتك (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) .
/ ذكر الله - جل وعلا - عنهم أن أحوالهم في الدنيا اختلفت اختلافاً كبيراً
فمنهم من ساس الأمم كموسى وداوود وسليمان فهؤلاء بعضهم ملوك وبعضهم قادة مع أنهم أنبياء .
ومنهم من عاش لم يكن له بيت ولم يتزوج مثل عيسى ابن مريم.
ومنهم من كان في قلبه التوحيد عظيماً جداً - والتوحيد في قلوبهم كلهم - فأكرمه الله تعالى لعظيم شرفه وجلال مكانه أنه ما أنزل الله كتابا من السماء على نبي من الأنبياء إلا في ذريته إجلالاً له (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) وهو خليل الله إبراهيم .
ومنهم من لم يؤته الله إلا إناثاً مثل لوط .
ومنهم من جمع الله له بين الإناث والذكور مثل رسولنا صلى الله عليه وسلم .
والقضية من هذا كله أن الله - جل وعلا - أحياهم في الدنيا بشرا، جعلهم بشرا، فارتاب كل من بُعث إليه نبي كيف يحيا النبي حياة البشر وأخبر الله أن هذه سنة مضت في أنبيائه (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ) بل قال ربنا (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) فهذا مثلا في النكاح، فكانوا يأكلون الطعام كما قال ربنا ويمشون في الاسواق مثلهم مثل سائر الناس ، وأصلاً لا يُعقل أن إنسان يريد أن يذكر الناس بربهم ثم يحتجب عنهم إلا ما دعت إليه الضرورة كما أنه ينبغي لمن ورث علم الأنبياء أن يخرج للناس ، ينبغي للناس أن يرحموا من آتاه الله - جل وعلا - إرث الأنبياء فلا يعقل أن يعيش الإنسان حياته كلها للناس لأنه ثمة حقوق أخرى يتطلب منه أن يقوم بها ويؤتيها .
والمراد الحديث عن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام المذكور في القرآن منهم خمسة وعشرون نبياً ، ومرّ معنا هذا كثيراً في دروسنا ، ثمانية عشر منهم ذكرهم الله في سورة الأنعام وسبعة آخرون ذُكروا متفرقين في غير سورة الأنعام يجمعهم قول القائل :
في تلك حجتنا منهم ثمانية ** من بعد عشرة ويبقى سبعة
وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ** ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فهؤلاء خمسة وعشرون نبياً ورسولاً قال الله - جل وعلا - في الأنعام (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) .
/ بقى ظهورهم : آدم نبي غير رسول، ثم نوح وهو أول رسل الله إلى الأرض واختلف في شيث وإدريس، متفقون على نبوة إدريس لكن هل كان قبل نوح أو بعده والذي أميل اليه - والعلم عند الله - أنه كان قبله ، هذا نوح . ثم كان صالح وهود في زمنين متقاربين بعد نوح هذا التسلسل الزمني ، آدم ، إدريس - على خلاف - ثم نوح وهو أول رسل الله إلى الأرض على أن إدريس نبياً غير رسول ، فإن قلنا إنه بعد نوح يمكن أن يُقال إنه رسول ، الله قال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) ولم يذكر أنه بعثه إلى قوم . ثم قلنا نوح ثم عاد لأن الله أخبر أن عادا جاؤوا بعد نوح ، ثم ثمود وقد أخبر الله أن ثمودا جاءت بعد عاد ونبيهم صالح ، ثم ظهر خليل الله إبراهيم على خلاف هل شعيب قبلهم - قبل إبراهيم - أو بعده وظاهر القرآن على أنه بعده ثم إبراهيم . هناك أنبياء لم يذكرهم الله ، قال الله (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) لكن نحن نتكلم عن الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن .
/ بعد ذلك ظهر خليل الله ابراهيم في العراق ثم هاجر إلى الشام ثم قضى الله - كما بيّنا - أن الأنبياء كلهم من ذريته ، كان له عدة أنبياء من أشهرهم إثنان إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فأما اسماعيل فمكث في مكة كما هو معروف ، وأما اسحاق فقد كانت له ذرية ، من ذرية إسحاق يعقوب وهو المُسمّى بإسرائيل (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) ، أنا أريدك أن تتصور المسألة جيداً ، يعقوب ولد له اثنا عشر ولد منهم يوسف ، لم يُنبئ منهم - على الصحيح عندنا - إلا يوسف ، مكث في مصر ثم دخل يعقوب مصر أيام ابنه وسكنها ، من يوسف وذرية يعقوب الآخرين من يهوذا وراحيل وغيرهم نشأ بني اسرائيل حتى أظهر الله موسى وظاهر القرآن يدل على أنه ليس بين موسى ويوسف رسول لكن يمكن أن يكون أنبياء وقلنا هذا لأن الله قال في حق موسى على لسان مؤمن آل فرعون (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً) فلو كان هناك رسول بين يوسف وموسى غالب الظن أن يذكره مؤمن آل فرعون . فهذا ما يتعلق بموسى ،ظهر موسى - عليه السلام - وهو الكليم في بني إسرائيل ، لما نبأه الله تشفّع عند ربه أن يكون هارون نبياً فقبِل الله قال له ربه (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) فأضحى هارون نبياً فخرج موسى وهارون عليهما السلام بقومهما من أرض مصر إلى أرض التيه - صحراء سيناء - ثم مات هارون أولاً ثم مات موسى ، ثم ولي أمرهم يوشع ابن نون وهو فتى موسى وكان نبياً لكنه لم يُذكر في القرآن على أنه نبي سمّاه الله فتى لكن دلت السنة على أنه كان نبياً لكنه ساس بني اسرائيل بعد موسى. أنزل الله على موسى - قطعا قبل أن يموت - التوراة فهي أول كتاب عظيم نزل على أنبياء بني إسرائيل ثم ان يوشع ابن نون بعد وفاة موسى دخل ببني إسرائيل بعد أربعين سنة في أرض التيه دخل بهم أريحا (ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) دخولها في زمن يوشع ثم اصبحوا في صراع مع الأمم التي حولهم يغلبون ويُغلبون قال - عليه الصلاة والسلام - (كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء) ثم إنه بعد ذلك ظهر فيهم نبي في زمن طالوت ، طالوت كان ملكاً ، لم يكن نبياً لكن كان هناك ملِك معه (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) ثم تتابعت الأنبياء وظهر زكريا ، ثم ظهر يحي ابن زكريا ، وظهر عيسى ابن مريم ، ما بين زكريا وعيسى ويحي وموسى أنبياء كُثُر لكن ليس بين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعيسى أي نبي قال عليه الصلاة والسلام (الأنبياء إخوة لعلات) العلة الضره ، أمهاتهم شتى وأبوهم واحد (فأنا) - عليه السلام يقول - (أولى الناس بعيسى ابن مريم إذ ليس بيني وبينه نبي) ولهذا هو الذي ينزل (وإنه نازل فيكم لا محالة) يقول عليه الصلاة والسلام.
هذه جملة عن أخبار أنبياء الله ، بلغنا الله وإياكم هديهم وجمعنا الله وإياكم بهم في جنات النعيم وصلى الله على محمد وآله والحمدلله رب العالمين .
__________________________________
الشكر موصول للأخت (رويدا شمسان) لتفريغها الحلقة
ذكر الله تعالى أن الأنبياء يتفاضلون ودلّ على هذا آية البقرة (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) لكننا نقول إن معنى الآية أنهم في أصل النبوة درجة واحدة ثم يتفاضلون عليهم السلام بما آتاهم الله - جل وعلا - من زيادة فضل على مقام النبوة كما يقال أن الصحبة ، صحبة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في أصلها واحدة ثم يتفاضل الصحابة بمقدار ما وفقهم الله - جل وعلا - من الخير لأن جامع الصحبة هو أنهم يؤمنون بالنبي - عليه الصلاة والسلام -ورأوه وقد ماتوا على الإيمان الذي آمنوا به فكذلك النبوة أعطاهم الله إياها فهم في أصلها واحد. إذا أخذنا بعض الآيات التي ذكر الله فيها التفضيل نلحظ فائدة عظيمة في هذا الباب قال الله تعالى في سورة الإسراء (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) هذا أصل في التفضيل إضافة إلى آية البقرة (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) قبلها قال - جلّ ذكره - (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) معنى (إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) يوفقكم للطاعات ، يوفقكم للإيمان ، (إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) لا يوفقكم للإيمان فتكفرون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) بعد أن قال في الأول (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) حتى لا يُفهم أن علم الله محصور في أنفسهم قال في الآية التي بعدها (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي أن علمه أشمل وأعظم ثم قال (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) المُلك مُلكه والرحمة رحمته والنعمة نعمته والخلق خلقه هو - جلّ وعلا - يؤتي من يشاء ويقدم من يشاء ثم قال - جل وعلا - (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ليس التفسير أن تأتي وتقول في شرحها ، في إيضاحها معنى الآية أن الله تعالى أعطى داوود كتاب الزبور لأن هذا لا يحتاج إلى تفسير ، ظاهر جداً (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) لكن التفسير الحق أن تفقه لِمَ قال الله (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) ؟ قال قبلها (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) إذا الخبر هنا خبرعن التفضيل فلما ذكر الله التفضيل ذكر الشيء الذي يفضل به العبد فداوود عليه السلام آتاه الله الملك بنص القرآن وآتاه الله البنين (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) وآتاه الله المال لكن لما ذكر الله التفضيل لم يقل أنه فُضّل بالمُلك، ولم يقل أنه فُضّل بالمال ، ولم يقل أنه فُضّل بالبنين ، ذكر الله - جل وعلا - السبب العظيم في الفضل وهو العلم والعمل بالعلم قال - جل وعلا - (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) آتيناه الزبور فعمل به ، والزبور جُلُه مواعظ ورقائق كان عليه السلام يتلوها وقد أتاه الله تعالى صوتاً حسناً فكانت الطير تمُر وهو يذكر الله فتذكر الله بذكره ، والجبال الصُم تسمعه وهو يتلو الزبور فكانت تردد معه وهذه عطايا لا يمكن أن يتصورها عبد إلا إذا علِم أن المتفضل بها الواحد الأحد والإنسان لو مضى في أودية الظنون كثيراً والله لا يستطيع أن يجد جواباً ما السريرة التي كان عليها داوود حتى جعل الله الجبال الصم والطيور العجمى تردد بترديده وتسبح الله بتسبيحه (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ*وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ*وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) صلوات الله وسلامه عليه ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء لكن المراد الفضل العظيم الذي يفرح به المؤمن حقاً أن يؤتى علما يسوقه إلى رحمة الله، يعمل بالعلم ، ومن البلاء أن يؤتى الانسان علماً يعرفه به الناس وينشره ثم من يسمعه يتعظ به ويقوم به وهو لا يناله منه شئ فيكون من يسمعه أعظم حظاً بعلمه منه وهذا - عياذاً بالله اسأل الله العافية - من أجلّ المصائب (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) قال ربنا (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) ولا ريب أن حكم أي أحد على أي أحد مهما بلغ ظاهره خيراً كان أو شراً لا يلزم منه الصواب والصحة ، السرائر كلها عندالله لا يعلمها إلا هو .
قال الله هنا (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) مما دل عليه القرآن أن هؤلاء الأنبياء قضوا أعمارهم وأفنوا أيامهم في التعريف بالله وهو أجلّ مقامات العباد أن يكون الإنسان ممن يُعرِّف الخلق بخالقه ويدلهم على ربهم ، فإنك قد تقرأ كتاباً جمع فيه صاحبه الكثير من المعارف ما لم يمكن أن تجمعه لو تقصيت بنفسك سنين فيزيد من علمك ويزيد من معرفتك وقد تخرج للناس فصيحاً بليغاً تخبرهم بما قرأت لكن هذا الذي ألّف ، ذالكم الذي كتب عرّفك بالناس ، بمن حولك ولم يُعرّفك بربك فنفعك في دنياك ولم ينفعك في دينك. لكن المقامات العظام التي عاشها أنبياء الله ورسله كانوا عليهم السلام يعرفون العباد بربهم قال الله عن أولهم أو أول الرسل نوح (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا) إلى أن قال (مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا*وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) ثم تبعه أنبياء الله ورسله عليهم السلام جميعاً على هذا المنوال .
/ مما دل عليه القرآن في أمر أنبياء الله - عليهم السلام - أن الله رزقهم الخشية والخوف منه وإجلاله يقول الله حكاية عن موسى (قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا) وقال عنه عليه السلام لما تجلى ربه للجبل قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وعن غيره من أنبياء الله وإنما نذكر هنا نماذج .
/ آتاهم الله تعالى حسن الخلق مع الناس وهذا ظاهر في سيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام - جلياً كما هو ظاهر في سيرة أنبياء الله - عليهم السلام - جميعاً بلا استثناء ، قال الله عن عبده ونبيه إسماعيل (وَاذْكُرْ) أي يا محمد (فِي الْكِتَابِ) أي في القرآن (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ) الابن البكر لخليل الله إبراهيم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا) فوصفه الله - جل وعلا - وأخبر عنه في كتابه العظيم أن هذا العبد الصالح والنبي الكريم إسماعيل كان صادق الوعد وهي من أجلّ المقامات التي يفرح بها أهل المروءات (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا*وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ) فعندما تأمر أهلك بالصلاة بلين ورفق وتحببهم في الدين فأنت تتبع بطريقتك هذه سُنن المرسلين - والله حتى لو لم يكن في البيت أحد نادي بالصلاة وذكّر أهلك برفق ولين حتى لو لم يكن في البيت أحد حتى إذا حضروا تكون متعود على أن تناديهم بالصلاة والإنسان لابد أن يموت فوالله لأن يفقدك أهلك ويقولوا غاب عنا من كان يذكرنا بالصلاة خير من أن يقولوا شيئاً آخر - فكل سبيل يكون فيه دعوة إلى الله فهو - إن شاء الناس أو أبوا - هو رفعة لك إن خلُصت لله نيتك (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) .
/ ذكر الله - جل وعلا - عنهم أن أحوالهم في الدنيا اختلفت اختلافاً كبيراً
فمنهم من ساس الأمم كموسى وداوود وسليمان فهؤلاء بعضهم ملوك وبعضهم قادة مع أنهم أنبياء .
ومنهم من عاش لم يكن له بيت ولم يتزوج مثل عيسى ابن مريم.
ومنهم من كان في قلبه التوحيد عظيماً جداً - والتوحيد في قلوبهم كلهم - فأكرمه الله تعالى لعظيم شرفه وجلال مكانه أنه ما أنزل الله كتابا من السماء على نبي من الأنبياء إلا في ذريته إجلالاً له (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) وهو خليل الله إبراهيم .
ومنهم من لم يؤته الله إلا إناثاً مثل لوط .
ومنهم من جمع الله له بين الإناث والذكور مثل رسولنا صلى الله عليه وسلم .
والقضية من هذا كله أن الله - جل وعلا - أحياهم في الدنيا بشرا، جعلهم بشرا، فارتاب كل من بُعث إليه نبي كيف يحيا النبي حياة البشر وأخبر الله أن هذه سنة مضت في أنبيائه (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ) بل قال ربنا (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) فهذا مثلا في النكاح، فكانوا يأكلون الطعام كما قال ربنا ويمشون في الاسواق مثلهم مثل سائر الناس ، وأصلاً لا يُعقل أن إنسان يريد أن يذكر الناس بربهم ثم يحتجب عنهم إلا ما دعت إليه الضرورة كما أنه ينبغي لمن ورث علم الأنبياء أن يخرج للناس ، ينبغي للناس أن يرحموا من آتاه الله - جل وعلا - إرث الأنبياء فلا يعقل أن يعيش الإنسان حياته كلها للناس لأنه ثمة حقوق أخرى يتطلب منه أن يقوم بها ويؤتيها .
والمراد الحديث عن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام المذكور في القرآن منهم خمسة وعشرون نبياً ، ومرّ معنا هذا كثيراً في دروسنا ، ثمانية عشر منهم ذكرهم الله في سورة الأنعام وسبعة آخرون ذُكروا متفرقين في غير سورة الأنعام يجمعهم قول القائل :
في تلك حجتنا منهم ثمانية ** من بعد عشرة ويبقى سبعة
وهمو إدريس هود شعيب صالح وكذا ** ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فهؤلاء خمسة وعشرون نبياً ورسولاً قال الله - جل وعلا - في الأنعام (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) .
/ بقى ظهورهم : آدم نبي غير رسول، ثم نوح وهو أول رسل الله إلى الأرض واختلف في شيث وإدريس، متفقون على نبوة إدريس لكن هل كان قبل نوح أو بعده والذي أميل اليه - والعلم عند الله - أنه كان قبله ، هذا نوح . ثم كان صالح وهود في زمنين متقاربين بعد نوح هذا التسلسل الزمني ، آدم ، إدريس - على خلاف - ثم نوح وهو أول رسل الله إلى الأرض على أن إدريس نبياً غير رسول ، فإن قلنا إنه بعد نوح يمكن أن يُقال إنه رسول ، الله قال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) ولم يذكر أنه بعثه إلى قوم . ثم قلنا نوح ثم عاد لأن الله أخبر أن عادا جاؤوا بعد نوح ، ثم ثمود وقد أخبر الله أن ثمودا جاءت بعد عاد ونبيهم صالح ، ثم ظهر خليل الله إبراهيم على خلاف هل شعيب قبلهم - قبل إبراهيم - أو بعده وظاهر القرآن على أنه بعده ثم إبراهيم . هناك أنبياء لم يذكرهم الله ، قال الله (مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) لكن نحن نتكلم عن الأنبياء الذين ذُكروا في القرآن .
/ بعد ذلك ظهر خليل الله ابراهيم في العراق ثم هاجر إلى الشام ثم قضى الله - كما بيّنا - أن الأنبياء كلهم من ذريته ، كان له عدة أنبياء من أشهرهم إثنان إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ، فأما اسماعيل فمكث في مكة كما هو معروف ، وأما اسحاق فقد كانت له ذرية ، من ذرية إسحاق يعقوب وهو المُسمّى بإسرائيل (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ) ، أنا أريدك أن تتصور المسألة جيداً ، يعقوب ولد له اثنا عشر ولد منهم يوسف ، لم يُنبئ منهم - على الصحيح عندنا - إلا يوسف ، مكث في مصر ثم دخل يعقوب مصر أيام ابنه وسكنها ، من يوسف وذرية يعقوب الآخرين من يهوذا وراحيل وغيرهم نشأ بني اسرائيل حتى أظهر الله موسى وظاهر القرآن يدل على أنه ليس بين موسى ويوسف رسول لكن يمكن أن يكون أنبياء وقلنا هذا لأن الله قال في حق موسى على لسان مؤمن آل فرعون (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً) فلو كان هناك رسول بين يوسف وموسى غالب الظن أن يذكره مؤمن آل فرعون . فهذا ما يتعلق بموسى ،ظهر موسى - عليه السلام - وهو الكليم في بني إسرائيل ، لما نبأه الله تشفّع عند ربه أن يكون هارون نبياً فقبِل الله قال له ربه (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) فأضحى هارون نبياً فخرج موسى وهارون عليهما السلام بقومهما من أرض مصر إلى أرض التيه - صحراء سيناء - ثم مات هارون أولاً ثم مات موسى ، ثم ولي أمرهم يوشع ابن نون وهو فتى موسى وكان نبياً لكنه لم يُذكر في القرآن على أنه نبي سمّاه الله فتى لكن دلت السنة على أنه كان نبياً لكنه ساس بني اسرائيل بعد موسى. أنزل الله على موسى - قطعا قبل أن يموت - التوراة فهي أول كتاب عظيم نزل على أنبياء بني إسرائيل ثم ان يوشع ابن نون بعد وفاة موسى دخل ببني إسرائيل بعد أربعين سنة في أرض التيه دخل بهم أريحا (ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) دخولها في زمن يوشع ثم اصبحوا في صراع مع الأمم التي حولهم يغلبون ويُغلبون قال - عليه الصلاة والسلام - (كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء) ثم إنه بعد ذلك ظهر فيهم نبي في زمن طالوت ، طالوت كان ملكاً ، لم يكن نبياً لكن كان هناك ملِك معه (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) ثم تتابعت الأنبياء وظهر زكريا ، ثم ظهر يحي ابن زكريا ، وظهر عيسى ابن مريم ، ما بين زكريا وعيسى ويحي وموسى أنبياء كُثُر لكن ليس بين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعيسى أي نبي قال عليه الصلاة والسلام (الأنبياء إخوة لعلات) العلة الضره ، أمهاتهم شتى وأبوهم واحد (فأنا) - عليه السلام يقول - (أولى الناس بعيسى ابن مريم إذ ليس بيني وبينه نبي) ولهذا هو الذي ينزل (وإنه نازل فيكم لا محالة) يقول عليه الصلاة والسلام.
هذه جملة عن أخبار أنبياء الله ، بلغنا الله وإياكم هديهم وجمعنا الله وإياكم بهم في جنات النعيم وصلى الله على محمد وآله والحمدلله رب العالمين .
__________________________________
الشكر موصول للأخت (رويدا شمسان) لتفريغها الحلقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق