*أ. نجلاء السبيل
الوصية الثامنة :
{ واقصدْ فِي مَشْيكَ وَاغْضُض مِن صَوتِكَ إِن أنكَرَ الأصوَات لَصوتُ الحَمِير }.
أي : امش متواضعاً مستكيناً ، لا مشي البطر والتكبر.
قال صلى الله عليه وسلم: [ من تعظَّم في نفسه أو اختال في مشيته ، لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان ][1].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ بينما رجلٌ يمشي في حُلّةٍ تُعجبهُ نفسه مُرجِّلٌ رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة ][2].
والتواضع لا يأتي إلا عند انكسار القلب..
فإذا انكسر القلب وتواضع العبد كان هذا مؤذناً بقرب الرب.
روى الإمام أحمد في كتابه الزهد عن عمران القصير قال : " قال موسى بن عمران عليه السلام: أي رب أين أبغيك ؟ قال : ابغني عند المنكسرة قلوبهم من أجلي إني أدنوا منهم كل يومٍ باعاً ولولا ذلك لانهدموا "[3].
وذكر أبو نعيم في الحلية من طريق ضمرة عن ابن شوذب قال: " أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : أتدري لأي شيء اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ؟ قال: لا يارب ، قال : لأنه لم يتواضع لي أحدٌ تواضعك ".
فالقلوب إذا خشعت وذلت وتواضعت وانكسرت قرب الله منها ، فالله تبارك وتعالى يتقرب ممن يتقرب إليه ، وهذا هو السر الذي جعل الإمام البخاري رحمه الله يُوردُ حديث الولي في باب التواضع.
[ من عادى لي ولياً آذنتهُ بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطيته ، ولئن استعاذ بي لأُعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ].
- وذلك أن المدخل إلى ولاية الله يكون بالتواضع ، التواضعُ لخلقهِ والتواضعُ في عبادته.
التواضع الذي يعرفك بأن الله وحده هو الحقيق بالوصف بالأكبريه ، أنت تردد وتكرر "الله أكبر" في صلاتك وقيامك وركوعك وسجودك فينْدك ويندك ما في نفسك من رعونة الكبر .
والكبر نقيض التواضع ، وحتى تكون ولي من أولياء الله لا بد أن تكون خالياً من الكبر في عبادتك وخالياً من الكبر مع العباد.
وتأمل خواتيم سورة الفرقان التي ذُكرت فيها صفات عباد الرحمن ، الآيات قبلها تكلمت عن السماء والبروج التي في السماء والنجوم التي في السماء ثم جاء وصف عباد الرحمن فكما أن هناك نجومٌ في السماء فهناك أيضاً نجومٌ في الأرض وهم عباد الرحمن سراجيّتهم وتوقدهم راجع إلى صفاتهم التي استوجبوا بها هذه الإضافة إضافة التشريف .
وأول صفاتهم وعلى رأسها: { الذِينَ يمشُونَ عَلى الأرضِ هوناً }.. ساكنين متواضعين لله وللخلق وجمعوا مع التواضع واللين حلماً والحلمُ يولد من رحِم التواضع : { وإذا خَاطَبهُم الجَاهِلُونَ قَالوا سَلامَاً }.
فهذا مدحٌ لهم برزانة العقل والحلم الكثير ، ومقابلة المسيء بالإحسان ومخاطبته خطاباً يسلمون فيه من الإثم ومن مقابلة الجاهل بجهله.
- { واغضُضْ مِن صَوتك }
أدبٌ عالي رفيع مع النفس ومع الناس ومع الله عزوجل دليل السكينة وهو زينة المؤمن ، قال قتادة في قوله تعالى:{ إذ نادى ربه نداءً خفياً }: "إن الله يعلمُ القلب التقيّ ويسمعُ الصوتَ الخفي "[4].
فلا مزية أبداً في رفع الصوت بل إن أبشع الأصوات وأفظعها صوت الحمار ، قال ابن زيد رحمه الله :" لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله للحمير " [5].
وقال ابن قتيبة رحمه الله تعالى : " عرّف لقمان ابنه قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير"[6].
/ انتهى تدبرنا لهذه الوصايا التي وصى بها لقمان ابنه وهي وصايا كما قال عنها العلامة ابن سعدي رحمه الله : " تجمعُ أمهات الحكم وتستلزم ما لم يذكر منها ، وكل وصيةٍ يقرن بها ما يدعو إلى فعلها إن كانت أمراً وإلى تركها إن كانت نهياً ، فحقيقٌ بمن أوصى هذه الوصايا أن يكون مخصوصاً بالحكمةِ مشهوراً بها، ولهذا من منّة الله على عباده أن قصَّ عليهم من حكمته ما يكون لهم به أسوةٌ حسنة".
/ من صفات الحكماء:
هينـون ليـنون أيسارٌ بنو يَسِرٍ ** سُوّاسُ مـكرمةٍ أبـناءُ أيـسار
لا يَنـطقون بغير الحق إنْ نَطَقوا ** ولا يُمـارونَ إن مـارُوا بإكثارٍ
من تلق منهم تقل لاقيتَ سيدهم ** مثل النجوم التي يسري بها الساري
1.معرفة الله تعالى كما يجب حق المعرفة وقبل كل شيء.
2.شكر الله ورد الجميل بين الناس وشكرهم.
3.الصمت وترك فضول الكلام.
4.التفكر . يقول ممشاد الدينوري: " الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت والتفكر".
5.الخلوة.
6.الزهد في الدنيا.
7.عدم الإفراط في أمور الدنيا والركون إلى مشاغلها.
8.مجالسة العلماء والحكماء والابتعاد عن قرناء السوء.
9.الإقدام على الأمور ببصيرة وتحفظ : " والرجل الحكيم لا يلج مولجاً حتى يتبين خيره وشره قبل ولوجه".
10. محادثة الناس على قدر عقولهم.
11. التمييز بين القضايا وتقديهما على غيرها من حيث الأهمية .
12. معرفة الأشياء ووضعها في مواضعها.
13. تدارك الوقت وعدم تأجيل الأعمال.
14. عدم الإفراط أو التفريط في الحب والبغض :
أحبـب حبيبكَ حباً رويداً ** فقد لا يعولك أن تصرمـا
وأبغض بغيضك بغضاً رويداً ** إذا حاولت أن تحكمــا
15. لا بد من معاركة الحياة والصبر على الشدائد والاعتبار بالتاريخ.
16. وقوف المرء عند حده وعدم الغرور .
_________________________
[1] صحيح الترغيب (3/110).
[2] متفق عليه.
[3] رسالة الذل والإنكسار لابن رجب.
[4] تفسير ابن كثير.
[5] زاد المسير .
[6] زاد المسير.
*إحدى منسوبات جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق