أ. نجلاء السبيل *
الوصية الخامسة :
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ}.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الله ، وهي من أجلّ القربات إلى الله تعالى.
وإن خيريتنا ورِفعتنا وسيادتنا على كل الأمم جاءت من الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ ..}[1] . " فالله تعالى مدحَ هذه الأمة بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردِّهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم"[2].
وقد جاء عن مسلم ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائةِ مفصل ، فمن كبر الله ، وحمد الله ، وهلل الله ، وسبح الله ، واستغفر الله ، وعزلَ حجراً عن طريق الناس ، أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس ، أو أمَرَ بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السُلامى فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن النار].
- فإن نحن تركنا هذه الشعيرة وقصّرنا فيها وضعفنا فإن الله قصَّ علينا خبراً عن بني إسرائيل في سورة المائدة ، قال تعالى :{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ
بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ*كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ
عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}[3].
كانت معصيتهم أنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجاءتهم اللعنات من فوق سبع سماوات ولعنة الله إذا تنزلت على قومٍ فإنها لا تُرفع.
وقال صلى الله عليه وسلم :[ والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم ][4].
وإن أقل درجات إنكار المنكر " الإنكار بالقلب " وهي واجبة قطعاً على كل أحد ، ولا يُعذر فيها أحد ولا ينفك عنها أحدٌ قط إلا انفك عنه الإيمان وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خـردل ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ][5].
وفي سورة الأعراف أخبرنا الله عزوجل بقصة أصحاب السبت:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ
الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ
إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ
يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ
مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ
عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُواْ مَا
ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا
الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ*فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا
نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[6].
- قرية من قرى بني إسرائيل كانت على ساحل البحر قيل أنها - أيلة - وحرفة معظم أهل الساحل الصيد لقرب البحر منهم.
أرادَ الله ابتلاءهم - والله لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون - ، فكان إذا جاء يوم السبت وهو يوم يُعظمونه ولا يعملون فيه ويتفرغون للعبادة وقد حرّم الله عليهم الصيدَ فيه ، جاءت الحيتان يوم السبت شُرّعاً أي ظاهرةً على وجه الماء كثيرة وفيرة قرب الساحل وإذا انتهى السبت تختفي ولا تُرى إلا في السبت المقبل.
فُتِن بها بنو إسرائيل واحتالوا بحيلة " اصطادوا بها" السمك فكانوا ينصبون شباكهم من يوم الجمعة ويتركونها ليقع فيها الصيد ثم يجمعونها في اليوم التالي.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :[ لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ][7].
تكرر الأمر منهم واغتروا بستر الله عليهم ثم فشا أمرهم في كل القرية فانقسمت القرية إلى ثلاث طوائف :
- طائفة تعصي الله وهم المحتالون.
- وطائفة نهت وأنكرت وخوفوهم عقوبة الله.
- وطائفة سكتت عن الإنكار ، بل وأخذوا يلومون المنكرين: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ ..}الآيات. فردوا عليهم {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي أننا قمنا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووعظهم حتى تبرأ ذمتنا أمام الله .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : [ إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ من عنده][8].
فما كان إلا أن نجّى الله هذه الفرقة المؤمنة الذين نهواْ عن السوء ، وحل العذاب بالفرقة المحتالة على أمر الله ومُسخوا جميعاً إلى قردة تتعاوى لها أذناب ، وسكتت الآيات عن الفرقة التي سكتت والجزاء من جنس العمل كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره.
وأختم بكلمات للإمام أبو حامد الغزالي - رحمه الله - قال :
" إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين ، وهو المُهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ولو طُوي بساطه وأُهمِل عِلمهُ وعمله لتعطّلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، وخربت البلاد "[9].
--------------------------------
[1] آل عمران (110).
[2] تفسير السعدي ص143.
[3] المائدة (78).
[4] صحيح الترمذي (1762).
[5] مسلم (49).
[6] الأعراف (163-166).
[7] قصص القرآن (430) عن ابن كثير.
[8] صحيح الترمذي (2168).
[9] نضرة النعيم (3/97)
*إحدى منسوبات جمعية تحفيظ القرآن بمحافظة جدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق