الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الدرة القرآنية الخامسة عشر مع خبر مريم عليها السلام في سورة مريم


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من ختم الله به الرسالات ، وأتم به النبوات سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والمروءات أما بعد أيها المباركون والمباركات سلام الله عليكم ورحمته وبركاته :
نمضي سويا في الدرة القرآنية مع قول الله - تبارك وتعالى - {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا }
إلى قوله تعالى {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } .الله - جل وعلا - جعل هذا الكتاب العظيم مهيمنا على الكتب كلها وقد ذكر الله فيه ثلة من الأخيار الأبرار رجالا ونساء ، ذكرهم الله في أشرف مقاماتهم وأعلى أحوالهم ، كما ذم في القرآن أقواما فمن ذمه الله - جل وعلا - في القرآن إنما ذمه لعيب فيه ونقص منه وهذا يدفعنا إلى أن نتحرز تلك الفعال ، وننأى بأنفسنا عن تلكم الخصال . وثمة أقوام أثنى الله - جل وعلا - عليهم في كتابه من النبيين والمرسلين ، والصالحين والصالحات ، ومن أولئك الصديقة مريم عليها السلام ، قال الله - جل وعلا - {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ} أي أذكر أيها النبي الكريم أنا ختمنا بك الرسالات واتممنا بك النبوات ، اذكر في هذا الكتاب العظيم الذي أنزلناه عليك ، اذكر الصديقة مريم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} كان الأصل أن مريم تعتكف في بيتها ثم بدا لها أن تغير مكان عبادتها وأن تخرج إلى البرية فخرجت قال ربنا { إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا} أي سترا لا تريد منهم أن يُبصروا عبادتها ولا أن يتأملوا كيف تقوم لربها وتذكره حفاظا على أن تكون أبعد عن الرياء وأنأ بنفسها عن السمعة فاتخذت من دونهم حجابا فماذا كان ؟
قال الله - جل وعلا - {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} والإضافة هنا إضافة تشريف ولا ريب أن المقصود به جبرائيل عليه السلام أحد الملائكة العظام سلام الله - جل وعلا - عليه ، قال الله - جل وعلا - {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وهذا مما آتاه الله - جل وعلا الملائكة القدرة على التشكل {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} ولم يُخبر القرآن هنا أن جبرائيل جاء منه أي طريق أو محاولة لإيذائها ، أو لم تخرج منه كلمة تنبئ عن غرض سيء ، لم يقع منه محاولة الاقتراب منها ، لم يقع منه لفظ ينبئ عن فساد طويته قال الله - جل وعلا - {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} إلا أن تلك الصديقة هتفت حتى تقطع على الشيطان حبائله ، وحتى تعصم نفسها من الوقوع في الإثم بادرت هي في الخطاب {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} أي فاتركني واجنبني وهذا يدل على أن المرأة العاقلة لا تجعل للأشرار طريقا عليها وليس المقصود هنا - عياذا بالله - أن يوصف جبرائيل بالشر لأنها لم تكن تعلمه وإنما خاطبته على أنه رجل ظهر لها في البرية ، وما يكون في أنفس الرجال نحو النساء أمر لا يخفى ، فهي أرادت أن تقطع العلائق وتقطع حبائل الشيطان {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن} فنرى أنها سلكت طريقين : اللجؤ إلى الله - جل وعلا - وهذا يمثله قول الله - جل وعلا - {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ} ثم اتخذت الأسباب ، ذكرته ، وعظته ، أرهبته قالت {إِن كُنتَ تَقِيًّا} لكن جبرائيل - عليه السلام - هنا كشف اللثام عن شخصيته {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} وانظر لم يقل إنما أنا رسول ربي ، أراد أن يهون الأمر عليها وأن يُخبها بلطف الله - جل وعلا - لها فاَضاف لفظ "رب" إليها {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} فبادرته بالجواب أن هذا مُحال وأخبرت أنه لا سبيل إلى الولد إلا عن طريقين : إما عن طريق زواج شرعي أو أمر بغي وكلاهما هي بعيدة عنه {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا*قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} أي بطريق شرعي {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أي بطريق غير شرعي ، ولا يُتصور الولد إلا من مثل هذا {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} ، {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} وهذا إجمال وإسناد الأمر للكبير المتعال وما بعده إنما هو تبع له لكن يكفي في الجواب أن يُقال {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ} أي هذا المولود {آيَةً لِلنَّاسِ} ولا ريب أن إخراجه من رحم امراة من دون زوج آية ، وأي آية وقد قال الله - جل وعلا - {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} ، ولا ريب أن عيسى بن مريم - عليه السلام - من أعظم الآيات .
قال ربنا - جل وعلا - {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا} رحمة لمن ؟ رحمة على ثلاث :
/ رحمة بعيسى نفسه إذ أن النبوة من أعظم الرحمة ، كونه أن يجعله الله نبيا هذا من رحمة الله به .
/ ورحمة على مريم نفسها أن يكون منها ولد نبيّ ، فهذا يجعل لهل فخارا وذكرا حسنا في الناس ، إضافة إلى ما ينفعها ابنها به .
/ ورحمة للناس أجمعين لأن الأنبياء لا يدعون الناس إلا إلى خير ولا يرشدون إلا إلى فضل ولهذا سماهم الله - جل وعلا - رحمة قال الله عن نبينا - عليه السلام - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} هنا يقول الله - جل وعلا - {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا} . ثم بيّن لها أن هذا الأمر قد خُطّ في الأزل ، وكتبه الله - جل وعلا - من قبل { وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} حتما وقوعوه ولزاما كونه لأن الله جل وعلا - أمر به وكتبه عنده - جل وعلا - وقدّره وخلقه { وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} ، لما كان أمرا مقضيا كان لابد أن تحمله فجاءت الآية التي بعدها {فَحَمَلَتْهُ} والمشهور أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى رحمها ثم حملت به قال ربنا {فَحَمَلَتْهُ} والأصل أن الحمل تسعة أشهر ولم يأتِ في القرآن والسنة ما يدل على أن حمل مريم دون ذلك .
{فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ} أي بعيسى ، أي بحملها {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} في الأول قال ربنا {مَكَانًا شَرْقِيًّا} ، هنا قال مَكَانًا شَرْقِيًّا {قَصِيًّا} لأن الأمر الأول كانت فقط تريد أن تبعُد عن العين حتى لا تُرى عبادتها عن أعين الناس ، أما الآن فهي تريد أن تنأى بعيدا لأن لا أحد يصدقها أنها حملت من غير زوج ، قال الله - جل وعلا - {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} أجاءها المخاض بمعنى : ألزمها المخاض ، اشتد عليها المخاض ، وجع الولادة حتى ألزمها إلى جذع نخلة {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} هناك تمنت الموت خوفا أن تُفتن في دينها {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} فإذا بها تُنادى قال الله - جل وعلا - {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا}
واختُلف من الذي ناداها :/ قال بعض العلماء إن الذي ناداها جبريل ويصبح كلمة "تحت" هنا بمعنى مريم وابنها في مكان عال وهو في مكان أدنى ، قلوا : ويؤيد هذا قول الله - جل وعلا - { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} .
لكن الذي يظهر لي - والعلم عند الله - أن الذي ناداها هو عيسى ابنها قال الله - جل وعلا - {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا } لأن قول الله - جل وعلا - في هذا السياق كله {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا } وهو يتكلم عن الولادة ومخاضها إنما ينصرف إلى المكان المعروف إلى ما عند قدميها . {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا } مكان في الغالب يُنزه جبريل أن يصل إليه ، يُنزه الملك جبريل أن يكون قريبا منه ولهذا الأرجح عندي - والعلم عند الله - أن الذي ناداها هو عيسى ، ولعل في هذا توطئة لها أن تسمع كلامه وهو قد وُلد لتوه حتى إذا تكلم في مهده بعد ذلك لا يكون في ذلك الأمر فجأة لها ونظير هذا في القرآن أن موسى - عليه السلام - ألقى العصى فأضحت حية وهو بين يدي الله فقال له ربه {خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} هذا كله بعيد عن فرعون فلما أضحى بين يدي فرعون لم يفزع موسى أن تنقلب العصا إلى حية وإنما الذي فزع فرعون ومن حوله ولعل هذا - والعلم عند الله - نظير هذا .
{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا } أي نهرا جاريا {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} هنا يمكن أن يُقال أن القائل ملك ويكون هناك تراخي زمني ما بين الحادثتين .
{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } ليس صوما عن الطعام والشراب ، هذا لا يليق بالنفساء إنما صوما عن الكلام { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} والقرينة {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} . اشتد عودها ، قامت من وجع الولادة ذهب ما يكون من أمر النفساء حملت صبيها ولابد لها أن تفد على قومها قال العلي الكبير {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} تحمل الصبي في مهده {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} أمرا عظيما بشعا مستنكرا {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وهذا اسم لأخيها وليس هارون أخ موسى لأن بين موسى وعيسى قرونا عدة . قال الله - جل وعلا - {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} والأصل أن الإنسان في الغالب يكون فيه شيء من المكان الذي ينشأ فيه ، ولما كانت قد نشأت في قوم صالحين عابدين معروفين بالعلم والتقوى تعجبوا من كونها تأتي ببغي - حسب ظنهم وفهمهم - {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} اكتفت بالإشارة {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} ازدادوا تعجبا وإنكارا {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} أي من وجد في المهد صبيا ، فأنطقه الله {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} افتخر عليه السلام بأنه عبد لله وهذا من أرفع المقامات ، بل لا مقام أرفع منه {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} حتى أكون على بينة من أمري فأهدي الناس على بينة من ربي {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} أكرمني بالنبوة وهي منزل مُنيف ومعقل شريف لا يُنال بسبب من الأسباب إنما هو فضل محض يختصّ به - جل وعلا - بعض عباده {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} . { وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}
الرجل المبارك والمرأة المبارك أينما حلّ ونزل وحيثما جاء وارتحل يقع منه البركة على الناس ، تراه سمحا في كلامه ، سمحا في أمره ، سمحا في نهيه ، لا يرى الناس منه إلا ما ينفعهم .{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ} التي هي أعظم حقوق الله بعد التوحيد {وَالزَّكَاةِ} التي هي حق لله جعلها الله - جل وعلا - لعباده {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم} .
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} وهذا من أعظم ما يُطلب به رضوان الله {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} لا يفرح بأنه جبار شقي إلا المحروم ، الله - جل وعلا - خاطب نبيه بقوله {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} .
{وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا*وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} أحوال ثلاثة ينتقل فيها المرء من عالم إلى عالم ، فلحظة الولادة الانتقال إلى عالم الدنيا ، ولحظة الوفاة الانتقال إلى عالم الآخرة ، ولحظة البعث الانتقال إلى عالم الخلود ، قال الله - جل وعلا هنا {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} بعد أن فصّل الله الأمر أبان للنصارى حقيقة ما وقع قال ربنا {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} اختصم الناس فيه عندك أيها النبي الكريم وتلاحوا فيه فاليهود تزعم أنها قتلته ، والنصارى تقول إنه ابن الله ، فما القول الفصل ؟ جاء به القرآن {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} فنزه الله - جل وعلا - ذاته العليةأن يكون له ولد {مَا كَانَ للهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} ليس نفي الولد عن عيسى فقط أي ليس عيسى ابن الله ويُحتمل أن يكون لله ولد غيره - تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - بل جاء النفي مطلقا {مَا كَانَ للهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} ثم جاء ذكر "سبحانه" وهي مصدر جيء به هنا كجملة اعتراضية ، وهو اطناب لكنه اطناب في مكانه قال الله - جل وعلا - (سُبْحَانَهُ) ثم بين - جل وعلا - عظمته قال {إِذَا قَضَى أَمْرًا} تبارك اسمه وجلّ ثناؤه { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن} وما أجمل أن يقف الإنسان هنا {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن } ، مالذي يحصل ؟ مالذي يقع ؟ يكون الأمر {فَيَكُونُ} وجيء بصيغة المضارع حتى يُتصور وقوع الأمر للسامع { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } .هذا بعض خبر الصديقة مريم في هذه السورة المباركة التي سُميت باسمها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق