الأحد، 29 مايو 2011

تفسير سورة الزلزلة للشيخ عبد العزيز السدحان







المسألة الأولى : عدد آياتها : ثمان آيات .
المسألة الثانية : من أسمائها : سورة الزلزلة وسورة إذا زلزلت وسورة الزلزال ، هذه بعض أسمائها .
المسألة الثالثة : من فضلها : جاءت أحاديث في فضل هذه السورة منها ما أخرجه الترمذي والحاكم أنها تعدل نصف القرآن وهذا الحديث في إسناده رجل يسمى بليمان بن المغيرة قال فيه البخاري منكر الحديث ومن قال فيه البخاري مُنكر الحديث فلا تحِل رواية حديثه عنده . وقد جاءت أحاديث أخرى بأن هذه السورة تعدل ربع القرآن .
والحديث السابق شرحه بعض أهل العلم بأنها تعدل نصف القرآن وقال على تقدير من قبِل الحديث بأن المراد بأن هذه السورة تعدل نصف القرآن قال : لأن القرآن يتحدث عن المبدأ وعن المعاد وهذه السورة كلها تتحدث عن المعاد وعما يكون في آخر الأمر .
وأيضا مما ورد من الأحاديث في هذه السورة وبالتحديد في آخر آيتين منها ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) جاء في بعض الروايات أن الصديق - رضي الله تعالى عنه - كان يأكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه السورة فبكى لأن الله تعالى - جل وعلا - يحصي مثاقيل الأعمال على الخلق ، فقال في الحديث بأنه : كما أنه يحصي لك مثاقيل الشر فهو يحصي لك مثاقيل الخير، الله تعالى يُضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة.

المسألة الرابعة : من مواضع قراءة هذه السورة : بعض سور القرآن الكريم جاء في السنة لها مواضع تُقرأ فيها مثل آية الكرسي تُقرأ دبر كل ولها مواضع أخرى ، ومثل قراءة المعوذتين في أذكار الصباح وفي أذكار المساء وفي أذكار المنام وأدبار الصلوات ، فهذه السورة - سورة الزلزلة - جاء في السنة موضع من قراءتها ذلك فيما أخرجه الإمام أبو داوود عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الفجر فقرأ بسورة الزلزلة في الركعتين قال الراوي : لا أدري أنسي أم عمِد ، يعني تعمد هذا الأمر من نفسه ، فعله قصدا أم أنه نسي .
قد ذكر شُرّاح الحديث أن الصواب والصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهُ عمدا . وهذا الحديث في سُنن أبي داوود وقد صححه من المتأخرين الإمامان الشيخ بن باز والشيخ الألباني عليهما رحمة الله تعالى .
ذكر شُراح الحديث أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم ، فعل ذلك عمدا من باب بيان التشريع ، أن هذه السورة قرأها - عليه الصلاة والسلام - مرتين في الفجر لعظيم ما تضمنت مع قِصر ألفاظها وقلة عدد آياتها .
ومن باب إكمال الفائدة : أتذكر أني قرأت في تخريج ابن حجر - رحمه الله تعالى - لكتاب نتائج الأفكار في تخريج الأذكار كأن ابن حجر - فيما أذكر - أشار إلى أن بعض روايات هذا الحديث أن هذه القراءة كانت في السفر ، كان النبي - عليه الصلاة والسلام - في سفر وبكل حال ماجاء في السفر جاء في الحضر إلا ما خصته القرينة . وأنا أنصح الأئمة أن يعملوا بهذه السُنة وسيُنكرها بعض جماعة المسجد في أول الأمر لكن إذا بيّن لهم ذلك وقرأ عليهم الحديث فإنهم سيألفون ذلك ، وأيضا قِصر هذه السورة مع التأمل فيها أحيانا يكون الإنسان في مكان تضر الإطالة بالمصلين كما لو كان في المطار أو في مكان آخر يحتاج الناس إلى المبادرة فإذا صلى بالناس الفجر فقراءة مثل هذه السورة فيها مصلحتان : الأولى إحياء للسنة والثانية عدم قطع الناس عن مشاغلهم في تلك اللحظة .

المسألة الخامسة : نزول هذه السورة
جاء فيها قولان : بأنها مكية عند ابن مسعود أو في قول ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - ، وقال ابن عباس - رضي الله عنه - بأنها سورة مدنية . وهذا الخلاف يرِد كثيرا بحسب ما وصل إلى علم الراوي .

المسألة السادسة : الكلام على الآيات :
/ ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) افتتاح الكلام بظرف الزمان بهذا الأسلوب ، بل وتأخر مجيء الشاهد فيه تشويق .
( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) يأتي بعدها ( وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) مازال السامع يتشوق متخوف ( وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ) ثم ماذا ؟ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) عن ماذا ؟ ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) بماذا ؟ فيبقى القارئ والسامع متشوقا إلى ما سيحدث بعد هذا ، أو بعد هذه الأخبار . هذا الأسلوب فيه تشويق ، أنت إذا أردت أن تشوق السامعين إلى خبر كلما كانت المقدمات مثيرة كلما كان السامعون أكثر تشوقا لما سيُقال فأنت تقول : إذا جاء فلان ثم جاء معه فلان وكان فلان يحمل خطابا معه ، كأن السامع يقول ثم ماذا ؟ ماذا سيحصل ؟ ينتظر النتيجة بعد عرض أو سرد هذه المقدمات .
/ ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) هنا أضاف الزلزال إلى الأرض ، أيهما أبلغ ، أن يُقال ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) أو إذا زلزلت الأرض زلزالا ؟ سنقول جميعا الأبلغ ما جاء في القرآن الكريم ، لاشك ، لماذا ؟
( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) أضاف المصدر إلى الأرض ، وفي القول الثاني : إذا زلزلت الأرض زلزالا مصدر غير مضاف . نقول فيه فرق ، المصدر المضاف يكون في مقام ما أُضيف إليه .
بمثال آخر يتضح : لوجاءك رجل اسمه زيد فقلت : أكرمتُ زيدا كرامةً ، ثم قال آخر : أكرمت زيدا كرامته ، أيهما أبلغ ؟ كرامته ، لماذا ؟ إذا قلت : أكرمت زيدا يصدق لو تعطيه ماء أنت أكرمته بالماء أكرمته بالخبز ، أكرمته بحبة فاكهة ، أما إذا قلت : أكرمت زيدا كرامته فالمراد الكرامة اللائقة بمقام ومكانة زيد .
هنا : إذا زلزلت الأرض لو قال زلزالا لصدق على ذلك أي زلزال سواء كان صغيرا أو متوسطا أو كبيرا أما إذا قال ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) تشعر أن إضافة المصدر إلى الأرض أن الزلزال عظيم كبير كما أن الأرض عظيمة كبيرة .
الزلزال : حركة في أسفل الأرض ، وهناك موازين عالمية مشهورة - رختر - له درجات معينة ، أظن أعلاها تسع درجات أو سبع درجات ، هذه الزلازل مدتها ثوان أحيانا ولكنها تغير وجه الأرض الذي حدثت تحته (إن ربك حكيم عليم ).
وهنا وقفة مع استنفار الدول لوسائل السلامة والتقنية ، كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام باستحداث وسائل للسلامة متنوعة الأشكال والتقنية وما يتبع ذلك من التخصصات تارة تكون جوية وتارة تكون أرضية وتارة تكون مائية كل ذلك وسائل للتقنية في أمور السلامة ، ومع ذلك كله يقف أولئك العلماء المخترعون عاجزين أذلاء ، خائفين ضعفاء عند هذه الكوارث الطبيعية التي يُقدرها الله تعالى ويشاؤها .
الزلزال يقع في ثواني يهدم مباني أُقيمت في سنين عددا ، وكثرت الزلازل من أشراط الساعة كما قال - صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه - ( لا تقوم الساعة حتى تكثُر الزلازل ) ونحن في وقتنا هذا نسمع كثيرا من الزلازل التي حدثت في هذا العصر والبراكين وهذه علامة من علامات قيام الساعة .
هذه الزلزلة متى تكون ؟ أوهل المراد بها في الآية أنها في الدنيا ؟ أو أنها تكون في آخر الدنيا ؟
قال بعض العلماء أن هذه الزلزلة هي من علامات قيام الساعة ، يعني في آخر الساعة ، الزلزلة العظيمة للأرض كلها هذه من علامات قيام الساعة ، أما الزلازل المتنوعة فذلك من علامات قُرب قيام الساعة ، ولهذا سياق الآيات متوالية يدل على أن المراد أن هذا يكون في يوم القيامة . ونستفيد من هذه الآية تغير معالم الأرض عند قيام الساعة । تغير هذه المعالم العظيمة والسُنن الكونية التي ألفها الناس في حياتهم حتى يكون الأمر أشد وقعا ، تخيل حياة الخلق يرون الشمس صباحا والليل يرخي سدوله بعد غروب الشمس ، صيف وشتاء ، بحار وجبال ونجوم ثم كل هذه الأمور تتغير ، تسير الجبال ، الشمس تكور ، يخسف القمر ،الجبال تُسجر ، الأرض تزلزل ، أمور كونية هائلة ، نقولها لكن المعايشة لها تختلف ولهذا جاء الوصف البليغ في مطلع سورة الحج ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) تخيل إذا رأى الناس بركانا قد هاج ، الزلزال المائي الذي حصل بركان .. هذا ، ماالذي حصل ؟ العالم كله انتفض ، وسائل الإعلام تترقب والناس على وجل وكله ساعات ، وتابعوا مسيره ، هم على وجل وأصبح حدث الساعة وهو يعتبر لا شيء عند ما سيكون من علامات يوم القيامة ولهذا ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) .

من فوائد الآية الرد على الطبائعيين الملاحدة الذين يزعمون أن الطبيعة هي التي تتحكم في نفسها وهذا قول بطلانه يُغني عن إبطاله ، وسقوطه يُغني عن إسقاطه ، ونكارته تُغني عن إنكاره ، فلو كان كذلك هل تُفسد الطبيعة نفسها ، هل تضر الطبيعة نفسها ، هذا جهل منهم ، الطبيعة لا تملك بل العقلاء من الناس لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا إذا شاء الله ، بل لا يملكون تحويل الضر إذا كان الإنسان في يده بل في أصبعه جرح لا يستطيع أن ينقل هذا الجرح إلى الأصبع الثاني أبدا ( فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ) لا كشف الضر من أصله ولا يستطيع أن يحوله من مكان إلى مكان ، إذا الرد على الطبائعيين والملاحدة والزنادقة .
أيضا نستفيد فائدة بلاغية : أن براعة الاستهلال في مقدمة الكلام تشوق السامعين إلى ما سيُقال ، براعة الاستهلال أن تكون المقدمة مشوقة ، المتكلم إذا تكلم وصدّر كلامه بجمل فيها تهيئة النفوس وتذكير وتنبيه الغافل وجعله يستعد لسماع ما يقول هذا أبلغ .

/ ( وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) مثل الآية الأخرى (وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ *وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) وهذا أيضا من تغيير معالم الأرض ، تغيير جذري للأرض كلها ، جاء في الحديث عند الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( تُلقي الأرض أفلاذ أكبادها أمثال الأسطوانة ما في جوفها من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قُتلت ، ويجيء القاطع ويقول في هذا قُطعت - يجيء الشخص الذي سرق فيقول بهذا الذهب أو هذا المال قتلت فقتلت وسرقت فقُطعت - ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا ) قد انتهى الأمر ووقع قضاء الله وقدره .
وهنا أيضا من الفوائد : أن - كما تقدم تقريره أمس - أن نِعم الله إذا لم تؤخذ من طريق سليم وتُسخر في طريق سليم فهي حجة على صاحبها . المال من النِعم لكن إذا سرق السارق ونهب المنتهب فإنما يجني على نفسه فإذا أنفقه في حرام زاد إثمه على نفسه .

/ ( وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ) على معنى التعجب ، مالها ! ماشأنها ، ماالذي حدث ، أنت بطبيعة الإنسان يسأل عن أي حدث يُخالف ما ألفه ، فمثلا هذا التكييف لو انطفأ سيسأل كل منا نفسه أو من بجانبه مالذي حصل ؟ الإضاءة إذا انطفأت سنسأل . فما بالك إذا كان الحدث أعظم كسقوط مبنى ، حادث سيارة ، مالسبب ، صُراخ نسأل لأن هذا يُفزع الإنسان أو يضر الإنسان فيتشوق الإنسان بفضوله إلى أن يعرف حتى ولو كان الأمر لا يعنيه ، ما بالك إذا كان الأمر يعنيه بنفسه ، ما بالك إذا كان يعني الناس كلهم .
( وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ) فيها دليل على عِظم أحداث يوم القيامة لأن قول الآية (مَا لَهَا) دليل أن الأمر شعر به من كان على الأرض بأن الأمر شامل للأرض كلها .
وفي الآية فائدة تربوية سلوكية : أن يسأل الإنسان عما يجهل ليتعلم ، يقول بعض أهل العلم : السؤال نصف العلم ، ويقول ابن عباس - رضي الله عنهما - لما سُئل عن علمه كيف حصّله ؟ قال بلسان سؤل وقلب عقول .
ويقول بعض من كتب في أدب الطلب في مبحث السؤال : " لولا السائل لذهب نصف العلم " فالإنسان وبخاصة طالب العلم بسأل فيما يجهل حتى يتعلم .

/ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) لاحظ كل الكلام متعاطف على الأرض إن الأمر شامل للأرض كلها .
( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) في قوله تعالى ( تُحَدِّثُ ) ذكر أهل التفسير أقوالا ثلاثة - فيما أذكر - نقل ذلك القرطبي :
القول الأول : أن الله يقلب الأرض حيوانا ناطقا .
الثاني : أن يكون فيها ما يقوم مقام الكلام كالرجة ( إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ) وكذلك هذه الزلزلة وكذلك إخراج الموتى من قبورهم فكأن الأرض بهذه الأفعال تكلمت .
القول الصحيح على ظاهر الآية أن الله تعالى يُقدر فيها الكلام فتتكلم بإذن ربها ولهذا الآية الأخرى في سورة فصلت ( اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فالله تعالى يُحدث ما يشاء فيما يشاء ، الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما صُنع له المنبر أما حنّ كما تحِنّ الناقة إلى فصيلها . كذلك قول النبي - عليه الصلاة والسلام - إني أعرف حجرا في الجاهلية يُسلم عليّ ، وكذلك - صلى الله عليه وسلم - في الحديث أو فعله عليه السلام عندما وضع بيده حصيات فسُمع تسبيحهن ثم أعطاها أبا بكر فوضعها بيده فسمع التسبيح ثم أخذها عمر فكذلك ، إذاً تتكلم الأرض كلاما حقيقيا وقد جاء في السنة ما يؤكد هذا الأمر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمام أحمد والترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قرأ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) فقال - عليه الصلاة والسلام - أتدرون ما أخبارها ؟ - تعلمون مالمراد بأخبارها - قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : ( فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، تقول عمل كذا من خير أو عمل كذا من شر فهذه أخبارها ) وهذا نصّ عند من صححه صحيح صريح ، حتى وإن كان هذا الحديث قد يُضعّفه بعضهم لكن لو كان الحديث ضعيفا مع صحته فظاهر الآية واضح في الدلالة أن الأرض هي التي تتكلم بنفسها والله تعالى على كل شيء قدير .

/ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ ) قدم ذِكر اليوم ، لاحظ أسلوب التشويق يعني ( وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ) لو قال : تحدث أخبارها ذلك اليوم أو تحدث بأخبارها ذلك اليوم ، المعنى بليغ لكن أبلغ (يومئذ) كأن السامع يقول ثم ماذا ؟ يومئذ ماذا ؟ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) إذاً هذا أسلوب أيضا للتشويق.

/ من فوائد الآية :
- عموم قدرة الله تعالى .
- تعدد الشهود يوم القيامة وذلك أبلغ في إحقاق الحق ، فإذا شهد عليك الملائكة وشهد ت عليك الجوارح وجاءك الخصم الشاهد قال : يارب سل هذا لم قتلني شهد عليك بأنك قتلته ، والرابع الأرض ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) وكذلك الجلود (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ) ،الجوارح ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ) شهادات متعددة .
- من فوائد هذه الآية : استحب بعض العلماء تغيير مكان النافلة بعد الفريضة لأن كل بقعة في الأرض تشهد لصاحبها فكأنه إذا غيّر أو صلى الفرض في مكان فهذا المكان يشهد له فإذا انتقل عنه وصلى النافلة في مكان أصبح عنده مكانان ، وقد جاء في السنة حديث ( أيعجز أحدكم إذا صلى - يعني الفرض - أن يتقدم أو يتأخر أوعن يمينه أو شماله ) أو بمعنى الحديث ولكن الحديث فيه كلام ، قد اشتُهر عن كثير من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن فيما يتعلق بتغيير المكان تغيير مكان النافلة عن مكان الفريضة والأفضل هذا في النافلة القبلية أما البعدية فالأفضل أن تُجعل في البيت .

فائدة استطرادية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ) قال - عليه الصلاة والسلام - ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ) أي صلوا فيها صلاة النفل ، وقال - عليه الصلاة والسلام - ( صلاة المرء حيث لا يراه الناس نافلة تفضل على صلاته حيث يراه الناس بخمس وعشرين درجة ) . وصلاتك في البيت فيها فوائد :
- كثرة الأجر المترتب
- البعد عن رؤية الناس فقد يكون للناس حظ .
- فائدة تربوية : الإخوان الصغار سواء كانوا إخوانا لك أو أبناء لك يُحاكونك إذا صليت ترى الطفل الصغير يصف جنب أخيه أو جنب أبيه فيصلي بصلاته يركع بركوعه ، يسجد بسجوده وهذه لا شك أثر تربوي طيب .

/ ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) أيضا أسلوب تشويق دلالة على أن كلام الأرض كلاما حقيقيا بأن الله تعالى أمرها بذلك . ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) كأن القارئ أو السامع يقول ثم ماذا ؟ أوحى لها بماذا ؟ .
/ ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ ) هنا جاء الجواب ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا ) تخيل كل تلك المقدمات من الزلازل وإخبار الأرض بما فيها في ذلك اليوم أوحى الله لها بأن تحدث وأن تُخرج أثقالها لِمَ ؟ ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) "يومئذ" أيضا قدم ذكر اليوم لأنه أشوق .
ولاحظ الذي يسمع هذه السورة لأول مرة لا يزول ما في نفسه من طلب التشوق للشيء حتى تأتي هذه الآية ( يَصْدُرُ ) وما بعدها ، فلو قال" يصدر الناس يومئذ " وضح لكن ( يَوْمَئِذٍ) ما زال ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) بماذا؟ ( يَوْمَئِذٍ) ماذا سيحصل ( يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) .
صدر و صدر الناس إذا انصرفوا وذهبوا ( لا نَسْقِي ) حتى ماذا ؟ في آية القصص ( حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء ) يعني يذهبوا إذا استقوا.
/ (أَشْتَاتًا ) جمع شت ، المتفرق يذهب كل جماعة إلى جهة في العرصات .
/ ( لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) ليشاهدوا ( لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) هذه الآية فيها فوائد كثيرة :
- اجتماع الناس في صعيد واحد .
- تفرق الناس كل بحسب عمله . أنت ترى في المجتمع الكبير مثلا إذا صدر الناس من الحرم بعد طواف الوداع تخيل أُناس يذهبون بطريق البر وأُناس يذهبون بطريق البحر من جدة وأُناس بطريق الجو من المطار انصراف الناس ، بل قف أنت عند الإشارة المرورية في التقاطع الرباعي ثم انظر في أحوال الناس هؤلاء يذهبون جهة الشرق وهؤلاء جهة الغرب وهؤلاء جهة الشمال وأنت جهة الجنوب وكلٌ له حاجة وكلٌ له عمل فتخيل هذا المشهد المصغّر وتخيل ذلك المشهد المُكبر.
- أيضا من فوائد هذه الآية كمال عدل الله عز وجل العامل يرى عمله بعينه حتى لا يكون له حجة فيفرح إذا كان مُحسنا ويلوم نفسه ويُثرِّب عليها إن كان مقصرا .
- وفيه أيضا أن الرؤية أبلغ من السماع ( لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) تقدم أن رؤية الشخص للشيء ومعاينته له أبلغ من سماعه والنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول ( ليس الخبر كالمعاينة ) ولهذا هنا ( لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) .

/ ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) هاتان الآيتان سماهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالآية الجامعة الفاذّة ، جمعت كل خير وحذرت من كل شر فكل خير يدخل تحت هذه الآية وكل شر تحذيره يدخل تحت هذه الآية أو التحذير منه ، ولما سمعها صعصعة بن معاوية ولى وقال : " لا أبالي أن أسمع غيرها " لأنها جمعت ومنعت . وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " أجمع وأحكم آية في القرآن هذه الآية ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) " . سمع الآية بعض التابعين فقال : " انتهت المواعظ " لأن موعظة القرآن أبلغ موعظة ومن عمل بها ما جزاؤه ؟ ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا*وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا*وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) .
وجاء عن كعب الأحبار أنه قال " أنزل الله على محمد - صلى الله عليه آيتين أحصيتا ما في التوراة والإنجيل ثم تلا هاتين الآيتين ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) " .
وتقدم آنفا أن النبي - عليه الصلاة والسلام - سماها الآية الجامعة الفاذّة ذلك أنه عليه السلام سُئل عن الخيل فذكر أنها قد تكون أجرا لمن رباها في طاعة الله وجاهد في سبيل الله واحتسب أرواثها ... الخ وسُئل عن الحُمُر فقال : ( لم ينزل عليّ فيها شيء) ثم ذكر إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة أن أي عمل خير سواء في الحُمُر أو في غيرها يدخل تحت هذه الآية .

/ هذه الآية فيها فوائد عظيمة منها :
- أن الجزاء من جنس العمل .
- عدم احتقار الخير ولو كان يسيرا قال - صلى الله عليه وسلم - ( لا تحقرن من المعروف شيئا ) كلمة شيئا نكرة تشمل أي شيء .
- عدم التهاون في الشر ولو كان يسيرا ، الشر بابه عظيم لكن مفتاحه يسير لاحظ "لو" من حرفين تفتح عمل الشيطان لا تتهاون بالشر ولو كان يسيرا .
-.في الآية كمال عدل الله عز وجل إن الله تعالى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين لا يظلم مثقال ذرة

هذا بعض ما يسر الله من الكلام على هذه السورة ، وهناك مسألة تتعلق بهذه الآية الأخيرة ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) وهي فائدة ذكرها بعض أهل العلم :
/ مسألة :
هل يدخل الكافر في معنى هذه الآية ؟ بمعنى لو عمل الكافر خيرا أو نهى عن شر هل يدخل تحت هذه الآية؟
ذكر بعضهم نعم ينفعه ذلك العمل لعموم الآية ، والقول الثاني لا ينفعه إلا إذا أسلم لأن الأصل مفقود غير مسلم وإذا أسلم لنفعه وضوعف له ذلك العمل لحديث ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) .
هناك قول وسط قال : ينفعه لكن النفع أن يُخفف عنه العذاب ،أي بعض العذاب كحديث أبي طالب ( ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) وكما جاء في حديث حسّنه بعض أهل السير . وبعض أهل العلم أن أبا لهب يُنقط عليه مثل سبابة اليد نقط من ماء في قبره قيل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرضعته ثويبة امرأته . فالشاهد :هذا القول قد يكون وسطا أنه يُخفف عنه العذاب بعض الشيء ولا يؤجر عليه لأن الأصل وهو الإسلام مفقود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق